خطب ومحاضرات
ما دورنا في مواجهة المآسي؟
الحلقة مفرغة
الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، وناصر المؤمنين، وجاعل العاقبة للمتقين ولو بعد حين، نحمده سبحانه وتعالى جعل الدائرة على الكافرين، وجعل سوء العاقبة للظالمين، نحمده جل وعلا هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فأيها الإخوة المؤمنون! قد طلب مني بعض الأفاضل أن يكون حديث اليوم عن المآسي المروعة، والفضائع الشنيعة التي ما انقطعت في بلاد المسلمين، بل تضاعفت وتزايدت، وازداد أوارها، واشتعل لهيبها، وتصاعد دخانها في كثير من البلاد الإسلامية، وأراد أن يكون الحديث عن الهجمة الشرسة الفضيعة التي يلقاها إخواننا في شرقي البوسنة في مدينة (ورازده)، وما يلقاه إخواننا في أرض الإسراء مثوى العديد من الأنبياء من المعاناة والبلاء، ومن شدة الكرب والعناء، وكنت أقدم على ذلك وأحتم، ولسان حالي يقول: وماذا عسانا أن نقول في مثل هذه الأمور؟ وعن أي شيء نتحدث في هذه المآسي ولأي غرض نعيد هذا القول ونردده؟ هل نريد أن نكرر القول المسموع؟ أو نزيد من الصراخ والبكاء والعويل؟
ويثور السؤال الذي يدفع إلى التردد، لماذا نذكر هذه المقالات؟ وماذا عسانا أن نفعل تجاهها؟ وما دورنا في مواجهة المآسي ولسان حال كثير منا يقول: ليس باليد حيلة، وليس هناك مجال لأن نؤدي دوراً أو أن نقوم بمهمة؟
ولكن هذا التردد يزول؛ لأنه يكفينا من هذا الحديث أن نشارك إخواننا في مآسيهم، ولئن بكوا دماءً ودموعاً فلا أقل أن نذرف معهم ولو دمعةً واحدة، ولئن ملئوا الدنيا صراخاً وعويلاً فلا أقل أن نرفع من أعماق قلوبنا لله دعوةً خالصة، فحري بنا أيها الإخوة أن نزيد القول، وأن نكرره في هذه الأمور، عل ذلك أن يحيي موات القلوب، وأن يوقظ غفلة العقول، وأن يحرك ضعف العزائم والهمم، وأن يبعث في القلوب الأمل والثقة في الله عز وجل.
إننا لا نريد أن نجعل الحديث طعنات تغتال الأمل في النفوس، ولا أن نجعل المآسي تحيط بنا لتقعدنا عن العمل، كلا أيها الإخوة، فلقد مر بالمصطفى صلى الله عليه وسلم من هذا البلاء الكثير والكثير، ولقد مر بمن جاء بعده من كرام صحابته ومن أئمة هذه الأمة وسلفها ما مر من الأحداث المروعة، ومع ذلك نرى التاريخ ينطق بشواهده وحوادثه على المنهج الذي ينبغي أن نسلكه، وعلى الطريق الذي ينبغي أن نتواصى به.
لا شك أيها الإخوة أننا سمعنا كثيراً في الأيام القريبة الماضية عن الجرائم المروعة التي يحار العقل فيها ابتداءً، ولكنه يعرف تفاصيلها وخلفياتها انتهاءً؛ لأن الأمر لم يعد فيه خفاء، بل صار أوضح من الشمس في رابعة النهار، وانظر إلى هذه الأحداث في شرقي البوسنة على مدى أيام وشهور متواليات، وانظر إلى الأخبار الأخيرة التي ذكرت أن القصف توالى حتى صارت القذائف تنزل على المسلمين في تلك الديار بمعدل قذيفة واحدة في كل عشرين ثانية، فاحسب رعاك الله كم قذيفة في الدقيقة والساعة واليوم، لترى كيف تشتعل النار في ديار إخواننا، بل في أجسادهم، بل في أطفالهم وشيوخهم ونسائهم! وانظر رعاك الله إلى النار التي تلتهم الأخضر واليابس، وإلى الرصاص الذي يغتال الصغير والكبير، وإلى الشظايا التي تنطلق من الأرض، والمباني التي تتهدم على رءوس أهلها، وانظر إلى ذلك كله وهو يجري على سمع الزمان كله، وبمرأىً من الأبصار، ينقل إلى كل الدنيا عبر الأقمار الصناعية، والشاشات الفضائية مدعماً بالوثائق الشاهدة الناطقة، وبالتقارير الميدانية الساخنة، وكأن الدنيا كلها قد صمت آذانها، وعميت أبصارها، وماتت قلوبها، وانطفأت كل معاني الإنسانية والفطرة البشرية في نفوسها كأن الناس مسخوا وحوشاً، ليس لها بالبشرية ولا بالإنسانية سبب ولا نسب!
وانظر إلى حال العالم وإلى حال القوى التي تسمى كبرى، وإلى المنظمات التي ترفع شعار الأمن والعدالة، فماذا تراها تفعل؟!
إنها تشجب وتستنكر، ثم تنذر وتحذر، ثم تتصل وتجتمع، ثم تفكر وتخطط، ثم تريد أن تقرر، وبعد أن تقرر تفكر هل تفعل أو لا تفعل:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
حتى إذا لم يبق حجر على حجر، ولم يبق روح في جسد، ربما تحركت هذه القوى والمنظمات!
لماذا؟ لتقوم بدفن الموتى، وتدمير ما بقي من الخرائب، وإطفاء الحرائق التي ظلت مشتعلة.
ولئن كان الأمر كذلك في البوسنة على فضاعته لم يمض عليه إلا هذه المدة اليسيرة مدة عامين، فانظر رعاك الله إلى فلسطين المسلمة التي ما تزال مأساتها تمتد عبر السنوات، فقد مضى عليها أكثر من نصف قرن أو نحو ذلك.
انظر إليها وفي كل يوم مزيد من القتلى وعديد من الجرحى، وارتفاع في أعداد اليتامى، وتزايد في أعداد الأرامل والثكالى، وما زالت الأحداث تنبئنا بالمزيد، والليالي تحمل في طياتها الكثير والكثير، وكل ذلك نراه ونسمعه، ومع ذلك نرى من يشجبه ويستنكره، فيعجب المرء أي أمر قد بلغ في ديار الإسلام والمسلمين؟ وإلى أي مدىً قد بلغت الخسة والدناءة واللؤم والجرم في هذا العالم المنكود، غربيه وشرقيه، العالم الكافر الذي اجتمع من كل حدب وصوب وعلى كل ملة ودين ليوجه سهامه، ويصوب قذائفه على المسلمين العزل المستضعفين، ثم بعد ذلك يرمون المسلمين بتهم الإرهاب والتطرف والإجرام والترويع للآمنين؟!
عجباً لهذه المقاييس المنتكسة، ولهذه الأحوال المنعكسة!
والمرء يفكر مرة أخرى، ويعيد السؤال: ماذا عسانا أن نزيد عما سمعنا ورأينا، ونسمع ونرى في كل يوم وفي كل آن؟
وهل نريد أن نزيد الجراح جرحاً والصراخ صراخاً؟
إننا نريد أيها الإخوة أن نعرف من هذه المآسي كثيراً من الأمور التي تنفعنا، والتي تبصرنا، والتي تصفعنا لنستيقظ من نومنا، وتدفعنا لنتحرك من عجزنا.
إننا أيها الإخوة نتربى بأقدار الله عز وجل، فإن الأقدار الربانية تساق للمسلمين حتى يتعظوا ويعتبروا، فإنه ليس شيء في هذا الكون يجري عبثاً، وليس قدر من أقدار الله إلا وله حكمة بالغة يعلمها من يعلمها ويجهلها من يجهلها، فالدماء التي تسيل، والأرواح التي تزهق، والبيوت التي تحرق، والمساجد التي تهدم، كل ذلك يجري بقدر الله عز وجل لحكمة بالغة، فانظر رعاك الله إلى ما ينبغي أن تقرأ من وراء سطور هذه الأحداث، ولننظر ما الذي ينبغي أن نخرج به، وأن نعرفه وأن نستيقنه، وأن نتداوله فيما بيننا، وأن نشيعه في مجالسنا؛ حتى ننتفع ونستفيد، وحتى نتحرك ونمضي، ونبذل ونعمل، فقد كثر منا القول والكسل، وكثر منا المراء والجدل، وقل في صفوفنا التحرك نحو العمل.
الوعي بحقيقة الأعداء
انظر إلى حقيقة الأعداء في ولائهم وتجمعهم، أيقاتل صرب البوسنة وحدهم؟
قد جاء إليهم إخوانهم في الملة والدين ولاءً ونصرةً متطوعين من صربيا الكبرى، ومن (يوغوسلافيا) العظمى، ومن بلاد الروس.
إنهم متوالون ومتجمعون، والله عز وجل قد نبأنا وعلمنا، ولكن غفلنا وجهلنا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، وإن لم تكونوا مثلهم، وإن لم تفعلوا فعلهم: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وأي فتنة أعظم مما نرى؟! وأي فساد أشد مما نسمع ونرى؟!
وانظر إلى حقيقة الأعداء في تواطئهم وتآمرهم! أين القرارات؟ وأين نتائج المؤتمرات؟ وأين هيبة المنظمات؟ وأين سمعة الدول الكبرى والعظمى؟ أين كل ذلك؟
إنه يمرغ تحت أقدام ثلة وحفنة من جنود الصرب، أفترى القوي لا يستطيع أن يردع أمثال هؤلاء؟!
أفترى العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أسلحةً تدك أقصى الأرض وأقصاها الآخر تعجز أن تؤدب مثل هذه الحفنة؟!
إن الجواب لا يخفى على لبيب عاقل، إنه ذلك التواطؤ والتآمر الذي يبصرنا بحقيقة الأعداء، واحد يضرب، والثاني يشجب، والثالث يؤيد، والرابع يخالف، وتمضي القضية والنار تزداد اشتعالاً، والحرب تزداد نكالاً، وهذا التآمر والتواطؤ جزء من حقيقة الأعداء التي بصرنا بها كتاب ربنا، ونطق بها تاريخنا.
وانظر إلى حقيقة الأعداء في إجرامهم وبغيهم، أين حقوق الإنسان؟!
أين أنصار المرأة؟!
أين حماة الطفولة؟!
أين الذين ملئوا العالم ضجيجاً وعجيجاً وهم ينادون بهذه المبادئ الإنسانية، وبهذه المعاني التي خدعوا بها كثيراً من العقول؟!
فهل ترى بغياً أشد من هذا البغي؟!
وهل ترى إجراماً أفظع من هذا الإجرام؟!
وهل ترى انسلاخاً من الإنسانية أشد وأظهر وأوضح وأفضح من هذا الانسلاخ؟!
قوم يقتلون الصغار قبل الكبار، يسملون العيون، ويبقرون البطون، ويغتصبون الحرائر، ويفعلون الأفاعيل التي لا يفعلها حتى أخس الحيوانات وأشدها فتكاً.
قوم قد ظهر بالدليل القاطع والبرهان الساطع أنهم هم المجرمون والإرهابيون، والذين تلصق بهم كل نقيصة تتبرأ منها الإنسانية:
وحشية كشف الزمان حجابها لا بل أشد من الوحوش وأظلم
الوحش يفتك جائعاً ويعف عن فتكاته إذ ما يعض ويطعم
الوحش إذا أكل قام عن فريسته، وأولئك يمثلون بالجثث التي قد فارقت أرواحها أجسادها!
إنهم قوم قد ظهر بغيهم وإجرامهم، فهل نحن في شك بعد ذلك من هذه الحقائق الواضحة البينة؟
الوعي بحقيقة الشعارات والمصطلحات التي يروج لها الأعداء
إنها القضايا التي يضحكون بها على الناس، ويروجونها بين المسلمين، إنها كما قال الرافعي الأديب: (الألفاظ الكبيرة تصنع للمسلمين ليتلهوا بها، لينشغلوا بها، فما يزالون يكبرون المصطلحات، ويرددون الشعارات، والمسلمون ينخدعون بهذه اللافتات).
وينبغي لنا ومن هذه الأحداث أن نعي حقيقة هذه الشعارات، فانظر رعاك الله إلى المناطق الآمنة وهي في كل عشرين ثانية تنزل فيها قذيفة، إنها مناطق آمنة أصبحت في قمة الخوف والذعر والهلع.
وانظر إلى قوات حفظ السلام وهي لا تستطيع أن تحفظ نفسها، وانظر إلى القرارات الدولية التي تمرغ تحت أقدام الجيوش الصربية، وانظر بعد ذلك إلى مصطلحات الإرهاب والتطرف، لترى أن الشعارات منعكسة، وأن الأسماء لا تتصل بالمسميات، وأن القضية وراءها ما وراءها.
إذا وصف الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل
وفاخرت الأرض السماء سفاهةً وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
وقال السهى للشمس: أنت كسيفـة وقال الدجى للصبح وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
فينبغي أن نعرف حقيقة هذه الشعارات.
الوعي بضرورة القوة والثبات على المبادئ
إن اللحم المكشوف يغري بأن يلتهمه الملتهمون، وأن يعدو عليه الغاصبون، وإن الحق بلا قوة كالجسم العاري الذي لا يستر سوءته شيء.
إن الأمر يظهر لنا عياناً بياناً.
أن كل مبدأ وكل حق لا بد أن تكون له قوة تحميه؛ لئلا تنقلب الألفاظ فيكون الأمن خوفاً، والسلام حرباً، والحماية جناية، ولابد أن ندرك أن الحق لا يرهب أعداءه إلا أن يكون إلى جواره القوة التي يحسبون لها حسابها.
من يستدل على الحقوق فلن يرى مثل الحسام على الحقوق دليلا
ما أيد الحق المضاع كمنطـق تدهي به شفة السلاح الأبكم
الوعي الذي نريد أن يرسخ في أذهان المسلمين من هذه الأحداث يقودنا إلى آفاق واسعة، فالأعداء لم يعد لهم ستار يستر عوراتهم، ولا شعار يغطي على أخطائهم، نريد أن يعرف المسلمون حقيقة أعدائهم بكل تفصيلها، ولئن غفلوا عن آيات القرآن التي أنزلها الله عز وجل لتعلمهم، فليتعظوا وليعتبروا بالأحداث التي تواجههم.
انظر إلى حقيقة الأعداء في ولائهم وتجمعهم، أيقاتل صرب البوسنة وحدهم؟
قد جاء إليهم إخوانهم في الملة والدين ولاءً ونصرةً متطوعين من صربيا الكبرى، ومن (يوغوسلافيا) العظمى، ومن بلاد الروس.
إنهم متوالون ومتجمعون، والله عز وجل قد نبأنا وعلمنا، ولكن غفلنا وجهلنا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، وإن لم تكونوا مثلهم، وإن لم تفعلوا فعلهم: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وأي فتنة أعظم مما نرى؟! وأي فساد أشد مما نسمع ونرى؟!
وانظر إلى حقيقة الأعداء في تواطئهم وتآمرهم! أين القرارات؟ وأين نتائج المؤتمرات؟ وأين هيبة المنظمات؟ وأين سمعة الدول الكبرى والعظمى؟ أين كل ذلك؟
إنه يمرغ تحت أقدام ثلة وحفنة من جنود الصرب، أفترى القوي لا يستطيع أن يردع أمثال هؤلاء؟!
أفترى العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أسلحةً تدك أقصى الأرض وأقصاها الآخر تعجز أن تؤدب مثل هذه الحفنة؟!
إن الجواب لا يخفى على لبيب عاقل، إنه ذلك التواطؤ والتآمر الذي يبصرنا بحقيقة الأعداء، واحد يضرب، والثاني يشجب، والثالث يؤيد، والرابع يخالف، وتمضي القضية والنار تزداد اشتعالاً، والحرب تزداد نكالاً، وهذا التآمر والتواطؤ جزء من حقيقة الأعداء التي بصرنا بها كتاب ربنا، ونطق بها تاريخنا.
وانظر إلى حقيقة الأعداء في إجرامهم وبغيهم، أين حقوق الإنسان؟!
أين أنصار المرأة؟!
أين حماة الطفولة؟!
أين الذين ملئوا العالم ضجيجاً وعجيجاً وهم ينادون بهذه المبادئ الإنسانية، وبهذه المعاني التي خدعوا بها كثيراً من العقول؟!
فهل ترى بغياً أشد من هذا البغي؟!
وهل ترى إجراماً أفظع من هذا الإجرام؟!
وهل ترى انسلاخاً من الإنسانية أشد وأظهر وأوضح وأفضح من هذا الانسلاخ؟!
قوم يقتلون الصغار قبل الكبار، يسملون العيون، ويبقرون البطون، ويغتصبون الحرائر، ويفعلون الأفاعيل التي لا يفعلها حتى أخس الحيوانات وأشدها فتكاً.
قوم قد ظهر بالدليل القاطع والبرهان الساطع أنهم هم المجرمون والإرهابيون، والذين تلصق بهم كل نقيصة تتبرأ منها الإنسانية:
وحشية كشف الزمان حجابها لا بل أشد من الوحوش وأظلم
الوحش يفتك جائعاً ويعف عن فتكاته إذ ما يعض ويطعم
الوحش إذا أكل قام عن فريسته، وأولئك يمثلون بالجثث التي قد فارقت أرواحها أجسادها!
إنهم قوم قد ظهر بغيهم وإجرامهم، فهل نحن في شك بعد ذلك من هذه الحقائق الواضحة البينة؟
حقيقة أخرى مهمة: الوعي بحقيقة الشعارات والمصطلحات التي تروج بين الناس لتخدع عقولهم، ولتخطف أبصارهم، ولتضلل سعيهم، ولتحرف تصوراتهم!
إنها القضايا التي يضحكون بها على الناس، ويروجونها بين المسلمين، إنها كما قال الرافعي الأديب: (الألفاظ الكبيرة تصنع للمسلمين ليتلهوا بها، لينشغلوا بها، فما يزالون يكبرون المصطلحات، ويرددون الشعارات، والمسلمون ينخدعون بهذه اللافتات).
وينبغي لنا ومن هذه الأحداث أن نعي حقيقة هذه الشعارات، فانظر رعاك الله إلى المناطق الآمنة وهي في كل عشرين ثانية تنزل فيها قذيفة، إنها مناطق آمنة أصبحت في قمة الخوف والذعر والهلع.
وانظر إلى قوات حفظ السلام وهي لا تستطيع أن تحفظ نفسها، وانظر إلى القرارات الدولية التي تمرغ تحت أقدام الجيوش الصربية، وانظر بعد ذلك إلى مصطلحات الإرهاب والتطرف، لترى أن الشعارات منعكسة، وأن الأسماء لا تتصل بالمسميات، وأن القضية وراءها ما وراءها.
إذا وصف الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل
وفاخرت الأرض السماء سفاهةً وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
وقال السهى للشمس: أنت كسيفـة وقال الدجى للصبح وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
فينبغي أن نعرف حقيقة هذه الشعارات.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2909 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2732 استماع |
فاطمة الزهراء | 2699 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2630 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2544 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2534 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2534 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2488 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2469 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2453 استماع |