الطلاق حكم وأحكام


الحلقة مفرغة

الحمد لله أتم النعمة، وأكمل الدين، ورضي لنا الإسلام ديناً، أحمده سبحانه وتعالى على ما أنعم علينا به من الإيمان، وما أكرمنا به من الإسلام، وما وفقنا له من الطاعة والالتزام، أحمده جل وعلا حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً يكافئ فضله وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم اتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فيا أيها الإخوة المؤمنون! ما يزال حديثنا موصولاً في موضوع المرأة والأسرة، وما يتصل ببناء المجتمع الإسلامي في هذا الشأن العظيم المهم من شئونه الاجتماعية.

وحديث اليوم يتصل بأمر من الأمور التي يكثر فيها مخالفة الناس لشرع الله، والتي يكثر فيها جهل الناس في ذلك الأمر بشرع الله، ويختلط عليهم كثير من حكمه وأحكامه.

هذا الموضوع بعنوان (الطلاق حِكم وأحكام)، فيه أمور مهمة، وهو في حد ذاته وما يتصل به في شأن الأسرة من أعظم وأهم الأمور التي يحتاج المجتمع الإسلامي إلى معرفة الأحكام والاطلاع على الحكم فيه، والبعد عن مخالفات شرع الله سبحانه وتعالى؛ لما يترتب على ذلك من تهديم الأسر، وتقويض البيوت، وتشتيت الأبناء، وتقطيع الأواصر بين أسر المجتمع الواحد.

والناظر بنظرة غير عميقة ولا مستقصية لحكم التشريع وأحكام الله سبحانه وتعالى، والذي يذعن ويسمع للشبهات المثارة حول هذا الأمر، يظن لأول وهلة أن الطلاق شر كله، والنساء على وجه الخصوص ينظرن هذه النظرة أكثر من الرجال، والحق أنه ليس في شرع الله عز وجل إلا الخير المحض، وإلا الصلاح التام، وإلا الكمال المطلق، ولا يأتي النقص ولا يظهر الشر إلا من سوء أفهام الناس ومن مخالفتهم لتشريع الله سبحانه وتعالى.

فلنقف هذه الوقفات المهمة في هذا الشأن الخطير من شئون الأسرة والمجتمع.

الحاجة إليه

إن الحاجة إلى الطلاق أمر قد تفرضه طبيعة الحياة، فما هو الحل إذا انقبضت النفوس بين الزوجين، وحصلت النفرة واختلاف القلوب بينهما، أو وجد من أسباب النزاع والخلاف واختلاف وجهات النظر ما لا يكون معه وفاق ولا اتفاق؟! لو لم يكن ثمة مخرج لهذا التشريع وما فيه من الأحكام والضوابط لانقلب الأمر إلى جحيم لا يطاق، ما ظنك بزوج وزوجة يرغمان على الحياة معاً تحت ظل سقف واحد وهما يبغضان بعضهما ولا ينسجمان مع بعضهما؟! كيف يكون الحال؟ سيوجد عسف وظلم واعتداء من الرجل، ونكود وجحود وإعراض من المرأة، وضياع للذرية وللجيل الناشئ في ظل هذا النزاع والشقاق والخصام الذي ينفرط معه العقد، والذي لا تتحقق بالوجود في ظله الأهداف المنشودة للأسرة الإسلامية، من حصول الأنس والمودة والسكن بين الزوجين، وحصول الرعاية والتربية والتنشئة الصالحة للذرية، ومن ثم إذا تعذرت استمرارية الحياة الزوجية بما يحقق أهدافها كان الطلاق في هذا الشأن نوعاً من العلاج، ودواء يشفي هذه الأسقام داخل الأسرة، ومعلوم أثر هذه الأسقام وما تنشئه من بلايا ورزايا في المجتمع كله، فإن الرجل قد ينطلق في خارج هذا الجو المحموم والمرأة كذلك، فيحصل من ذلك من الفساد المعنوي والحقيقي ما الله سبحانه وتعالى به عليم.

والمسيحية في بعض مذاهبها تمنع الطلاق؛ تزعم في ذلك أنها تقدس الطلاق، وتزعم في ذلك أنها تكرم المرأة وتحفظ حقها، ومع ذلك يشهد الواقع بأن مثل هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق والدوام، وغير منضبط أو متحقق في سائر الأحوال والزيجات، ولابد أن هناك ما يستدعي وجود الطلاق، ولذا قال بعض أولئك الذين كانوا في ظلال المسيحية ثم أكرموا بنعمة الإسلام: لقد حرّمت المسيحية الطلاق، لكن في الوقت نفسه نجد أنظمة بلادها وقوانينها الرسمية تنص على إباحته، وفي المقابل أيضاً فإن الغرب الذي في بعض مذاهبه يمنع الطلاق فيه اليوم نسبة الطلاق أعظم بكثير وبأضعاف مضاعفة من نسبة الطلاق في مجتمعات المسلمين؛ لأن الطلاق في الإسلام له أحكامه وآدابه، التي لو التزمها أبناء الإسلام لما كثرت وفشت فيهم نسبة الطلاق.

إذاً: فإن هذا الأمر هو من الدواعي التي قد تقتضيها شئون الحياة، فلما كان كذلك مما تقتضيه الحياة ومما تقتضيه الفطرة جاء شرع الإسلام به.

إن الحاجة إلى الطلاق أمر قد تفرضه طبيعة الحياة، فما هو الحل إذا انقبضت النفوس بين الزوجين، وحصلت النفرة واختلاف القلوب بينهما، أو وجد من أسباب النزاع والخلاف واختلاف وجهات النظر ما لا يكون معه وفاق ولا اتفاق؟! لو لم يكن ثمة مخرج لهذا التشريع وما فيه من الأحكام والضوابط لانقلب الأمر إلى جحيم لا يطاق، ما ظنك بزوج وزوجة يرغمان على الحياة معاً تحت ظل سقف واحد وهما يبغضان بعضهما ولا ينسجمان مع بعضهما؟! كيف يكون الحال؟ سيوجد عسف وظلم واعتداء من الرجل، ونكود وجحود وإعراض من المرأة، وضياع للذرية وللجيل الناشئ في ظل هذا النزاع والشقاق والخصام الذي ينفرط معه العقد، والذي لا تتحقق بالوجود في ظله الأهداف المنشودة للأسرة الإسلامية، من حصول الأنس والمودة والسكن بين الزوجين، وحصول الرعاية والتربية والتنشئة الصالحة للذرية، ومن ثم إذا تعذرت استمرارية الحياة الزوجية بما يحقق أهدافها كان الطلاق في هذا الشأن نوعاً من العلاج، ودواء يشفي هذه الأسقام داخل الأسرة، ومعلوم أثر هذه الأسقام وما تنشئه من بلايا ورزايا في المجتمع كله، فإن الرجل قد ينطلق في خارج هذا الجو المحموم والمرأة كذلك، فيحصل من ذلك من الفساد المعنوي والحقيقي ما الله سبحانه وتعالى به عليم.

والمسيحية في بعض مذاهبها تمنع الطلاق؛ تزعم في ذلك أنها تقدس الطلاق، وتزعم في ذلك أنها تكرم المرأة وتحفظ حقها، ومع ذلك يشهد الواقع بأن مثل هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق والدوام، وغير منضبط أو متحقق في سائر الأحوال والزيجات، ولابد أن هناك ما يستدعي وجود الطلاق، ولذا قال بعض أولئك الذين كانوا في ظلال المسيحية ثم أكرموا بنعمة الإسلام: لقد حرّمت المسيحية الطلاق، لكن في الوقت نفسه نجد أنظمة بلادها وقوانينها الرسمية تنص على إباحته، وفي المقابل أيضاً فإن الغرب الذي في بعض مذاهبه يمنع الطلاق فيه اليوم نسبة الطلاق أعظم بكثير وبأضعاف مضاعفة من نسبة الطلاق في مجتمعات المسلمين؛ لأن الطلاق في الإسلام له أحكامه وآدابه، التي لو التزمها أبناء الإسلام لما كثرت وفشت فيهم نسبة الطلاق.

إذاً: فإن هذا الأمر هو من الدواعي التي قد تقتضيها شئون الحياة، فلما كان كذلك مما تقتضيه الحياة ومما تقتضيه الفطرة جاء شرع الإسلام به.

إن جعل الطلاق وأمر فصم عروة الزواج بيد الرجل له حكم عظيمة جليلة.

إنما جُعل للرجل في مقابل ما كان منه من إنفاق في المهر ومن تكلفة في النفقة وغير ذلك.

كذلك الرجل بطبيعة خلقته وفطرته أكثر تحملاً للمشكلات، وأكثر صبراً على المعضلات، وأوسع صدراً فيما يتعلق بالمنغصات، وبالتالي فإن له خصيصة أخرى إذ هو أكثر تغليباً للعقل على العاطفة، وأكثر ترجيحاً لعواقب الأمور من أوائلها، ومن ثم فإن تقديره لما يترتب عليه الطلاق من مخاطر ومضار عليه وعلى زوجه وعلى أبنائه أكثر مما قد يكون من تقدير المرأة التي تغلبها عاطفتها، والتي قد تندفع عند غضبها، إذ لو كان الأمر لها لكان منها الطلاق في كل يوم ربما عدة مرات، كلما غضبت من زوجها في أمر أو قصر في حق أو لم يشتر لها ما تطلبه.

وهذه حكمة من حكم الله سبحانه وتعالى، مصلحتها للمرأة كما هي للرجل؛ إذ لو جعل الأمر للمرأة لتسرعت بحسب عاطفتها ثم تندمت، فما عسى الندم أن ينفعها حينئذ.

أما أهل الغرب الذين لا يدينون دين الإسلام فقد لفت نظرهم هذا التشريع الحكيم، فقال أحدهم وهو يحلل هذه الحكم التشريعية: والغرض من هذا التقييد للمرأة في المبادرة إلى الطلاق هو وضع حد لممارسة الطلاق؛ لأن الرجال يعتبرون أقل استهدافاً لاتخاذ القرارات تحت اللحظة الراهنة من النساء.

فالرجل ليس سريعاً في اتخاذ القرار عند أدنى عارض أو عند أدنى غضب، وهذه ميزة في الأصل، أما من خالف هذه الحكمة فليس هو حجة على دين الله، بل دين الله عز وجل حجة عليه، ومبين لخطئه وزللـه.

لئن كان هذا الحق للرجل فإن للمرأة حقاً أيضاً يكافئ هذا الحق، ويجعل له حده وضوابطه التي تتحقق به المصلحة، فللمرأة حق الخلع في مقابل حق الطلاق للرجل؛ لأن المرأة قد تقول: هذا الرجل متى أبغض المرأة له حق أن يطلقها، فما شأن المرأة إذا أبغضت زوجها، أو إذا لم تشأ أن تستمر في الحياة معه، بحيث لا يكون ذلك لأدنى سبب ولا لأتفه عارض وإنما لسبب جوهري؟! فهل يحكم عليها أن تبقى في عقده وتحت سلطانه وهي غير راضية أو غير راغبة في ذلك؟

الجواب: كلا، فإن لها حق الخلع من زوجها، ولكن هذا لا يكون أيسر كما في الأمر الأول، بل له ضوابط منها: أنه ينبغي للمرأة أن تبدي الأسباب التي تستدعي الخلع للقاضي الذي يقضي بذلك ويعطيها حقها، وقد وقع ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في صورة تبين فيها رعاية الإسلام لحق المرأة ومراعاة مشاعرها وعواطفها، والحفاظ على حياتها وعلى استمراريتها على ما يترجح فيه مصلحتها.

فهذا ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره يقول: (إن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني لا أعيب على ثابت في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام)، وفي رواية أخرى عند البخاري : (ولكني لا أطيقه) أبدت أنها قد انقبضت من نفسها، وتمكن كرهه وبغضه من قلبها، وأنها لا تعيب عليه في خلق ودين، فكيف لو كان يعاب في خلق ودين بحكم الشرع؟! لكان لها حق أولى من هذا. قالت: (إني لا أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه).

وفي الرواية الأخرى: (ولكني أكره الكفر في الإسلام).

قال بعض أهل الشروح من المحدثين: إنها تكره أن تكفر العشير؛ لما في قلبها من بغضه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟ -أي: التي دفعها لها مهراً لها عند زواجه بها- قالت: نعم، قال: فردي عليه حديقته، وفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها).

فهذا يدل على هذا الحق، ولكن ليس الأمر مرسلاً ومطلقاً على ما قد تقتضيه أهوية النساء، أو تدفعهن إليه عواطفهن، فإن هذا الأمر جد خطير، إنه فصل لميثاق غليظ ولعقد عظيم قد عظمه الله عز وجل وعظم شأنه؛ فلذلك ينبغي ألا يكون هذا الأمر مفهوماً عند النساء أو عند المرأة على صورة ساذجة، كما قد تتأثر بوسائل الإعلام والتمثيليات، إذا كلمها زوجها كلمة ما قالت له: طلقني، أو قالت له: لا أستطيع الحياة معك، كلا، فقد ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (أيما امراة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه.

قوله: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس) أي: إن كان هناك بأس وأمر مشروع فلها أن تطلب الطلاق، أما إن كان من غير ما بأس وإنما لمجرد التشهي والهوى، أو لمجرد الإغراء والإغواء، أو التأثر بالأجواء الاجتماعية والأعراف غير الشرعية؛ فإن هذا من أعظم الأمور وأخطرها.

إن ترغيب الإسلام في النكاح وتبغيضه للطلاق يدلنا على أن الأمر له إطاره العام، وله ضوابطه المحكمة، فما أكثر الآيات والأحاديث في الترغيب في النكاح، وما ورد من آيات وأحاديث عن التعدد وما يترتب على ذلك من المنافع والمصالح، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النكاح من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فهذا الترغيب في هذا العقد مع عظمه ووصف الله عز وجل له بأنه الميثاق الغليظ لم يكن بعد هذا كله ليفسخ أو يترك هملاً للأمزجة والأهواء لتلعب به.

ومن الأدلة على تبغيض الشرع للطلاق ما اشتهر بين الناس عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو حديث مرسل، وله شواهد من حديث معاذ ولكنه منقطع، ومن حديث علي ولكنه ضعيف، وإن كان معنى الحديث صحيحاً، وتشهد له أحاديث أخرى.

وهذا حديث بريدة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) رواه الإمام أحمد بسند صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه.

قوله: (من خبب) أي: من أفسد.

وتأملوا في هذا الحديث، من أفسد المرأة على زوجها كما يحصل في واقع مجتمعات المسلمين، وكما يحصل في كثير مما يذاع ويشاع في وسائل الإعلام، مثل: اطلبي منه كذا، افعلي معه كذا، انظري إلى فلانة فهي كذا، حتى يفسدوا المرأة على زوجها؛ فيحصل الشقاق، وقد يتبعه الطلاق، لكن جعل الإسلام وجعل نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام هذا الأمر من الأمور الخطيرة، التي لا تمت للإسلام ولا لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم بصلة.

وهذا حديث أبي هريرة أيضاً عند ابن حبان في صحيحه، ورواه أبو داود والنسائي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها).

وقد أشار نبي الإسلام إلى أن شأن الطلاق هو من أعظم ما يفرح الشيطان، ومن أعظم ما يبلغ به الكيد بين الرجل والمرأة، ففي صحيح مسلم من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه -أي: من الشياطين- فأدناهم منزلة منه أعظمهم فتنة -أي: الذي يكون عظيم الفتنة والإفساد بين عباد الله هو الذي يكون مقرباً إليه- فيأتون إليه فيقول أحدهم: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما فعلت شيئاً -يعني: هذه فتنة يسيرة ليست عظيمة- حتى يأتيه أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه إبليس منه ويقول: نعم أنت فيلتزمه)؛ لأنه عمل أعظم نتيجة إبليسية شيطانية في مجتمع المسلمين، وهي الإفساد ما بين الرجل والمرأة.

إذاً: الإسلام قد جعل هذا الأمر غير مرغوب فيه، وجعله من أساليب الشيطان ومن أعظم الفتنة، وجعل السعي فيه ليس من سمت المسلمين في شيء.

قبل أن ننظر إلى الطلاق فلننظر إلى أحكام الإسلام وتشريعاته في هذا الشأن كله، فإن هناك أمرين وتشريعين مهمين وهما من أعظم التشريعات التي لو التزمهما الرجال والنساء لضاقت دائرة الطلاق، حتى يكون في دائرة محدودة بحيث يتعين الطلاق ويصبح علاجاً.

الأمر بالعشرة الحسنة والإحسان للزوجات من قبل الأزواج

يقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وهذا نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، -أي: لا يبغضها- فإن سخط منها خلقاً رضي منها آخر)، هذا الإحسان من الرجل لزوجته أمر قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب التفاضل في ميزان الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، هذا الأمر لو تحقق به الرجال لما طلبت المرأة السبيل إلى الشقاق أو النزاع فضلاً عن السبيل إلى الطلاق.

حسن تبعل المرأة لزوجها وطاعتها له

في المقابل تشريع آخر وهو طاعة المرأة لزوجها وحسن تبعلها له وتجملها له، والتماس رضاه والقيام بحقه، فإن هذا الأمر لو تم لكان مكافأة على الأمر الأول، ولحسنت به مسيرة الحياة الزوجية، وابتعدت أسباب الشقاق والطلاق بإذن الله عز وجل، والمصطفى عليه الصلاة والسلام يقول: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها) رواه أبو داود في سننه.

ولما جاءت المرأة كما في الصحيح تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجال فضلوا علينا بالجهاد والغزو في سبيل الله عز وجل، فقال: إن حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك) فهذا التشريع هو الذي ينبغي أن نلتفت إليه، وقبل أن نلتفت إلى النهاية فلننظر إلى البداية.

وثمة أحكام عامة أخرى تتعلق بالطلاق وهي مهمة؛ فإن الطلاق ليس إلا مرحلة نهائية تسبقه مراحل عديدة وأدوية وعلاجات متنوعة، تسد الطريق إليه وتبعد الوصول إليه، فالله عز وجل يقول: والَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:34-35].

هذه مراحل أربع: موعظة، تذكير بحق الزوج على زوجته، تذكير بطاعة الله عز وجل، باتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وعظ وتخويف بالآخرة، فإن لم يجد ذلك نفعاً فهجر في المضجع وإظهار للغضب، فإن لم يكن ذلك فضرب غير مبرح، يشعر بوجود الخطأ، ويهدف إلى التقويم والتهذيب والتأديب، فإن زاد الأمر عن حده فحكم من أهله وحكم من أهلها.

انظر إلى المراحل الثلاث فهي بين الرجل وزوجه لا يخرج عن إطار الخلاف بينهما، حتى لا يتسع ويتشعب، وتأخذ به أم المرأة شرقاً ويأخذ به أهل الزوج غرباً ثم يشيع، فإذا أراد أطراف النزاع اللقاء كان قد اشتبك النزاع وتوسع، فلم يعد للاثنين فيه خيار، وقد فرض عليهما استمراره من غيرهما؛ لذلك فالأصل أن يكون هذا النزاع أو الخلاف في دائرة الزوجين ابتداء، ثم إن أعياهم الأمر فلهما أن يختارا حكماً من أهله وحكماً من أهلها؛ للإصلاح وتقريب وجهات النظر وتأليف القلوب، ولفت النظر إلى أهمية الأسرة ورعاية الأبناء ونحو ذلك.

يقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وهذا نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، -أي: لا يبغضها- فإن سخط منها خلقاً رضي منها آخر)، هذا الإحسان من الرجل لزوجته أمر قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب التفاضل في ميزان الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، هذا الأمر لو تحقق به الرجال لما طلبت المرأة السبيل إلى الشقاق أو النزاع فضلاً عن السبيل إلى الطلاق.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2535 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع