خطب ومحاضرات
الشباب والشهوة
الحلقة مفرغة
للصوم شروط من لم تتوفر فيه فإنه لا يجب عليه، ومنها أن يكون عاقلاً بالغاً، فلا يجب على الصبي ولا المجنون، والمسافر والمريض لهم الفطر والقضاء بعد ذلك، والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويتصدق عن كل يوم يفطره بمد من الطعام، وكذا الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما يفطران ويقضيان.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة حتى أتاه اليقين من ربه، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه.
أما بعد:
أيها الإخوة! قبل أن أبدأ في هذا الموضوع أود أن أنبه إلى عدة أمور:
أولها: موضوع حديثنا: الشباب والشهوة، ولا يعني هذا أن الأمر لا يعني إلا الشباب، فكما أنه يعني الشباب فهو يعني بدرجة كبيرة من الأهمية الآباء وأولياء الأمور، ويعني أيضاً بدرجة أخرى الأساتذة الذين يتولون تربية الشباب وإعدادهم، فجدير بهم أن يعرفوا ما يدور في خواطر هؤلاء الشباب، وأن يعرفوا الأخطار المحدقة بهم والتي تهددهم.
أمر آخر: أنا أتحدث في مسجد مع رواد المساجد، ومع أناس -أحسبهم والله حسيبهم- من الناس الأخيار، وأعرف مع من أتحدث.
إذاً: فقد يقول القائل: لم تتحدث عن مثل هذا الأمر مع هؤلاء؟ إن هذا الكلام ينبغي أن يوجه إلى أهل الأرصفة والشوارع.
فأقول: إن هذا الأمر يعني الشباب حتى الأخيار منهم؛ لأنهم يعانون من هذا الأمر، ويعانون من هذه الشهوة الخطيرة، كما سأشير إلى شيء من ذلك في ثنايا الحديث.
فجدير بهم أن يعتنوا بحماية أنفسهم، وأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في إيمانهم وطاعتهم لله عز وجل.
والأمر الثاني: أن الشباب الذين منَّ الله عليهم بالهداية ينبغي أن يحملوا مشعل الدعوة والإصلاح لغيرهم من الشباب، فجدير بهم أن يكونوا على علم بمثل هذه الأمور.
أيها الإخوة! إن الشهوات أمر عام يشمل كل ما ركبه الله سبحانه وتعالى في نفس ابن آدم من الأمور التي يحبها ويميل إليها، فشهوة المال شهوة، وشهوة السلطان شهوة، وشهوة الاستعلاء والجاه شهوة، وشهوة الفرج -أو ما تسمى في لغة العصر شهوة الجنس- شهوة أيضاً.
وحينما نقول: الشهوة، فإن (أل) هنا عهدية، فنعني بذلك هذه الشهوة، ونعني بذلك هذا الأمر الذي أمر الله سبحانه وتعالى بحفظه، ورتب على ذلك الفلاح في الدنيا والآخرة، وإرث الفردوس، نعني بذلك هذا الفرج الذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم وتكفل لمن حفظه ورعاه بالجنة، في قوله صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
أيها الإخوة! إن هذا الأمر خطير جداً -أعني: أمر الشهوة-، خطير لأنه يترتب على الانسياق وراء الشهوة ذلك الوعيد الشديد في الدار الآخرة، الذي توعد الله سبحانه وتعالى به من أتبع نفسه هواها، وانقاد وراء شهوته.
والكثير من الشباب الذين تزل بهم القدم ويهوي عندما نفتش عن أسباب ذلك؛ نجد أن الكثير منهم كان السبب وراء ذلك الانزلاق هو هذه الشهوة.
فهذا الموضوع خطير وخاصة في هذا العصر؛ حيث كثرت فيه المغريات، وكثرت فيه وسائل الفتنة ودواعي الفتنة، وتفنن أعداء الله بما يملكون من وسائل وقدرات في فتنة الشباب وتزيين الباطل لهم، والشيطان يؤزهم في ذلك أزاً.
أيها الإخوة! في دراسة أجراها بعض طلبة جامعة الإمام على إحدى الدور الاجتماعية بمدينة الرياض كانت نتيجة الدراسة أن (80%) من أفراد العينة قد وقعوا في عمل قوم لوط، عافنا الله وإياكم من ذلك، وإن (80%) منهم كان يمارس العادة السرية.
إن مثل هذا وغيره يدل دلالة واضحة على مدى تفشي هذه الأمور وهذه الظواهر السيئة في مجتمعنا الذي هو من أكثر مجتمعات المسلمين محافظة، فكيف بغيره من المجتمعات!
وقد يسأل سائل أيها الإخوة! فيقول: لماذا يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده بهذه الشهوة، وهو الرحيم بهم سبحانه وتعالى؟ ولماذا أودع الله عز وجل في عباده الميل لهذا الأمر، ثم نهاهم عن هذه المقارفة، ورتب على ذلك العقوبات الشديدة في الدنيا والآخرة؟
فنقول: إن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم، وهو سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، إننا حينما نتأمل في هذا الأمر نستطيع أن ندرك بعض أطراف حكمة الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر، أعني: كونه ركب الشهوة في نفوس الناس، ثم نهاهم عن مقارفة الحرام، ورتب على ذلك خزي الدنيا ونكال الآخرة.
فندرك بعض الحكم ولا نستطيع أن ندرك جميع حكمة الله سبحانه وتعالى.
ومن الحكم في ذلك أيها الإخوة:
بقاء الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى ركب في نفس الإنسان هذه الشهوة؛ حتى يميل إلى النكاح، وحتى يميل الرجل والمرأة إلى النكاح، مما يساعد على التناسل وعلى بقاء الإنسان، وبدون ذلك لا يبقى نوع الإنسان.
أيها الإخوة! ومن أعظم الحكم في ذلك الابتلاء والامتحان، حين يكون طريق المعصية محبباً إلى النفس، ويكون طريق الطاعة شاقاً محفوفاً بالمكاره، وحينما يكون الأمر كذلك لا يسلك هذا الطريق -طريق الطاعة- ولا يجتنب ذاك الطريق -طريق المعصية- إلا من وفقه الله سبحانه وتعالى، ومن يملك الإيمان الحق والقناعة بهذا الدين، والإيمان الذي لا يتزعزع بما أعد الله سبحانه وتعالى لمن أطاعه، وبما توعد به من عصاه يوم القيامة.
فلا تظهر حكمة الابتلاء، ولا يظهر الصادق في إيمانه والجاد إلا حينما يكون طريق الخير محفوفاً بالمكاره، وطريق النار محفوفاً بالشهوات، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).
أيها الإخوة! ومن الحكم في ذلك:
ظهور فضل أولياء الله سبحانه وتعالى الذين يطيعون الله عز وجل، والذين ينهون النفس عن الهوى، والذين يحفظون حدود الله وحرمات الله سبحانه وتعالى، فيدعوهم إيمانهم بالله عز وجل، ومحبتهم له، وخوفهم منه، ورجاؤهم لما عنده، يدعوهم ذلك إلى أن يجاهدوا أنفسهم، ويدعوهم ذلك إلى أن ينتصروا على شهواتهم ويستعلوا عليها.
وحين يغفلون عن أعين الناس يعلمون أن الله سبحانه وتعالى يطلع عليهم، وأنه محيط بهم، وحين لا يراهم أحد يعلمون أن الله عز وجل يراهم سبحانه وتعالى.
إذاً: أيها الإخوة! إن في هذا الأمر ظهوراً لفضل أولياء الله سبحانه وتعالى، وفضل عباده المتقين، الذين يحفظون حرمات الله عز وجل.
ننتقل بعد ذلك إلى نقطة أخرى وهي: ما مخاطر الانسياق وراء الشهوة؟
الانسياق وراء الشهوة نعني به أن يرتكب المرء ما حرم الله سبحانه وتعالى مما يتعلق بهذه الشهوة؛ بدءاً بصغائر الأمور، وانتهاءً بالفواحش والكبائر، عافانا الله وإياكم من ذلك.
الوعيد الشديد في الدنيا
فهذه معاصٍ نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن مرتكبها، وأخبر كما في إحدى روايات الحديث: (أنه يرتفع الإيمان فوقه حتى يكون كالظلة)، حينما يعلم هذا الوعيد الشديد فإنه يخاف على إيمانه، ويخشى على إيمانه، يخشى أن يقارف هذه المعصية العظيمة الشنيعة، فيكون مستحقاً لهذا الوعيد الشديد؛ بل ويتورع عن الصغائر في ذلك؛ لأنه يعلم أنها هي الخطوة الأولى في طريق الفواحش والكبائر.
الوعيد الشديد يوم القيامة
الوعيد الشديد يوم القيامة لمن فعل ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، يقول: (أتاني رجلان فانطلاقا بي إلى أرض مقدسة -وذكر الحديث بطوله-، قال: فأتيا بي على تنور فإذا به رجال ونساء عراة، وإذا يخرج من تحتهم لهب، فإذا ارتفع اللهب ضوضوا وصيحوا، فسألت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الزناة والزواني).
هذا أيها الإخوة! بعض ما يتعرض له من ارتكب هذه الشهوة الخطيرة، وبعض ما يتعرض له من تساهل في نهي الله سبحانه وتعالى المؤكد عن الانسياق وراء هذه الشهوة.
الولوع بالفواحش والتعلق بها من أعظم أسباب سوء الخاتمة
وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
ولذلك كان بعض السلف يقول: والله إني لا أخشى الذنوب، وإنما أخشى سوء الخاتمة.
أيها الإخوة! في حال الاحتضار يكون المرء في أضعف أحواله، فتجتمع عليه شياطين الجن تحتوشه تخشى أن يموت على الإيمان، وفي هذه الحال الشديدة وهو يعيش هذا الهم والغم، ويعيش الكرب، ويعاني من سكرات الموت التي عانى منها أطهر الخليقة وأبرها صلى الله عليه وسلم، في هذه الحالة الشديدة الكئيبة التي يعيشها المرء تجتمع عليه شياطين الجن تحاول أن تصده عن دينه؛ لأنهم يعلمون أن هذه آخر فرصة لهم، فيحاولون أن يصرفوه من هنا وهناك.
وحينئذٍ لا نجاة ولا أمل للعبد إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وحفظ الله عز وجل له، وإلا فلو وكل الله سبحانه وتعالى العبد إلى نفسه طرفة عين في هذه الحياة الدنيا لضاع وضل، كيف به وهو يعاني من أهوال الموت!
وفي هذا الموقف أيضاً أيها الإخوة! يحضر المرء ما كان يدور في خلده، وما كان يشغل باله في الحياة الدنيا، وحينئذٍ يبدأ يتفوه ويهذي بما كان يشغله في الحياة الدنيا، فإن كان مطيعاً لله مات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كان من المتعلقين بالدنيا أصبح يردد ما يتعلق بالدرهم والدينار، وإن كان من المتعلقين بالفواحش أصبح يردد ما يتعلق بذلك.
أيها الإخوة! ذكر الأخبار حول هذا الأمر يطول، وليس هذا وقته، وقد ذكر طرفاً من ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه (العاقبة)، ونقل بعضاً منه الإمام ابن القيم في كتابه القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، فمن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى هذه الكتب.
ولعلي أورد قصة مختصرة حول هذا الأمر، ذكر عبد الحق في هذا الكتاب عن رجل، وكان من الناس الصالحين، والعلماء الأخيار، رأى غلاماً أمرد فتعلق قلبه به، وكلف به حتى فقده، فلما فقده مرض واشتد به المرض، فذهب الناس يسعون إلى هذا الغلام؛ لعله أن يأتي إليه لأجل أن يراه فقط، فما زالوا به حتى أقنعوه أن يجيء إليه، فلما بلغ هذا الرجل موافقة الغلام سر وعادت إليه بعض حاله، فلما أخبر الغلام بذلك خاف من الله سبحانه وتعالى، فعدل عن مجيئه، وهنا اشتدت الحال بهذا الرجل، وأصبح يردد بيتين -عافانا الله وإياكم منها- كفر بهما بالله سبحانه وتعالى، قال فيهما:
أسلم يا راحة البال العليل ويا شفاء المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي من رحمة الخالق الجليل
عافانا الله وإياكم، ومات وهو يردد هذين البيتين.
أيها الإخوة! إنه أمر خطير جداً أن يتعلق المرء ويتعلق قلبه بمثل هذه الأمور، فتحضره عند وفاته يوم لا ينفعه -بعد توفيق الله سبحانه وتعالى- إلا عمله الصالح.
استيلاء الشهوة على القلب ينسي الإنسان مصالح دينه ودنياه
أن استيلاء الشهوة على القلب ينسي الإنسان مصالح دينه ودنياه، فتصبح الشهوة همه، فتقيمه وتقعده، يفكر بها في كل شئون حياته، حتى قد تجده -والعياذ بالله- يفكر بذلك في صلاته، ويفكر بذلك في نومه، وفي سائر أحواله، ويصبح همه وتفكيره منساقاً وراء هذه الشهوة، فيتعلق قلبه بها، فينسى بذلك مصالح دينه، وينسى بذلك ما فيه الخير له في الدين والدنيا، وينسى بذلك مصالح دنياه.
تعلق القلب بالشهوة يكون على حساب محبة الله ورسوله
أن تعلق قلب الإنسان بها ومحبته لها يكون على حساب محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن القلب لا يمكن أن يجتمع فيه النقيضان، لا يمكن أن يجتمع فيه محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم التي بها يجد العبد حلاوة الإيمان، (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، ومحبة غيرهما مما يجلب للقلب القسوة.
إن الرجل الذي تستولي الشهوة على قلبه وعلى فؤاده جدير بألا يبقى في قلبه مكان لمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أخي المسلم! أنه بقدر ما يتعلق قلبك بأمر من أمور الدنيا، وشهوة من شهوات الدنيا بقدر ما تفقد من ذلك من محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
التعلق بالشهوة من أكثر أسباب الضلال والانحراف بعد الهدى
فكثير هم الشباب الذين كانوا على طريق الاستقامة والخير والصلاح، وكانوا يضرب بهم المثل في الورع والتقوى، وطاعة الله سبحانه وتعالى؛ لكن البعض منهم قد يتعلق بهذه الشهوة، فتتدرج معه حتى تأسر فؤاده حتى يقع بعد ذلك في الحرام، ثم يأتيه الشيطان فيقول له: هاأنت قد وقعت في الوحل فخض فيه، هاأنت قد هلكت فلا مجال للنجاة، فمتع نفسك بشهوات الدنيا ولذاتها.
التعلق بالشهوة وانتشارها من أكبر أسباب الأمراض النفسية والجسدية
أيها الإخوة! إن الفواحش سبب كثير من الأمراض النفسية والجسدية، وهانحن نسمع الآن العالم بأسره يعاني من ويلات ما يسمونه بالأمراض الجنسية، وكلما اكتشفوا علاجاً لمرض ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بمرض وطاعون لم يكن في أسلافهم.
أيها الإخوة! إن المتعة الحرام؛ بدءاً بالعادة السرية التي يمارسها الكثير من الشباب، يجني صاحبها الكثير من الآثار والأمراض النفسية والجسدية، فمن ذلك:
الهم والحزن، وبلادة الذهن، وفتور الهمة، وضياع المروءة، والخجل، والإضرار بالذاكرة، والبصر، وتقوس الكتفين، وضعف الهضم، فهذه بعض أضرار ونتائج ممارسة العادة السرية، فما بالكم بما هو فوقها من الزنا، وعمل قوم لوط، عافانا الله وإياكم.
ولعلي أشير إلى بعض الإحصائيات عن بعض الأمراض الجنسية التي يعاني منها العالم، وكلما اكتشفوا علاجاً لمرض ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بمرض آخر:
ففي إحصائية نشرت عام 1977م أن عدد المصابين بمرض السيلان -وهو مرض يصيب المنحرفين جنسياً- 250 مليوناً سنوياً، ومرض الزهري يصاب به 50 مليوناً سنوياً، وعدد الأمريكيين المصابين بمرض الهربز التناسلي بلغ 20 مليوناً في عام 1983م.
ثم خرج بعد ذلك مرض العصر، وعقوبة الله سبحانه وتعالى: مرض الإيدز، ولعلكم سمعتم كثيراً عن هذا المرض الخطير، وقد أجريت دراسة على المصابين به في الولايات المتحدة التي تمثل الرقم القياسي في الإصابة بهذا المرض؛ لانتشار الشذوذ فيها، فيبلغ عدد الشاذين قريباً من 20 مليوناً، هؤلاء الذين يجاهرون بالشذوذ ويعلنون به أمام الناس، والشذوذ في مصطلح هؤلاء يعني عمل قوم لوط.
هذه الإحصائية دلت على أن 73% من المصابين بمرض الإيدز هم من الذين يعملون عمل قوم لوط، و17% من الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.
يقول أحد نجوم السينما الأمريكيين الذين أصيبوا بهذا المرض وهو على فراش الموت: أنا بانتظار القدر أن يدق بابي، استمعوا إلى صوته من أعماقي، لم أكن أود أن أتعذب هكذا، ومن خلال هذا المرض الإيدز سرطان العصر، ورغم ابتسامات الكثيرين، وتهنئتي بالتماثل للشفاء، إلا أنني على موعد مع القدر، إنه يدق بابي اللحظات الأخيرة. يقول هذا وهو على فراش الموت، وهو يعاني من آلام وويلات المرض.
ويقول رئيس قسم أبحاث الإيدز الدولية: إن تكلفة المرض في أمريكا ستصل في عام 1986م إلى 10 بلايين دولارات، يعني: 10 آلاف مليون دولار، هذه تكاليف العناية والرعاية، وإلا فمن أصيب به فلا أمل بعد ذلك بالشفاء، لكن هذه التكاليف لأجل رعاية المرضى، وهذا المرض ينتشر على شكل متوالية هندسية، والمتوالية الهندسية كما يعرفها المتخصصون بالرياضيات تعني تضاعف العدد، ولعل هذه الإحصائية تصور لنا ذلك التضاعف الرهيب للمصابين بالإيدز.
في الولايات المتحدة في عام 1981م كان عدد المصابين 252، وفي عام 1983م بلغ عدد المصابين 2643، وفي نهاية الشهر السادس من عام 1985م بلغ عدد المصابين به 12067، وبعده بثمانية أشهر بلغ عدد المصابين به 17001.
هذه الإحصائية عام 1986م، فلنتصور من خلال هذه الإحصائية الانتشار السريع والهائل لهذا المرض، وبعد ذلك انتشر المرض في سائر الدول، وعلى رأس القائمة -كما قلنا- الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ثم انتشر المرض في كوريا الجنوبية لسببين:
السبب الأول: أن عمل قوم لوط، أو ما يسمونه بالشذوذ منتشر في كوريا الجنوبية، وقلنا: إنه من أكبر أسباب انتشار الإيدز.
السبب الثاني: أنه انتقل إلى هذه البلاد عن طريق القوات الأمريكية التي كانت موجودة في ذاك الوقت، فقد كان يوجد في كوريا الجنوبية 40 ألفاً من القوات الأمريكية، وكانت هناك إحدى النساء تشتغل في صالون تجميل قريب من معسكر هؤلاء الفجرة، فعبث بها أحد هؤلاء المصابين بالإيدز، ثم انتقلت العدوى بعد ذلك وانتقل المرض وانتشر في تلك البلاد.
أيها الإخوة! هذه بعض النتائج والدلائل التي تدل على مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه: (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ابتلاهم الله بالطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم).
وهانحن نرى العالم وقد ابتلي بأمراض الزهري والسيلان، فلما اكتشفوا العقاقير ابتلوا بمرض الهربز، ثم بعد ذلك ابتلوا بمرض الإيدز، ولا ندري لعل المستقبل كفيل بأمراض وعقوبات أشد من ذلك وأقسى؛ وقد ظهرت بعض الحالات في بعض بلدان العالم الإسلامي، إلا أن الكثير من الدول لا ترغب في إعلان مثل هذه الإحصائيات.
الانسياق وراء الشهوات سبب للقلق والأمراض النفسية
إنها سبب للقلق والأمراض النفسية، فنحن نشاهد أن البلاد الغربية التي ينتشر فيها التحلل والفساد هي أكثر بلدان العالم أمراض نفسية وعيادات نفسية.
ولا شك أيها الإخوة! أن هذا الأمر مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فحينما يتمرد الإنسان على فطرة الله عز وجل، حينما يعرض عن محبة الله سبحانه وتعالى، وينساق وراء الشهوات، فإنه يدفع هذه الضريبة الغالية ألا وهي القلق والأمراض النفسية التي تصيب الكثير من هؤلاء.
الانسياق وراء الشهوات سبب لتفكك الأسر وانهيار النظام الاجتماعي
والعالم الغربي أيها الإخوة! الذي انتشرت فيه الفاحشة يدلنا على ذلك دلالة واضحة وصادقة، ولعلنا نشير إلى بعض الإحصائيات حول ذلك الأمر:
ففي السويد وهي من أكثر بلاد أوروبا ثراء، وترفاً، وانتشاراً للفاحشة، يوجد من كل أربعة أطفال طفل غير شرعي، أي: ولد زنا.
وفي الولايات المتحدة كانت نسبة الأولاد غير الشرعيين 5%، ثم ارتفعت خلال عشرين سنة إلى 17%، أي: 17% من الأطفال الذين يولدون كلهم أولاد زنا، وأولاد غير شرعيين، هذا ونحن في عصر انتشار وسائل منع الحمل بكافة أنواعها.
وأجريت إحصائيات تدل على أن نسبة 40% من طالبات الثانويات حوامل وهن غير متزوجات!
أيها الإخوة! عندما يخرج هؤلاء للمجتمع كم من مجرم سيخرج من هؤلاء؟! وكم من عاهر سيخرج من هؤلاء؟! وأي تربية سيتلقاها مثل هذا الغلام ومثل هذا الفتى الذي ينشأ في جو العهر والفساد والانحلال؟! ناهيك عن ارتفاع نسب الطلاق، فقد وصلت في بعض بلدان أوروبا إلى نسبة 33%، وكلما ازداد هؤلاء بعداً عن منهج الله، وانسياق وراء الشهوة؛ ازدادوا تفككاً، وازدادت حياتهم انهياراً.
أول أمر يترتب على هذا: الوعيد الشديد الذي يرجف فؤاد المسلم حينما يسمعه، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن).
فهذه معاصٍ نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن مرتكبها، وأخبر كما في إحدى روايات الحديث: (أنه يرتفع الإيمان فوقه حتى يكون كالظلة)، حينما يعلم هذا الوعيد الشديد فإنه يخاف على إيمانه، ويخشى على إيمانه، يخشى أن يقارف هذه المعصية العظيمة الشنيعة، فيكون مستحقاً لهذا الوعيد الشديد؛ بل ويتورع عن الصغائر في ذلك؛ لأنه يعلم أنها هي الخطوة الأولى في طريق الفواحش والكبائر.
الأمر الثاني من مخاطر الانسياق وراء هذه الشهوة:
الوعيد الشديد يوم القيامة لمن فعل ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، يقول: (أتاني رجلان فانطلاقا بي إلى أرض مقدسة -وذكر الحديث بطوله-، قال: فأتيا بي على تنور فإذا به رجال ونساء عراة، وإذا يخرج من تحتهم لهب، فإذا ارتفع اللهب ضوضوا وصيحوا، فسألت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الزناة والزواني).
هذا أيها الإخوة! بعض ما يتعرض له من ارتكب هذه الشهوة الخطيرة، وبعض ما يتعرض له من تساهل في نهي الله سبحانه وتعالى المؤكد عن الانسياق وراء هذه الشهوة.
الأمر الثالث أيها الإخوة: أن الولوع بالفواحش والتعلق بها من أعظم أسباب سوء الخاتمة، عافانا الله وإياكم من ذلك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك -وذكر الحديث وفيه-: وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
ولذلك كان بعض السلف يقول: والله إني لا أخشى الذنوب، وإنما أخشى سوء الخاتمة.
أيها الإخوة! في حال الاحتضار يكون المرء في أضعف أحواله، فتجتمع عليه شياطين الجن تحتوشه تخشى أن يموت على الإيمان، وفي هذه الحال الشديدة وهو يعيش هذا الهم والغم، ويعيش الكرب، ويعاني من سكرات الموت التي عانى منها أطهر الخليقة وأبرها صلى الله عليه وسلم، في هذه الحالة الشديدة الكئيبة التي يعيشها المرء تجتمع عليه شياطين الجن تحاول أن تصده عن دينه؛ لأنهم يعلمون أن هذه آخر فرصة لهم، فيحاولون أن يصرفوه من هنا وهناك.
وحينئذٍ لا نجاة ولا أمل للعبد إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وحفظ الله عز وجل له، وإلا فلو وكل الله سبحانه وتعالى العبد إلى نفسه طرفة عين في هذه الحياة الدنيا لضاع وضل، كيف به وهو يعاني من أهوال الموت!
وفي هذا الموقف أيضاً أيها الإخوة! يحضر المرء ما كان يدور في خلده، وما كان يشغل باله في الحياة الدنيا، وحينئذٍ يبدأ يتفوه ويهذي بما كان يشغله في الحياة الدنيا، فإن كان مطيعاً لله مات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كان من المتعلقين بالدنيا أصبح يردد ما يتعلق بالدرهم والدينار، وإن كان من المتعلقين بالفواحش أصبح يردد ما يتعلق بذلك.
أيها الإخوة! ذكر الأخبار حول هذا الأمر يطول، وليس هذا وقته، وقد ذكر طرفاً من ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه (العاقبة)، ونقل بعضاً منه الإمام ابن القيم في كتابه القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، فمن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى هذه الكتب.
ولعلي أورد قصة مختصرة حول هذا الأمر، ذكر عبد الحق في هذا الكتاب عن رجل، وكان من الناس الصالحين، والعلماء الأخيار، رأى غلاماً أمرد فتعلق قلبه به، وكلف به حتى فقده، فلما فقده مرض واشتد به المرض، فذهب الناس يسعون إلى هذا الغلام؛ لعله أن يأتي إليه لأجل أن يراه فقط، فما زالوا به حتى أقنعوه أن يجيء إليه، فلما بلغ هذا الرجل موافقة الغلام سر وعادت إليه بعض حاله، فلما أخبر الغلام بذلك خاف من الله سبحانه وتعالى، فعدل عن مجيئه، وهنا اشتدت الحال بهذا الرجل، وأصبح يردد بيتين -عافانا الله وإياكم منها- كفر بهما بالله سبحانه وتعالى، قال فيهما:
أسلم يا راحة البال العليل ويا شفاء المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي من رحمة الخالق الجليل
عافانا الله وإياكم، ومات وهو يردد هذين البيتين.
أيها الإخوة! إنه أمر خطير جداً أن يتعلق المرء ويتعلق قلبه بمثل هذه الأمور، فتحضره عند وفاته يوم لا ينفعه -بعد توفيق الله سبحانه وتعالى- إلا عمله الصالح.
الأمر الرابع أيها الإخوة! من مخاطر الشهوة:
أن استيلاء الشهوة على القلب ينسي الإنسان مصالح دينه ودنياه، فتصبح الشهوة همه، فتقيمه وتقعده، يفكر بها في كل شئون حياته، حتى قد تجده -والعياذ بالله- يفكر بذلك في صلاته، ويفكر بذلك في نومه، وفي سائر أحواله، ويصبح همه وتفكيره منساقاً وراء هذه الشهوة، فيتعلق قلبه بها، فينسى بذلك مصالح دينه، وينسى بذلك ما فيه الخير له في الدين والدنيا، وينسى بذلك مصالح دنياه.
الأمر الخامس من مخاطر هذه الشهوة:
أن تعلق قلب الإنسان بها ومحبته لها يكون على حساب محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن القلب لا يمكن أن يجتمع فيه النقيضان، لا يمكن أن يجتمع فيه محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم التي بها يجد العبد حلاوة الإيمان، (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، ومحبة غيرهما مما يجلب للقلب القسوة.
إن الرجل الذي تستولي الشهوة على قلبه وعلى فؤاده جدير بألا يبقى في قلبه مكان لمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أخي المسلم! أنه بقدر ما يتعلق قلبك بأمر من أمور الدنيا، وشهوة من شهوات الدنيا بقدر ما تفقد من ذلك من محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الباحثات عن السراب | 2589 استماع |
الشباب والاهتمامات | 2464 استماع |
وقف لله | 2325 استماع |
رمضان التجارة الرابحة | 2257 استماع |
يا أهل القرآن | 2190 استماع |
كلانا على الخير | 2189 استماع |
يا فتاة | 2183 استماع |
الطاقة المعطلة | 2120 استماع |
علم لا ينفع | 2087 استماع |
المراهقون .. الوجه الآخر | 2083 استماع |