حديث مع الشباب


الحلقة مفرغة

الأضحية سنة مؤكدة أو واجبة في قول بعض العلماء، وقد ورد في فضلها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه وأهل بيته بكبشين أقرنين أملحين، وضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر، ولها أحكام وشروط لا تصح ولا تكون مجزئة إلا بها، فيجب معرفتها ومراعاتها فيها.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن من يتأمل في واقع الشباب الآن يدرك أن هناك شرخاً عظيماً وانصداعاً في هذا الكيان، وهو كيان مهم من كيانات الأمة، وركن ركين من أركان المجتمع ودعاماته، والأمم والمجتمعات إنما تقوم بشبابها، وعندما تتحدث أنت عن الانحراف في واقع الشباب والفساد في كثير منهم لست بحاجة إلى إيراد أدلة على هذه الدعوى، فالجميع يسلم لك بذلك، ولا أظن أحداً أبداً يخالف في هذه البدهية، وأظن أنه من الترف الفكري وإضاعة الوقت أن نسعى إلى إثبات البدهيات، ولكن القضية التي قد يقع حولها الخلاف هي التعامل مع هذا الواقع، فالجميع يتفقون على أن هذا الواقع واقع غير شرعي، وأن هذا الواقع يحتاج إلى تصحيح، وأن هذا الواقع فيه انحراف، وهذه قضية بدهية ويتفق عليها الجميع.

وكما قلت: عندما تتحدث أنت عن أوساط الشباب والفساد والخلل الموجود في هذا الكيان لست بحاجة إلى أدلة ولا إيراد شواهد، بل هذا من إثبات البدهيات، وكما قال الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

ولكن الخلاف يحصل في منهج التعامل مع هذا الواقع، فهذا واقع يفرض نفسه الآن، أو واقع موجود على الساحة، فكيف نتعامل مع هذا الواقع؟ وكيف نتعامل مع هؤلاء الشباب؟ أظن أن هذه القضية بحاجة إلى أكثر من تفكير، وبحاجة إلى أكثر من جهد، وبحاجة إلى تنوع المجالات والجهود، فهي قضية مهمة من قضايا مجتمعنا، وقضية مهمة من قضايا الدعوة، وأنت عندما تتأمل في أساليب الناس في التعامل مع هذا الواقع تجد أن الناس أصناف شتى: فهناك فئة لا تتجاوز إثارة الأحزان والأشجان والندب لهذا الواقع الأليم، فهو يحدثك عن مرارة الواقع، وعن الفساد والانحراف، ويذكر لك ألواناً من الصور بل وألواناً من الصور الصارخة لهذا الفساد والانحراف، لكنه يقف عند هذا القدر، وهذا القدر يشترك فيه الكثير من الناس، ندب الواقع، والحديث عنه، والانتقاد له يشترك فيه الكثير، ولكن المشكلة ليست هنا فنحن الآن تجاوزنا مرحلة إقناع الناس بفساد هذا الواقع، وهي مرحلة أظن أننا لسنا بحاجة للحديث عنها، وعندما نتحدث عنها وعن مرارتها، ونندب هذا الواقع يجب أن نتحدث بلغة من يريد التغيير لا من يقف عند هذا الحد، فهناك فئة كثيرة -كما ذكرنا بل قد يكون منهم من أهل الصلاح والخير والاستقامة- تقف عند هذا الحد، تقف عند حد انتقاد الواقع، وإثارة الأحزان، والندب على هذا الواقع، والاسترجاع، وهذا منطق العاجزين، ومنطق الكسالى، ومنطق غير العاملين، ومنطق الذين يستسلمون للواقع، وما ترى أحداً يستسلم للواقع إلا صاحب عجز، وأنت ترى الإنسان قد يكون في حالة فقر، وعليه ديون، فتراه يسلك ألف وسيلة ويبحث عن ألف أسلوب ليحتال على هذه المشكلة، ويخرج من هذا المأزق، وترى امرأً يريد هدفاً في الحياة الدنيا أياً كان هذا الهدف، وتكون أمامه العقبات والمشاكل الكثيرة، فتراه يسعى ويفكر ويبحث عن ألف طريق وألف وسيلة؛ ليتجاوز هذه المشكلة.

وهناك أمور مثل هذا تتكرر عندنا كثيراً، فعندما يكون عند الإنسان حاجة في أي دائرة حكومية وقد يكون فيها مشكلة تتطلب تأخير هذه المعاملة، أو تتطلب عدم البت فيها، فماذا يصنع هذا الإنسان؟ تراه يسأل عن المسئول من أي بلد، ويسأل عن أقربائه، ويحاول بطريقة أو بأخرى أن يتصل بأقرباء هذا المسئول؛ حتى يتصلوا به ليقنعوه بحل هذه المشكلة.

وهكذا عندما يتقدم أحد ليخطب ابنته تراه يسأل عنه، وعن أخواله، فما يلبث أن يجد امرأ يحل له هذه المشكلة، فالشاهد: أن الإنسان هنا لم يقف عندما كان صاحب حاجة وإرادة وتصميم، واستطاع أن يحتال على حاجته، واستطاع أن يجد ألف أسلوب، وأما في قضايا دينه فالقضية تقف عند هذا الحد: عند التألم والأحزان والأشجان لا غير.

وهناك فئة أخرى تغرق في الحديث عن وصف المرض، وعن ذكر مظاهره وأعراضه بلغة تبعث على الأسى وتبعث على اليأس والقنوط، وعندما تذكر له بعض النماذج وتحاول أن توجد عنده بصيصاً من الأمل، فتحدثه عن بعض البشائر فإنه يفاجئك ببعض المظاهر الصارخة من الفساد والانحراف؛ ليسعى في تبديد كل أمل لديك في تغيير هذا الواقع، وقد لا تختلف هذه الفئة عن سابقتها، لكن الفئة السابقة فئة تقتصر فقط على مجرد التألم، وأما هذا فهو يزيد وقد يتحدث من خلال منابر ومن خلال وسائل الحديث مع الناس عن الانحراف وعن الفساد وعن الخطأ وعن الضلال وعن انحراف الشباب، ثم يقف عند هذا الحد.

إن هذا وصف للمرض وقد يكون مطلوباً -أحياناً- لإقناع من لا يدرك خطورة المرض، ولكن أن يكون هو العلاج فلا، فعلينا أن نفكر ملياً في هذا الأسلوب، إن هذا الأسلوب غاية ما ينتجه فقط إثارة الاهتمام بالمرض، وإثارة الشعور بالمرض، وأما القضية التي نحتاج إليها فهي العلاج، إننا الآن لا نملك أدنى شك ولا أظن أن أحداً يخالجه أدنى شك أن هذا الواقع -واقع الشباب- لا يرضي الله ورسوله، وأن هذا الواقع يطلب الحل الملح.

إذاً لسنا بحاجة إلى الإسهام في الحديث عن الأمراض، وفي الحديث عن الانحرافات، وفي الحديث عن النماذج والصور، فهذه قضية يجب أن نتجاوزها، فهي وصف للمرض، إننا بحاجة أن يوفر هذا الإنسان جهده إلى أن يتحدث عن العلاج، وأن يحاول أن يبحث عن أساليب للعلاج، والتعامل مع مثل هذا الواقع، بل إنك تجد هذا الإنسان قد يمارس الإحباط والتثبيط، فأنت عندما تحدثه مثلاً عن مظاهر الصحوة المباركة، وعن الإقبال على الله عز وجل، فإنه ينقل الحديث إلى زاوية أخرى، فيحدثك عن طرق الفساد والانحراف، ويحدثك عن أخطاء الطيبين وأخطاء الملتزمين إلى غير ذلك، إنه يسعى إلى هدف واحد: أن يبدد كل أمل لديك، وأن يبدد كل شعور بالإصلاح وكل شعور بالتغيير، مرة أخرى أيضاً هذا هو منطق العاجزين ومنطق الكسالى.

بعد ذلك ننتقل إلى فئة ثالثة: وهم من يسعون إلى العلاج، وأساليب الناس في العلاج تتنوع، وقد تجدها أساليب تأخذ خطوطاً قد لا يكون بينها التقاء، فهذا يستعمل أسلوب التهديد والترهيب، وأسلوب هز مثل هذا الشاب هزاً، وهز أولئك العصاة هزاً، وكأنه يصرخ بهم ويقول: قد أدرككم الهلاك.

وآخر يأخذ أسلوب الترغيب والحديث العاطفي، وآخر يأخذ أسلوب الإقناع العقلي، وأسلوب رابع وأسلوب خامس، وأنا أتصور أن تنوع هذه الأساليب لا إشكال فيه، ولا داعي لأن نثير اللغط والجدل حول هذه الأساليب، فكلها تؤدي إلى هدف ونتيجة واحدة.

إن فلاناً من الناس قد يصلح معه هذا الأسلوب لكن الأسلوب الآخر لا يصلح معه، وكذلك فلان وكذلك الشخص الآخر، فأظن أنه ليس ثمة أسلوب واحد هو الذي ينبغي اتباعه، وليس هناك طريقة واحدة ينبغي سلوكها، فالمهم أن تكون هذه الأساليب وهذه الطرق منضبطة بالضوابط الشرعية، ثم تكون مؤدية إلى النتيجة ومحققة للمصلحة، فأنت عندما تقرأ القرآن الكريم تجد أن القرآن ينوع أساليب معالجة أمراض النفس، وينوع أساليب وعظ الغافلين، فتارة بالحديث عن اليوم الآخر وأهواله، وتارة بالحديث عن النار وما فيها، وتارة بالحديث عن الجنة ونعيمها، وتارة بالخطاب العقلي المقنع، فتارة بهذا الأسلوب وتارة بذاك، إن النفوس محتاجة إلى هذه الأساليب.

ثم أيضاً ذاك الشخص الذي يقوم بالدعوة والشخص الذي يطبق هذا الأسلوب هو الآخر قد لا يصلح معه أسلوب آخر، فمثلاً: عندما أتحدث أنا بلغة المنطق العقلي والنقاش العقلي قد لا يناسبني الحديث في الرقائق؛ لأني أجد أني امرؤ أشعر بقسوة في القلب، وأشعر أني عندما أتحدث في قضايا الرقائق أتحدث فيما لا أحسن، وأتكلف ما لا علم لي به، فلا حرج علي إذاً أن أسلك هذا الأسلوب، بل إن سلوكي الأسلوب الآخر قد لا ينفع، وكذلك فلان قد لا يناسب إلا أن يتحدث في هذا الموضوع وهذا الجانب، وكل ميسر لما خلق له.

أقول أيها الإخوة! إنها أساليب كثيرة وأساليب متنوعة فينبغي ألا نقيم جدلاً حولها، وأظن أن الوقت ينبغي أن يستثمر في العمل بعيداً عن الجدل وإثارة اللغط والنقاش، اللهم إلا ما كان فيه إشكال شرعي، ومن هنا فالحديث سواء من خلال هذه المحاضرة أو غيرها إنما هو سلوك أسلوب من هذه الأساليب، ومحاولة لكسر حاجز من الحواجز واجتياز بعض الحدود المتوهمة التي فرضناها نحن، أو توهمناها بصورة أو بأخرى.

إنني أتصور أن هناك حواجز وأن هناك حدوداً متوهمة بيننا وبين أولئك الشباب، فنحن بحاجة إلى أن نكسر هذه الحواجز وندخل إلى هذا العالم الذي قلنا عنه في محاضرة سابقة في هذا المكان إنه عالم آخر يعيش تفكيراً وهماً ومنطقاً وأسلوباً آخر بعيداً عن هذا الأسلوب وهذا الهم والتفكير الذي نعيشه، فنحن بحاجة إلى أن نتجاوز ونكسر هذه الحواجز؛ لنخاطب أولئك الشباب، فهذه محاولة لمخاطبة أولئك، ونحن أحياناً نخاطب هذا الشاب فنقول: ليس أمامك إلا خياران: الخيار الأول: أن تسلك طريق الاستقامة والصلاح والالتزام، وهذا هو الواجب عليك، أو أن ترفض فحينئذ لا شأن لنا بك.

فتبقى بعد ذلك القضية بحاجة إلى تفكير، إنك ترى كثيراً من هؤلاء الشباب من أصحاب الغفلة والإعراض ترى عنده جوانب من الخير، وترى عنده جوانب من الصلاح نحن بحاجة إلى أن نستثمرها، أليست ثمة طريق ثالث؟ أليس هناك خيار ثالث غير هذين الخيارين؟ هذا ما أريد أن أجيب عليه في هذه المحاضرة، وهذا ما أريد أن أسعى إليه لأخاطب هؤلاء الشباب سواء من يستمع منهم إلى هذا الحديث، أو أخاطبكم أنتم؛ لتقيموا هذا الكلام، ولعلكم إن كان لكم قناعة بما أقول أن تساهموا في نقل هذه الفكرة ونقل هذا الحديث إلى أولئك، فهذه المحاضرة امتداد لمحاضرة سابقة كانت بعنوان: رسالة إلى شاب، ومن هنا فلست بحاجة إلى أن أعيد ما قلته هناك، وإنما هي جزء لا يتجزأ من تلك المحاضرة.

ولهذا سأبدؤها من الصفحة الحادية والعشرين حيث انتهت تلك المحاضرة، فقد انتهينا فيها إلى الصفحة العشرين.

فالصفحة الحادية والعشرون بعنوان: لا زلنا عند مطلبك.

كنا قد طلبنا في تلك المحاضرة من الشاب أن يودع طريق الغفلة، وأن يسلك طريق الاستقامة، وحاولنا قدر الإمكان أن نسلك ألواناً من الحجج والأدلة العقلية والمنطقية والأدلة المستنبطة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولنا أن نتحدث مع الشاب ونحشد له الكثير من المؤيدات والحجج والبراهين التي تؤيد مطالبنا المشروعة، وهانحن الآن نخاطبه بلغة أخرى ومنطق آخر، ولكن هذا لا يعني: أننا تخلينا عن مطلبنا الأول، فلا زلنا نطالب وبصوت عالٍ وبصوت ملح نطالب جميع هؤلاء الشباب أن يعودوا إلى طريق الاستقامة والصلاح، أطل منهم أن يعودوا وليس أن يسلكوا؛ لأن هذا هو الأصل، وهذا هو طريق الفطرة، فلا نزال على هذا المطلب وسنستمر عليه، ومهما خاطبناك بلغة أخرى فهو خطاب آخر أو حديث ثانوي، ويبقى حديثنا الأصلي أننا لا زلنا نطالبك بالتوبة، ولا زلنا نطالبك بالعودة إلى الطريق الصحيح وإلى المسار السليم ألا وهو: الاستقامة على شرع الله عز وجل.

وسنزيد إلحاحاً وسنزيد مطالبة، ونشعر أن من محبتنا لك ومن مودتنا لك ومن حقك علينا أن نزيد في المطالبة والإلحاح، إنك ترى رجلاً يطلب من إنسان دينه أو حقه فتراه يلح في مطالبته، وتراه يحاول أن يستعين بالشفعاء والوسطاء، ويسلك آلاف الأساليب والحيل كي يطالب بحقه، وأنت ترى أنه يطالب بحق مشروع، فبالله عليك أينا أكثر حقاً؟ أتصور أن مطالبنا أكثر مشروعية من الرجل الذي يلح في المطالبة بدينه، فذاك رجل يطلب حقاً شخصياً له، وأما نحن فنطلب منك إسعادك، ونطلب منك أن تسلك الطريق، وأنت وحدك المستفيد، وأنت وحدك الخاسر حين ترفض هذا القرار، فأينا أكثر مصداقية في مطالبه؟ وأي المطلبين أكثر مشروعية؟ إنك لا تلوم ذاك الإنسان الذي يطالب حقاً ويطالب ديناً، فما بالك تلومنا نحن وتعتب علينا على إلحاحنا ولا نزال نلح وسيستمر هذا المطلب مطلباً ملحاً إلى أن تفرق بيننا وبينك المنية أو أن تلبي هذا المطلب.

الصفحة الثانية والعشرون: لا زلت مسلماً.

هناك وهم كاذب يسيطر على البعض من الشباب، وهو ما أشرت إليه في مقدمة حديثي: فيتصور الشاب أن أمامه خيارين: الخيار الأول: أن يتوب ويسلك طريق الالتزام والاستقامة، ويعني هذا: أن تنقلب حياته رأساً على عقب، فيبدأ يحافظ على الأوامر، ويبدأ يفعل النوافل ويحرص عليها، ويبدأ يجتنب المحرمات والمعاصي، ويبدأ يتغير تفكيره ويتغير منطق حياته ومنهج حياته، فيصيبه انقلاب كامل في حياته.

الخيار الثاني: أن يفشل في تحقيق هذا الخيار لسبب أو لآخر وهو لا يزال عنده قناعة أن هذا هو الطريق الذي ينبغي أن يسلكه، إنه سلك هذا الطريق يوماً من الأيام لكنه فشل: إما لضعف شخصيته، أو لحواجز وهمية، فالقضية إذاً أمامه الخيار الآخر وهو: أن يبقى على ما هو عليه، فحينئذ يتصور أنه ما دام ملتزماً فله معاملة أخرى، وأنه ما دام ملتزماً فمن حقه أن يضيع وقته، وما دام ملتزماً فمن حقه ألا يحافظ على الصلاة، وما دام ملتزماً فليس مطالباً أن يفعل النوافل، وليس مطالباً أن يقرأ القرآن، وليس مطالباً بهذه المطالب.

أنت ترى مثلاً نقلة بعيدة جداً وشاسعة جداً بين هذا الشاب وهو في طريق الغفلة والإعراض، وعندما يسلك طريق الالتزام، ترى نقلة بعيدة جداً، أليس هناك حل ثالث وخيار ثالث لنختصر هذه النقلة؟

إنك أنت قد تفعل بعض المعاصي، وقد تكون تسير في طريق الغفلة، لكن لماذا تضع هذا الحاجز أمامك: أنك إنسان غير ملتزم وغير مستقيم؟ فتراه عائقاً يعوقك عن المساهمة في كثير من أمور الخير، ويعوقك عن كثير من الطاعات، وتراه مبرراً لك لأن تقع في كثير من المعاصي.

فأنت مثلاً: قد تطالب الشاب أنه يتخلى عن سماع الغناء، وعن مشاهدة الأفلام، وتطالبه بالمحافظة على صلاة الفجر، وتطالبه بأن يفعل السنن الرواتب، وأن يقرأ القرآن، فكأنه يستغرب هذا المطلب ويقول لك: يا أخي! أنا لست ملتزماً وأنا لست مستقيماً، وقد لا يقول هذا الكلام بلسان المقال لكنه يقوله بلسان الحال، فمن أين هذا الوهم؟ ولماذا لا تفترض طريقاً ثالثاً ومرحلة ثالثة؟ إنك قد تقول لي: عندك عوائق وعندك أعذار وعندك أسباب تمنعك من طريق الاستقامة، فنقول: إذا لم تسلك هذا الطريق فثمة طريق ثالث، فلا يعني هذا أنه مسوغ أن يتخلى عن المطلب السابق، لكن لم لا تجعله مرحلة وسيطة؟ لماذا لا تقول: أنا غير ملتزم لكني مسلم؟ فما الذي يمنع مثلاً: من أن أعفي لحيتي وإن كنت غير ملتزم؟ لأن المسلم مطالب بذلك، وما الذي يمنع من أن أحافظ على صلاة الفجر؟ وما الذي يمنع من أن أفعل النوافل؟ وما الذي يمنع من أن أقرأ القرآن، ومن أن أشارك في أمور الخير ولو كنت لست من أهل الاستقامة، ولست من أهل الالتزام والطاعة؟ بل أتصور أنا أن هذه خطوة مهمة قد تقودك إلى الانتقال للمرحلة الأخرى، وقد تجعلك تكون أكثر قدرة على سلوك الطريق الفعلي فعلاً الذي نطالبك به.

مرة أخرى عندما نطالبك نحن بهذا المطلب فلا يعني: أن نتخلى عن طلبنا الأول، فهو مطلب ملح وهو الأصل، ولكن إذا لم تلب هذا المطلب أو عجزت أو فشلت فلا يعني هذا أبداً بحال أنك أصبحت شخصاً آخر، أو كأني أحياناً بك تتصور أنك غير مكلف، أو كما يقول أهل الأصول: غير مخاطب بفروع الشريعة، فأنت إذا كنت غير ملتزم ومظهرك غير مستقيم، فهذا لا يعفيك إطلاقاً من التكاليف الشرعية، فكل نص شرعي سواء أمر أو نهي: سنة واجب محرم مكروه أنت مطالب به، وليس هناك أبداً نصوص خاصة وأحكام خاصة وأشياء خاصة بالملتزمين، وأمور خاصة بغير أولئك.

الصفحة الثالثة والعشرون: كن من أهل العافية.

هناك مشاهد تكررت من الشباب، فيلتقي الشاب مع زملائه فيحدثهم عما فعل، فقد فعلت البارحة كذا وكذا، وشاهدت مثلاً: فيلماً، أو فعلت كذا وكذا، أو فعلت تلك الفعلة، بل وكأنه ينتظر اللقاء على أحر من الجمر؛ حتى يحدث زملاءه عما فعل.

وأحياناً يعمد إلى أن يفعل بعض الممارسات أمام زملائه وأمام الناس إما من خلال عدم المبالاة، أو من خلال الافتخار بهذا العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل العمل بالليل ثم يستره الله عز وجل، فيصبح فيقول: يا فلان! فعلت البارحة كذا وكذا، فيصبح وقد ستره الله عز وجل فيكشف ستر الله عليه) يعني: أنت مثلاً عندما تفعل معصية أو تقع في المعصية أياً كانت هذه المعصية صغيرة أو كبيرة ما الداعي إلى أن تتحدث بها مع الناس؟ إن فعلك للمعصية ذنب، والحديث مع الناس ذنب آخر ومعصية أخرى، إن هذا قطع الطريق على التوبة، لأنه تسهيل للمعصية، ودعوة غير مباشرة للمعصية، ثم لو لم يكن كذلك إن هذا وسيلة لأن تقطع الطريق على نفسك أن تتوب، فإن الناس قد عرفوا ما عندك.

فإن ابتلاك الله عز وجل ووقعت في المعصية فلماذا لا تستتر بستر الله عز وجل، وتكون من أهل العافية؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، فالمجاهرة دليل -مع الاعتذار الشديد- على أنك إنسان مستخف بالمعصية، وعلى أنك إنسان لا تبالي بمعصية الله سبحانه وتعالى، وأما ذاك الإنسان الذي يقع في المعصية، ويتصور أن هذا ذنب، وأن هذا نتيجة أن نفسه غلبته حتى أوقعته في تلك المعصية، وينتظر الوقت الذي يتوب فيه إلى الله عز وجل، فهذا إنسان أقرب حال من ذاك الإنسان الذي يفتخر بهذه المعصية، ويتحدث بها مع أقرانه، أو يفعل معصية أمام الناس.

فهناك ثلاث مراتب فلماذا تختار أنت أسوأ هذه المراتب؟ كما قلنا في الصفحة السابقة:

المرتبة الأولى: التوبة والإقلاع عن المعصية والذنب، هذه المرتبة هي الخيار الطبعي والأمر المطلوب.

المرتبة الثانية: مرتبة الإعلان والمجاهرة والافتخار، هذه مرتبتان، وأنت عندما تفشل في المرتبة الأولى لماذا تختار المرتبة الثانية؟ هناك حل وسط، لا يعني: كونه وسطاً أنه خير، لا، فالوسط الخيري: هو التوبة والإقلاع.

المرتبة الثالثة: أن تستتر بستر الله عز وجل، وأن تجتهد ألا تفعل معصية أمام الناس على الأقل إذا كنت مبتلى بهذه المعصية، فهذا طريق وخطوة بأن تقلع عن المعصية.

ونحن عندما نقول لك هذا الكلام لا نعطيك إطلاقاً مشروعية أن تفعل المعصية، لكن على الأقل هذا أهون الشرين، وهذه وسيلة إلى أن تستتر بستر الله عز وجل، وإذا كنت تقول: أنا ابتلاني الله عز وجل بالوقوع في المعصية وأحاول التخلص منها ولم استطع، وسأسعى إلى ذلك، فأتصور أن أول خطوة تعينك على ذلك هي أن تستتر بستر الله عز وجل، وأن تكون من أهل العافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، واختيارك لهذا الأسلوب وهذا الطريق يعني: أنه وسيلة لينقلك نقلة أخرى بعد ذلك، ووسيلة إلى أن تتوب إلى الله عز وجل، وبعد ما يكون عندك عزيمة وإرادة فليس هناك مشكلة، فالناس ما يعرفون عنك الماضي السيئ والتاريخ السيئ الذي أحياناً يكون عقبة وحاجزاً بين الإنسان وبين التوبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النجوى قال: (وأما العبد المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: أتذكر ذنب كذا وكذا؟ أتذكر ذنب كذا وكذا؟ قال: حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم أو أغفرها لك في الآخرة)، فقد تفعل ذنباً ويستر الله عز وجل عليك، فلا داعي لإعلان ذلك الذنب فقد يمكن أن تكون من أهل هذا الحديث أن تكون ممن ستر الله عز وجل عليهم في الدنيا، وغفر الله لهم في الآخرة، فإن استتارك بستر الله سبحانه وتعالى، وعدم إعلانك لهذا الذنب لعل هذا أن يكون وسيلة لأن يقول الله تعالى لك يوم القيامة: (أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك في الآخرة).

وأما ذاك الذي يجاهر بالمعصية، ويتحدث بها ويفاخر بها، ويدعو إليها فأحرى به أن يكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رءوس الخلائق).

الصفحة الرابعة والعشرون: لا تحتقر المعصية.

حين تبتلى بمعصية فلا تحتقر هذه المعصية، إنك عندما تتحدث مثلاً مع بعض الناس عن معصية وسيئة يقع فيها يقول لك: هذه قضية سهلة، أو على الأقل هناك من خالف في هذه المسألة، أو هناك من يفعل أسوأ من هذا، أو أنا أفعل أسوأ من هذا، وهذا من نتائج المعصية وأثر المعصية، إنك عندما تفعل المعصية، وتقع فيها وتبتلى بها فأنت ينبغي أن تتصور وألا يزول أبداً من خاطرك ومن ذهنك أنك تجرأت على معصية الله سبحانه وتعالى، وعصيان الله عز وجل أمر عظيم، كما يقول بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، وانظر إلى عظم من عصيت.

ويضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لمحقرات الذنوب فيقول: (إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أشعلوا نارهم، وأنضجوا عشاءهم، وإن محقرات الذنوب متى ما يؤخذ بها المرء تهلكه).

ويروي البخاري عن ابن مسعود أثراً يضرب فيه مثلاً، فلا بد من إحدى الصورتين، فاختر أنت الصورة المناسبة، يقول رضي الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه فقال به: هكذا.

فكيف واقعك مع ذنوبك ومعاصيك؟ فأنت عندما تبتلى بمعصية وتفعل المعصية هذا لا يعني أن تجاهر بها، ولا أن تبحث عن مسوغ، ولا يعني مرة أخرى: أن تستهين بهذه المعصية وتحتقر هذه المعصية.

فليكن عندك هذا الهاجس، وليكن عندك هذا الشعور: أنك عاصٍ لله، وأنك تفعل المعصية، وحتى ولو كنت تفعل معصية أعظم منها فينبغي ألا يهون عليك تلك المعصية الصغيرة التي تقع فيها، وهذه خطوة للتوبة والإقلاع عن الذنب، بل إن استحقار المعصية قد يحولها إلى كبيرة ولو لم تكن كذلك، ومعاصيك مهما عظمت ومهما كثرت ومهما تكررت فهي لا تسوغ لك بحال أبداً أن تستهين بالمعصية، أو أن تأتي عندما ترتب هذه المعاصي على عظمها وصغرها أن تنظر إلى تلك الصغيرة أو تلك التي تأخذ مرتبة متأخرة في الترتيب، أن تنظر إليها نظرة ازدراء واحتقار أبداً، فرب معصية تحتقرها قد توبقك وتكون سبباً في هلاكك.

الصفحة الخامسة والعشرون: إياك وإضلال الناس.

هذه صورة تتكرر كثيراً، فتجد شاباً مستقيماً محافظاً على أوامر الله عز وجل خير تربى تربية محافظة، وولد من أبوين مسلمين محافظين عليه، وبعد فترة يتغير، وكثيراً ما يقال: من صاحب من الناس؟ إذاً نستطيع أن نقول: إن فلاناً من الناس هو الذي أضله؛ نتيجة أنه صاحبه، فلماذا أنت تسلك هذا الأسلوب؟ فأنا أتصور أنك مقتنع قناعة تامة بأنك تسير على طريق خاطئ، ومقتنع أن طريقك طريق غير شرعي، فلماذا تتسبب في إضلال الناس وإضلال الآخرين؟ فأنت عندما تأتي وتأخذ فلاناً من الناس الذي كان ما يقع في المعصية، وصاحبته أنت وعاشرته ولازمته فأوقعته في الفساد والمعصية فأنت تسببت في إضلاله وإيقاعه في المعصية.

فقد تضله بالمصاحبة وقد تضله بطريقة أخرى، فأنت تدله على الطريق المثلى في المعصية، فتهدي إليه صورة، أو تهدي إليه فيلماً، أو تهدي إليه مجلة، وتدله بطريقة أو بأخرى على طريق المعصية، وتهون عليه أمر المعصية بأي وسيلة، فتكون أنت قد ساهمت في إيقاعه في المعصية بصورة أو بأخرى، وقد تكون قصدت ذلك وقد تكون لم تقصد، لكن لأجل أنك تعرف النتيجة وتعرف النهاية فأنت السبب، فعندما تأخذ فلاناً من الناس أو ابن فلان معك وتصاحبه وتعرف أنت إلى ماذا سيصير، وتعرف أنت النهاية عندما تهدي لفلان هذا الفيلم، أو تقص عليه هذه القصة، أو تعمل معه هذا العمل أو ذاك تعرف النهاية، فلماذا تكون سبباً في ضلال الناس؟ أنت يا أخي! مقتنع أن طريقك خاطئ، ويمكن أنك تبحث عن طريق الصلاح والاستقامة، فكيف ترتكب أنت الخطأ وهذا الأسلوب مع الناس وتنقلهم إلى أن ما ترى أنه أمر فاسد، فأنت ترى أن هذا الطريق الذي هم عليه هو طريق الخير، وهو طريق الصلاح، وهو الطريق الطبيعي الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان، ألا تخشى أن ينطبق عليك قول الله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25]؟! وأنت مثلاً عندما تأتي وتصاحب فلاناً من الناس وبسبب مصاحبتك له انحرف وضل، أتدري أنك تأتي يوم القيامة تحمل وزرك مع وزره هو؟ هذا كلام الله عز وجل، ألا تخشى أن ينطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

وهنا أضرب لك مثالاً محدداً بسيطاً: فأنت أتيت وأهديت إلى فلان فيلماً وأنت قد شاهدت هذا الفيلم، فقد تقول لي: ما أستطيع أتخلص منه، أنا تعودت، أنا أصبحت صاحب إدمان، سنتنازل معك فنقول: قد تكون كما قلت، لكن ما المبرر أنك تهديه إلى فلان من الناس؟ وماذا يترتب على ذلك؟ فإذا أنت أهديته إلى فلان فسينظر إليه، والنظر هذا معصية، وهذا العمل سيصرفه عن كثير من أنواع الطاعات، بل قد يتسبب في وقوعه في المعصية، بل قد يكون سبب في انحرافه كما سنتحدث إن شاء الله في الدرس القادم، وسنذكر لكم نماذج من ذلك.

فقد يكون ذلك سبباً في انحراف أناس آخرين، فهذا الشاب قد يعطي هذا الفيلم لآخرين، فقد تراه أخته وقد يراه أخوه، فتخيل معي الآن ما هي النتائج التي ترتبت على هذه الهدية التي قمت بإهدائها إلى فلان من الناس، فالنتيجة أنك أنت تتحمل المسئولية كاملة، وتتحمل كل الأوزار الذين وقعوا فيها هؤلاء؛ لأنك أنت سهلت لهم طريق المعصية، وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)، وأنت ترى مشهداً آخر معاكساً فأنت تهدي إلى هذا مثلاً فيلماً ساقطاً، لكنك ترى من يهدي إلى فلان شريطاً إسلامياً، وترى من يهدي إليك أنت شريطاً إسلامياً وكتاباً إسلامياً، أنت مثلاً: قد تصاحب فلاناً لغرض إفساده، أو لقضية معينة، وتعرف النتيجة، لكنك ترى أنت من يدعوك ويحاول أن يأخذ بيدك ليصحبك؛ كي ينقلك إلى طريق الاستقامة.

فيا أخي! هل هذا المشهد لا يدعوك إلى أن تراجع نفسك؟ فانظر كيف أنت عائش في النقيض، فهناك من يسلك نفس الأساليب التي تسلكها: أسلوب المصاحبة، والكلام، والإهداء، وتجده يحترق حتى ينقل فلاناً أو فلاناً إلى طريق الهداية، وأنت تمارس نفس الأسلوب بطريقة أخرى، فعلى الأقل يا أخي! إذا ما اقتديت به المفروض أن هذا الخطوة تجعلك تتوقف عن أن تسلك هذا الطريق: طريق إضلال الناس، وهي قضية خطيرة ما يسوغ أن تستهين بها، وفرق بين أن تفعل معصية وتقع فيها، وبين أن تسهلها على الناس، وتدعو الناس إليها، وتحاول أن تنقل الناس إلى المعصية، فتتسبب في إضلال الناس.

الصفحة السادسة والعشرون: لماذا هذه الحواجز؟

لماذا هذا العداء المفتعل وهذه الحواجز المصطنعة بينك وبين الأخيار؟ نرى الآن حواجز وحدوداً بين هذا الشاب وبين الناس الأخيار، فإذا نظر بعضهم إلى بعض فإنه ينظر شزراً، فلا يسلم عليهم، وإذا حصل السلام فيكون سلاماً -كما يقول الناس-: روتينياً، وأما مشاعر المودة وتبادل الحديث إلى غير ذلك فكل هذا قد لا يوجد.

قد تقول أنت: إن السبب هم الأخيار، وكثيراً ما يقال هذا الكلام، فيقول هذا الشاب: الأخيار لا يسلمون علي، والأخيار يفرضون حواجز وعندهم استكبار إلى غير ذلك، فأقول له: إنه من السهل جداً أن تحمل الآخرين المسئولية، فأنت الآن طرف في المشكلة فمن السهل أن تحمل الآخرين المسئولية كاملة، لكن بقي طرف آخر في القضية ومن العدل والمنطق دائماً أنك ما تحكم بين شخصين إلا عندما تسمع منهما جميعاً، ولهذا يقولون: إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى تسمع من الخصم الآخر؛ فقد تكون فقئت كلتا عينيه. يعني: يأتيك رجل ويقول: هذه عيني مفقوءة، فلعل الآخر فقئت كلتا عينيه، فانتظر حتى تسمع منه.

فكونك تحمل الآخرين المسئولية هذا منطق سهل، مثلاً: عندما يرسب الطالب من السهل أنه يحمل الأستاذ المسئولية، وعندما يفصل الموظف نتيجة الإهمال، أو يخصم عليه: من السهل أنه يحمل رئيسه المسئولية، وهكذا من السهل على كل إنسان أنه يحمل الآخرين المسئولية، بل أنت مثلاً: لو تلتقي بالمسجونين فإنك تجدهم يتحدثون عن تجاوز القضاة وتجاوز الشرطة والهيئات، فيحمل الآخرين المسئولية.

الأمر الثاني: أن العلاقة ما هي من طرف واحد وإنما هي علاقة تبادلية مشتركة، فأنت عندما تقول لي: هو ما يسلم، فإنه أيضاً يقول لك: وأنت ما تسلم، فالقضية ما هي من طرف واحد، فلماذا أنت تطالب فقط من طرف واحد؟ فالقضية الآن قضية مشتركة تحتاج إلى تنازل منك أنت وتنازل منه هو، وإلى مبادرة منك أنت ومبادرة منه هو، فليست من طرف واحد حتى نحمل هذا الطرف المسئولية وحده.

الأمر الثالث: من الخاسر؟ فمثلاً هو عندما يعرض عنك سيكون بينك وبينه حاجز، وصار هنا سؤال: من سيخسر؟ أفترض أن الخسارة لك أنت؛ لأنك أنت عندما تصاحبه وتجلس معه ستستفيد منه، وستجد منه أموراً كثيرة من أمور الخير ولو على الأقل أن تجد منه ريحاً طيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هو فقد لا يخسر كثيراً، فالخاسر أنت، أو بعبارة أخرى أنت صاحب الحاجة، فأنت الآن الذي تحتاج إلى أن تحسن هذه العلاقة، فالأولى أن تكون المبادرة منك أنت؛ لأنك أنت صاحب الحاجة، ثم أنت الذي ستخسر عندما تبقى هذه العلاقة علاقة سلبية.

الأمر الرابع: أن هذا المستقيم قد سبقك في ميادين كثيرة، فهو مثلاً: استقام، وترك المعصية، وفعل الطاعة، وفاقك في أمور كثيرة، فيا أخي! نريد منك نحن أن تفوق في هذه القضية وحدها، لماذا دائماً ترضى أن تكون في آخر القائمة؟! لماذا لا تقول: فلان سبقني في جوانب كثيرة من جوانب الخير فلابد أن أسبقه في هذا الخير، فنريد منك أن تساهم في تحطيم هذا الحاجز.

أمر خامس: قد يكون من حقه ذلك عندما هو يفرض هذا الحاجز، وعندما يرفض أن يلتقي بك، أو يجلس معك، أو يتحدث معك، والقضية ليست كبراً وليست غروراً وإن كانت قد توجد حالات نادرة، لكن لماذا لا تحمل دائماً أنت إلا أسوأ التفاسير؟ فهناك باب العذر والتبرير، فمثلاً: أنت عندما تلتقي به وتسخر منه بالله عليك أليس من حقه أن يرفضك؟ فلماذا أنت تواجهه بالسخرية دائماً؟ وأحياناً بالكلام وبالغمز أحياناً وبالإشارة بصورة أو بأخرى، أنت تفعل معه أنواعاً من السخرية، فكيف مع ذلك تطلب منه أنت أن يحطم هذه الحواجز، وأن يعاملك بنقيض ما تعامله؟!

أيضاً: هو قد يكون عنده عذر آخر، فقد يكون يريد أن يحافظ على نفسه، فيرى مثلاً: أنه عندما يجلس معك تحدثه أنت عن المعاصي، وتحدثه عما تفعل وتسوغ له المعصية، فيرى أن جلوسه معك من باب مصاحبة جليس السوء، وقد تكون سبباً في وقوعه في المعصية، فمن هنا فهو يرفضك لا كبراً ولا استكباراً وإنما يرفضك من باب أن يحافظ على نفسه.

فلماذا لا تكون أنت صاحب القرار؟ ولماذا لا تحطم هذه الحواجز وتحترم مشاعر الآخرين؟ فتبدأه بالسلام وتبتسم له وتبدي له إعجابك وارتياحك بما هو عليه، وتقول: والله يا أخي! أنا أغبطك على الذي أنت عليه، يا أخي الكريم! هذا شيء أنا أجزم أنه موجود عندك في الداخل لماذا لا تقوله؟ أنا أجزم أنك أنت عندما يسألك أحد تقول: والله يا أخي! إني أغبط الناس المستقيمين والأخيار، وأتمنى أن أكون مثلهم، فأنت عندما تسلم عليه وتبتسم له وتقول: يا أخي! أنا أغبطك على الواقع الذي أنت عليه، وأتمنى أن أكون مثلك، وأتمنى أن أصير إلى الحال التي أنت عليه، وأرى أني على خطأ وعلى انحراف، وأخشى على نفسي لكن الشكوى إلى الله، وتساهم أنت في تحطيم الحواجز هذه، فتستفيد الكثير، وتختصر عليك خطوات كثيرة، لماذا لا تتمثل قول الشافعي :

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سوياً في البضاعة

بل قبل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب) ، ويقول: (من أحب قوماً حشر معهم)، وحين سئل عن رجل يحب القوم ولما يلحق بهم، يعني: الإنسان يحب الآخرين ولكنه لم يعمل عملهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، فيقول أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ولما ألحق بهم، وأرجو أن أحشر معهم.

يا أخي! بالله عليك أيما أحب لك أنك تحشر مع المطرب فلان واللاعب فلان والشهير فلان، أو أن تحشر مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الناس الصالحين والأخيار ومع هذه النماذج؟ ولا تقل لي: إن المحبة في القلب، فأقول لك: لا، المعاملة لها أثر، فأنت لما تحطم الحواجز هذه وتتعامل مع الطيبين ومع الأخيار باحترام وتقدير وتوقير، فهذه وسيلة إلى أن يوجد في قلبك محبة لهم، وهذه المحبة على الأقل يرزقك الله عز وجل بها خيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً قالوا: هلم إلى حاجتكم فجلسوا، ثم يصعدون إلى الله عز وجل فيسألهم فيقول: كيف وجدتم عبادي؟ فيقولون: وجدناهم يحمدونك ويسبحونك ويذكرونك، فيقول: وماذا يسألونني؟ قالوا: الجنة، قال: ومما يستعيذوني؟ قالوا: من النار، قال الله عز وجل: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: وكيف لو رأوها؟ قالوا: لكانوا أشد لها شوقاً، قال: أشهدكم أني قد غفرت لهم، قالوا: يا رب فيهم فلان عبد خطاء ليس منهم، إنما جاء لحاجة فجلس، فقال: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

فما المانع مثلاً: إذا كان زملاؤك في المدرسة يريدون أن يذهبوا إلى رحلة أن تقول لهم: أريد أن أشارككم، وتشاركهم في الرحلة، وتعيش معهم مثل هذه المجالس؟ ولعله أن يقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، لماذا لا تزورهم في مجالسهم؟ فنريدك يا أخي أن تكون صاحب مبادرة، فتأتي لزملائك في الفصل أو زملائك في الحي وتقول لهم: أنا أريد أن أدعوكم إلى المنزل، وتصنع لهم وليمة وتدعوهم، وتجلس أنت وتتحدث معهم ولو لم تتحدث معهم في أمور الدين.

إن هذه القضايا وإن كانت قضايا يسيرة وتحتقرها فإنها تختصر عليك خطوات كثيرة، ثم تنقلك إلى أن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: يحب القوم ولما يلحق بهم، (يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب).

وأتصور مرة أخرى أن عدم التزامك وعدم استقامتك لا يجوز بحال أن يبرر لك الحواجز هذه، ولا يجوز أن يبرر لك بحال أن تضع بينك وبين الناس الطيبين والأخيار حواجز وخطوطاً كثيرة لا تفكر في تجاوزها.

نعم أنا أطالب الطيبين والأخيار أن يكسروا هذه الحواجز، وأن يتحدثوا مع هؤلاء، وأن يدخلوا إليهم، لكن أتصور أنك أنت أولى أن أطالبك بذلك، فأنت صاحب الحاجة، وأنت الخاسر، وأولئك استجابوا لمطالب كثيرة طالبناهم بها، وأنت نطلب منك هذا المطلب فنريدك أن تستجيب لنا، وأنا أؤمل أنك مقتنع بهذا الكلام، وأيضاً ما قلت لك هذا الكلام إلا وأنا أجزم أنك ستستجيب.

الصفحة السابعة والعشرون: تساهم معنا في المسيرة.

فأنت الآن ترى مسيرة الصحوة سواء من خلال ما تشاهد في واقعك القريب والبعيد، أو ما تسمع عن أخبار المسلمين، ولو سألتك: هل هذا الأمر يهمك؟ لقلت لي: يهمني، وطبيعي أنه يهمك؛ لأنك إنسان مسلم، ومهما كان عندك من التقصير والإهمال فإن هذا الأمر يهمك.

سؤال آخر: ألم يهدك أحد يوماً من الأيام كتاباً؟ ألم يهدك شريطاً؟ ألم يدعك بأن تحضر محاضرة؟ وقد تكون حضرت هذه المحاضرة من خلال دعوة فلان من الناس، أو سمعتها في الشريط الذي أهداه إليك فلان من الناس، ففكر واسأل نفسك هذا السؤال: ماذا يريد مني؟ ولماذا أهدى لي هذا الكتاب؟ وهذا الشريط لماذا دعاني لحضور هذه المحاضرة؟ ولماذا وجه لي هذه النصيحة؟ وستعرف أنت الإجابة.

ثم أقول لك: هل فكرت أنك أنت تصنع مثل ذلك؟ فأنت عندما نطالبك مثلاً: أن تساهم في الدعوة إلى الله عز وجل تقول لي: أنا ما استطيع، وهذا الأمر يحتاج إلى إنسان صاحب علم، وإنسان مستقيم، وإنسان خير، فأقول لك: أنت مثلاً: ما تستطيع أنك بعد ما تسمع هذا الشريط أن تهديه إلى زميلك، فتكون قدمت خطوة طيبة ولا تحتقرها أطلاقاً؟ لماذا لا تفكر يوماً من الأيام أنك تحضر محاضرة؟ لماذا لا تدعو زميلك معك.

وهناك أسلوب آخر: وهو أن زميلك هذا الطيب المستقيم الذي معك في الفصل إذا أنت قلت له كلمة طيبة وقلت له: والله يا أخي! أنا أغبطك على طريق الخير والاستقامة والصلاح، فاستمر على ما أنت عليه. فهذا الكلام الذي تقوله والله يثبت الكثير.

يذكر لي أحد الإخوة الطيبين يقول: كان لنا زميل أعرفه أنا كان من الصالحين والأخيار ثم انحرف -عافنا الله وإياكم- حتى وقع في المخدرات، وأصبح إنساناً آخر، يقول: قابلته مرة من المرات وأنا أشك فيه هل هو صاحٍ، أو غير صاحٍ، فسلمت عليه فقال لي: خليك مع فلان لا تفارقه أبداً، يقصد زميله السابق الخير، فأنتم على طريق الخير والصلاح والاستقامة. فأنا أريد أن يكون عندك هذا الشعور.

وأنا سأضرب لك مثلاً وهي قصة أظن أنك قد سمعت عنها: الإمام أحمد رحمه الله له قصة مشهورة، يقول ابنه عبد الله : كنت أسمع أبي كثيراً ما يقول: اللهم اغفر لـأبي الهيثم ! اللهم ارحم أبا الهيثم ! اللهم تجاوز عن أبي الهيثم ! فقلت له: من يكون؟ قال: ألا تعرفه؟ قلت: لا، قال: لما دعيت للجلد جذبني بردائي فقال: أتعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني جلدت ثمانية عشر ألف جلدة في طريق الشيطان وسبيل الدنيا، وأنت تجلد في طاعة الرحمن وسبيل الآخرة فأولى مني أن تثبت.

فانظر إلى أبي الهيثم هذا قاطع الطريق، الذي ما تاب ولا عنده نية أنه يتوب، وهو في السجن ويقول: أنا جلدت ثمانية عشر ألف جلدة في سبيل الدنيا وطاعة الشيطان، فيأتي للإمام أحمد وهو يشعر أن الإمام أحمد يعيش في محنة، وأن هذه المحنة تعيشها الأمة، فمن الواجب عليه أن يؤيد الإمام أحمد ، فهو لا يملك شيئاً من الآثار كي يذكر بها الإمام أحمد ، ولا يحفظ الأحاديث، وما يملك إلا تاريخه السابق في الإجرام، فاستطاع أن يوظف هذا التاريخ السابق في الإجرام ليقول للإمام أحمد : إنني ضحيت وبذلت وأنا صاحب معصية، فأنت أولى مني أن تضحي وأنت صاحب طاعة.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: فزادني هذا الكلام تثبيتاً، وكان الإمام أحمد يستغفر له كثيراً حتى إن ابنه عبد الله يسأل ويستغرب: من يكون هذا الرجل؟ ولعله قد غفر الله له بدعوة هذا الرجل الصالح.

فأنت مثلاً: قد يكون لك أستاذ ناصح تسمع منه دائماً النصيحة والتوجيه سواء عامة أو خاصة، فعندما تأخذ بيد أستاذك وتقول له: والله أنا معجب بطريقتك، وأشعر أني أستفيد منك، وأشعر أن الشباب يستفيدون منك. فهذه الكلمة التي تقولها كلمة ما تعجز عنها، وكلمة موجودة في مشاعرك ولن تخسر هذه الكلمة، لكن هذه الكلمة ستدفع هذا الأستاذ دفعة قوية؛ لأنه يشعر أن كلامه وقع في قلوب الآخرين.

وعندما ترى مثلاً: داعية أو خطيب جمعة أو رجلاً أياً كان أثر فيك، فتبدي له الإعجاب، وتبدي له تفاعلك مع ما حدث، فهذه قضية قد تحتقرها ولكنها خطوة مهمة تدفع هذا الرجل وتزيده حماسة وشعوراً بنتيجة عمله، فأثر عليه ولا تحتقر شيئاً أبداً يا أخي! فوالله إن كلمة واحدة قد تقولها تدفع هذا الرجل دفعات كثيرة، وإذا كنت عاجز فاكتب له ورقة وأرسل من يبلغ له هذه الرسالة، وقل لفلان من الناس: قل لفلان هذا الكلام.

فهذه جهود يسيرة يمكن أن تقوم بها فلا تحتقرها، فهي على الأقل تعطيك شعوراً بأنك عملت شيئاً، وأنك ساهمت بدفع الصحوة ولو بشيء يسير.

أنا أقول: يمكنك أن توظف خبرتك في الفساد في دعوة الناس إلى الخير، فعندما تقول لفلان: أنا أضحي وأسهر وأتحمل وأتعرض للمخاطر: مخاطر الفضيحة ومخاطر السجن؛ لأجل أن أحقق شهوة، يا أخي! أنت أولى مني أن تضحي، وأنت أولى مني أن تبذل، فهذا أسلوب تملك أنت أن تفعله، فعليك أن تبذل أي خطوة، وكونك غير مستقيم أو غير ملتزم أو غير خير لا يعني هذا بحال أنك لست معهم، ولا يعني هذا بحال أنك غير مخاطب بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنصيحة، فأنت شأنك شأن بقية الناس يجب أن تساهم مع الجميع.

الصفحة الثامنة والعشرون: حين تكون مع أصحابك.

قد تجلس مع أصحابك فما المانع مثلاً -وهذا الكلام امتداد للصفحة السابقة- أنك تأتي بشريط وتعطيه زملاءك وتقول: اسمعوه، وما المانع أنك تقترح عليهم اقتراحاً، وما المانع أنك عندما تكون مع أصحابك تقول: والله نريد أن نصلي، وعندما يفعلون منكراً تحاول أن تنكر عليهم حتى ولو كانوا أصحاب سوء، ولو كنت سيئاً مثلهم، فقد يسخرون منك، لكن أنت تقول: أنا منطقي مع نفسي، فلو كنت مع أصحابك وزملائك ولو كانوا أصحاب سوء ولو كنت أسوأ منهم؛ ما المانع أن تكون في تناصح معهم، وتكون في تذكير، وتبذل خطوات في أنك تنكر عليهم، وأن تعوقهم عن مشروع يريدون أن يقعوا فيه، فكثيراً ما يكون أحد هؤلاء سبباً في منع أصحابه أن يقعوا في منكر أو أن يقعوا في سيئة، ولعل مثل هذه الخطوات تكون وسيلة لأن يعينك الله عز وجل ويتوب عليك.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
الباحثات عن السراب 2587 استماع
الشباب والاهتمامات 2463 استماع
وقف لله 2323 استماع
رمضان التجارة الرابحة 2255 استماع
يا أهل القرآن 2189 استماع
يا فتاة 2182 استماع
كلانا على الخير 2172 استماع
الطاقة المعطلة 2118 استماع
علم لا ينفع 2085 استماع
المراهقون .. الوجه الآخر 2075 استماع