دعوة للعمل


الحلقة مفرغة

الشركة ثابته بالكتاب والسنة وهي أنواع، منها شركة العنان ويشترط فيها أن تكون بين مسلمين، وأن يكون رأس المال معلوماً، ويكون الربح مشاعاً، يوزع بحسب الأسهم، والشركات أنواع، منها: شركة الأبدان، وشركة الوجوه وشركة المفاوضة، والأخيرة هي أوسع الشركات وأشملها.

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

أما بعد:

فبعون الله وتوفيقه نستأنف هذه الدروس المباركة مع بداية هذا العام الدراسي الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون عام خير وبركة، وأن يرزقنا فيه العلم النافع والعمل الصالح.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على إتمام هذه الدروس، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه سميع مجيب.

عنوان هذا الدرس أيها الإخوة كما تعلمون جميعاً: (دعوة للعمل).

وقبل أن نبدأ الحديث عن الدرس لعلكم تذكرون أنه في آخر الدروس في العام الماضي وعدنا بإكمال هذه الدروس أثناء الإجازة مفرقة، فلعلي أذكر لكم عناوين تلك الدروس التي ألقيت في الإجازة حتى يتيسر لمن أراد أن يرجع إليها.

كان آخر هذه الدروس في العام الماضي هو الدرس السابع والذي كان بعنوان: (التربية الجادة ضرورة).

وكان الدرس الثامن بعنوان: (كلانا على خير)، وألقي في الرياض في كلية إعداد المعلمين في التاسع والعشرين من شهر محرم.

والدرس التاسع كان بعنوان: (التربية الذاتية)، وألقي في جدة في الثامن من شهر صفر.

والدرس العاشر كان بعنوان: (عناية الشريعة بسد ذرائع الفاحشة)، وألقي أيضاً في جدة في التاسع من شهر صفر.

والدرس الحادي عشر كان بعنوان: (الشباب والاهتمامات)، وألقي في عنيزة في الثاني والعشرين من شهر صفر.

والدرس الثاني عشر كان بعنوان: (ماذا بعد الهداية)؟ وألقي في البكيرية بتاريخ الثالث والعشرين من شهر صفر.

وآخرها الدرس الثالث عشر وكان بعنوان: (سوء الفهم آفة)، وألقي في الخرج في الثاني من شهر ربيع الأول.

وهذا هو الدرس الأول في هذا العام وهو يمثل الرقم الرابع عشر من هذه الدروس المباركة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على إتمامها.

وقبل أن أبدأ هذا الدرس لعلي أن أبث لكم خبراً لتشاركوني أحزاني ولتعذروني أيضاً عما يبدر من خلل في أداء هذا الدرس، فقد تلقيت عصر هذا اليوم نبأ وفاة أخوين من إخوانكم الذين كانوا يحضرون معنا هذه الدروس، وقد أصيبوا في حادث سيارة فتوفي منهم شابان وبقي بعضهم في المستشفى، منهم من هو في العناية المركزة، ومنهم من هو بصحة جيدة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمهم ويتجاوز عنهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي مرضاهم.

وحق على كل من حضر مثل هذا المجلس المبارك أو سمع هذا الكلام أن يدعو لإخوانه المسلمين، ونحن إذ يصيبنا الحزن والأسى ونحن نفقد أخوين من إخواننا نشعر أيضاً بالغبطة لهم على هذه الميتة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون خاتمة حسنة، حيث كانوا في سفر -نحسبهم والله حسيبهم- يبتغون به وجه الله وطلب العلم في صحبة صالحة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا وإياكم حسن الخاتمة، وقد صلي عليهم هذا اليوم بعد المغرب، ولقد فكرت في أن أذهب لأشهد الصلاة عليهم لكني كرهت أن أخلفكم الموعد، ولعل في الأمر خيراً أن ندعو لهم جميعاً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن عليهم بواسع رحمته وعفوه وأن يتجاوز عنهم ويرفع درجاتهم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يشفي سائر إخواننا المرضى والمصابين، وأن يجعل ذلك تكفيراً لسيئاتهم وذنوبهم، وأن يجعل ما يصيبنا من حزن وأسى لفقد إخواننا في تكفير سيئاتنا ورفعة درجاتنا إنه سميع مجيب.

ويحق لي أن أحزن وقد فقدت أناساً من أعز طلابي وتلامذتي الذين كنت أراهم لثلاث سنواتٍ خلت يحضرون معي هذه الدروس، ويحضرون معي بعد الفجر، ويسألونني وأتحدث معهم، ولعل أحدهم الذي كان في غرفة العناية المركزة نسأل الله أن يمن عليه بالعافية كان من أكثرهم مداومة على هذه الدروس سواء هذا الدرس أو درس الثلاثاء، أو دروس ما بعد الفجر.

ولا أنسى وقد حدثني بعد ثاني درس من هذه الدروس عن جهد وعمل قام به في مدرسته بعد محاضرتي على مقاعد الدراسة، إنني لا أتصور أني أنسى تلك الوجوه أو أن أنسى هذا الحزن والأسى الذي يصيبنا، لكنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصبر، وأن يغفر لهم ويتجاوز عنهم، وهكذا الدنيا أيها الإخوة لا تدوم على حال، والبقاء إنما هو في دار القرار، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياهم جميعاً في مستقر رحمته.

هذا الموضوع يشمل مدخلاً للموضوع وتمهيداً، ثم في القرآن دعوة للعمل، وفي السنة دعوة للعمل، وأهل العلم على الجادة يدعون للعمل، وصور من الإخلال بالعمل، وصور مشرقة، وأخيراً: لم نتجاوز هذه المراحل بعد؟

سنة الله في الحياة أن لا يعيش فيها ولا يفلح إلا الرجل العامل، بل ولا يأكل رزقه إلا الرجل العامل، وحتى أصحاب الشهوات والمبادئ الأرضية لا بد لهم من عمل يحصلون من خلاله على ما يريدون، فكيف بالمسلم العابد لله عز وجل.

إن صاحب المؤسسة الخاصة والعمل الشخصي لا يريد أن يوظف لديه إلا الرجل العامل المنتج، والتقارير ومعايير الكفاية لديه مرتبطة بالعمل الذي يقدمه والإنتاج الذي يحققه، ومدير الدائرة الرسمية هو الآخر لا يريد إلا الموظف العامل، ومعايير التقويم الرسمية وغير الرسمية لديه أيضاً مرتبطة بعمل الموظف وما يقدمه.

ولا نزال نسمع أن فلاناً المسئول أو فلاناً المدير حين انتقل من دائرته أو شركته اختار بعض الموظفين في مكتبه لينقلهم معه؛ والجميع يتحدثون أنه أدرك منهم أنهم أناس عاملون جادون فهو يريد رجلاً عاملاً يعينه ويعتمد عليه.

إذاً: فالعمل هو مطلب الجميع ومعيار التقويم، بل حتى في تاريخ الأمم أيضاً فالأمم إنما تنمو وتفلح بالعمل والإنتاج، وأي أمة لها تاريخ كان سواءً كانت حضارة مرتبطة بدين سماوي قامت به على هداية الناس، أو كانت حضارةً مادية ارتفعت على الناس في دنياهم، لم تدخل التاريخ إلا من بوابة العمل.

وفتش في صفحات التاريخ فإنك لن تجد فيه مكاناً لأمة من الكسالى أو أمة من غير العاملين اللهم إلا أن تجد لها صفحات من الذم والحديث أنها كانت ضحيةً للمتآمرين والطامعين.

إن الحياة كلها لا تقوم إلا على العمل، فالرجل الذي يحقق أهدافه خيرةً كانت أو سيئة.. مرتبطة بالدار الآخرة أو بالدار الدنيا، هو الرجل العامل، والرجل الذي يلقى التقدير والإكرام هو الرجل العامل، والأمة التي تدخل التاريخ من باب واسع إنما هي الأمة التي تملك رصيداً من العمل ومن الرجال العاملين.

ولعلنا نرى التقهقر الذي أصاب هذه الأمة في شتى جوانب الحياة فندرك أن من أسباب هذا التخلف وهذا التقهقر أننا أمة رضعنا الكسل والهوان والذل فأصبحنا نعتمد على غيرنا.

تلازم الإيمان مع العمل

حين نقرأ القرآن الكريم نجد أنه قد أولى هذا الأمر عنايةً وجعله مطلباً أساساً، فالإيمان لا بد من اقترانه بالعمل الصالح، نقرأ في أكثر من خمسين موضعاً من القرآن أن العمل الصالح يعطف على الإيمان: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] ولا شك أن ذكر الإيمان مجرداً يدخل فيه العمل الصالح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، والله عز وجل قال في شأن الذين ماتوا وقد صلوا إلى بيت المقدس: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.

فالعمل إيمان والإيمان لا يتم مطلقاً ولا يصح إلا مع العمل، ومع أن الإيمان عندما يطلق لا يعني إلا ذاك الإيمان المرتبط بالعمل، فإننا نجد أن العمل الصالح يعطف على الإيمان في أكثر من خمسين موضعاً في كتاب الله سبحانه وتعالى، وما ذلك إلا تأكيدٌ على هذا الأصل الأصيل، ألا وهو العمل، فالإيمان أول واجب على المكلف، وهو لا يمكن أن يكون مجرد شعور قلبي يتوجه المرء فيه بقلبه فقط، ولا يمكن أن يكون مجرد كلمة تقال باللسان فما لم يصحبه العمل فإنه ناقص مصاب بالخلل.

الإيمان الخالي عن العمل دعوى فارغة

ثانياً: الإيمان في القرآن حين لا يصاحبه عمل يصبح دعوى فارغة لا يحق لصاحبها أن يدعيه: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:14]، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] إنه لا يحق لكم أن تدعوا الإيمان ولا يحق لكم أن تقولوا آمنا لأنكم لما تصلوا إلى مرحلة الإيمان بعد، فالمؤمنون الذين يحق لهم أن يتسموا بالإيمان.. والذي يحق لهم أن يدعوا الإيمان هم: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15] إيماناً يقينياً لا شك فيه، ثم مع ذلك: وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] أي: إن الذين يحق لهم أن يدعوا الإيمان حقاً هم العاملون.. الذي قدموا أنفس ما يملكون من الأنفس والأموال لله عز وجل: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].

تعليق الجزاء في الدنيا على العمل

ثالثاً: يعلق القرآن الجزاء في دار الدنيا على العمل: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55] إننا نقرأ في القرآن الكريم كثيراً من المصارع التي آلت إليها الأمم المكذبة والأمم الضالة، ونقرأ التعقيب في آيات القرآن الكريم أن هذا الجزاء الوخيم الذي صار إليه أولئك المكذبون إنما كان في مقابل عملهم السيئ، إذاً: فالعمل هو الذي قادهم إلى هذا المصير المحتوم.

والعمل الصالح يلقى المرء جزاءه في الدنيا بركةً وسعةً في الرزق: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96] إذاً: فالجزاء بالإحسان أو بالعقوبة في دار الدنيا مرتبط بالعمل إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وشواهد هذا الأصل في كتاب الله سبحانه وتعالى أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر.

السؤال يوم القيامة عن العمل

رابعاً: السؤال يوم القيامة والحساب إنما هو على العمل: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:93] .. وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28] فحين يسأل المرء يوم القيامة، وحين يحاسب، وحين يجازى فهو إنما يحاسب ويجازى على ما قدم من عمل خيراً كان أو شراً، فالعمل إذاً هو مناط الحساب، وهو مناط المساءلة، وهو مناط الجزاء بعد ذلك.

الثواب الأخروي على العمل

خامساً: الثواب الأخروي وهو الأساس الذي شمر إليه المشمرون، والذي تسابق إليه العاملون، وتنافس فيه الصالحون، مرتبط أيضاً بالعمل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، ويقال لهم هناك: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المرسلات:43] فما فاز من فاز وأفلح من أفلح في دار القرار ودار النعيم المقيم إلا بالعمل، والرصيد الوحيد الذي يؤهله لهذا التكريم ولتلك المكانة إنما هو عمله الصالح.

العقاب الأخروي على العمل

سادساً: العقاب الأخروي في نار الجحيم مرتبط أيضاً بالعمل: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90]، ويقال لهم تبكيتاً وتوبيخاً: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:14]، وحين يطالبون بالعودة إلى دار الدنيا -وأنى لهم ذلك حتى تشيب مفارق الغربان- فهم إنما يطلبونها لأجل أن يمكنوا من العمل، فقد أدركوا الآن قيمة العمل.

إن تلك الدنيا التي كانوا يعيشون فيها من أجل الشهوات الفانية.. من أجل المال.. من أجل الجاه، إن كل تلك المعاني التي كانت عندهم تستحق التضحية بالمبادئ.. تستحق التضحية بكل ما يملكه الإنسان؛ كل تلك المعاني قد زالت وانمحت من ذاكرتهم، فهم يريدون العودة للدنيا لأجل أن يعملوا: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37].. فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الأعراف:53].

التفكر في آيات الله لا بد أن يثمر العمل

سابعاً: التفكر في آيات الله عز وجل وما يتبعه من مشاعر لا بد أن يتحول إلى رصيد عملي، يقول الله عز وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:190-195].

مع هذا التفكير في مخلوقات الله عز وجل، ومع هذا الدعاء، ومع ذكر الله عز وجل قياماً وقعوداً وعلى الجنوب مع ذلك كله الجزاء مرتبط بالعمل هذا التفكير وهذا الدعاء دعاهم إلى العمل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195] وما هو هذا العمل؟ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا [آل عمران:195] إن الهجرة والإيذاء في سبيل الله عز وجل وما يتبعها إنما هي نتيجة مباشرة لذاك العمل الذي كانوا يقدمونه حين تصدوا لحمل دين الله عز وجل ودعوة الناس إليه، حتى واجهوا ما واجهوا من قومهم فأوذوا وقاتلوا وقتلوا وأخرجوا من ديارهم لأجل أن يفروا بدينهم من تلك الفتنة التي تعرضوا لها.

إن هذه الهجرة مع أنها عمل، وهذا الإيذاء الذي تعرضوا له مع أنه عمل إلا أنهما أيضاً ناشئان عن عمل وجهد، لن يتعرض للإيذاء ولن يضطر للهجرة إلا ذاك الذي واجه الأعداء بما يكرهون، والذي أعلنها صريحة مدوية في وجه الأعداء، فاضطر لأن يتحمل الأذى والضيم في سبيل الله عز وجل، ويتبع ذلك بالخروج من تلك الديار وتلك البلاد يفر بدينه من الفتن.

الخوف من الله يقود إلى العمل

ثامناً: وفي القرآن الكريم أيضاً الوعظ والتأثر به والخوف من الله سبحانه وتعالى لابد أن يقود إلى العمل فينتج رصيداً عمليا: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:7-11].

لقد كانوا يخافون من هذا اليوم العبوس القمطرير فماذا كان أثر هذا الخوف.. وماذا كانت نتيجته؟

لقد دعاهم هذا الخوف وهذا التأثر الذي لمسوه في قلوبهم إلى أن: يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:8-10] أي: إن الذي دعانا إلى هذا الإنفاق.. الذي دعانا إلى هذا البذل وهذا العمل إنما هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، فالخوف والشعور بخشية الله عز وجل لا بد أن ينتج أيضاً رصيداً عملياً: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:49-50].

وقل هذا أيضاً في سائر المشاعر القلبية، فالحب الذي هو شعور من المشاعر القلبية لا بد أن يدفع إلى العمل، فمن يحب الله سبحانه وتعالى لا بد أن تؤثر هذه المحبة فتتحول إلى محبة لما يحبه الله عز وجل من الأعمال، وبغض لما لا يحبه الله عز وجل من الأعمال، ومحبة لمن يحبه الله سبحانه وتعالى ومن يحب الله، اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك.

والرجاء: إن رجاء رحمة الله عز وجل ومغفرته ورضوانه لا بد أن يدفع صاحبه إلى العمل وإلا كان أمناً من مكر الله سبحانه وتعالى.

وهكذا سائر المشاعر، وسائر ما يجده الإنسان في قلبه من تأثر بما يسمعه من موعظة، أو ما يقرؤه في كتاب الله سبحانه وتعالى لا بد أن يتحول إلى رصيد عملي، وإلا فهي مشاعر غير صادقة، أو قل: إنها مشاعر مرت على الخاطر عاجلة لم تؤت ثمارها.

مقت القول من غير عمل

تاسعاً: لقد مقت الله عز وجل في القرآن الكريم القول بغير عمل وذمه وعابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] وأتبعت هذه الآيات بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4] فالله سبحانه وتعالى إنما يحب العاملين.. إنما يحب المجاهدين الذين يقاتلون في سبيل الله عز وجل.. الذين يعملون ولا يشغلهم القول عن العمل.

إذاً: أيها الإخوة! هذه شواهد متضافرة من كتاب الله سبحانه وتعالى الذي نتلوه جميعاً صباح مساء كلها تدعونا إلى العمل، وكلها تجعل القضية مرتبطة أصلاً بالعمل.

حين نقرأ القرآن الكريم نجد أنه قد أولى هذا الأمر عنايةً وجعله مطلباً أساساً، فالإيمان لا بد من اقترانه بالعمل الصالح، نقرأ في أكثر من خمسين موضعاً من القرآن أن العمل الصالح يعطف على الإيمان: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] ولا شك أن ذكر الإيمان مجرداً يدخل فيه العمل الصالح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، والله عز وجل قال في شأن الذين ماتوا وقد صلوا إلى بيت المقدس: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.

فالعمل إيمان والإيمان لا يتم مطلقاً ولا يصح إلا مع العمل، ومع أن الإيمان عندما يطلق لا يعني إلا ذاك الإيمان المرتبط بالعمل، فإننا نجد أن العمل الصالح يعطف على الإيمان في أكثر من خمسين موضعاً في كتاب الله سبحانه وتعالى، وما ذلك إلا تأكيدٌ على هذا الأصل الأصيل، ألا وهو العمل، فالإيمان أول واجب على المكلف، وهو لا يمكن أن يكون مجرد شعور قلبي يتوجه المرء فيه بقلبه فقط، ولا يمكن أن يكون مجرد كلمة تقال باللسان فما لم يصحبه العمل فإنه ناقص مصاب بالخلل.

ثانياً: الإيمان في القرآن حين لا يصاحبه عمل يصبح دعوى فارغة لا يحق لصاحبها أن يدعيه: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:14]، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] إنه لا يحق لكم أن تدعوا الإيمان ولا يحق لكم أن تقولوا آمنا لأنكم لما تصلوا إلى مرحلة الإيمان بعد، فالمؤمنون الذين يحق لهم أن يتسموا بالإيمان.. والذي يحق لهم أن يدعوا الإيمان هم: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15] إيماناً يقينياً لا شك فيه، ثم مع ذلك: وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] أي: إن الذين يحق لهم أن يدعوا الإيمان حقاً هم العاملون.. الذي قدموا أنفس ما يملكون من الأنفس والأموال لله عز وجل: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].

ثالثاً: يعلق القرآن الجزاء في دار الدنيا على العمل: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55] إننا نقرأ في القرآن الكريم كثيراً من المصارع التي آلت إليها الأمم المكذبة والأمم الضالة، ونقرأ التعقيب في آيات القرآن الكريم أن هذا الجزاء الوخيم الذي صار إليه أولئك المكذبون إنما كان في مقابل عملهم السيئ، إذاً: فالعمل هو الذي قادهم إلى هذا المصير المحتوم.

والعمل الصالح يلقى المرء جزاءه في الدنيا بركةً وسعةً في الرزق: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96] إذاً: فالجزاء بالإحسان أو بالعقوبة في دار الدنيا مرتبط بالعمل إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وشواهد هذا الأصل في كتاب الله سبحانه وتعالى أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر.

رابعاً: السؤال يوم القيامة والحساب إنما هو على العمل: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:93] .. وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28] فحين يسأل المرء يوم القيامة، وحين يحاسب، وحين يجازى فهو إنما يحاسب ويجازى على ما قدم من عمل خيراً كان أو شراً، فالعمل إذاً هو مناط الحساب، وهو مناط المساءلة، وهو مناط الجزاء بعد ذلك.

خامساً: الثواب الأخروي وهو الأساس الذي شمر إليه المشمرون، والذي تسابق إليه العاملون، وتنافس فيه الصالحون، مرتبط أيضاً بالعمل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، ويقال لهم هناك: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المرسلات:43] فما فاز من فاز وأفلح من أفلح في دار القرار ودار النعيم المقيم إلا بالعمل، والرصيد الوحيد الذي يؤهله لهذا التكريم ولتلك المكانة إنما هو عمله الصالح.

سادساً: العقاب الأخروي في نار الجحيم مرتبط أيضاً بالعمل: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90]، ويقال لهم تبكيتاً وتوبيخاً: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:14]، وحين يطالبون بالعودة إلى دار الدنيا -وأنى لهم ذلك حتى تشيب مفارق الغربان- فهم إنما يطلبونها لأجل أن يمكنوا من العمل، فقد أدركوا الآن قيمة العمل.

إن تلك الدنيا التي كانوا يعيشون فيها من أجل الشهوات الفانية.. من أجل المال.. من أجل الجاه، إن كل تلك المعاني التي كانت عندهم تستحق التضحية بالمبادئ.. تستحق التضحية بكل ما يملكه الإنسان؛ كل تلك المعاني قد زالت وانمحت من ذاكرتهم، فهم يريدون العودة للدنيا لأجل أن يعملوا: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37].. فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الأعراف:53].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
الباحثات عن السراب 2584 استماع
الشباب والاهتمامات 2461 استماع
وقف لله 2319 استماع
رمضان التجارة الرابحة 2254 استماع
يا أهل القرآن 2188 استماع
يا فتاة 2180 استماع
كلانا على الخير 2169 استماع
الطاقة المعطلة 2115 استماع
علم لا ينفع 2083 استماع
المراهقون .. الوجه الآخر 2072 استماع