خطب ومحاضرات
رسالة إلى شاب
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فنحمد الله سبحانه وتعالى على أن جمعنا وإياكم في هذا المكان، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوقفنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجمعنا في مستقر رحمته، ودار كرامته، ويجعلنا وإياكم من المتحابين بجلاله يوم يناديهم سبحانه وتعالى: (أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي؟!).
أيها الإخوة! حديثنا هذه الليلة (رسالة إلى شاب)، وهي رسالة من نوع معين إلى أولئك الشباب الذين ولدوا من آباء مسلمين، وأمهات مسلمات، وعاشوا في هذا المجتمع المسلم، وهم يحملون الفطرة الإيمانية، ويحملون بذور الخير في قلوبهم، بل ويحافظون على كثير من أحكام الله وشعائره، ولكنهم يمارسون ألواناً من الانحراف عن دين الله سبحانه وتعالى، وألواناً من الضياع، تتفاوت هذه الألوان وهذه الصور؛ لكننا نجزم أن غالبهم وعامتهم ينتظرون اليوم الذي يسيرون فيه في طريق المستقيمين، والذي يسلكون فيه درب الاستقامة والسعادة.
ولذا كان لزاماً علينا أن نعتني بإخواننا هؤلاء، وأن نقدم لهم الكلمة الصادقة؛ لعلها أن تجد آذاناً صاغية، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يفتح أبواب قلوب بعض المعرضين من كلمة قد لا يلقي لها صاحبها بالاً.
أيها الإخوة! هؤلاء الشباب مع ما يقعون فيه من الانحراف والضياع الذي قد يصل ببعضهم إلى ترك الصلاة وترك الواجبات، فعامتهم ينتظر ويتمنى اليوم الذي يسلك فيه الطريق المستقيم.
ولكن هناك عقبات وعوائق وموانع، ولذا فقد قمت بإجراء بحث حول هذا الموضوع، وأعددت استمارة وزعت على بعض هؤلاء الشباب في مدينة الرياض، ثم بعد ذلك خرجت لنا نتائج أعلنا بعضاً منها في المحاضرة السابقة، والتي كانت بعنوان: عوائق الاستقامة، وكان في النية أن أتحدث في تلك المحاضرة عن هذه العوائق ومناقشتها، وأن تكون موجهة إلى هؤلاء الذين تحجزهم هذه العوائق؛ ولكن ضاق الوقت فأحببنا أن نرسل لهم هذه الرسالة الخاصة.
أيها الإخوة! قد تطول صفحات هذه الرسالة، ولكن المعذرة فلعلها تكون صادرة من قلب يحترق ويتألم على ما يرى من ضياع الكثير من الشباب الذين تؤمل فيهم الأمة آمالها، والذين تعدهم الأمة لغدها المشرق، قد تطول صفحات هذه الرسالة فتبلغ عشرين صفحة، وهي:
لماذا هذه الرسالة؟
من محاسنكم.
هل رأيت الأخيار؟
هل هؤلاء خير منك؟
هلا قرأت التاريخ.
ألا تعرف أحداً منهم؟
أسمعت عن هؤلاء؟
تأمل في واقع أمتك.
ألا تريد المشاركة في الإنجاز؟
قبل أن تذبل الزهرة.
ماذا يريدون منك؟
حتى لا تدفع ضريبة الغفلة.
اعلن البراءة اليوم قبل الغد.
وإليك البديل.
أيهما تختار؟
كن سابع سبعة.
استعد للامتحان.
لا تنتظر الموعد الموهوم.
فقد تكون النهاية.
لا تقطع الحبل الموصول.
لا تيأس، واتخذ القرار الحاسم.
فهو العائق الوحيد.
الصفحة الأولى: لماذا هذه الرسالة؟
أيها الشباب! لماذا نوجه لكم هذه الرسالة؟ ونتوجه لكم بهذا الحديث الخاص؟
إن هذا ما يدفعنا إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وإنه مهما بدر منكم من التقصير والإعراض والغفلة، فإنكم مع ذلك كله تبقون إخواناً لنا، فلكم إخوة الإسلام، وولاء الإسلام، وحق الإسلام، فمن حقكم علينا أن نحب لكم ما نحب لأنفسنا، وأعظم ما نحب لأنفسنا ونتمنى لأنفسنا هو سلوك طريق الهداية.
وهذه الهداية التي وفق الله لها الصالحين، ونسأله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم ممن وفق لها، هذه الهداية والله ما حصلها من حصلها بكد أمه ولا كد أبيه، ولا بجهده وطاقته، إنما هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، ومنة ونعمة من الله عز وجل القائل سبحانه وتعالى: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم).
ومن حق هذه النعمة وواجب شكرها أن نحرص على أن ننقل هذه النعمة إلى الآخرين، وأن نقول للناس الذين لم يسلكوا الطريق: هانحن قد سلكنا هذا الطريق، فهلموا وبادروا معنا وسيروا؛ علكم تجدوا ما وجدنا فيه من السعادة والطمأنينة، ولذة عبادة الله سبحانه وتعالى، والتي نرجو أن تكون بعد ذلك طريقاً إلى السعادة الأبدية والسرمدية، ولذة النظر إلى وجهه سبحانه وتعالى.
أخي الشاب! إذا لم نرسل لك هذه الرسالة، فممن تنتظرها؟! أتنتظرها من شركائك في الفساد؟ أتنتظرها من قرناء السوء الذين أنت بنفسك قلت لنا فيما كتبته لنا وحدثتنا به: إن هؤلاء هم العائق الأول عن سلوك طريق الاستقامة، فهل تنتظر من هؤلاء أن يرسلوا لك هذه الرسالة؟ أم تنتظر هذه الرسالة من أولئك المفسدين الذين يتربصون بك الدوائر، والذين صدروا لك الأفلام الساقطة، والصور الخليعة، وتفننوا في صدك عن سبيل الله عز وجل؟ أتنتظر منهم بعد ذلك أن يرسلوا لك هذه الرسالة، ويوجهوا لك هذه النصيحة؟
أم تنتظرها من أعدائك من الكفار وغيرهم؟
أجزم أنك لن تسمع هذه الرسالة إلا من قلب يملؤه شعوران: شعور بالعطف والشفقة والمحبة لك، وشعور بالخوف والقلق أن تصير إلى النهاية الخطيرة.. إلى الهلاك الذي لا نجاة بعده.
وأما الصفحة الثانية فهي بعنوان: من محاسنكم:
إن هؤلاء الشباب مع ما عندهم من الإعراض والغفلة، ومع ما عندهم من الفساد الذي لا نقلل من خطورته، إلا أن الدراسة أثبتت لنا أن هناك جوانب خيرة، وهناك جوانب مضيئة في سيرة هؤلاء، فإليكم تلك الجوانب التي قد يكون قالها وأجاب عنها بعضكم ممن يستمع إلى حديثنا الآن، فمن ذلك:
التفكير بالالتزام
أن أكثر هؤلاء قد فكروا بالالتزام، فـ (93%) من طلاب المرحلة الثانوية، و(92%) من طلاب المرحلة المتوسطة قد فكروا في الالتزام، و(32%) منهم فكروا تفكيراً جاداً في سلوك هذا الطريق، و(74%) من طلاب المرحلة المتوسطة، و(71%) قد فكروا بذلك أكثر من ثلاث مرات.
إذاً: فالغالبية من هؤلاء لا يدركون خطأ الطريق فقط، ولا يدركون خطورة الأمر فقط، بل إنهم يفكرون تفكيراً قد يكون جاداً، وقد يكون دون ذلك، المهم أن لديهم الرغبة، وأن لديهم الدافع في توديع حياة الغفلة والإعراض، والسير في ركاب الصالحين.
أيضاً: أكثر هؤلاء يشعر بأن الالتزام هو طريق السعادة، فـ (79%) من طلاب المرحلة الثانوية، و(81%) من طلاب المرحلة المتوسطة أجابوا بأنهم يشعرون بأن الالتزام طريق السعادة.
أما (21%) و(18%) فأجابوا بلا أدري، أما الذين أجابوا بـ(لا) فهم (1%) من كلا المرحلتين.
إذاً: فأكثر هؤلاء أيضاً يدرك تمام الإدراك أن الالتزام هو طريق السعادة.
فإذا كنت -يا أخي- قد أدركت أن هذا الطريق هو الذي يحقق لك السعادة، فما الذي يمنعك من سلوكه، والمصير إليه.
الاستماع للنصيحة
أيضاً: من الجوانب المضيئة عند هؤلاء أن أكثرهم يستمع للنصيحة ويستجيب لها:
فقريب من (70%) من هؤلاء استفادوا استفادة إيجابية من النصيحة التي وجهت لهم، فمنهم من استقام مدة محددة، ومنهم من تأثر، المهم أن النصيحة والكلمة الصادقة لها أثر على هؤلاء.
لا أريد أن أطيل في هذه النتائج، فلدي الكثير من ذلك، ولكني أرى أن الصفحات بعضها يدفع بعضاً؛ حتى لا يضيق الوقت عنها.
أن أكثر هؤلاء قد فكروا بالالتزام، فـ (93%) من طلاب المرحلة الثانوية، و(92%) من طلاب المرحلة المتوسطة قد فكروا في الالتزام، و(32%) منهم فكروا تفكيراً جاداً في سلوك هذا الطريق، و(74%) من طلاب المرحلة المتوسطة، و(71%) قد فكروا بذلك أكثر من ثلاث مرات.
إذاً: فالغالبية من هؤلاء لا يدركون خطأ الطريق فقط، ولا يدركون خطورة الأمر فقط، بل إنهم يفكرون تفكيراً قد يكون جاداً، وقد يكون دون ذلك، المهم أن لديهم الرغبة، وأن لديهم الدافع في توديع حياة الغفلة والإعراض، والسير في ركاب الصالحين.
أيضاً: أكثر هؤلاء يشعر بأن الالتزام هو طريق السعادة، فـ (79%) من طلاب المرحلة الثانوية، و(81%) من طلاب المرحلة المتوسطة أجابوا بأنهم يشعرون بأن الالتزام طريق السعادة.
أما (21%) و(18%) فأجابوا بلا أدري، أما الذين أجابوا بـ(لا) فهم (1%) من كلا المرحلتين.
إذاً: فأكثر هؤلاء أيضاً يدرك تمام الإدراك أن الالتزام هو طريق السعادة.
فإذا كنت -يا أخي- قد أدركت أن هذا الطريق هو الذي يحقق لك السعادة، فما الذي يمنعك من سلوكه، والمصير إليه.
أيضاً: من الجوانب المضيئة عند هؤلاء أن أكثرهم يستمع للنصيحة ويستجيب لها:
فقريب من (70%) من هؤلاء استفادوا استفادة إيجابية من النصيحة التي وجهت لهم، فمنهم من استقام مدة محددة، ومنهم من تأثر، المهم أن النصيحة والكلمة الصادقة لها أثر على هؤلاء.
لا أريد أن أطيل في هذه النتائج، فلدي الكثير من ذلك، ولكني أرى أن الصفحات بعضها يدفع بعضاً؛ حتى لا يضيق الوقت عنها.
الصفحة الثالثة: هل رأيت الشباب الأخيار؟
لابد أنك قد رأيت ذاك الشاب المستقيم السائر على طاعة الله سبحانه وتعالى، رأيته يوماً من الأيام يمد يده ليعطي لك شريطاً، أو يعطيك كتيباً، أو يتحرك لسانه بلغة تدرك منها الإشفاق والنصح ليوجه لك نصيحة صادقة وخالصة.
إنه أيضاً قبل أن تمتد يده بهذا الشريط وهذا الكتاب قد امتدت إلى جيبه لتخرج تلك النقود يدفعها ليشتري لك هذه الهدية يدفعها لك وهو يدعو لك بدعاء صالح، ودعاء صادق أن يهديك الله سبحانه وتعالى.
أرأيت هؤلاء؟ ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ ما الذي يدعوهم لهذا؟ ما الذي يدعوه إلى أن يكثر لك النصيحة؟ بل الذي دعاك لحضور هذه المحاضرة، وحضور هذا المجلس، والذي يدعوك من وقت لآخر إلى أن تحضر مجالس العلم، ولقاءات الخير، ما الذي يدفعه لذلك؟
أرأيت أولئك الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، الذين تتفطر قلوبهم حزناً وألماً على واقعك وواقع إخوانك، الذين يسهرون ليلهم، ويصرفون أقواتهم في بذل الجهد لإنقاذك من هذه الغفلة، ماذا يريد كل أولئك؟
أليس هذا -يا أخي- وحده كافياً أن يشعرك فعلاً بأنك تسير على طريق نهايته أليمة؟ أليس هذا كافياً بأن يهزك هزاً ليوجهك إلى أن تسلك الصراط المستقيم؟
كل هذه الجهود -أخي الكريم- وكل ما تراه إنما هو من أجلك، من أجل إنقاذك من الخطر الداهم، ومن أن تتعرض لسخط الله وعذابه سبحانه وتعالى، من أجل أن ينقلوك إلى سعادة الحياة الدنيا التي قلت أنت بنفسك وبقلمك: أنك تدرك أن الالتزام وأن الاستقامة هي طريق السعادة.
فلا تظن -أخي الكريم- أن ما أنت عليه من التمتع بالشهوات المحرمة هي غاية الحياة الدنيا، وهي النعيم، ولكن النعيم هو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
إن هؤلاء الشباب الأخيار، وأولئك الدعاة، وغيرهم الكثير الكثير الذين يسهرون ويؤرقهم همك، كل هؤلاء يسعون إلى أن ينقلوك إلى هذه السعادة وهذا النعيم، وإن هذا النعيم -أخي الكريم- هو الطريق والخطوة الأولى بعد ذلك للسعادة الأبدية، والسعادة السرمدية، يوم يؤتى بالموت على هيئة كبش، فيقال لأهل الجنة: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت. ويقال لأهل النار: أتعرون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت. فيذبح حينئذٍ بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، حينئذٍ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
ولتعلم -أخي الكريم- أن السعادة، ولذة الإيمان، وجنة الدنيا التي يجدها المطيع لله سبحانه وتعالى في هذه الحياة هي الخطوة الأولى في طريق السعادة الأبدية السرمدية، وهي البوابة التي لابد أن يلجها من شاء أن يسلك وأن يصير إلى طريق السعادة الأبدية، التي لا شقاء ولا خسارة بعدها.
الصفحة الرابعة: هل هؤلاء خير منك؟
عندما ندعوك إلى أن تسلك طريق الالتزام تعتذر بأنك لا تستطيع ذلك، وأنك مقتنع تمام القناعة بخطأ الطريق الذي أنت عليه، وأنك تتمنى أن تسير في ركب الصالحين، وتدرك هذا الأمر؛ لكنك تعتذر أنك لا تطيق، فأمامك الفتن، وأمامك الشهوات، وأمامك العوائق.
فهل رأيت هؤلاء الشباب الذين يفيضون عفة وطهارة؟ ألم ينتصروا على شهواتهم؟ أرأيت هؤلاء الشباب يتسابقون على مجالس العلم ولقاءات الخير، في حين كنت تسابق على مدرجات الكرة وملاعب الكرة؟
أرأيت هؤلاء الشباب يقضون ليلهم ركعاً سجداً حين ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟
أرأيت هؤلاء الشباب الذين يقضون ليلهم بكاءً وتضرعاً وخضوعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى، في حين تقضي ليلك أنت بما لا يخفى عليك؟
أرأيت هؤلاء الشباب الذين يعيشون هذه الحالة؟ أهم ملائكة؟ أهم معصومون؟ أليس لهم شهوات؟ أليس أمامهم فتن؟ بل قد تكون أبواب الفتن مشرعة أمامهم أكثر منك، وما يدريك عن حالهم؟! قد يكونون أكثر شهوة منك، وقد تكون أنت أقوى منهم شخصية، وأقدر منهم على الثبات، فلماذا انتصر هؤلاء وانهزمت أنت؟
لماذا استطاع هؤلاء أن يسلكوا طريق العفة وخضت أنت في بحر الرذيلة؟ أليسوا بشراً مثلك؟ أليسوا يعيشون الفتن كما تعيشها؟ ألست تواجههم الشهوات؟ فلماذا استطاعوا أن يشقوا الطريق وأنت لم تستطع ذلك؟
الصفحة الخامسة: هلا قرأت التاريخ:
أسماء أظنك لا تجهلها، وأظنك وإن تعلقت بالرياضة والفن والساقطين والغناء، فأظن بل أجزم أن هؤلاء أحب إلى قلبك من أولئك الساقطين، لعلك قد سمعت عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب ومعاذ ومعوذ ابني عفراء ، وغيرهم من شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
إنهم أيضاً بشر مثلك، لكنهم انتصروا على أنفسهم أولاً قبل أن ينتصروا على أعدائهم، فسطروا للأمة تلك الصفحات البيضاء الناصعة؟ أرأيت أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود جيشاً يواجه به أعتى قوة دولية في ذاك الوقت وعمره دون عمرك، عمره لم يتجاوز العشرين عاماً؟
أظن أنك تسمع عن بلاد السند والهند، وما وراء النهر، أتدري من الذي نقل الإسلام إلى أولئك؟ أتدري من الذي حطم الوثنية التي كانت جاثمة هناك؟ إنهم شباب بعضهم في سنك، أو دونك، أو أكبر منك، المهم أنهم يعيشون المرحلة التي تعيشها.
لعلك -يا أخي- قد سمعت بشاب كان دون العشرين من عمره، عاش في بيئة تغص بالشرك والوثنية ليس فيها من يقول: ربي الله إلا راهب واحد مستخفٍ في رأس جبل، وحين دخل هذا الدين قلب هذا الشاب؛ جاء ليقوم بهذا الدين، ويواجه به الناس، ويقدم نفسه رخيصة لله سبحانه وتعالى؛ حتى يمن الله عز وجل عليه بعد ذلك بأن تهتدي على يديه قرية كاملة ثم يذهبون شهداء، قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:4-7].
إنه شاب مثلك، لم يصحب نبياً، إنه عاش واقعاً أجزم أنه أسوأ من الواقع الذي تعيشه، عاش في بيئة ليست مليئة بالشهوات فقط، بل تغص بالشرك والعبودية لغير الله، ومع ذلك قام وحده دون معين ودون ناصح؛ ليعلن كلمة الحق، ليعلن أن لا إله إلا الله، ولا رب إلا الله، ثم بعد ذلك منّ الله عز وجل عليه بالشهادة في سبيله، ومنّ الله عليه بأن تدخل الأفواج من الناس في دين الله على يديه، قائلين: آمنا بالله رب الغلام.
فما الفرق بينك وبينه؟ أليس شاباً مثلك؟ أليست هذه النماذج كافية بأن تجعلك تودع حالة الغفلة والإعراض إلى غير رجعة، وأن تطلقها ثلاثاً؟
الصفحة السادسة: ألا تعرف أحداً منهم؟
كثير هم الشباب الذين منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بالهداية وسلوك الطريق المستقيم بعد أن انغمسوا إلى رءوسهم في الشهوات، وأوحال الفتن والضلال، وأظن أنك ولابد تعرف بعضاً منهم، قد يكون أحدهم شقيقك، وقد يكون جارك، وقد يكون زميلك في فصلك، وقد يكون صديقك الذي كان يعينك على المعصية، بل كان يشرع أمامك الأبواب، وكان معيناً لك، وقد يكون أسوأ منك يوم أن كان على الضلال، فما الذي جعله ينتصر على نفسه وتخفق أنت؟!
إنه مثلك ذاق الشهوات المحرمة، وقد غاص في أوحال الفتن، وها أنت تراه وقد سلك طريق الاستقامة وطريق السعادة، وهو يقول لك بلسان حالة قبل أن يقول لك بلسان مقاله: ها أنا الآن وجدت طريق السعادة، وودعت طريق الشقاوة والضلال إلى غير رجعة.
أليس في هذه النماذج عبرة لك ومقنعاً بأنك مهما بلغت من الفساد قادر على أن تكون خيراً منه، وما الذي يحول بينك وبين ذلك؟
الصفحة السابعة: أسمعت عن هؤلاء؟
إنهم فئة من شباب الأمة منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بمحبة دينه، والتضحية من أجله، فسافروا وسافرت، وخاطروا وخاطرت، ولكن إلى أين وبم خاطروا؟! لقد سافروا إلى بلاد العجم وقاتلوا في سبيل الله؛ حتى ذهبوا شهداء في سبيل الله عز وجل، ينهانا الله سبحانه وتعالى أن نقول إنهم أموات، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154]، وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
أرأيت أولئك الشهداء الأبرار الذين قد تكون تعرف واحداً منهم، بل قد يكون أحدهم شريكاً لك في الضلالة والانحراف، ثم منّ الله سبحانه وتعالى عليه، فلم يجد أغلى من نفسه فجاد بها في سبيل الله سبحانه وتعالى، وسافر للجهاد في سبيل الله يوم أن سافرت أنت لتحقق الشهوات واللذات المحرمة، وشتان بين الأمرين، خاطر بنفسه في سبيل الله وهو يستلذ تلك الخطورة، وأكثر ما يواجهه الموت، وهذا ما يتمناه ويريده، بل هذا ما ارتكب المشاق من أجله.
ولكنك أنت خاطرت لارتكاب الجريمة والفاحشة، وللوقوع فريسة الأمراض الجنسية والإدمان على المخدرات التي تقضي على حياتك.
إن هذه هي المخاطر التي ارتكبتها، وهذا هو الطريق الذي وضعت قدمك في أوله، ومن وضع قدمه في أول الطريق، فلابد أن يصل إلى آخره، ما لم يمن الله عليه بالرجعة والأوبة إليه سبحانه وتعالى.
أخي الكريم! هل تتصور أنه من المستحيل أن تكون مثل أولئك؟ ومن هم أولئك؟
ليسوا صحابة ولا تابعين، ولم يعيشوا في عصر السلف، بل عاشوا في العصر الذي عشت فيه، عاشوا في عصر الفتن والشهوات، وتعرضوا لما تعرضت له، وبعضهم قد مارس مثلما مارست، بل قد يكون أسوأ من الحال التي أنت عليها، وبعد ذلك منّ الله عليهم بالهداية؛ حتى قضوا نحبهم في سبيل الله، وهم يقولون للأجيال من بعدهم: هانحن نضيء الطريق لكم بدمائنا وبأرواحنا، فسيروا فإن الجنة تنتظر الشهداء.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الباحثات عن السراب | 2589 استماع |
الشباب والاهتمامات | 2464 استماع |
وقف لله | 2325 استماع |
رمضان التجارة الرابحة | 2257 استماع |
يا أهل القرآن | 2190 استماع |
كلانا على الخير | 2189 استماع |
يا فتاة | 2183 استماع |
الطاقة المعطلة | 2120 استماع |
علم لا ينفع | 2087 استماع |
المراهقون .. الوجه الآخر | 2083 استماع |