التحذير من هجر السنن
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
التَّحذير من هَجْر السُّنَنإِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بعد:
حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من هجر سنته؛ كما في قصة الثلاثة الذين تَقَالُّوا عِبادَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنكر عليهم النبيُّ فِعلَهم؛ قائلاً: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)[1].
وقال أُبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: (عليكم بالسَّبيل والسُّنة؛ فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسُنَّةٍ ذَكَرَ الله تعالى ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار أبداً، وليس من عبدٍ على سبيلٍ وسُنَّةٍ ذَكَرَ الرحمنَ واقشعر جلده من مخافة الله تعالى إلاَّ كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها فهي كذلك إذا أصابها ريح فتحات عنها ورقها إلاَّ تحاتَّت عنه خطاياه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإنَّ اقتصاداً في سبيلٍ وسُنَّةٍ خير من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسُنَّةٍ، فانظروا أعمالكم؛ إنْ كان اقتصاداً واجتهاداً؛ فلتكن على منهاج سبيلٍ وسُنَّة)[2].
ومن أعظم مظاهر هجر السنة النبوية ترك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أعمال القلوب؛ بتحوُّل العادات إلى عبادات، ونسيان احتساب الأجر من الله تعالى، وترك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم سنته في أعمال القلوب والاعتقادات، وترك المحبة الخالصة لسنته، ونسيان السنن وعدم تعلمها، أو البحث عنها، والاستخفاف بها باطناً، والاستهزاء بمن يطبقها.
وكذلك ترك العمل بسنته الظاهرة؛ القولية منها والعملية، الواجب منها والمندوب، أو السنن المؤكَّدة؛ كالسنن المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأذكار والسنن الزمانية والمكانية ونحوها.
أمثلة لسنن مهجورة:
فمن أمثلة هجر السنة في الطهارة: ترك المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وترك المضمضة والاستنشاق من كفٍ واحدة، وترك الوضوء قبل الغسل من الجنابة، وعدم الوضوء لمن أراد العود لمجامعة أهله، وعدم استعمال السواك.
ومن أمثلة هجر السنة في الأذان: ترك متابعة المؤذن وقول مثل ما يقول، وترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وترك سؤال الله له الوسيلة، وعدم قول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
ومن أمثلة هجر السنة في الصلاة: ترك الصلاة إلى سترة، وعدم الصلاة بالنعال والخفاف ونحوها إذا علمت طهارتها، عدم تسوية الصفوف في الصلاة وإهمال كثير من الأئمة الأمر بها والحض عليها، وعدم تسوية الظهر في الركوع، وترك التورُّك في التشهد الثاني، وترك تنوع الأذكار في الصلاة وبعدها، وترك صلاة النوافل في البيت.
ومن أمثلة هجر السنة يوم الجمعة: ترك قراءة الكهف ليلة الجمعة أو يومها، وترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها، وترك التزين والتجمل والتطيب يوم الجمعة، وعدم التبكير لصلاة الجمعة، وترك غسل الجمعة، وترك الإكثار من الدعاء يوم الجمعة.
ومن أمثلة هجر السنة في الصيام: ترك تبييت النية في صوم الفرض وصوم الواجب؛ كالقضاء والكفارة، وعدم الحرص على السَّحور وتأخيره، وعدم البعد عن الرفث[3] حال الصيام، وترك الفطر في السفر أو المرض مع وجود المشقة، وترك الزوجة استئذان زوجها الحاضر للصيام في (غير رمضان).
ومن أمثلة هجر السنة في الحج والعمرة: ترك التمتع في الحج عمداً، ترك الاضطباع في طواف القدوم، ترك الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم مع الاستطاعة، ترك المبيت بمنى مع القدرة، ترك المبيت بمنى ليلة التروية مع القدرة، ترك المبيت بمزدلفة حتى يسفر الفجر، وترك الدعاء بعد رمي الجمرتين الأُولى والثانية، وترك التكبير أيام عشر ذي الحجة.
ومن أمثلة هجر السنة في قراءة القرآن: ترك استعمال السواك عند التلاوة، وترك الترتيل والمد في القراءة، وعدم الوقوف عند رؤوس الآيات، وترك تدبر القرآن، وعدم إحسان الابتداء والوقف أثناء التلاوة، وترك الدعاء والتسبيح والتعوذ عند قراءة الآيات المناسبة، وعدم السجود عند المرور بآية سجدة، وعدم استماع القرآن.
ومن أمثلة هجر السنة في السفر: ترك التأمير في السفر للثلاثة فما فوق، وترك صلاة النافلة على الراحلة، وترك التكبير إذا علا شرفاً أو صعد، وترك التسبيح إذا نزل.
ومن أمثلة هجر السنة في الدعاء: ترك الجزم بالدعاء والإيقان بالإجابة، وترك الإلحاح في الدعاء، وترك العجلة في استجابة الدعاء، وترك تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء، وعدم تطييب المطعم، وترك استقبال القبلة عند الدعاء، وترك رفع اليدين في الدعاء إلاَّ في مواطن معروفة، وترك الإكثار من الدعاء.
ومن أمثلة هجر السنة في الأذكار: عدم الحرص على أذكار الصباح والمساء، وترك الذِّكر في سائر الأحوال المتغيِّرة؛ مثل الذِّكر عقب الوضوء، وحال سماع صياح الديك، وعند نُباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل، وعند هيجان الريح، وعند رؤية المبتلى، وعند الدخول والخروج من المسجد والبيت والخلاء، وعند الكرب والهم والحزن، وعند عيادة المريض، وعند رؤية الهلال، وعند زيارة القبور، وعند دخول السوق، وترك كفارة المجلس عند الانصراف.
ومن أمثلة هجر السنة في آداب النكاح: ترك التعدد مع توافر أسبابه، وترك الزواج من الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، وترك تسليم الزوج على العروس، وترك وضع يده على رأسها يدعو لها، وترك صلاة ركعتين معها، وترك التسمية والدعاء عند الجماع، وترك نشر أسرار الجماع، وترك تعليم المرأة الضروري من دينها، وترك المرأة طاعة زوجها في غير معصية الله تعالى، وترك الإذن أن يدخل أحد بيت الزوج إلاَّ بإذنه، وترك القوامة على النساء.
ومن أمثلة هجر السنة في السلام والاستئذان: ترك السلام على المصلي، وترك المصلي رد السلام بالإشارة، وترك السلام عند الانصراف والقيام من المجلس؛ وهو الإلقاء وليس المصافحة، ترك الاستئذان عند طرق الأبواب، ترك الاستئذان ثلاثاً فإنه أُذن له وإلاَّ انصرف، وترك استئذان الضيف من مضيِّفه قبل قيامه وانصرافه.
ومن أمثلة هجر السنة في آداب النوم: ترك نفض الفراش عند النوم، وعدم وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن عند النوم، وترك النوم على طهارة، وترك أذكار ما قبل النوم، وترك ذكر الله تعالى عند الانتباه منه النوم.
ومن أمثلة هجر السنة في آداب الطعام: ترك التسمية قبل الطعام، وترك عيب الطعام، وعدم لعق الأصابع قبل مسحها أو غسلها، وترك إماطة الأذى عن اللقمة الساقطة ثم أكلها، وعدم الدعاء لأهل الطعام، وترك الأكل بالشمال والأكل مما يليه، وعدم الاجتماع على الطعام وعدم الأكل منفرداً، وعدم النفخ في الطعام الحار، وعدم القرن بين التمرتين، وترك حمد الله تعالى بعد الطعام.
ومن أمثلة هجر السنة في آداب الشراب: ترك التسمية قبل الشراب، وترك الشرب باليمين، وترك الشرب على ثلاث مرات للتنفس بينهم خارج الإناء، وترك النفخ في الشراب، وعدم الشرب من فم القربة، وترك تغطية الإناء بعد الشراب منه.
ومن أمثلة هجر السنة الزمانية: ترك سجود الشكر عند حصول ما يسر واندفاع ما يُكره، وترك تهنئة مَن تجدَّدت له نعمة دينية أو دنيوية، وترك صلاة ركعتين عند التوبة من ذنب ارتُكِب، وترك التصدق عند التوبة، وترك كف الصبيان عن الخروج من المنزل عند أول قدوم الليل، وترك تغطية الإناء في الليل.
ومن أمثلة هجر السنة المكانية: ترك زيارة مكة المكرمة، وترك الصلاة في المسجد الحرام، وترك الصلاة داخل الحِجر؛ لأنه من الكعبة، وترك الذكر والدعاء قبل الابتداء في أشواط الصفا والمروة، وترك زيارة المدينة النبوية، وترك الصلاة في المسجد النبوي، وترك الصلاة في الروضة الشريفة منه، ومما يُلحق بزيارة المدينة النبوية؛ ترك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسلام عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، وترك زيارة مسجد قباء والصلاة فيه، وترك الاعتكاف في المساجد عموماً.
ومن أمثلة هجر السنة في آداب اللباس: ترك اللباس الأبيض، وترك الدعاء عند اللباس الجديد، وعدم اللباس باليمين، وعدم إطالة الثوب أو السروال أو الرداء إلى أن يتجاوز كعبيه، وترك لباس الشهرة، وعدم إطالة المرأة لباسها إلى القدمين، وعدم إسبال خمارها إلى عنقها ونحرها وصدرها، وترك تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في اللباس، وترك المشي في نعل واحدة.
ومن أمثلة هجر السنة في الطب: ترك التداوي بالتلبينة[4]، والعسلِ، والحجامةِ، والحبةِ السوداء، والكمأةِ، وترك الحمية بتمر العجوة من عالية المدينة، وترك الاستشفاء بماء زمزم، والدعاء عند شربه.
وإذا هُجِرت السُّنن حلَّت محلَّها البدع والضلالات والجهالات.
ومن أهم أسباب هجر السنن[5]:
1- الجهل بالسُّنن: بعض الناس – لجهله بالسنة – يرتكب المخالفات والبدع ويهجر السنة، وإذا رأى مَنْ يُحيي السُّنة ويَعمل بها أنكر عليه؛ لجهله بالسنة، فأصبح المعروف مُنكَراً والمُنكَر معروفاً، والبدعة سنة، والسنة بدعة، وهي حال حذَّر منها أهل العلم في غير ما مناسبة؛ كما قال الشاطبي رحمه الله: (سَبَبُ الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ؛ الْجَهْلُ بِهَا، وَالْهَوَى الْمُتَّبَعُ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِلافِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ حُمِلَ عَلَى صَاحِبِ السُّنَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ صَاحِبِهَا، وَرُجِعَ بِالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْبِيحِ لِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ)[6].
وقال ابن القيم رحمه الله: (غلب الشِّركُ على أكثر النفوس لظهور؛ الجهل، وخفاء العلم، فصار المعروف مُنكَراً، والمُنكَر معروفاً، والسُّنَّة بدعة، والبدعة سُنَّة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطُمست الأعلام، واشتدَّت غربةُ الإسلام، وقلَّ العُلماء، وغلب السُّفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأسُ، وظهر الفساد في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزالُ طائفةٌ مِن العِصابة المحمَّدية بالحق قائمين، ولأهل الشِّرك والبِدع مُجاهِدين إلى أنْ يرث الله سبحانه الأرض ومَنْ عليها، وهو خير الوارثين)[7].
وقال محمد بن الفضل البلخي رحمه الله: (ذَهابُ الإسلام من أربعة: أولها: لا يعملون بما يعلمون، والثاني: يعملون بما لا يعلمون، والثالث: لا يتَعلَّمون ما لا يعلمون، والرابع: يمنعون الناس من التَّعلُّم)[8].
2- التعصُّب المذهبي: من أسباب مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم التعصب المذهبي، والذي اتَّخذ أشكالاً وأساليب متعدِّدة؛ منها على سبيل الإجمال: التعصُّب المقيت للمذاهب؛ كما قال ابن القيم رحمه الله: (جعلوا التَّعصُّبَ للمذاهب ديانتَهم التي بها يدينون، ورءوسَ أموالهم التي بها يَتَّجِرون، وآخَرُون منهم قَنَعوا بمحض التَّقليد، وقالوا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23].
والفريقان بمعزِلٍ عمَّا ينبغي اتِّباعه من الصواب.
وكيف يكون من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ يجهدُ ويَكدحُ في ردِّ ما جاء به إلى قولِ مُقَلِّدِه ومتبوعِه، ويُضيع ساعات عُمره في التعصُّب والهوى، ولا يشعر بتضييعه.
تاللهِ إنها فتنةٌ عَمَّتْ فأَعْمَتْ، ورمت القلوبَ فأصَمَّتْ، ربَا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتُّخِذَ لأجلها القرآنُ مهجوراً) [9].
ومن أساليب "متعصِّبة المذاهب" في هجر السُّنة: تقديمُ أراء المذاهب المرجوحة على الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة، وردُّ الحقِّ؛ لمجرَّد أنه خالف المذهب المتبوع.
ومن أساليب التعصب المذهبي: تحريف الأحاديث، ومَنْ تعصَّب لمذهبٍ من المذاهب؛ ربَّما قاده تعصُّبه إلى تحريف الآيات والأحاديث وإخراجها عن معانيها التي أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ محاماةً عن المذهب المُتَّبع، وهذا من جنايات المقلِّدين على الكتاب والسُّنة؛ إذ البحث عندهم قائم على تقديم الرأي والحُكم، ثم البحث له عن دليل؛ بينما الصحيح هو تقديم الدليل للوصول إلى الحُكم بمقتضى الدليل.
وهذا التحريف للأحاديث الشريفة يشمل تحريف "المعاني" وتحريف "الألفاظ".
ومن أساليب التعصب المذهبي: وَضْعُ الأحاديث، وقد زاد الطين بِلَّة والقلب عِلَّة استحسانُ بعض أهل الرأي من مُتعصِّبة المذاهب نسبة القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً حسب أهوائهم، وموافقةً لمذاهبهم المُتَّبعة؛ ليقنع مقلِّديه أنَّ ما هم عليه هو الصحيح الموافق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فوقعوا في معرَّة الكذب المتعمَّد على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يورد صاحبه مقعداً من النار، وهذا من تزيين الشيطان لهم وتلبيسه عليهم.
3- الهزيمة النفسية: بعض الناس – لضعف إيمانه، وقِلَّةِ علمه، وضعف حُجَّته – يظن أن تطبيق السُّنة وإحياءها تخلُّف ورجعية وتقهقر، ورجوع إلى العصور الحجرية، وخاصة في هذا الزمان الذي غزا الإعلامُ المعادي المسلمين في ديارهم وهيمن عليها، فإذا بأعداد كبيرة من المنتسبين للإسلام يخشون تطبيق السُّنة؛ كي لا يوصموا بالتخلف والرجعية، والتَّزمُّت والأصولية، وللسبب ذاته تركتْ بعضُ المُسلِمات الحجاب، وبعضُهم يترك الصلوات في الطائرات أو المطارات والأماكن العامة؛ للسبب ذاته، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
4- عدم تعظيم السُّنة في القلوب: وهذا ظاهر في سؤال الناس كثيراً – حال الأحكام الشرعية – هي سنة أو واجب؛ فإذا قيل: سنة.
قال: الأمر يسير، والدين يسر، والله تعالى غفور رحيم، يقولها تساهلاً بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ومن ثم تُهجر السنن وتترك؛ بسبب عدم تعظيمها في القلوب.
5- نُدرة مَنْ يعمل بالسُّنة: ولذلك الذي يُطبق السنة هو غربة عظيمة؛ لندرة مَنْ يعمل بالسنة، وكثرة مَنْ يُنكروا عليه، ومن أوضح الأمثلة: إذا اتَّخذ المصلي سُترةً للصلاة؛ تجد مَنْ يُنكر عليه فعلَه في المساجد، أو إذا قَصَّر اللابس إزاره وثوبه تجد مَنْ يصمه بالتنطع والتطرف، وهكذا إطلاق اللحى، وإسدال الحجاب ونحوها؛ وقد أشار الشاطبي رحمه الله إلى هذا المعنى بقوله: (كان بعضهم تُسرد عليه الأحاديث الصحيحة في خيار المجلس ونحوه من الأحكام؛ فلا يجد لها مُعتَصَماً إلاَّ أنْ يقول: هذا لم يقل به أحدٌ من العلماء)[10].
6- خوف العُجْب والشُّهرة: وهو من الورع البارد، ومن تلبيس إبليس على بعض العباد أو بعض طلاب العلم، فربما ترك بعضهم تطبيق السنة؛ خوفاً من العجب والشهرة المنهي عنها، وهو خطأ فادح؛ لأنه يؤدي إلى هجر السنن وترك كثير من الأحكام الشرعية، ولذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)[11].
[1] رواه البخاري، (3/ 1062)، (ح5118).
[2] رواه أبو داود في (الزهد)، (1/ 203)، (رقم 189)؛ وأبو نعيم في (الحلية)، (1/ 253)، وابن الجوزي في (صفة الصفوة)، (1/ 476).
[3] الرفث: هو الوقوع في المعاصي؛ كالغيبة والفحش والكذب ونحوها.
[4] التلبينة: هي ماء الشعير المطحون.
وقيل: هو حِساء يُعمل من دقيق أو نخالة، ويُجعل فيه عسل أو لبن.
وسمِّيت تلبينة: تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقَّتها.
انظر: زاد المعاد، (4/ 293)؛ فتح الباري، (10/ 153).
[5] انظر: غربة تطبيق السنة، محمد بن عبد الله الهبدان، مجلة البيان، (عدد: 170)، (شوال 1422هـ).
[6] الاعتصام، (1/ 38).
[7] زاد المعاد في هدي خير العباد، (3/ 507).
[8] حلية الأولياء، (10/ 233)؛ سير أعلام النبلاء، (14/ 525).
[9] إعلام الموقعين، (1/ 7-8).
[10] الاعتصام، (1/ 294).
[11] إحياء علوم الدين، (7/ 5).