لماذا نصلي؟ [10]


الحلقة مفرغة

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.

أما بعد:

فقد شرعنا في بيان شؤم ترك الصلاة على تاركها، وبينا أن ترك الصلاة كفر، وأنه من أكبر الكبائر الموبقة، وأنه نفاق، وأنه سواد وظلمة وهلكة في الدنيا والآخرة، وأنه من أسباب سوء الخاتمة، وأنه من أسباب عذاب القبر، وأنه شعار أصحاب سقر، وأنه سبب الغرق في الشهوات، وأنه مصيبة وبلاء، فعن نوفل بن معاوية رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله) أي: من فاتته أي صلاة من الصلوات حتى خرجت عن وقتها فقد أصيب بمصيبة كبرى، وفاجعة عظمى، وصار كمن أصيب في أهله وماله جميعاً، ولم يبق له أهل ولا مال، ومثل ذلك قوله تعالى: (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35].

قال الخطابي : ومعنى (وتر) أي: نقص وسلب، فبقي وتراً وحيداً بلا أهل ولا مال، والمعنى: فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.

وفي لفظ عند عبد الرزاق : (لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) متفق عليه.

والموتور: من أخذ أهله وماله وهو ينظر إليهم، ولا شك أن ذلك أشد لغمه، ومن فاتته الصلاة فقد أشبه هذا الرجل؛ لأنه اجتمع عليه أنواع الغم والهم، فاجتمع عليه غم الإثم والذنب العظيم بتفويت وتضييع الصلاة، وغم فقد الثواب الذي كان سيناله لو حافظ على الصلاة، كما يجتمع على الموتور غمان: غم السلب، وغم الطلب بالثأر.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ترك صلاة العصر حبط عمله) رواه البخاري .

وقد توعد الله عز وجل من أعرض عن ذكره فقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] أي: فليبشر تارك الصلاة بمحاربة الله إياه، ولا شك أن الصلاة أعلى أنواع الذكر؛ وذلك لقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، بل هي تشتمل على كل أنواع الذكر.

إذاً: فليعلم تارك الصلاة أنه لإعراضه عن ذكر الله سيحاربه الله بالمعيشة الضنك، وأن الله يحشره يوم القيامة أعمى، فسوف يحاربه الله بتنغيص عيشه، وتكدير قلبه، وتشتيت همه، وتفريق شمله، وحضور فقره، وفساد أحواله، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.

قد ترى تارك الصلاة الأثيم رائحاً غادياً لا يحس بعظم وزره وشناعة فعله، ولا يشعر بعقوبة الله إياه، كما يقول الشاعر:

وما لجرح بميت إيلام

فاعلم أن أشد العقوبات ما خفي ودق، ففقدان الشعور بالمصيبة هو في حد ذاته أعظم مصيبة؛ لأن الإنسان قد يعاقب بأشد أنواع العقوبة وأخطرها وهو مع ذلك لا يحس بها.

فالله عز وجل يعاقب بأنواع من العقوبات: عقوبات كونية قدرية كالزلازل وغيرها من المصائب المعروفة، وعقوبات شرعية كإقامة الحدود مثلاً على ذنوب ومعاص معينة، وهناك العقوبة بالأمراض والابتلاءات، وهناك العقوبة بتسليط الظالمين، فالعقوبات متعددة، وأنواعها كثيرة، إلا أن أخطر أنواع العقوبات أن يعاقب الإنسان ولا يحس أنه يعاقب؛ لأنه إذا فقد الإحساس فإنه يرتكب إثماً وبالتالي لن يشرع في إصلاح أحواله أو التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ممن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فإذا رأى الإنسان الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، فكيف سيتوب منه؟!

فهذا بلا شك من أخطر أنواع العقوبات، وهو ما خفي ودق ولم يتفطن إليه صاحبه، فصاحب هذه العقوبة الخفية يغفل عن مصابه، فهو بمنزلة السكران والمخدر الذي لا يشعر بالألم فلا يسعى في خلاص نفسه، وفاقد الإحساس مثل الشخص الذي يبتلى بمرض السكر، ولا يحترم نظام الأدوية والأغذية إلى آخره؛ فتبدأ الأضرار تتفاقم عليه لاسيما على أعصابه، فمريض السكر يقولون له: اهتم بالقدم؛ لأن القدم عضو خطير جداً في مرض السكر؛ لأنه لو حصلت مضاعفات في أعصاب القدم يفقد الإحساس، وربما ينخلع النعل من رجليه ولا يشعر به، فبالتالي يدخل في قدمه زجاج أو أي نوع من هذه الأشياء فتتفاقم المشكلة إلى أن تنتهي أحياناً إلى حصول الغرغرينة، ويتحتم قطع القدم أو الساق؛ بسبب عدم الإحساس، فهو لما لم يحس أصيب وهو لا يشعر، وتفاقمت المصيبة حتى انتهت بالبتر ونحو ذلك كما هو معلوم، كذلك صاحب الغفلة قد يعاقب ويصاب دون أن يشعر بأن هذه المصيبة تهدد كيانه، فهو كالسكران وكالمخدر تحت البنج الذي لا يشعر بالألم، ولا يسعى في خلاص نفسه، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم التألم للذنب من علامات صحة القلب وبقاء الحياة فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) فالمؤمن ليس معصوماً؛ لأنه لا معصوم إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن؛ لأنه لم يفقد الإحساس بالذنوب، ولا زال يستطيع أن يحكم على القبيح بأنه قبيح، ويرى الحسن في صورة الحسن.

إذاً: وجود الإحساس في القلب والتألم للمعصية والسرور بالطاعة علامة على حياة هذا القلب.

فما دام هناك قلب ينبض، وما دام هناك دم يجري في العروق ويسري وما دامت الروح لم تغادر البدن، فهناك أمل وفرصة أمام الإنسان ليرتقي إلى أعلى مراتب العبودية، حتى يصل إلى مرتبة الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وهناك فرصة أن يراجع الإنسان نفسه ويعود إلى ربه، يقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].

قوله: (نسوا) أي: ضيعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ولم يرقبوه.

قوله: (فأنساهم أنفسهم) يعني: تركهم الله سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67] يعني: فتركهم؛ لأن النسيان في حق الله ليس هو المضاد للذكرى أو التذكر، وإنما نسيهم بمعنى تركهم، وهذا أحد معاني النسيان، وقد فسر به قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه:115] أي: ترك على أحد التفسيرين.

قوله: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) يعني: فتركهم ولم يوفقهم إلى التوبة، فترى الشخص المتلبس بمصيبة ترك الصلاة -التي هي أخطر ما يصيب الإنسان في دينه- لا يبالي بها، وتراه يغدو ويروح وهو مبتسم، وربما سخر من الذين يصلون أو تهكم بهم وغير ذلك، فهذا ينطبق عليه قوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فلو كان عنده إحساس لبكى على مصيبة عدم الإحساس ونسيان الله إياه، فهؤلاء لم يوفقهم الله سبحانه وتعالى إلى التوبة لما سلط على قلوبهم من الغفلة التي تزهدهم في طاعة الله سبحانه وتعالى.

عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات -أي: عن تركهم صلاة الجمعة- أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين) فيسعى هذا الغافل في صلاح دنياه ولو خرب أخراه، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، فتراه إذا أصيب بمصيبة في الدين لا يبالي بها، أما لو أصيب بمصيبة في الدنيا -كما لو ضاع منه جنيه أو خمسة جنيهات- لأقام مأتماً وعويلاً، وحزن عليها حزناً شديداً.

يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى في أهل الدنيا: بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ولا يحسن أن يصلي.

يعني: إذا أمسك الدرهم وزنه في غاية الدقة بيديه، كأن يديه ميزان من شدة الخبرة في أمور الدنيا، وهو لا يحسن أن يصلي، فكيف لو رأى الحسن ما نحن عليه الآن في هذا الزمان من غرق الناس في أمور الدنيا، والخبرة بأتفه الأشياء في أمور الدنيا مع الجهل الأعمى بالدين وبالتوحيد ونحو ذلك من الأمور الهامة، فلو علم ذلك لاحتقر هذا المثال الذي ضربه بالنسبة لما نحن عليه الآن.

وقال أبو بكر بن عياش : مسكين محب الدنيا يسقط منه درهم فيظل نهاره يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وينقص عمره ودينه ولا يحزن عليهما!

الأيام تجري، والعمر في الحقيقة ينقص، لا يزيد، ومع ذلك بعضهم يعمل حفلة عيد ميلاده ويقولون له: عقبى لمائة سنة! وهذه في الحقيقة مصيبة كان عليه أن يحزن حزناً شديداً على الأيام التي فاتته؛ لأنه صار أقرب إلى القبر، بل هو من يوم ولد بل من يوم أن كان جنيناً في بطن أمه بل من يوم كتب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وجرى القلم بما هو كائن؛ كتب أجله، وعدد الأنفاس التي يتنفسها، فبالتالي هو في كل لحظه يقترب أكثر إلى القبر.

إذاً: العاقل يحزن لفوات عمره ولا يقيم احتفالاً، وهذا مثال من ينقص عمره ودينه ولا يحزن، ولا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنما يفجع لمصائب الدنيا.

يقول الشاعر:

ومن البلية أن ترى لك صاحباً في صورة الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة في ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) ؛ لأن المصيبة في الدنيا تهون، وكل ما يفقده الإنسان من الدنيا يمكن أن يعوض، إذا مرض فإن المرض تعقبه العافية، وإذا فقد مالاً فيمكن أن يعوض عليه بمال آخر ويخلف الله سبحانه وتعالى عليه.

من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض

فالله سبحانه وتعالى إذا كسبته يعوضك عن كل شيء، وإذا خسرته فلا يعوضك عن الله شيء.

يروى في الأثر الإلهي: (ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم! اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء).

ترك الصلاة سبب استحواذ الشيطان على العبد، يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:36-39].

فمن يضيع الصلاة يضيعه الله ويخذله ويعاقبه بأن يقيض له شيطاناً يقارنه فلا يفارقه لا في الإقامة ولا في المسير، بل هو مولاه وعشيره، فبئس المولى وبئس العشير، فيتخذ قلبه المريض وطناً، ويعده مسكناً، وإذا تصبح بطلعته حياه وقال: فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا أخراه.

قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها فأنت قرين لي بكل مكان

فإن كنت في دار الشقاء فإنني وأنت جميعاً في شقى وهوان

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

قوله: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان) فعدم إقامتهم للصلاة يسبب استحواذ الشيطان عليهم.

قوله: (فعليكم بالجماعة) أي: بصلاة الجماعة.

قوله: (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان ذئب الإنسان، وهو أعدى عدو له، وكما أن الطائر كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات، فكذلك الشاة كلما كانت أقرب من الراعي كانت أسلم من الذئب، وكلما بعدت عن الراعي كانت أقرب إلى الهلاك، فأحمى ما تكون الشاة إذا قربت من الراعي، وإنما يأخذ الذئب من الغنم أبعدهن عن الراعي.

قال بعض السلف: رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان.

وبين صلى الله عليه وسلم مظهراً من مظاهر كيد الشيطان لصد المؤمن عن ذكر الله وعن الصلاة، ودلنا على ما يحبط هذا الكيد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد) يعني: أنه يسحر الإنسان بنوع معين من السحر ليمنعه من القيام كما يعقد الساحر عند سحره، يقول تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] فالشيطان يفعل نفس الشيء بأن يعقد ثلاث عقد على قافية رأس الإنسان إذا أراد أن ينام، فالذي يخذله الله سبحانه وتعالى يعمل فيه هذا السحر الشيطاني، والذي يوفقه الله سبحانه وتعالى يصرف عنه ذلك السحر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه حرير -يعني: حبل- معقود ثلاث عقد حين يرقد).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد -يغريه بالتمادي في النوم-، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، وإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) متفق عليه.

فالذي ينام عن الصلاة قد استسلم لعقد الشيطان ووسوسته حتى صار عدوه مستحوذاً على نفسه مسيطراً عليه.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثقيل ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: بال الشيطان في أذنه) رواه البخاري .

وفي رواية ابن حبان : (إنه نام عن الفريضة)، فالشيطان استحوذ عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه، فمعنى أن الشيطان بال في أذنه أي: يستخف به ويستهتر به.

إن ترك الصلاة خيانة للأمانة، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] ولا شك أن المعاصي -كلها وفي مقدمتها ترك الصلاة- خيانة لله عز وجل.

ويقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] ، وقال جل وعلا: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، وقال تعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، والأمانة من حيث المعنى أوسع من مجرد حفظ الودائع، فهي التكاليف الشرعية التي ائتمن الله عباده عليها وأمرهم بها، بحيث إذا فعلوها أثيبوا وإن تركوها عوقبوا.

قال أبو العالية : الأمانة ما أمروا به أو نهوا عنه.

والصلاة من أعظم الأمانات التي كلفنا الله حفظها، فمن ضيعها فقد خان أمانة الله عز وجل ونقض عهده، والله تعالى يقول: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7] .

ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلاً قال: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)؛ لأن السفر مظنة المشقة فربما كانت سبباً للتقصير والإخلال.

إن ترك الصلاة جناية وإساءة على الأنبياء والملائكة وسائر عباد الله الصالحين؛ لأنه يجب عليه في التشهد أن يقول: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الذكر: (إذا قالها بلغت كل عبد لله صالح في السماء والأرض) متفق عليه.

أي: إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بلغت ووصلت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، فإذا ترك الصلاة عطل هذه التحية الطيبة عن أن تبلغ وتصل إلى أولياء الله الصالحين.

إن ترك الصلاة فيه تعرض لعقوبة الله سبحانه وتعالى في الدارين، فقد روي عن معاذ رضي الله عنه قال: (أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشرك بالله شيئاً وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله) يعني: أنه لا يبقى في أمن من الله تعالى في الدنيا باستحقاق التعزير والملامة، وفي العقبى باستحقاق العقوبة.

قال ابن حجر : قوله (فقد برئت منه ذمة الله) كناية عن سقوط احترامه؛ لأنه بذلك الترك عرض نفسه للعقوبة بالحبس عند جماعة من العلماء، ولقتله حداً لا كفراً بشرط إخراجها عن وقتها الضروري، وأمره بها في الوقت عند أئمتنا، ولقتله كفراً فلا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين عند أحمد وآخرين.

أهمية القدوة الطيبة في تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة

من أنواع البناء التربوي للأطفال بناؤهم من ناحية العبادة، وأهم العبادة الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم؛ ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم، وفي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين المعلومات، لأنه لا يكون لها الأثر مثل ما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الطفل في السنوات الأولى يتأثر بالأمور المحسوسة، ويعيها جيداً، بخلاف إذا ما حدثته عن المعاني المجردة كالجمال والعدل والسماحة والكرم؛ فهذه لا يدركها الطفل؛ لأنها معاني مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً، فموضوع القدوة في حياة الطفل أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق، فالسن المبكرة لا يتأثر فيها الأطفال بالتلقين والكلام الشفوي إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجردة؛ ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء هي أن يرى الطفل الأب والأم يحافظان على الصلاة أمامه باستمرار، وبالنسبة للأب في صلاة النافلة في البيت، أما الأم ففي الفريضة.

فالمحافظة على الصلاة باستمرار لها أثر من قبل سن السابعة، فتجده من غير أن يأمره أحد بالصلاة يصلي مثل أبيه أو أمه، تراه على من يأتي إلى جانب الذي يصلي ويقلده في الحركات بطريقة معروفة، ويظل ينظر إليه وهو يسجد وينظر إليه وهو يركع ويفعل مثله، ومن الطبيعي أن الطفل يتقمص الأب، وأعلى مراتب التقليد وأعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه يفعله بطريقة عملية.

التربية الأب لا يجمع أولاده ويقول لهم: تعالوا لدينا حصة تربية في البيت، ثم يعطيهم محاضرات، هذا خطأ؛ لأن تربية الأطفال هي تربية عملية مستمرة خلال أربعة وعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، هذه هي التربية، فالأب عندما يقول له مثلاً: قل للذي يتصل في الهاتف: إن أبي غير موجود، فهذه تربية على استباحة الكذب، وأن الكذب طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو إذا طرق شخص الباب، فقل له: إن أبي غير موجود، وربما يقول هذا الطفل للطارق: إن أبي يقول لك: هو غير موجود! فالطفل بهذه الطريقة يتشرب هذه التربية المنحرفة.

إذاً: أنت تعلمه كيف يتخلص من هذه المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة ويسرق، أو يكيد زملاءه مثلاً، ويأتي يحكي لهم ذلك في البيت، فيسمعه الطفل؛ كل هذه وسائل تربية سيئة، وتترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة بعد ذلك في ذلك الطفل.

إذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي للأطفال لا يتأثرون به ما لم توجد أمامهم صورة عملية يسمونها (كونكريت نتنج) و(كونكريت) هي الخرسانة، يعني: تفكير متحجر مثل الطوب، وليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، حتى يجسد الصورة التي ينسجم معها هذا الطفل.

إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق التأثير، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.

أهمية الدعاء للأبناء للمحافظة على الصلاة

إن من الأسباب التي ينبغي ألا نغفل عنها عند تربية الأطفال على الصلاة والمحافظة على الصلاة أن يستعين الإنسان بدعاء الله عز وجل، وأن يتأسى بإبراهيم عليه السلام، فإبراهيم عليه السلام كان يقول في دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40].

فينبغي للإنسان أن يلهج بهذا الدعاء في كل مناسبة، وأن يتحرى أوقات الإجابة؛ لأن الدعاء من أنجح وأقوى أسباب حصول المقاصد رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40] فالدعاء أيضاً في غاية الأهمية.

مفهوم العقاب البدني في التربية وضوابطه ووقته

إن على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للعقاب؛ كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، مسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، يساء فهمه وتطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها بعد الفراغ من بحث الصلاة؛ لأنه من الموضوعات التربوية المهمة؛ ولأن درء المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يساء فهمه نتيجة جهل الناس بموضوع التربية، حتى أن بعض الناس يظن أنه لو لم يضرب ولده فكأنه ضيع سُنة، ويحس بتقصير إذا لم يضرب الأطفال!

لا يوجد نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، فهو مبدأ أساسي جداً ومهم، لكن ليس من شرط العقاب أن ينحصر في الضرب، فالضرب له شروط كثيرة سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى بالتفصيل، لقد شرع الضرب للأطفال عند سن العاشرة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عظيم، ومع ذلك لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فما بالك بما عدا الصلاة؟!

إننا نرى بعض الآباء القساة غلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء! والشيء الغريب الذي دائماً نكرره، والخطيئة المتكررة في التربية التي لا يتفطن إليها كثير من المربين؛ أن طفلك ليس أنت، وعلى الإنسان ألا يساوي عقله بعقل الطفل، فالضرب بعنف خرج عن كونه نوعاً من أنواع العلاج، فالضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، فالضرب له هدف تربوي، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان كما هو معلوم في الآداب الشرعية، فلا تضرب الطفل وأنت غضبان، بل تريث إلى أن تذهب ثورة غضبك، وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنه في هذه الحالة سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ نفس الضارب ويخرج شحنة الغضب، وليس هذا هو الضرب المشروع لتربيةً الطفل، بل صار وسيلة عقاب وانتقام للنفس وليس هدفاً.

قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأن هذه وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، فهناك وسائل كثيرة للعقاب متعددة، ولا بد أن يكون العقاب متناسباً مع حجم الخطأ بحيث لا يستعمل العقاب الشديد على خطأ تافه،.. وهكذا.

إن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للعقاب؛ لأن الطفل إذا تعود على الضرب فإن جسمه سيفقد الإحساس بالضرب، ولا يعد يهمه الضرب؛ لأن كرامته أهدرت؛ لأن بعض الناس المتهورين يربط الضرب بالتحقير والشتم والسب، وهذه الألفاظ في الغالب تهدر كرامة الطفل، ثم إن الطفل لا يتأثر بسماع هذه الأشياء، ولا يجدي استعمال الضرب معه فيما بعد، لكن كلما كان الضرب نادراً ومنضبطاً أتى بالتأثير.

ضرورة تعليم الأب ولده الوضوء نظرياً وعملياً

على الأب أن يعلم ولده الوضوء والطهارة بالشرح النظري ثم بالتدريب العملي المتكرر، وأن يقوم بتيسير فهمه لهذا الأمر بقدر المستطاع، ولا يكثر عليه من الأدعية والسنن في المراحل الأولى.

إذاً: على الأب أن يعلم ولده الوضوء والطهارة بالشرح النظري ثم بعد ذلك بالتدريب العملي المتكرر، كأن يقوم بنموذج للوضوء أمامه، ويجعله يطبق خطوة خطوة كما يفعل هو في الوضوء، ويسمح له بالتطبيق أمامه، فإن أخطأ علمه ووجهه بلطف دون تعنيف، فإذا أتقن الوضوء مدحه واحتضنه وقبله مشعراً برضاه عنه، وهذا نوع من المثوبة المعنوية، وليس شرطاً أن يكون الثناء عليه بالحلوى والنقود وهذه الأشياء، لكن ممكن بأن يظهر الرضا عنه وتقديره لما صنع، وكذلك يعلمه فضائل الوضوء وثواب الوضوء؛ كي يحفزه على الحرص على تحصيل ثوابه.

ومن الأمور المهمة أننا نهتم مع الطفل بأمور الترهيب، وإن كان لا بد من الترهيب فليكن الترهيب بصفة عامة، دون أن تقول له مثلاً: إذا لم تصل سوف تدخل النار، وسوف يعذبك الله بكذا وكذا، لكن تقول: من لا يصلي يعاقبه الله بكذا، فالطفل إذا لم يصل لا يدخل النار؛ لأنه غير مكلف، وقولك: إنه يدخل النار يعتبر كذباً، فليلتفت إلى مثل هذا.

ضرورة تعليم الطفل الصلاة منذ الصغر

على الأب أن يتم تعليم ولده الصلاة منذ السن الباكرة دونما توجيه مباشر، بل يكرر صلاة النوافل في المنزل على مشهد من أولاده، وهم يتأثرون أعمق الأثر إذا رأوا أباهم يمرغ وجهه لله عز وجل ساجداً قائماً خاشعاً، قد استغرقته الصلاة وصرفته تماماً عما حوله؛ لأن الطفل مع الوقت يستنتج أن الذي يدخل في الصلاة لا يصح أن يكلمه أحد، ولا يصح أن يأكل أو يشرب أو يتكلم؛ لأن الصلاة تستحوذ على كل كيانه فلا ينظر إلى ولده مهما بكى أو نادى عليه أو نحو هذا.

الشاهد: أن الطفل من هذا المشهد سوف يعلم أنه متى ما دخل أحد أبويه في الصلاة فإنه لن يستجيب له، وكذلك صلاة الأب خاشعاً لله سبحانه وتعالى مما يؤثر فيه أعمق الأثر، وهذا من شأنه أن يغرس في نفوس الأطفال عظمة الله سبحانه وتعالى، كما أنهم بهذه الطريقة -وهي التربية بالعادة- يتعرفون على أعمال الصلاة ويحبونها؛ لأن أي شيء يعتادون رؤيته بصورة معينة فإنهم يعتادونه، فهذا نوع من أنواع التربية بالعادة، لاسيما عندما يتكرر بصورة تلقائية في أوقات محددة، فمثلاً: حينما ينام تلقنه أذكار النوم، حينما يأتي الصباح تعلمه بعض أذكار الصباح، فتحويلها إلى عادة يواظب عليها هذا مما يعينه فيما بعد على الاستقامة على هذه الأمور الشرعية.

الآثار السيئة المترتبة على التشديد في أمر الصلاة على الأطفال

على الأب ألا يشتد مع الطفل قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، حتى فوق سن السابعة إذا صلى وهو مقصر في بعض شروط الصلاة مثل ستر العورة تصح صلاته؛ وذلك لحديث الصبي الذي كان يصلي بالقوم، فقالت امرأة: استروا عنا عورة إمامكم!

فقد كان أثناء الصلاة ينكشف منه شيء من عورته، ومع ذلك فصلاته كانت صحيحة.

إذاً: لا بأس من التساهل في تحصيل شروط الصلاة في مراحل التدريب الأولى.

أيضاً: لا تدقق معه كثيراً، فقد يسجد على أي الأحوال أو على أي الأوضاع، وهذا نوع من التدريب، فلا تتشدد معه، بل اتركه يقلدك كيفما كان، ولا تكفه عن التقليد، ولا تقل له: أنت لا تحسن تصلي مثلاً، بل دعه يصلي ويقلد؛ لأن زجره في هذه السن وهو غير مكلف ينفره من الصلاة، ويكرهه فيها.

كذلك لا يراقب الأب الطفل الذي يصلي ويتصيد له الأخطاء، وكلما يحصل منه خطأ يقول له: أنت عندما تصلي تعمل كذا أو كذا، فهذا سيكرهه في الصلاة، وسيحس أن الصلاة عبء شديد عليه، وقد يقول: كل هذا لأنني أصلي؟! فلا داعي أن أصلي إذاً!

فهذا فيه نوع من التنفير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منكم لمنفرين) ويقول أيضاً: (بشروا ولا تنفروا) بل عليك تتغاضى عن أخطائه؛ لأنه من حقه أن يخطئ في هذا السن، فهو يتعلم من التجربة والخطأ، ويمكن تحوير العبارة بطريقة أكثر إيجابية بدل هذا التوبيخ المباشر الذي يشعره بأن الصلاة عبء عليه، وأنه إذا تخلص من الصلاة سيتخلص من كل هذا العتاب؛ لأن الذي لا يصلي لا يعاتب، فلننتبه لهذا، وهذا يحصل مع البنات في موضوع الحجاب، أنت متحجبة وتعملين كذا، فيحصل التنفير من الحجاب، يقال لها: لكن تقول لها: أنت محجبة، وبنت مؤدبة ومهذبة، والذي يليق بك أن تفعلي كذا وكذا! بدون تحقير الذات والنقد الهدام.

مراحل تدريب الأطفال على الصلاة

نعود إلى المراحل الأولى من التدريب على الصلاة، هناك مناسبة وهي بلوغ الطفل السنة السابعة من العمر بالتقويم الهجري، فهنا يجب على الأب أن يأمره بالصلاة عند سن السابعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)، وأيضاً يأمرهم بتحصيل شروطها كالطهارة وستر العورة، وهذا سن التدريب المبكر على الصلاة بهوادة وبلطف وبرفق، ومع الاستمرار تكون الصلاة في حياة هذا الطفل جزءاً من كيانه لا يمكن أن ينفصل عنه أبداً، فإذا أحسنا غرس هذا الشعور بأن الصلاة جزء من شخصيته وجزء من هويته ومن كيانه كان هذا أدعى له حينما تجب عليه الصلاة أن يتمسك بها ولا يضيعها.

وتاريخ إتمام سن السابعة لا ينبغي أن يمر مروراً عابراً، ونحن ضد الاحتفال بأعياد الميلاد؛ لأن هذه بدعة ليس لها علاقة بالإسلام، لكن عند بلوغ الطفل سن السابعة فإن هناك مناسبة شرعية جداً، وهو أنه سوف يبدأ الأب بأمر ولده بالصلاة، مع أنها غير واجبة على الطفل، لكن الواجب على الأب أن يأمر ولده بالصلاة، فبالتالي ينبغي أن يسلط الضوء على هذا التاريخ، ويخبر الطفل مقدماً ومسبقاً بأنك بعد ستة أشهر ستبدأ تصلي مثل الكبار، وتشبهه بالكبار؛ لأنه دائماً يتطلع أن يكون من الكبار، وهذا مما يجعل هذا الطفل عندما يكمل السابعة يحافظ على الصلاة باستمرار ويواظب عليها.

إذاً: المطلوب تعميق هذا الحدث الهام؛ لأننا نريد أن يعرف الطفل أنه سيستقبل مرحلة جديدة، فلا بد أن يهيأ إليها مسبقاً، لا على أنها مسئولية ستلقى على كتفه وعبء عليه، لا.

كذلك يسأله ويقول له: أنت كم عمرك الآن؟ فلو قال لك مثلاً: ست سنوات ونصف، فتقول له: ما شاء الله! عندما تبلغ السابعة سوف تصبح رجلاً، فعلينا أن نربط الصلاة للطفل بشيء يأمله ويطمح إليه ويتطلع إليه بلهفة، وليس أننا ننوي أن نمسك له العصا.

إذاً: لا ينبغي أن يمر تاريخ إتمامه سن السابعة مروراً عابراً، بل يعمق هذا الحدث الهام من خلال إعلامه قبلها بأنه مقبل على أمر عظيم، وهو اقتراب موعد أمره بالصلاة، فإذا بلغ السابعة وصلى أول فرض جمع له أبوه بعض أصدقائه وإخوته في حفل صغير ابتهاجاً بهذه المناسبة الطيبة، وكذلك يقوم الأب بشراء منبه له؛ لكي ينبهه لمواعيد الصلاة، أو يحضر له تقويماً لكي يعرف به مواعيد الأذان أو أي نوع من الهدايا المناسبة لمثل هذه المناسبة، أو حلوى يحبها، وكل واحد من أصدقائه يعطيه هدية يسيرة؛ فيحس أن هذه المناسبة مناسبة عظيمة جداً، وليس هذا احتفالاً بعيد الميلاد، لا، وإنما هذا تضخيم للأمر العظيم المهم الذي هو مقبل عليه، وهو بداية التحول إلى أداء الصلاة، ومن المناسب أن يقدم له ساعة يد لكي يضبط نفسه لمواعيد الصلاة ويقول: هذه حتى تذكرني قبل الأذان بخمس دقائق لكي أتوضأ؛ حتى يكون عارفاً بمواقيت الصلاة ومهتماً بالاستعداد لها.

كذلك ينبغي متابعته في مدى انتظامه في الصلاة، وتذكيره بها وتكرار أمره بها دون ملل.

ولو كان الطفل يلعب بلعبة محببة إليه جداً، بأي نوع من أنواع اللعب، وتريد أن تأمره بالصلاة، ففي هذه الحالة لو أبعدته عن اللعب -الذي هو محبب إليه- إلى الصلاة؛ فقد يحس أنه حرم من حاجة كان يفضلها، وربما يعاندك، وهو لا يعاندك لأنه لا يريد أن يصلي، ولكن يعاندك لأنه يتمتع باللعب، فالحل في هذه الحالة أنك قبل ميعاد الصلاة بعشر دقائق مثلاً تقول له: بقي أمامك عشر دقائق حتى يدخل وقت الصلاة، فالعب إلى الأذان، فأنت لم تحرمه من اللعب، ولم تقطعه عن اللعب إلى الصلاة، لكن أعطيته مهلة كي يوطن نفسه أنه بعد ربع ساعة أو عشر دقائق سيؤذن للصلاة، فيتوضأ ويصلي، فنراعي مثل هذه الأمور.

وإذا شغل الأب أو غاب أو سافر لأي سبب من الأسباب، ففي هذه الحالة يوكل من يقوم بمتابعة الطفل وأمره بالصلاة خلال فترة غيابه أو شغله.

روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير، فإن الخير عادة).

ولا بأس بمكافأته أحياناً لمحافظته على الصلاة، لكن لا يواظب على ذلك، وينوع له الهدية في كل مرة، ولا تكون المكافأة دائماً مادية، فممكن أن تكون المكافأة معنوية بالمدح والثناء عليه والتشجيع له، بحيث لا يتعود على التعامل المادي في العبادة، ويقال: إذا صليت ستأخذ جنيهاً عن كل صلاة، لا، بل اربط صلاته بثواب الله سبحانه وتعالى.

كذلك إذا حصل منه خطأ تقول: أنا كنت سأضربك على هذا الخطأ، لكن ما دام أنك تحافظ على الصلاة فسأعفو عنك هذا المرة، فهذا نوع من المكافأة.

ربط الأب الأمور المحببة إلى أولاده بالصلاة

على الأب أن يقرن الأمور المحببة للطفل بالصلاة؛ لكي يتعود الطفل أنه يبرمج حياته على مواعيد الصلاة، فمثلاً تقول له: سنخرج فسحة بعدما نصلي صلاة العصر، أو تقول له: بعد صلاة العصر سأشتري لك حاجة طيبة تحبها، ولا تقل له مثلاً: الساعة السادسة سآخذك إلى مكان كذا، وإنما تقول له: بعدما نصلي العصر أو بعدما نصلي المغرب سنعمل كذا، فاربط المواعيد دائماً بالصلاة؛ لكي تكون الصلاة جزءاً أساسياً في الجدول اليومي بالنسبة إليه؛ لأنه إذا عرف أنه بعد الصلاة سيخرج يتفسح مثلاً سيتحفز لذلك، ويستعد للصلاة في وقتها؛ لاقترانها بأمر محبوب لديه.

كذلك يرتب جميع مواعيده مع أولاده بأوقات الصلاة، فيتعلمون تنظيم الوقت بناء على أوقات الصلاة.

ضرورة تذكير الأب أولاده بمنزلة الصلاة وفضلها في الدين

إن على الأب أن يذكر أولاده بين الحين والحين بفضائل الصلاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ حتى يكتمل تصورهم الفكري عن الصلاة ومنزلتها في الدين، وحتى يتعود الصبي خاصة بعد سن العاشرة على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة، ويحرص على تعويده على قيام الليل ولو جزءاً يسيراً، فيعلن الأب لأولاده أنه سيقوم ليصلي في الليل وقت كذا وكذا، ثم يتركهم يتنافسون في الاستيقاظ في ذلك الوقت دون أن يوقظهم الأب؛ لتقوى إرادتهم، ويعتمدوا على أنفسهم، وأن يخفف بهم الصلاة، ومن نعس منهم أمره بالنوم رفقاً به.

فإذا قصر الولد في الصلاة بعد العاشرة وجب على الأب وعظه وتذكيره بالنصوص الشرعية في الصلاة، فإن استمر في تهاونه أغلظ له في القول وعنفه وهجره، فلا يكلمه ولا يخالطه ولا يمازحه، ويحرمه من بعض الأشياء المحببة لديه، فإذا فشل العقاب النفسي يلجأ الأب إلى العقاب البدني بشروطه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين).

فالمربي يقدم دائماً أسلوب الترغيب والإثابة والتشجيع، ويتجاهل تقصير الطفل في بعض الأوقات، مع حسن الإشارة والتلميح دون التصريح، فإن أصر يعاتبه سراً ويعبس في وجهه، فإن أصر يعاتبه جهراً أمام أسرته أو رفاقه بدون شتم أو سب أو تحقير ذاته؛ لأن التحقير للذات أمر غير مسموح به على الإطلاق، فإذا انتقدت تنتقد الموقف أو التصرف ولا تحكم على الطفل بأنه فاشل، وأنه ليس فيه أمل، وأنك طول عمرك ستبقى هكذا؛ لأن هذا فيه تحقير للذات، وفيه تحطيم لقدرات الطفل، لكن تنتقد التصرف فقط.

فإن تمادى رغم ذلك يهدده بالضرب، ويعلق عصاً صغيرة بحيث يراها، فإن لم تنفع كل هذه الوسائل، يلجأ إلى الضرب.

شروط العقاب البدني للأطفال وضوابطه

إذا رأى الوالد أن المصلحة في ضرب ولده، فلا يضربه إلا بشروط، منها: ألا يضرب ولده بأي حال قبل سن العاشرة.

وأن يعلم المربي أن الضرب وسيلة علاج وإصلاح، وليس وسيلة لإهانته وتحقيره وتشويه نفسيته، وليس الضرب أيضاً وسيلة انتقامية يقصد بها تفريغ شحنة غضب المربي وإراحة نفسه، ولكنه ضرورة تربوية استثنائية لمصلحة الطفل، وعليه فلا يقدم المربي على عقوبة الضرب وهو غضبان ثائر.

وألا يكون الضرب شديداً مبرحاً، ويستعمل فيه آلة معتدلة الحجم والرطوبة، ولا يزيد على ثلاث ضربات، وللوالد أن يزيد إلى عشر بحد أقصى.

أن يتوقى ضرب الوجه والمواضع الحساسة من البدن، ولا يكرر الضرب في الموضع الواحد، بل يفرق الضرب، ويترك بين الضربتين زمناً يخف به ألم الأولى.

وأهم شرط أن يكون الضرب على تقصير حقيقي، لا على شبهة أو سوء ظن، وأن يتناسب العقاب مع حجم الخطأ ونوعه.

وأن يتوقف عن الضرب إذا ذكر الغلام الله عز وجل واستغاث به؛ لأننا بهذا نغرس معنى معيناً فيه.

كان هناك ابن صغير جداً لأحد إخواننا الأفاضل، فأول ما بدأ بالنطق حضر مع والده درساً لي في آداب ضرب الطفل، فكان سعيداً جداً، فبعد أن أكملت الدرس قال لوالده: سمعت الشيخ ماذا قال؟ وجاء إلي وقال: جزاك الله خيراً يا شيخ.

فهو سمع هذا وفهمه، والأولاد قد يظن أنهم لا يفهمون، وهم يفهمون جيداً، وكان هذا الصغير كلما ضربه أبوه ذكر الله أثناء الضرب، واستفاد مما سمعه في الدرس، فجاء أبوه يشتكي إلي أنه من وقت ما سمعك ابني أنه إذا ذكر الله فعلى الأب أن يوقف الضرب، فكلما ضربته ذكر الله واستغاث به فأتوقف عن ضربه، فأقول: هذا مكسب كبير أن نزرع في ذهن الطفل تعظيم اسم الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا ذكر اسم الله يتوقف عنه الضرب، فيرتبط ذكر اسم الله بالرحمة والعفو وإيقاف الأذية، فهذا شيء سيحبب إليه ذكر الله سبحانه وتعالى.

الآثار المترتبة على تكرار العقاب البدني للطفل

العقاب الذي يتكرر يفقد فاعليته كسلاح لا ينفع استخدامه أبداً، فعلى الأب ألا يكرر العقاب بقدر الإمكان حتى لا تفقد العقوبة قيمتها، فلا يبالي بها الطفل، لكن القاعدة أن الإنسان متى ما استطاع أن ينجز ما يريد بالرفق، فلا يعدل عن الرفق أبداً؛ لأن الطفل الراقي المحافظ على كرامته قد يكون الكلام أشد عليه من الضرب بكثير، فندعه يحافظ على كرامته ولا نهدرها، فالضرب ليس شيئاً حتمياً، بل هو شيء استثنائي وبشروط كثيرة.

لو أن الأب قصر في أمر ولده بالصلاة في سن السابعة، ولم يأمره بالصلاة حتى بلغ العاشرة، فإذا بلغ عشر سنين ولم يكن قد أمره بالصلاة فلا يبدأ بالضرب؛ لأنه قصر في أمره بالصلاة بعد السابعة، فلا يستعمل معه العقاب البدني مباشرة بعد العاشرة وهو قد قصر في تعويده، بل يتدرج معه ويمرنه ويعوده عليها من جديد.

تعويد الطفل على صلاة الجماعة منذ الصغر وربطه بالمسجد

إن على الأب أن يعود الطفل على صلاة الجماعة منذ الصغر؛ كي يتعلق قلبه بالمساجد، وفي المساجد يتعرف على العلماء، ويمارس عملياً آداب الإصغاء في مجالس العلم، والحرص على مشاركة الكبار في أفعالهم ميل طبيعي عند الطفل، فليستثمر الأب هذا الشيء.

كذلك ينبغي أن يعلم الطفل آداب المسجد، وأن يحافظ على المسجد من التلويث أو النجاسة، وأن يحافظ على المسجد من اللهو والصراخ.

هناك أحاديث تدل على أن أطفال الصحابة كانوا يتواجدون في المسجد، لكن أطفال الصحابة لا أظن أنهم كانوا مثل أطفالنا، أو أنهم يفعلون مثل هذه الأشياء التي يفعلها أطفالنا في المساجد، فالطفل الذي يعرف آداب المسجد، ويحافظ على خشوع المسجد، هو الذي يأتي، لكن قد يؤتى بغيره لضرورة، كأن يخرج شخص لحاجة ما ومعه ابنه، فإن أرجعه إلى البيت فاتته صلاة الجماعة، فهذه حالات استثنائية، لكن أن نحول المسجد إلى دار حضانة وصراخ وزعيق بصورة لا تنبغي أو أن نلوث المسجد بالقاذورات فهذا لا يقول به أحد ولا يرتضيه، وهذا نوع من التعسف.

والرخصة تقف عند حد معين، فلا ينبغي أن نأتي إلى الحد الأقصى، ونجعله نقطة انطلاق إلى الإفراط في استعمال هذا الحق، فالأطفال الذي يأتون إلى المساجد يجب أن يكونوا من النوع الذين لا يلعبون فيها، ولا يحدثون أذية للمصلين، ولا يعبثون بأجهزة المسجد ونحو ذلك.

إذاً: لا بد أن يلقن الطفل أولاً آداب المسجد، فإذا اطمأن إلى ذلك يحضره إلى المسجد، وقبل أن يحضره إلى المسجد يهيئه لذلك؛ لأن الطفل قد يكون عنده نوع من الخوف الاجتماعي، فكونه يلتقي بجمع كثير في مكان واسع جداً مثل المسجد قد يحصل له نوع من الهيبة، وقد يبكي ويصرخ، فلابد من التهيئة له قبل أن نذهب به إلى المسجد، وذلك بأن يوصف له المسجد، وأن المسجد بيت الله سبحانه وتعالى، وأنه مكان واسع وجميل ونظيف ورائحته طيبة وشكله جميل، وفيه كذا وكذا، فتصف له المسجد، وتقرن له المسجد بكل شيء جميل، وبأشياء محببة إليه، فمثلاً: تشتري له الحلوى من جنب المسجد، وتقول له: اشتريت لك هذه الحلوى من المحل القريب من المسجد، يعني: أدخل كلمة المسجد واقرنها بالأشياء التي يحبها.

كذلك لو مررت به من جانب المسجد تقول له: هل ترى هذا البناء الجميل؟ هذا هو المسجد، وأنا قريباً سوف آخذك معي لتصلي فيه، فهذا نوع من التدرج قبل أن تأتي به إلى المسجد، كذلك يمكن تهيئة جو المسجد قبل اصطحابه، فلا مانع أن يتفق الأب مع الإمام ومع المؤذن وبعض المصلين من الجيران، أنه إذا حضر معي هذا الطفل إلى المسجد فلاطفوه، وبعض كبار السن يأتون إلى المسجد وفي جيب أحدهم (شوكولاتة) أو حلويات للأطفال، فإذا لقي الطفل في المسجد يعطيه، فهذا نوع من التلطف مع الطفل، وتحبيبه في المسجد وفي أهل المسجد، فيحسن بالأنس، فيطمئن لأهل المسجد ورواده؛ لأن الاهتمام به في أول مرة يدخل فيها المسجد سوف يوقع في نفسه شأن تعظيم الصلاة.

كذلك إذا كان الإمام ممن يطيل الصلاة إطالة تخالف السنة نبهه على عدم الإطالة.

وكذلك يربط الطفل بحلق تحفيظ القرآن الكريم وتجويده في المساجد بالتعاون مع إمام المسجد؛ لأنه لم يبق لنا حصن إلا المساجد الآن، فهي الحصن الأخير الذي يمكن أن تصحح فيه الأخطاء التربوية، وحصن من السهام الموجهة للأطفال والأبناء في المدارس والإعلام والمجتمع، إلى آخره، فنسأل الله أن يحفظها من كل سوء.

كذلك يهتم بترسيخ ارتباطه بالمسجد وأهله عن طريق ممارسة أنشطة نافعة ومسلية للأطفال.

ضرورة تعليم الأب ولده أحكام صلاة الجمعة وآدابها وتعظيمها

إن على الأب أن يعظم أمام ولده صلاة الجمعة، ويحدثه عن آدابها وأحكامها وضرورة احترامها وتوقيرها، لكن لا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة؛ لأن الجمعة فيها الخطبة والصلاة فيطول وقتها، فقد يمل الطفل أو قد يصعب عليه أنه يحافظ على الطهارة، وقد يلعب فيها، وللأسف الشديد أنه في هذا الزمان يندر جداً أن نرى من يتمسك بالسنة- حتى من الذين ينسبون إلى السنة والسلفية- في موضوع خطب الجمعة، فالسنة ينبغي احترامها، وألا نتحذلق مع السنة، فالسنة هي تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، ليس كما يحصل الآن للأسف الشديد، تتحول الخطبة كأنها محاضرة طويلة، وفيها مشقة على الناس، فالصادق في الانتساب إلى السنة لا بد أن يشتهر ويتميز بأنه يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، فإذا فعل ذلك عرف الناس أن هذا هو السني، وليس السني الذي يطيل الخطبة كما يحصل ويشق على المصلين.

روي: (أن أبا هريرة رضي الله عنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً فقال له: يا غلام! اذهب العب، قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام؟ قال: نعم).

إذاً: على الأب ألا يكلف ولده بصلاة الجمعة دون سن العاشرة، بل يرغبه ولا يرهبه، فإن أقبل عليها وإلا تركه وشأنه مرفهاً حتى يبلغ العاشرة أو ما قبلها بقليل فيبدأ معه بالإلزام.

كذلك يتحرى الأب اختيار الخطيب؛ لأن الخطيب بخطبته ومسلكه عميق التأثير في أخلاق الأولاد، خاصة إذا فهموا الخطبة وعقلوها، ولا بأس أن يسألهم بعد الخطبة عن موضوع الخطبة، وما استخلصوه من الفوائد، ويحثهم قبل الدخول على حسن الإنصات، ويبين لهم أنه سوف يسألهم عن مضمون الخطبة بعد الصلاة؛ لاستدعاء تركيزهم أثناء الخطبة.

هذا ما يتعلق بشأن تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة؛ لأن مستقبل الأمة متمثل في هؤلاء الأبناء وأفلاذ الأكباد، يقول الشاعر:

لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح

وصناعة الأبطال علم قد دراه أولو الصلاح

من لم يلقن أصله مـ ـن أهله فقد النجاح

لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح

من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.