لماذا نصلي؟ [3]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم).

من فوائد هذا الحديث: أن وصف الكفر يرتفع عن البلاد أو الدولة أو الدار بظهور شعائر الإسلام وأحكامه، وفي مقدمة هذه الأحكام إقامة الصلاة، كما أن الصلاة تثبت الهوية الإسلامية للشخص على مستوى الأفراد، ويرتفع حكم الكفر عن الشخص بإقامته الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذاكم المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تخفروا الله في ذمته).

وهذا نهي عن أن يتعرض لمسلم يصلي صلاتنا ويستقبل قبلتنا ويتلبس بهذه الشعائر الإسلامية، فبالتلبس بهذه الشعائر يرتفع وصف الكفر عن الفرد، فإذا رأيت رجلاً نصرانياً مثلاً أو يهودياً يصلي فهذه علامة واضحة على أنه قد دخل في دين الإسلام، وأنه صار من أهل الإسلام، باعتبار أن الصلاة أبرز وأخطر وأهم شعائر الإسلام الظاهرة، فهي التي تثبت الهوية الإسلامية للدار، فإذا لم يسمع الأذان في بلد ولم توجد فيه المساجد، فهذا دليل على أن هذه الدار دار كفر، وإذا سمع الأذان ووجدت المساجد حتى غدت مظهراً من مظاهر الدار فهي دار إسلام، وسبق أن ناقشنا ذلك بالتفصيل عند دراستنا لكتاب (الغلو في الدين)، وقلنا: إن الأرجح والأقرب أن العامل الأساسي الذي تصنف الدار على أساسه هو إقامة الصلاة، لهذه الأحاديث التي ذكرناها، وإذا قلنا: إذا وجدت المساجد صارت دار الإسلام، وإذا رفع الأذان صارت دار إسلام، فليس معنى هذا مجرد وجود المساجد، لكن المقصود أن يصبح الأذان والصلاة من الشعائر الظاهرة في المجتمع، وهذه مسألة نسبية، فقد توجد قرية صغيرة في صحراء أو في أي منطقة ريفية، وعدد السكان فيها قليل جداً فيوجد فيها مسجد واحد فقط أو مسجدان، فيحكم عليها بأنها دار إسلام، لكن مدينة كبيرة مثل: نيويورك أو غيرها من المدن الضخمة جداً، فيوجد مثلاً في نيويورك حوالى سبعين مسجداً، لكن بالنسبة لحجم المدينة وضخامتها، لا يرفع الأذان، وليس وجود المساجد مظهراً وسمة عامة تصبغ المجتمع بصبغة الإسلام بأذان وإقامة الصلاة، فبالتالي لا يكفي أن نحكم بأنها دار إسلام مع وجود هذا العدد الكبير من المساجد، بل تبقى دار كفر؛ لأن الصلاة والمساجد والأذان ليست من الشعائر الظاهرة التي تصبغ هذا المجتمع بهذه الشعائر، والدليل على هذا حديث أنس رضي الله تعالى عنه السابق: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم). لأن هذا يدل على أنهم مسلمون، وأن هذه بلاد إسلام، قال: (وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم).

وروي عن عصام المزني رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث السرية يقول: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم منادياً؛ فلا تقتلوا أحداً).

إذاً: من خصائص الصلاة ومناقب الصلاة: أن الصلاة شعار دار الإسلام.

إن من فضائل الصلاة: أن الصلاة إيمان، فقد سمى الله تبارك وتعالى الصلاة إيماناً في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143].

يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس، كذلك أيضاً جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة إيماناً فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) متفق عليه.

فدل على أن الصلاة من الإيمان.

يقول الإمام الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى: وليس من العبادات بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله عز وجل إيماناً، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة.

وقال البيهقي رحمه الله تعالى أيضاً: وقد ذكر الله جل جلاله الإيمان والصلاة فلم يذكر معها غيرها، دلالة بذلك على اختصاص الصلاة بالإيمان، فقال تبارك وتعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32].

فهو لم يقل مثلاً: فلا صدق ولا صلى ولا صام ولا زكى ولا حج، لكن بصفة أساسية قرن الصلاة مع الإيمان والعقيدة والتصديق.

فقوله: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يعني: فلا هو صدق برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به ولا هو صلى.

وقال أيضاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48]، ثم قال: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50].

فهنا قرن بين عدم الركوع وبين الكفر، إذ لو كانوا مؤمنين لركعوا وصلوا لله تبارك وتعالى.

يقول البيهقي : فوبخهم على ترك الصلاة كما وبخهم على ترك الإيمان، وقد ذكر الله جل جلاله الصلاة وحدها دلالة بذلك على أنها عماد الدين؛ لأنه قرنها بالإيمان، ومثله قوله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [الأنعام:92].

انظر كيف قرن الإيمان بالصلاة؛ فدل على خطورة الصلاة، وكما أن الصلاة إيمان فترك الصلاة كفر، فقد قال الله تعالى في حق المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]. قوله: (إِنْ تَابُوا) يعني: إن تابوا من شركهم، وأقاموا الصلاة معتقدين وجوبها آتين بأركانها، وآتوا الزكاة المفروضة؛ فإخوانكم في دين الإسلام، هذا منطوق الآية، ومفهومها أن من أصر على شركه، وعلى ترك الصلاة، وترك الزكاة، ولم يتب ويدخل في الإسلام؛ فليس من إخواننا في دين الإسلام.

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) متفق عليه. يعني: هذا أقبله منهم في الظاهر، والله عز وجل هو الذي يحاسبهم فيما يبطنون، ويعلم هل هم صادقون أم منافقون؟

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). وهذا أيضاً في مسلم .

وفي لفظ: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة).

وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

كذلك جاء في تفسير قوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم:87] قيل: الصلاة، وإن كان هذا القول ليس مشهوراً في كتب التفسير.

وعن محجن بن الأدرع الأسلمي رضي الله عنه (أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فأذن للصلاة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال له عليه الصلاة والسلام: ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟ قال: بلى، ولكني صليت في أهلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟) معناه: أنك لو كنت مسلماً لصليت.

أقوال الصحابة في أهمية الصلاة وحكم تركها

عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: (أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) وروي عنه بلفظ: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة). وعن عبد الله بن شقيق رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) وهذا صحيح. يعني: كان مستقراً عند الصحابة أن الشخص الذي لا يصلي لا أمل له في النجاة، وهو مستحق أن يعذبه الله تبارك وتعالى على ترك الصلاة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فكان الصحابة عموماً قد استقر في قلوبهم أن غير المصلي لا نجاة له؛ ولذا كانوا يلغزون بذلك، فيقول الدينوري : (كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا جلس مع أصحابه يقول لهم: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط). فهذا لغز لا يتصور، فنجاة غير المصلي شيء على خلاف الأصل، إذ لا مطمع له ولا مطمح في النجاة. قال: فسكت الصحابة؛ لأنهم لا يتصورون أن ينجو غير المصلي، فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن أقيش رضي الله عنه، وكان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -لباس الحرب- وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون توقعوا منه شراً؛ لأنهم لم يكونوا علموا أنه دخل في الإسلام، فلما رآه المسلمون مقبلاً عليهم، قالوا: إليك عنا يا عمرو -يعني: ابتعد عنا- قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال لأخته: سليه أقاتلت حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله عز وجل صلاة). وهذا؛ لأنه أسلم ولم يأت عليه وقت صلاة، بل شارك في الجهاد فقتل، فهو لم يمتنع عن أداء الصلاة، ولو حضر وقت الصلاة لوجب عليه أن يصلي. وصح عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له) يعني: كأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، كما أن الوضوء شرط في صحة الصلاة.

أقوال التابعين ومن بعدهم في حكم تارك الصلاة

يقول إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: من ترك الصلاة فقد كفر.

ويقول أيوب السختياني : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه، يعني: لا يختلف في وصفه بأنه كفر.

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أخشى ألا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن.

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: والعلماء لهم اصطلاح في تارك الصلاة الذي لا عذر له، يقولون: تارك الصلاة على صحة البدن لا تجوز شهادته، ولا يحل لمسلم أن يؤاكله، ولا يزوجه ابنته، ولا يدخل معه تحت سقف.

خلاف العلماء في حكم تارك الصلاة

هناك خلاف بين العلماء هل ترك الصلاة كفر أكبر يخرج من الملة أم هو كفر عملي من الكبائر العظام، لكنه لا يخرجه من الملة، ولا ينزع عنه صفة الإسلام؟

إن العلماء لهم تنبيه مهم جداً يذكرونه في مثل هذا الباب، سواء في باب وعيد قاتل النفس، أو حكم ترك الصلاة أو غير ذلك من الذنوب والكبائر العظام المهلكة، وهذا التنبيه هو: أنه لا ينبغي أن يتعرض لهذه النصوص بالتأويل، خاصة في غير مجلس علم، كأن يكون أمام عموم الناس كالخطب على المنابر، فعليك أن تأتي بالنصوص على وجهها، وأن تتركها تفعل فعلها، وتقع موقعها من القلوب، وهو الترهيب من مواقعة هذه الذنوب، والترغيب في التوبة منها، فلا ينبغي أن تقول: أنا أكتم العلم، فلا بد أن أفصل المسائل كلها، وأقول للناس كل الحقائق... إلى غير ذلك، فهذا يقال في مجالس طلبة العلم والفقه، أما مع عموم الناس فلا ينبغي الإفاضة في ذكر تأويلات العلماء في مثل هذه الأشياء، فإذا أتيت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فلا تقل: هي فلانة بنت فلان التي تنمصت، وهي ملعونة؛ لأنك لا تدري لعلها تتوب، أو كانت جاهلة بالحكم، أو تفعل حسنات ماحية، فأنت لا تدري كيف تكون العاقبة، لكن عليك أن تأتي بالنصوص على عمومها، وتقول: من فعل كذا فهو كذا، أو لعن الله من فعل كذا، ومن فعل كذا فقد كفر، حتى لو كنت تعرف أن هذا كفر عملي لا يخرج من الملة، ففي مقام الدعوة العامة لا تؤوله، وكذلك في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] إلى آخره، فقد نهى العلماء عن التعرض لتأويل هذا النص، لكن اترك النص يفعل فعله، ويقع موقعه من قلب المستمع؛ لعله ينزجر عن الكبيرة، لأن كثرة الكلام في العذر بالجهل والعذر بالإكراه، وكثرة تأويل مثل هذه النصوص ممن لا يطيقون حمل هذه المعاني؛ يجعلهم يضعونها في غير موضعها؛ ولذلك فإن مقام الدعوة غير مقام التنظير والتأصيل والتقعيد؛ لأن التأصيل والتقعيد يكون في مجالس العلم بين العلماء، أما أمام العوام فيخشى أن يقع فيما حذر منه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بقوله: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة).

وقال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟).

فإذاً: ينبغي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم؛ لأن بعض العوام إذا قلت له: الشيء الفلاني مكروه، المكروه عنده مباح، ويتمادى في فعله، كذلك إذا أولت مثل هذه النصوص، فإنها تضعف تأثيرها في قلبه؛ لقصر عقله، وقلة باعه في العلم، على أي حال تارك الصلاة يسمى كافراً قطعاً بلا خلاف؛ لأنه هكذا سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الخلاف في هذا الكفر الذي يوصف به تارك الصلاة، هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟

نحن في هذا المقام نتجنب ذكر التفاصيل واختلاف العلماء في حكم تارك الصلاة، وفي نوع هذا الكفر الثابت وصفه لتارك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها، وإلا فلو جحد فهو كافر، لكن نحن نهمس فقط في أذن تارك الصلاة الذي لا ندري كيف يتمتع بنعم الله سبحانه وتعالى، ويدعي الانتساب للإسلام ومع ذلك لا يصلي؟!! كيف يكون في هذا خير؟!!

نقول لتارك الصلاة: هل تقبل ويرضيك أن يكون انتسابك إلى ملة الإسلام، وإلى دين التوحيد، وإلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محل خلاف بين العلماء؟! ففريق من العلماء يقول: إنك كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنك لا تستحق الحياة، بل على ولي أمر المسلمين أن يقتلك ردة على ترك الصلاة، وإنه لا يجوز لك أن تتزوج من مسلمة، ولا تصلح ولياً شرعياً لأولادك، وإنك لا ترثهم ولا يرثونك، وإنك لا تغسل ولا يصلى عليك ولا تدفن في مقابر المسلمين، وإنك مستحق للخلود في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأبي جهل وسائر أعداء الدين، فهذا الفريق الأول من العلماء يرى هذا الرأي في تارك الصلاة.

الفريق الآخر يقول: بل تارك الصلاة فاسق عاص فاجر مجرم، يجب قتله حداً إن أصر على ترك الصلاة.

فهل تقبل أن يكون انتماؤك إلى الدين أو إلى الإسلام أو إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام مسألة خلافية بين العلماء يتنازعون فيها؟

لا شك أن هذه دناءة ما بعدها دناءة أن يجعل الإنسان إسلامه وانتماءه للإسلام محل خلاف؛ فمن أجل ذلك يقول بعض العلماء:

يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي

وتقول في أوقاتها الله يلعن تاركي

أقوال أهل العلم في حكم تارك الصلاة

إن ترك الصلاة من أكبر الكبائر الموبقة، قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى: سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تارك الصلاة كافر) وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وقتل مؤمن بغير حق.

ويقول الشيخ المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة.

قد يتأفف تارك الصلاة من أن يفعل فاحشة الزنا مثلاً، أو أن يسرق، أو أن يرابي، أو يقذف المحصنات، أو يقتل النفس، أو يسرق الأموال، أو يشرب الخمر، ولا يدري المسكين أن ترك الصلاة أخطر وأشد إهلاكاً له من هذه الكبائر، فترك الصلاة أكبر وزراً بعد الشرك بالله تبارك وتعالى.

وقال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فمؤخر الصلاة عن وقتها صاحب كبيرة، وتاركها بالكلية -يعني: تارك الصلاة الواحدة بالكلية- كمن زنى وسرق؛ لأن ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة، فإن فعل ذلك مرات فهو من أهل الكبائر إلا أن يتوب، فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين.

أقوال الصحابة في أهمية الصلاة وفي حكم تاركها

عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: (أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) وروي عنه بلفظ: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).

وعن عبد الله بن شقيق رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة)

وهذا صحيح.

يعني: كان مستقراً عند الصحابة أن الشخص الذي لا يصلي لا أمل له في النجاة، وهو مستحق أن يعذبه الله تبارك وتعالى على ترك الصلاة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فكان الصحابة عموماً قد استقر في قلوبهم أن غير المصلي لا نجاة له؛ ولذا كانوا يلغزون بذلك، فيقول الدينوري : (كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا جلس مع أصحابه يقول لهم: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط).

فهذا لغز لا يتصور، فنجاة غير المصلي شيء على خلاف الأصل، إذ لا مطمع له ولا مطمح في النجاة.

قال: فسكت الصحابة؛ لأنهم لا يتصورون أن ينجو غير المصلي، فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن أقيش رضي الله عنه، وكان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -لباس الحرب- وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون توقعوا منه شراً؛ لأنهم لم يكونوا علموا أنه دخل في الإسلام، فلما رآه المسلمون مقبلاً عليهم، قالوا: إليك عنا يا عمرو -يعني: ابتعد عنا- قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال لأخته: سليه أقاتلت حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله عز وجل صلاة).

وهذا؛ لأنه أسلم ولم يأت عليه وقت صلاة، بل شارك في الجهاد فقتل، فهو لم يمتنع عن أداء الصلاة، ولو حضر وقت الصلاة لوجب عليه أن يصلي.

وصح عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له) يعني: كأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، كما أن الوضوء شرط في صحة الصلاة.

عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: (أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) وروي عنه بلفظ: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة). وعن عبد الله بن شقيق رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) وهذا صحيح. يعني: كان مستقراً عند الصحابة أن الشخص الذي لا يصلي لا أمل له في النجاة، وهو مستحق أن يعذبه الله تبارك وتعالى على ترك الصلاة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فكان الصحابة عموماً قد استقر في قلوبهم أن غير المصلي لا نجاة له؛ ولذا كانوا يلغزون بذلك، فيقول الدينوري : (كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا جلس مع أصحابه يقول لهم: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط). فهذا لغز لا يتصور، فنجاة غير المصلي شيء على خلاف الأصل، إذ لا مطمع له ولا مطمح في النجاة. قال: فسكت الصحابة؛ لأنهم لا يتصورون أن ينجو غير المصلي، فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن أقيش رضي الله عنه، وكان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -لباس الحرب- وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون توقعوا منه شراً؛ لأنهم لم يكونوا علموا أنه دخل في الإسلام، فلما رآه المسلمون مقبلاً عليهم، قالوا: إليك عنا يا عمرو -يعني: ابتعد عنا- قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال لأخته: سليه أقاتلت حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله عز وجل صلاة). وهذا؛ لأنه أسلم ولم يأت عليه وقت صلاة، بل شارك في الجهاد فقتل، فهو لم يمتنع عن أداء الصلاة، ولو حضر وقت الصلاة لوجب عليه أن يصلي. وصح عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له) يعني: كأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، كما أن الوضوء شرط في صحة الصلاة.

يقول إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: من ترك الصلاة فقد كفر.

ويقول أيوب السختياني : ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه، يعني: لا يختلف في وصفه بأنه كفر.

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أخشى ألا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن.

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: والعلماء لهم اصطلاح في تارك الصلاة الذي لا عذر له، يقولون: تارك الصلاة على صحة البدن لا تجوز شهادته، ولا يحل لمسلم أن يؤاكله، ولا يزوجه ابنته، ولا يدخل معه تحت سقف.

هناك خلاف بين العلماء هل ترك الصلاة كفر أكبر يخرج من الملة أم هو كفر عملي من الكبائر العظام، لكنه لا يخرجه من الملة، ولا ينزع عنه صفة الإسلام؟

إن العلماء لهم تنبيه مهم جداً يذكرونه في مثل هذا الباب، سواء في باب وعيد قاتل النفس، أو حكم ترك الصلاة أو غير ذلك من الذنوب والكبائر العظام المهلكة، وهذا التنبيه هو: أنه لا ينبغي أن يتعرض لهذه النصوص بالتأويل، خاصة في غير مجلس علم، كأن يكون أمام عموم الناس كالخطب على المنابر، فعليك أن تأتي بالنصوص على وجهها، وأن تتركها تفعل فعلها، وتقع موقعها من القلوب، وهو الترهيب من مواقعة هذه الذنوب، والترغيب في التوبة منها، فلا ينبغي أن تقول: أنا أكتم العلم، فلا بد أن أفصل المسائل كلها، وأقول للناس كل الحقائق... إلى غير ذلك، فهذا يقال في مجالس طلبة العلم والفقه، أما مع عموم الناس فلا ينبغي الإفاضة في ذكر تأويلات العلماء في مثل هذه الأشياء، فإذا أتيت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فلا تقل: هي فلانة بنت فلان التي تنمصت، وهي ملعونة؛ لأنك لا تدري لعلها تتوب، أو كانت جاهلة بالحكم، أو تفعل حسنات ماحية، فأنت لا تدري كيف تكون العاقبة، لكن عليك أن تأتي بالنصوص على عمومها، وتقول: من فعل كذا فهو كذا، أو لعن الله من فعل كذا، ومن فعل كذا فقد كفر، حتى لو كنت تعرف أن هذا كفر عملي لا يخرج من الملة، ففي مقام الدعوة العامة لا تؤوله، وكذلك في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] إلى آخره، فقد نهى العلماء عن التعرض لتأويل هذا النص، لكن اترك النص يفعل فعله، ويقع موقعه من قلب المستمع؛ لعله ينزجر عن الكبيرة، لأن كثرة الكلام في العذر بالجهل والعذر بالإكراه، وكثرة تأويل مثل هذه النصوص ممن لا يطيقون حمل هذه المعاني؛ يجعلهم يضعونها في غير موضعها؛ ولذلك فإن مقام الدعوة غير مقام التنظير والتأصيل والتقعيد؛ لأن التأصيل والتقعيد يكون في مجالس العلم بين العلماء، أما أمام العوام فيخشى أن يقع فيما حذر منه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بقوله: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة).

وقال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟).

فإذاً: ينبغي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم؛ لأن بعض العوام إذا قلت له: الشيء الفلاني مكروه، المكروه عنده مباح، ويتمادى في فعله، كذلك إذا أولت مثل هذه النصوص، فإنها تضعف تأثيرها في قلبه؛ لقصر عقله، وقلة باعه في العلم، على أي حال تارك الصلاة يسمى كافراً قطعاً بلا خلاف؛ لأنه هكذا سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الخلاف في هذا الكفر الذي يوصف به تارك الصلاة، هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟

نحن في هذا المقام نتجنب ذكر التفاصيل واختلاف العلماء في حكم تارك الصلاة، وفي نوع هذا الكفر الثابت وصفه لتارك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها، وإلا فلو جحد فهو كافر، لكن نحن نهمس فقط في أذن تارك الصلاة الذي لا ندري كيف يتمتع بنعم الله سبحانه وتعالى، ويدعي الانتساب للإسلام ومع ذلك لا يصلي؟!! كيف يكون في هذا خير؟!!

نقول لتارك الصلاة: هل تقبل ويرضيك أن يكون انتسابك إلى ملة الإسلام، وإلى دين التوحيد، وإلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محل خلاف بين العلماء؟! ففريق من العلماء يقول: إنك كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنك لا تستحق الحياة، بل على ولي أمر المسلمين أن يقتلك ردة على ترك الصلاة، وإنه لا يجوز لك أن تتزوج من مسلمة، ولا تصلح ولياً شرعياً لأولادك، وإنك لا ترثهم ولا يرثونك، وإنك لا تغسل ولا يصلى عليك ولا تدفن في مقابر المسلمين، وإنك مستحق للخلود في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأبي جهل وسائر أعداء الدين، فهذا الفريق الأول من العلماء يرى هذا الرأي في تارك الصلاة.

الفريق الآخر يقول: بل تارك الصلاة فاسق عاص فاجر مجرم، يجب قتله حداً إن أصر على ترك الصلاة.

فهل تقبل أن يكون انتماؤك إلى الدين أو إلى الإسلام أو إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام مسألة خلافية بين العلماء يتنازعون فيها؟

لا شك أن هذه دناءة ما بعدها دناءة أن يجعل الإنسان إسلامه وانتماءه للإسلام محل خلاف؛ فمن أجل ذلك يقول بعض العلماء:

يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي

وتقول في أوقاتها الله يلعن تاركي

إن ترك الصلاة من أكبر الكبائر الموبقة، قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى: سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تارك الصلاة كافر) وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وقتل مؤمن بغير حق.

ويقول الشيخ المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة.

قد يتأفف تارك الصلاة من أن يفعل فاحشة الزنا مثلاً، أو أن يسرق، أو أن يرابي، أو يقذف المحصنات، أو يقتل النفس، أو يسرق الأموال، أو يشرب الخمر، ولا يدري المسكين أن ترك الصلاة أخطر وأشد إهلاكاً له من هذه الكبائر، فترك الصلاة أكبر وزراً بعد الشرك بالله تبارك وتعالى.

وقال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فمؤخر الصلاة عن وقتها صاحب كبيرة، وتاركها بالكلية -يعني: تارك الصلاة الواحدة بالكلية- كمن زنى وسرق؛ لأن ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة، فإن فعل ذلك مرات فهو من أهل الكبائر إلا أن يتوب، فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين.

عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: (أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) وروي عنه بلفظ: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).

وعن عبد الله بن شقيق رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة)

وهذا صحيح.

يعني: كان مستقراً عند الصحابة أن الشخص الذي لا يصلي لا أمل له في النجاة، وهو مستحق أن يعذبه الله تبارك وتعالى على ترك الصلاة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فكان الصحابة عموماً قد استقر في قلوبهم أن غير المصلي لا نجاة له؛ ولذا كانوا يلغزون بذلك، فيقول الدينوري : (كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا جلس مع أصحابه يقول لهم: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط).

فهذا لغز لا يتصور، فنجاة غير المصلي شيء على خلاف الأصل، إذ لا مطمع له ولا مطمح في النجاة.

قال: فسكت الصحابة؛ لأنهم لا يتصورون أن ينجو غير المصلي، فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: هو أخو بني عبد الأشهل عمرو بن أقيش رضي الله عنه، وكان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -لباس الحرب- وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون توقعوا منه شراً؛ لأنهم لم يكونوا علموا أنه دخل في الإسلام، فلما رآه المسلمون مقبلاً عليهم، قالوا: إليك عنا يا عمرو -يعني: ابتعد عنا- قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً، فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال لأخته: سليه أقاتلت حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله عز وجل؟ فقال: بل غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله عز وجل صلاة).

وهذا؛ لأنه أسلم ولم يأت عليه وقت صلاة، بل شارك في الجهاد فقتل، فهو لم يمتنع عن أداء الصلاة، ولو حضر وقت الصلاة لوجب عليه أن يصلي.

وصح عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له) يعني: كأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، كما أن الوضوء شرط في صحة الصلاة.

إذا كانت الصلاة إيماناً، وترك الصلاة كفراً، وهي تبرئ الإنسان وتنزهه عن وصف الكفر، فهي كذلك تنزهه عن وصف النفاق، فقد جاءت نصوص كثيرة تدل على هذا.

منها: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) حديث حسن.

ونحن نتكلم عن جنس الصلاة سواء كانت نافلة أم فريضة، فالصلاة تكون سبباً في البراءة من النفاق، وسبباً في البراءة من النار.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً) أخرجه البخاري .

إذاً: السجود يميز الله عز وجل به يوم القيامة بين المؤمن وبين المنافق.

لقد بين الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة نفاق، يقول تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142] قوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أي: يظهرون الإسلام، وقوله: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) أي: أنهم كانوا يصلون، لكن يقومون إلى الصلاة وهم كسالى، وقوله: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) يعني: يصلون مراءاة، وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثواباً، ولا يعتقدون على تركها عقاباً.

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، لكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يغفر له، ويجيبه إذا دعاه).

ونحن نلاحظ حين تقام الصلاة أن بعض الناس يتأخرون ويتثاقلون عنها، كأنه يحمل جبلاً فوق رأسه إلى أن يصل إلى الصف، وهذا مخالف للآداب الشرعية، بل هذه الصفة من صفات المنافقين، فإنهم إذا قاموا للصلاة قاموا كسالى، وعلام يكسل وهو يقبل على هذه النفحات؟ والرسول صلى الله عليه وسلم نص على نفس هذا المعنى في قوله: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها).

قوله: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام) أي: السنة الاقتراب من الإمام، وكلما اقتربت من الإمام فإن ذلك أفضل.

قوله: (فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) أي: حتى لو استحق دخول الجنة، لكنه كما تعمد التأخر عن صفوف الصلاة نتيجة التكاسل فإنه وإن دخل الجنة سيؤخر في منزلته ومرتبته.

قوله: (حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) يعني: من يتأخر يؤخره الله، والجزاء من جنس العمل.

وقال سبحانه وتعالى في شأن المنافقين أيضاً: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54] قوله: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى) قال ابن عباس : (إن كان في جماعة صلى، وإن انفرد لم يصل.) يعني: شأن المنافق إن كان في جماعة من الناس يرونه فإنه يصلي مراءة لهم، وإن انفرد ولم يطلع عليه أحد من البشر لم يصل.

فهذا المنافق هو الذي لا يرجو على الصلاة ثواباً، ولا يخشى في تركها عقاباً؛ لأن النفاق يورث الكسل في العبادة لا محالة، وإنما يدفعهم إلى الصلاة الرغبة في إرضاء الناس، والتظاهر بالإيمان فراراً من الذم، وسعياً إلى الكسب والمغنم، وهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ولا يؤدونها بخشوع وحضور قلب، بل يؤدونها وهم شاردون عن الخالق إلى المخلوق كما قال تبارك وتعالى في شأنهم: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4-7].

قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ): يقول ابن كثير : إما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك فله قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي.

يعني: هؤلاء المنافقون الذين يقول الله فيهم: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] هم مصلون، لكن ما صفة صلاتهم؟ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5] وهذا فيمن يضيع وقتها، فكيف بمن يهجرها كلها ويتركها بالكلية؟!

يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في شأن صلاة الجماعة: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل، يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم.

قوله: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) أي: مغموز ومشهور بالنفاق.

قوله: (ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين) يعني: أن الرجل من الصحابة إذا كان مريضاً شديد المرض قد عذره الله سبحانه وتعالى، لكن قلبه لم يطق أن يتخلف عن صلاة الجماعة، فكان يأتي إلى المسجد مستنداً على رجلين يمشي بينهما يتمايل من شدة الضعف، وهؤلاء هم المؤمنون الخلص، عذر الله أبدانهم فلم تطق قلوبهم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) يعني: أن يكون من المنافقين.

وقال صلى الله عليه وسلم في موقف المنافقين من صلاة العشاء: (ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها) رواه مسلم . يعني: من صفات المنافقين أنهم يبحثون عن الأمور المادية والأمور الدنيوية؛ لأن الدنيا تدفعهم وتؤزهم أزاً.

لو أن محلاً من المحلات التجارية أعلن عن تخفيض بنسبة (90%) مثلاً ماذا تتوقعون أن يحصل في اليوم التالي؟

ستجد الناس يتسارعون للشراء من هذا المحل، فكذلك بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم موقف المنافقين من الصلاة، بحيث لو قيل لهم: إن من أتى المسجد في صلاة العشاء سيجد عظماً سميناً؛ لما تخلف منهم أحد؛ من أجل أن ينال هذا العظم السمين.

إذاً: المنافقون لو لاح لهم شيء من الدنيا لبادروا إليه، فهذا شأنهم ودأبهم، إن قلت: حيّ على الشهوات طاروا إليها خفافاً وثقالاً، وإن قلت حيّ على الصلاة قاموا إليها كسالى، لهم في المعاصي وثبات، وفي الطاعة سكون وثبات.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) قوله: (لو يعلمون ما فيهما) يعني: لو عندهم يقين، لكن ليس عندهم يقين، فالدافع غير موجود؛ لأنه ليس عندهم تصديق ولا يقين بهذا الوعد،وهو ثواب الصلاة.

قوله: (لأتوهما ولو حبواً) يعني: يحبو كما يحبو الصبي.

يقول صلى الله عليه وسلم: (ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه.

يعني: أن تارك صلاة الجماعة يستحق أن يعاقب بتحريق بيته عليه، لكن المانع من ذلك هو ما فيه من الأطفال والذرية كما جاء في رواية ضعيفة، فحتى لا يتعدى الضرر إلى من لا يستحق العقوبة ممن لا تجب عليه صلاة الجماعة من الأطفال والنساء والصبيان فمن أجل ذلك فقط امتنع النبي عليه الصلاة والسلام من تحريق بيوت هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة، أو بعبارة أخرى أنه هم أن يفعل ذلك ولم يفعل؛ لأن صلاة الجماعة واجبة عليه، فلو استخلف رجلاً لفاتته الجماعة الأولى، ولأجل ذلك لم يفعل.

وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) يفهم من هذا أنهم يشهدون غيرهما من الصلاة؛ لأنهم في النهار لا يستطيعون التستر والتخلف، أما الفجر والعشاء فكل منهما صلاة ليلية، والمساجد ما كانت مضاءة بهذه الصورة فيما مضى، فالمنافق يتستر وراء ظلام الليل في الفجر والعشاء؛ لأن الناس لا يرونه في الظلام غالباً، أما في النهار فإنه يرائي بالصلاة؛ كي يحقن دمه وماله، ويأخذ حكم الإسلام، فمن أجل ذلك كانوا يشهدون الصلوات النهارية، أما صلاة الفجر والعشاء فكانوا يتثاقلون عنهما، فكيف بمن يدعي الإسلام والإيمان ولا يشهد الصلوات الخمس كلها في الجماعة، فظاهر المنافقين في عهد النبوة كان أحسن حالاً من ظاهر هؤلاء المسلمين اليوم الذين لا يشهدون صلاة الجماعة!

يقول القرطبي رحمه الله تعالى معلقاً على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً): وذلك لأن صلاة العشاء تأتي وقد أتعبهم عمل النهار، فيثقل عليهم القيام إليها، وصلاة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من مفروح به، ولولا السيف ما قاموا. انتهى كلام القرطبي .

ما أصدق قول رسول صلى الله عليه وسلم في حق هؤلاء المنافقين: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ) الجعظري هو: الفظ الغليظ المتكبر، والجواظ هو: الجموع المنوع. (إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق) سخاب بالسين أو بالصاد: ذو الصخب والجلبة، يرفع صوته بالبضاعة كما يفعل بعض الناس، فهذا ليس من أدب المسلم أن يكون كثير الصخب والجلبة والزعق.

ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (جيفة بالليل حمار بالنهار) قوله: (جيفة بالليل) أي: لا يذكر الله سبحانه وتعالى، لا يصلي فجراً ولا عشاء ولا غيرهما.

قوله: (حمار بالنهار) يعني: يسعى في طلب الدنيا كالحمار طول النهار، ثم قال: (عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة).

والحقيقة أن المنافق الذي هو جيفة بالليل أخف حالاً من الشخص الذي يسهر الليل أمام الأفلام والمسرحيات والأغاني والحفلات؛ لأن هذا إن كان ظالماً فالعوام يقولون: نوم الظالم عبادة؛ لأنه إذا نام يكون قليل الشر والمعاصي، فالمنافق الذي ينام بالليل يكون أخف من حال هذا الذي هو مستيقظ بالليل في معصية الله تبارك وتعالى.

فالمنافقون خشب بالليل، صخب بالنهار، إذا جن عليهم الليل سقطوا نياماً كأنهم خشب، لا يذكرون الله تعالى ولا يصلون، فإذا أصبحوا تصاخبوا على الدنيا شحاً وحرصاً؛ ولهذا قال في حق الواحد منهم: (جيفة بالليل، حمار بالنهار) أي: أنه كالجيفة؛ لأنه يعمل طوال النهار لدنياه، وينام طول الليل كالجيفة التي لا تتحرك؛ ولذلك قال قتادة : كان يقال: ما سهر الليل منافق؛ وذلك لأنه لا يصلي ولا يتهجد ولا يذكر الله سبحانه وتعالى، يعني: ما سهر الليل منافق في العبادة.

وعندما يحاول المنافقون مشاركة المؤمنين في السجود يوم القيامة يحال بينهم وبين هذا التكريم، وتصبح ظهورهم كصياصي البقر لا يستطيعون الانحناء، كلما أراد أحدهم أن يسجد خر على قفاه، فيبوءون بالذل والخزي والهوان.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
لماذا نصلي؟ [11] 2198 استماع
لماذا نصلي؟ [9] 2082 استماع
لماذا نصلي؟ [6] 1600 استماع
لماذا نصلي؟ [8] 1565 استماع
لماذا نصلي؟ [10] 1525 استماع
لماذا نصلي؟ [1] 1438 استماع
لماذا نصلي؟ [2] 1415 استماع
لماذا نصلي؟ [4] 1097 استماع
لماذا نصلي؟ [5] 855 استماع
لماذا نصلي؟ [7] 563 استماع