أرشيف المقالات

أوراق الورد! - حنان لاشين

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
لا أدري لماذا سأنثر أوراق وردات حياتي بين السطور!
ربما حنينًا لتلك الذكريات، وربما لأنني أعلم يقينًا أن كل واحدة منكن ستمر بمثلها يومًا ما..
كنت أرتدي قميصي الأبيض وطرحتي البيضاء ولا زِلت أذكر تنورتي الزرقاء...
إنها مُدرِستي..
كُنَّا ننتظر بداية العام الدراسي بلهفة، رائحة أوراق الكتب الجديدة، تجليد الكراريس، الحذاء الجديد الأسود، تلك الأقلام الجديدة التي نتخيرها بعنايةٍ ونحن نشتريها وكأنها هي التي ستمنحنا المعرفة!
لن أنسى أبدًا صوت خطواتها..
تك تك تك، إنها معلمتي الحبيبة (أبلة منى) أو (ميس منى) كما تحب بعض صديقاتي أن تنادينها.
كانت تُدرِّسنا اللغة العربية وبين درسٍ وآخر كان لا بد من تلميح...
وبالتأكيد نصيحة.
لن أنسى أبدًا فستانها الأخضر الجميل، وفعلًا هو كان جميلًا عليها...
وأظنها كانت تعلم ذلك لأنها كانت تعتني بكل شيء عندما ترتديه..
حتى العِطر! عِطرًا قويًا يداعب أنفي وهي تمر من بين الصفوف قارئة لفقرةٍ من الدرس، أو مقتربة مني لتسألني فأُجيب، أحببتها كثيرًا.
ومن هيبة في قلوبنا واحترامًا لها في صدورنا لم نتمكن من مواجهتها بشيءٍ بسيط جدًا، هي لا تُطبِّق نصائحها! فهي تنهانا عن ارتداء الملابس الضيقة ووضع مساحيق التجميل وتُخبِرنا أن هذا حرام وهذا لا يجوز وهي تضع العطر وتدخل علينا متأنقة بفستانٍ ضيِّق يُبرِز مفاتن الجسد! حتى أتت لحظة أظنها لن تنساها أبدًا، فهي سألت تلميذاتها: "ما رأيكن فيَّ؟".
وأظنها كانت تنتظر مدحًا...
فقامت فتاة جريئة وأخبرتها بالحقيقة..
أنتِ لا تُطبِّقين ما تنصحينا به...!
وبين شهقات البنات ونظرات التعجب من بعضهن، وبعض همسات وضحكات مكتومة مرّت لحظات ودق الجرس وانتهت الحصة، ومرّت أيام وكانت المفاجأة...
وصلت الرسالة، ولقنتنا معلمتي أهم درس شرحته في حياتها، فهي لم تغضب ولم تُعنِّف الفتاة ، ولم تتكبّر على أن تكون هي من يتعلّم مِنَّا..
لقد ارتدت حجابًا طويلًا وملابس فضفاضة، وودعت مساحيق التجميل وزجاجة العطر عند خروجها من البيت، ويبدو أن هناك من كان يترقب تلك اللحظة، فقد دق باب بيتها شاب صالح وخُطِبت له...
وفرحنا جميعًا.
لن أنسى أبدًا هذه الأيام...
عفوًا معلمتي..
لم ينتهي الدرس بعد..
لا زال شرحكِ مستمرًا.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢