تفسير سورة الليل


الحلقة مفرغة

سورة الليل سورة مكية، وآياتها إحدى وعشرون آية، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ (هلا صليت بـ(سبح اسم ربك الأعلى)، (والشمس وضحاها)، (والليل إذا يغشى)) . بسم الله الرحمن الرحيم: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [الليل:1-3]. قوله: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى أي: يغشى الشمس أو يغشى النهار بظلمته، فيذهب بذاك الضياء. قوله: وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى أي: إذا ظهر بزوال ظلمة الليل أو تبين بطلوع الشمس. والتعبير في الغشيان بالمضارع (يغشى) وفي النهار بالماضي (تجلى) لقلة أوقات الظلمة، أما النور فهو أسمى مظاهر الوجود حتى عبر به عن الوجود نفسه. قوله: وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى أي: ومن خلق الذكر والأنثى، فـ (ما) موصولة، (وما خلق) أي: والذي خلق الذكر والأنثى من كل نوع له توالد. وإنما أقسم الله بذاته بهذا اللفظ (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) ولم يقل: والله؛ لما فيه من الإشعار بصفة العلم المحيط بدقائق المادة، والإشارة إلى الإبداع في الخلق عند التفريق بين الذكر والأنثى، وأن خلقهما لا يحصل بمحض الاتفاق من طبيعة لا شعور لها فيما تفعل كما يزعم بعض الجاهلين، فإن الأجزاء الأصلية في المادة متساوية، فتكوين الجنين من عناصر واحدة وجعله تارة ذكر وتارة أنثى دليل على أن واضع هذا النظام عالم بما يفعل، محكم لما يصنع.

قال تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4] هذا هو جواب القسم، أي: إن سعيكم مختلف في جزائه، ومفترق في عاقبته، منه ما يسعد به الساعي ومنه ما يشقى به، فشتان ما بينهما كما فصله فيما بعد. قوله: (شَتَّى) جمع شتيت بمعنى مفترق، و(سعيكم) مصدر مضاف يفيد العموم، فأي مصدر إذا كان مضافاً فإنه يفيد العموم؛ فهو من حيث المعنى جمع، ومن حيث اللفظ مفرد، لذلك أخبر عنه بالجمع في قوله: (شتى) فهو جمع شتيت وهناك وجه آخر وهو أنه: مفرد، وتكون شتى مصدراً مؤنثاً لذكرى وبشرى، وتكون خبراً لسعيكم بتقدير مضاف، أي: ذو شتى، أو بتأويله بالوصف، أي : شتيت، أو بجعلها عين الافتراق مبالغة، ويأتي في القرآن نفس المعنى في قوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ [الحشر:20] وأيضاً قوله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، وقال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم:35] وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21].

قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى [الليل:5]. قوله: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى هذا تفصيل أنواع السعي المذكور في قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فالله عز وجل يفصل تلك المساعي الشتى ويبين مآلها. وقوله: (أعطى) فيها قولان: القول الأول: أنفق المال في كل أمور الخير، من صدقات وعتق وتقوية المسلمين على عدوهم كما كان يفعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، سواء كان الإعطاء في فرض أو في نفل، وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] فإن المراد منه كل ما كان إنفاقاً في سبيل الله سواء كان واجباً أو نفلاً، وقد مدح الله قوماً فقال: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، وقال في آخر هذه السورة وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى [الليل:17-18]. القول الثاني: أن قوله: (أعطى) يتناول إعطاء حقوق المال، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى، فاستفرغ وسعه في طاعة الله تعالى. والقول الأول هو المناسب للإعطاء، فهو إنفاق المال في جميع أمور الخير؛ لأن المعروف في الإعطاء تعلقه بالمال خصوصاً، وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال، وهذا يقوي القول الأول، فإنه قال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) ثم ذكر في المقابل البخل في المال فقال: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى [الليل:8]. وقوله: وَاتَّقَى أي: اتقى ربه فاجتنب محارمه. قوله: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي: بالمثوبة الحسنى، أي: صدق بموعود الله الحسن، وهو الجنة، قال الله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وكما قال تعالى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا [الشورى:23] فسمى مضاعفة الأجر حسناً. قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى أي: فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى التي هي سلوك طريق الحق، فهذه الطريق تؤدي إلى اليسر وإلى الأمر السهل الذي يستريح به الناس.

قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:8-10]. قوله: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى أي: بخل بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهبه الله له من فضله، ولم يصرف ماله في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها، واستغنى عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل بطاعته، فاستغنى عن ربه، ولا أحد يستغني عن الله، لكن المعنى: لم يرغب إلى الله بالعمل بطاعته أو استغنى بماله عن كسب الفضيلة. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي: بوجود المثوبة الحسنى لمن آمن بالحق واغتر بالحياة الدنيا ولم يستعد لعالم الآخرة. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أي: للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبدي، وهي الطريقة التي يحط الإنسان فيها من نفسه، ويقصر في حقها، وينزل بها إلى حضيض البهيمية، فيغمسها في أوحال الخطيئة، واختيار طريق الفسق والفجور هو أعسر الطريقين على الإنسان.

قال الله تعالى: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى [الليل:11-13]. قوله: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى أي: وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله، وأفنى عمره في جمعه، وبطر الحق لأجله، تم مات مثل من تردى من الجبل، وتردى في الهوة؟! وفي التعبير بتردى إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة هو المهلك لنفسه والموقع لها في الهاوية. وقوله:(ما) نافية، أي: لا يغني عنه ماله أو تكون استفهامية والجواب لا شيء. قوله: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى أي: علينا بموجب قضائنا المبني على الحكم البالغة أن نبين لخلقنا طريق الهدى، فالله سبحانه وتعالى تكفل بأن يبين للناس طريق الهدى، وقد فعل سبحانه ذلك بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتمكين العقل من الاستدلال. قوله: وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى يعني: ملكاً وخلقاً، فلا يضرنا توليكم عن الهدى؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين لنا الهدى وهو غني عنا، قال سبحانه: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] فالله سبحانه وتعالى غني عنكم، وليس بحاجة إلى طاعتكم أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ [فاطر:15]. فالله تعالى له التصرف المطلق في الدارين، والخلق في قبضة تصرفه، لا يحول بينهم وبينه أحد، ولا ينفعه أحد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. وفي قوله: (وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى) إشارة إلى كمال عظمته، وتكامل قهره وجبروته، وأن من كان كذلك فجدير أن يبادر بطاعته، ويحذر من معصيته.

قال الله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:14-16]. قوله: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى يعني: الله الذي يملك الآخرة والأولى، وهو غني عن عباده لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم، فمن كان هذا فعله فينبغي للمخلوق أن يبادر نفسه إلى طاعته، وأن يحذر من معصيته؛ ولذلك رتبت هذه الآية: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) على قوله: وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى . ومعنى (تَلَظَّى) أي: تتلظى وتتوهج، وهي نار الآخرة. قوله: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى أي: كذب بالحق لما جاءه، (( وَتَوَلَّى )) أي: تولى عناداً عن آيات ربه وبراهينها التي وضح أمرها وظهر نورها. وهذه الآية مما تعلق به بعض المغرورين فزعموا أن قوله تعالى: (لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى) دليل على أنه لا يدخل النار إلا كافر، وليس الأمر كما ظنوا؛ لأن هذه النار موصوفة بقوله: (نَارًا تَلَظَّى) ولأن النار طبقات، فدرجات الجنة تذهب علواً، ودركات النار تذهب سفلاً، ولأهل النار منازل، وسياق الآيات في الأشقى الذي أتى بأفظع أنواع الكفر والإجرام، فلا ينافي هذا أن هناك من عصاة الموحدين من يدخل النار كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فلو كان كل من لا يشرك لا يعذب لم يقل الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويكون -على هذا- قوله تبارك وتعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) كلاماً لا معنى له إذا كان العاصي الموحد لا يعذب. وأيضاً في قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:17-18]، فهؤلاء لا يتوب الله عليهم مع أن الفريق الأول ليسوا كفاراً، فالعصاة الموحدون إذا تابوا عند حضور الموت لا يتوب الله عليهم، فالتوبة عند الغرغرة لا تقبل. إذاً: الذي يموت على شيء من المعاصي أو الكبائر وهو لم يتب منها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فلا يصح أن يتعلق بهذه الآية على أنه لا يدخل النار إلا الأشقى؛ لأن أهل النار منازل.

وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21]. قوله: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى أي: ينفق ماله في سبيل الخير، (يَتَزَكَّى) أي: يطهر نفسه من البخل. وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى أي: من يد يكافئه عليها، فليست صدقاته من باب المكافأة والمعاوضة، فهو لا ينفق لمقابلة إحسان سابق، وإنما ينفق ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى، وطلب مرضاته، لا لغرض مكافأة أو محمدة أو سمعة. وفي قوله: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى) حصر للأتقى، مع أن الأتقى يعمل أعمالاً صالحة أخرى، لكن انظر إلى الترغيب في هذا العمل الذي استوجب له ذلك: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) أي: ينفق ليزكي نفسه، ويؤتي ماله لوجه الله لا للمكافأة. وقوله: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) (نعمة) نكرة في سياق النفي، فظاهرها العموم، وإذا دخلت (من) على النكرة فهي قطعية في العموم. قوله: وَلَسَوْفَ يَرْضَى قال ابن جرير : أي: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل يتزكى، بما يثيبه الله في الآخرة عوضاً مما أتى في الدنيا في سبيله إذا لقي ربه تبارك وتعالى. فقوله: وَلَسَوْفَ يَرْضَى فيه وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها، إذ به يتحقق الرضا، وهذا باعتبار أن فاعل (يرضى) ضمير مستتر يعود إلى الأتقى. وذهب بعضهم إلى أن قوله: وَلَسَوْفَ يَرْضَى أي: ولسوف يرضى الله عن ذلك الأتقى الطالب لرضاه. والتعبير بسوف لإفادة أن الرضا يحتاج إلى بذل كثير، ولا يكفي القليل من المال؛ لأن العبد إذا أراد أن يرضي ربه فلا بد أن ينفق في سبيل الله حتى يرضى الله عنه.

سبب نزول قوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى ... ولسوف يرضى)

قال ابن كثير: ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها. وقال بعض العلماء: هو أبو بكر في قول جميع المفسرين. لكن لفظ الآية لفظ العموم، لكن أولى الناس بالدخول في هذا العموم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

ذكر بعض فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

قال ابن كثير : ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف، وسائر الأوصاف الحميدة رضي الله تعالى عنه، فإنه كان صديقاً سخياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من دراهم ودنانير بذلها في ابتغاء وجه ربه الكريم! ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولقد كان فضله وإحسانه على السادات والبؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية-: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. وذلك أن عروة بن مسعود سيد ثقيف قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ما أرى حولك إلا أوباشاً خليق بأن يفروا ويدعوك، أي: في ساعة الجد يفر الصحابة عنك ويتركوك لوحدك، فغضب أبو بكر فقال له كلمة شديدة جداً، فقال: من هذا؟! قالوا: أبو بكر. فقال: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، ولكن هذه بتلك، يعني: أنت لك فضل علي فيما مضى. فهذا اعتراف من عروة بن مسعود الثقفي بأن أبا بكر متفضل عليه. فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف إحسانه على المسلمين؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام نودي من باب الريان، فقال أبو بكر : هل من أحد يدعى من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم) رواه البخاري . والأحاديث في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كثيرة جداً، فلـأبي بكر حق في عنق كل واحد من هذه الأمة؛ لأن أبا بكر هو الرجل الثاني في الإسلام، وأبو بكر أفضل البشر بعد الأنبياء رضي الله تعالى عنه. فلـأبي بكر مكانة عظيمة جداً في الإسلام، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى قال: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، فكان الله معهما، وليس هذا فحسب بل لقب بعد وفاة النبي عليه السلام خليفة رسول الله، فالله مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الخليفة، وما نودي أحد بهذا اللقب إلا أبا بكر ؛ لأن عمر لما صار خليفة رأى أن اللقب سيطول، فيقال: خليفة خليفة رسول الله، ثم يقال: خليفة خليفة خليفة رسول الله؛ فاستبدل ذلك اللقب بلقب أمير المؤمنين. وفضائل أبي بكر رضي الله تعالى عنه يطول الحديث فيها جداً، وفيها مصنفات مستقلة.

ضلال الرافضة الذين يسبون الصحابة

ينبغي أن نحذر من أن يختل ميزان الولاء والبراء في قلوبنا؛ لأن بعض الناس ينبهر بأفعال الشيعة، وأفعال إيران، ويتغاضون عن جريمتهم في سب الصحابة، لا سيما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فينبغي للمسلم ألا ينخدع وينبهر بهم لمجرد مواقف حصلت مما يسمى بحزب الله ضد اليهود، ولو كانت هناك دولة إسلامية سنية لظهر منها أضعاف أضعاف أضعاف هذه المواقف ضد اليهود، لكن أهل السنة والجماعة ليس لهم دولة على وجه الأرض، ولا توجد دولة تطبق الإسلام كما أنزله الله، فأهل السنة مقهورون في كل مكان، بل ومحاربون، أما الشيعة فصارت لهم دولة، فلذلك يسمع لهم هذا الصوت، ويحصل انبهار بأفعالهم، لكن نحن لا نحبهم أبداً وهم يبغضون أصحاب الرسول عليه السلام، وما يجتمع في قلب مؤمن أبداً حب الصحابة وحب من يسب عائشة ومن يكفرها ويلعنها وأباها كما في دعاء صنمي قريش الذي وقع عليه الخميني، وهما عندهم أبو بكر وعمر والعياذ بالله! وفيه: اللهم العن صنمي قريش وطاغوتيهما وزوجتيهما وابنتيهما والعياذ بالله! فهذا كلام كله حقد على الصحابة، فمهما فعلوا لا يشفع لهم إزاء هذه الجريمة العظمى التي فيها تكذيب قول الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] فهم يقولون: الصحابة شر الأمة، والمناقب يحولونها إلى مثالب، فيأتون إلى قوله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40] وهي أعظم منقبة لـأبي بكر ، حيث اختاره النبي عليه السلام إياه رفيقاً له في الهجرة، فكيف يتصرفون في هذه الآية وهم يسبون أبا بكر؟ يقولون: الرسول عليه السلام اصطحب أبا بكر معه حتى لا يدل قريشاً عليه! ويقولون: أبو بكر لقي كاهناً في الجاهلية، فأخبره أنه سوف يبعث نبي، فاقترب منه حتى تكون خليفة له، ويكون لك الملك من بعده! كل هذا أساطير وخرافات؛ لأن التضحية إذا لم تبن على إيمان صحيح وعقيدة صحيحة لا تجدي على الإطلاق، وكم من شجاعة معروفة عن أناس من الكفار، لهم مواقف كثيرة جداً في التضحية في كثير من البلاد الكافرة. والمعلوم أنه توجد قرابة كبيرة بين الرافضة واليهود، وبينهم مودة عظيمة، فالذي أسس دين الرافضة هو يهودي اسمه عبد الله بن سبأ ، وكان يلقب بـابن السوداء. والشاهد أن القرآن يثني في آيات كثيرة جداً على أبي بكر وعمر والصحابة أما هؤلاء فإنهم يكفرون الصحابة إلا خمسة أو ثلاثة، بل كل الأمة مرتدة عن الإسلام في زعم هؤلاء المجرمين الأفاكين الحاقدين على خير أمة أخرجت للناس. وهذه المسألة ليست مسألة جزئية، بل هي من صلب عقيدتنا؛ ولذلك ينص العلماء في كتب العقيدة على حب الصحابة، فحب الصحابة ليس اختيارياً، بل لها قوانين وضوابط بحسب بلائهم في نصرة الدين، وفي سبيل نشره. والصحابة في الحكم والموالاة لهم ترتيب معين، فأفضل الصحابة على الإطلاق هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، ثم عمر، ولذلك يجب أن يكون للصحابة ترتيب معين في قلب المسلم، ولا يجتمع حب الصحابة مع حب أعداء الصحابة الذين يلعنونهم. وهناك أهداف كثيرة مشتركة بين اليهود وبين الروافض، والأيام ستكشف شيئاً منها، ولو كان الرافضة يريدون أن يحرروا الأقصى فما الذي يمنعهم؟! يقول الرافضة: الطريق إلى القدس يمر بمكة! يعني: لازم يحررون مكة من الاستعمار الأمريكي من أجل أن يبدءوا في تحرير القدس، فطريق القدس عندهم يمر بمكة. وعلينا نحن المسلمين ألا نغتر بالمواقف السياسية التي تحصل من الرافضة، كمواقف الخميني أو حزب الشيطان الذي هو حزب حسن نصر الله، فنحن في زمان مقفر، ما نجد أحداً يتكلم بعزة إلا هؤلاء، لأن لهم دولة، ولو كان لأهل السنة والجماعة -الذين هم أهل الحق وأصحابه- دولة تعمل بالإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى؛ لكان هناك أضعاف أضعاف هذه المواقف. والرسول عليه الصلاة والسلام عندما ذكر افتراق الأمة قال: (كلها في النار إلا واحدة، فسئل عنها فقال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). فالنجاة لا تكون إلا على مثل ما كان عليه الصحابة، فهل يجتمع هذا السبيل مع محبة من يلعن الصحابة ويكفرهم، ويقول عنهم: منافقون وزنادقة كـالخميني وغيره من هؤلاء المجرمين الضالين؟! ونحن لا ننسى الحادثة التي حصلت في المدينة وبسببها أوقف الحذيفي إمام المسجد النبوي، وذلك أن رئيس إيران رفسنجاني دخل المسجد النبوي، فدخل الحجرة النبوية، ووقف أمام قبر الرسول عليه السلام وسلم عليه، ثم لعن أبا بكر وعمر ، فالحارس أبلغ الشيخ الحذيفي ، فجعل خطبة الجمعة في البراءة من هؤلاء الرافضة، فأوقفته الدولة السعودية عن الخطابة إرضاءً لإيران. إن الشعوب التي عاشرت الرافضة يعرفون حقدهم وعداءهم للمسلمين، والشيعة يخدعون الناس بالتقية، إذا واجهتهم يقولون لك: الصحابة رضي الله عنهم، وعائشة هي أم المؤمنين، وهكذا! فالكذب عندهم عبادة، ويسمونها التقية. والقرآن عندهم محرف، ويعتقدون أن ثلاثة أضعاف القرآن فقدت، وينكرون أن أبا بكر جمع القرآن، وينكرون مناقبه رضي الله تعالى عنه، وأنه الرجل الثاني في الإسلام، وأفضل البشر بعد الأنبياء على الإطلاق. فلا تغض الطرف عن شيء غير قابل للتهوين من فعلهم، فكيف تحب هؤلاء الذين يلعنون الصحابة ويكفرون الصحابة، ويجعلون لعنهم أفضل من التسبيح والتهليل والتكبير؟! فينبغي الكلام في الشيعة بالتفصيل حتى يكون عندنا بصيرة، وحتى لا يتهاون في هذا الأمر، ولا يغتر بالفكر الرافضي. وقد ألف أحد الرافضة كتاباً أسماه: (أهل السنة والجماعة شعب الله المختار) فاعتبرهم مثل اليهود! ومما يغيض أنك تجد بعض الشباب المسلم ينبهر بالشيعة، ويغض الطرف أو يحاول أن يعمي نفسه عن حقيقة هؤلاء الذين هم مع أعداء الله من اليهود والنصارى في خندق واحد ضد أهل السنة، ولا شك في هذا، فهؤلاء أعداء لنا، ولو تمكنوا منا لن يرحمونا، فينبغي الحذر منهم.