تفسير سورة الممتحنة [8-11]


الحلقة مفرغة

لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9]. قال بعض العلماء في تفسير: (المقسطين) هنا: إنه مأخوذ من القسط وهو العدل، أي: إن الله يحب أن يحكم بين الناس بالعدل، إلا أن الإمام ابن العربي رحمه الله تعالى فسرها بمعنى آخر، فقال: أن تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة خاصة، إذ تضمن ذلك سبب نزول هذه الآيات، وهو مجيء قتيلة أُم أسماء راغبة في صلتها. فالله سبحانه وتعالى يقول: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ )) عن الكفار، (( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) مع أن هناك كفاراً هم من أعداء الله، لكن الكفار نوعان: كافر منشغل بحاله، ويمكن أن يحصل نوع من حسن الخلق معه كما بينا، وكافر يحارب الله والرسول والإسلام، ويقاتل المسلمين، فهذا محارب لا يدخل في هذا القسم، إنما تتناول هذه الآية الكافر الذي تنتفي عنه صفة العداوة، فيجوز الإحسان إليه والبر والصلة، فقوله تعالى: (( أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) أي: تعطوهم قسطاً أي: نصيباً من أموالكم على وجه صلة الرحم، أو الإحسان، وليس المقصود بها أن تعدلوا، فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل، فلا يختص بأناس دون أناس، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] فيجب العدل حتى مع الكافر. وهناك مواقف كثيرة جداً في التاريخ الإسلامي تبيِّن عدل المسلمين، فما ملكت أمة قط وحققت العدل كما حققه المسلمون، فالعدل واجب فيمن قاتل، وواجب أيضاً فيمن لم يقاتل، لذلك جاء في تفسير قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] أي: ولا تظلموا. وقد دخل ذمي على إسماعيل بن إسحاق القاضي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون ذلك، فتلا عليهم هذه الآية: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] أي: أن هذا ذمي وليس محارباً، ثم بين الله من الذين ينهانا عن فعل ذلك معهم فقال: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:9]. فهذا ترخيص من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين، ولم يقاتلوهم، فهو في المعنى تخصيص لقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاء [الممتحنة:1] فقوله هنا: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ )) أي: من أهل مكة (( وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) وذلك بالبر والإحسان إليهم. فهذا القدر من الموالاة -إن سميناه موالاة- من الإحسان إليهم، والصلة بالمال أو بنحو ذلك، وحسن الخلق، هذا لا حرج فيه، بل مأمور به في حقهم، والخطاب وإن كان في مشركي مكة إلا أن العبرة بعموم لفظه، وقد حاول بعض المفسرين تخصيصه، فرد ذلك الإمام ابن جرير بقوله: والصواب قول من قال: عنى بقوله تعالى: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ )) من جميع أصناف الملل والأديان أياً كان، أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، فإن الله عز وجل عمَّ بقوله: (( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ )) وهذه صيغة عموم عمَّ بذلك جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض. ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ -أي: أن بعض الناس قالوا: إن هذه الآية نسخت بآية السيف- لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب، غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورات لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح. ومما يوضح المعنى الذي نقصده أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدت -تعني: في فترة صلح الحديبية- فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك) ويفهم من بعض الروايات أن قولها: (أفأصلها؟) تعني: هل أعطيها مالاً وغيره، ويحتمل أن المعنى: أصلها بقبول ما جاءت به معها من هدايا. وهذا الحديث رواه أحمد والشيخان، وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم، صلي أمك). وعن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة -وهي: بنت عبد العزى - على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بهدايا: ضباب وأقط وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها، وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فأمرها أن تقبل هديتها، وأن تدخلها بيتها. وقال الرازي : قوله تعالى: (( أَنْ تَبَرُّوهُمْ )) بدل من: (الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ)، وكذلك قوله: (( أَنْ تَوَلَّوْهُمْ )) بدل من قوله: (الذين قاتلوكم)، والمعنى: لا ينهاكم عن برّ هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وهناك فرق بين البر وبين التولي والموالاة، فالموالاة للكافر لا تحل بحال من الأحوال، كما قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، وقوله: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] إلى آخر الآيات. فالموالاة التي هي بمعنى المحبة القلبية لا تكون على الإطلاق بين مسلم وكافر، فيقول: والمعنى لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وهذا رحمة لهم لشدتهم في العداوة. وهذه الآية تدل على جواز البر بين المسلمين والمشركين الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وإن كانت الموالاة منقطعة، لكن البر والإحسان جائز.

أهمية الولاء والبراء في هذا الدين

وقبل أن نختم الكلام على أن أي خلل في قضية الولاء والبراء، يؤدي إلى فتنة في الأرض كما قال الله سبحانه وتعالى فيه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] فنجد الآن أن كل من صوب سهامه تجاه المسلمين فإنهم يصبونها في قضية الولاء والبراء خصوصاً، فتجد التشويش لجودة الدين ولبِّه، فإن من أعظم حقوق لا إله إلا الله موالاة من والى الله، ومعاداة من عادى الله، ففي الإسلام عبادات قلبية وقولية ومالية وبدنية، ومن أعظم العبادات القلبية عبادة الحب والبغض. فالحب عبادة، والبغض عبادة، فحب الله ورسوله والمؤمنين عبادة كما قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56]، والبغض عبادة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله)، فمن عادى الله، وعادى الرسول، وعادى الإسلام فلابد أن تعاديه، وأن تبغضه من قلبك. وأما الكلام في السموم التي تنفث في كل مكان: في مناهج التعليم، وفي الإعلام ليل نهار، فهي محاولة لكسر هذا الحاجز، وقد فُتح على الناس باب فتنة، وشر كبير، والمشكلة أن بعض الناس لا يسمي الأشياء بمسمياتها، فهناك تلاعب كبير في المصطلحات، ومن أخطر هذه المصطلحات الذي تروج لهذه الأفكار مصطلح التعصب، وأن هذا من التعصب، فإذا وجدت رجلاً يدعو بالرحمة لكافر مثلاً فقلت له: لا تدع لكافر، فإنهم يقولون لك: لا داعي للتعصب، الإسلام دين التسامح! أقول: لا، لن يجد في الإسلام دليلاً واحداً على ذلك لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من سيرة السلف، ولا حتى الخلف إلا خلفنا الذين نعيش بينهم الآن، فلن يجد أبداً تسامحاً بمعنى أنه يصف الكافر بأنه مسلم، أو بتعبير أدق أن يجعل الكفر سواسية مع الإيمان، فهذا لا يحصل أبداً، وهذا تحريف للدين، فعدم التمييز بين الأمرين يأتي بكثير من الخلط بين الأوراق وبين الأمور، فهناك فرق بين التعصب والتسامح.

الفرق بين التعصب والتسامح

فالتعصب والتسامح له مجال معين، فليس من مجال التعصب والتسامح مجال العقيدة، أو المفاهيم التي تستقر في قلب الإنسان، فهذه الأمور لا يوجد فيها تعصب ولا تسامح، حتى عند الكفار فإنهم يسمونها حرية الاعتقاد، فكل واحد حر يعتقد بقلبه ما شاء عندهم، لكن التعصب والتسامح له منطقة معينة وهي: منطقة المعاملة، فتكون متعصباً إذا ظلمت أحداً، أو بخسته حقه، أو آذيته بدون وجه حق. أما إذا اعتقدت بقلبي أن أحداً من الناس كافر بالله ورسوله، وأنه مكذب فأبغضته لذلك، فهذا ليس من التعصب في الدين، بل هذا من واجبات الدين وأركانه الركينة، فإن محبة الكافر وموالاته، واعتقاد أنه متساوٍ مع المسلم خروج من الملة كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24]. إن بعض الناس يخلطون بين لفظة التعصب ولفظة التسامح خلطاً معيباً يؤدي إلى خلل في دينهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فإذا سمعك أحدهم وأنت تقول: لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني مثلاً؛ لأنه لا يدخل الجنة، اعتبر هذا تشدداً وتعصباً، وتشدق بأن رحمة الله واسعة، وعد نفسه متمسكاً بسماحة الإسلام، وأنه أولى بالإسلام منك، فالإسلام دين السماحة، وأنت متشدد متعصب متطرف؛ لأنك تصف الكفار بأنه كافر! فنقول له: إن التعصب والتسامح لا يكونان إلا في المعاملة فقط، فالتعصب أن تعامل الذمي مثلاً -يهودياً كان أو نصرانياً- فتظلمه أو تبخسه حقه، فالشرع يأبى ذلك ولا يرضاه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ظلم معاهداً، أو كلفه ما هو فوق طاقته، فأنا خصيمه يوم القيامة)؛ ولأن هؤلاء لهم عهد الله وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم هذه الحقوق، فالمتعصب هو الذي يبخسهم حقهم أو يظلمهم، والتسامح هو أن تعامل الكافر بعدل بشرط ألا يكون محارباً.

أحوال اليهود وأذنابهم في حرب الإسلام والمسلمين

من غير المعقول أن آتي إلى الإخوة الفلسطينيين وأقول لهم: لابد من التسامح وحسن الجوار، مع أناس فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، فاليهود المحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، يفتعلون الحرب، ومع ذلك هي حرب ليس فيها أدنى قدر من التكافؤ، حرب بين مدنيين عزّل وبين جيش مزود بالطيارات والدبابات والقذائف. فهؤلاء اليهود الجبناء الأنذال يفعلون ذلك مع أناس لا يملكون إلا الحجارة، ومع ذلك يفعلون بهم ما يفعلون، ولذلك تجد ما يسمونه بالمجتمع الدولي وعلى رأسهم الفتوة العالمي أمريكا الظالمة الباغية، يتلاعبون بالألفاظ، فبدلاً من أن يقولوا: نريد وقف إطلاق النار من قبل اليهود، فإنهم يقولون: نريد وقف إطلاق النار! فهلا استحوا على أنفسهم؟ فإنه أمر مخجل عندما يقولون: وقف إطلاق النار، أيّ نار يعنون؟! فليس هناك إلا شباب وأطفال مساكين لا يملكون إلا الحجارة، فهم لما أحسوا أن كلمة وقف إطلاق النار لا تركب، وأن النار لا تطلق إلا من طرف واحد فقط، أتوا بكلمة جديدة، وهي من ألاعيب السياسة، فقالوا: وقف أعمال العنف! فينبغي أن ننتبه لمثل هذه المصطلحات، فيقولون لك: وقف أعمال العنف. والحقيقة هي أن الموضوع أخطر مما نتصور، فاليهود يتدرجون في سبيل هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضه، فهذه هي القضية، وقد أعطت السلطات اليهودية تصريحاً لجماعة بناء الهيكل بوضع حجر الأساس لهيكل سليمان بجوار قبة الصخرة، لكن فيما يبدو أن المظاهرات التي حصلت في نفس اليوم صوروها لنا على أنّها إما مؤيدة أو معارضة لشرم الشيخ، وهي ليست من أجل موضوع شرم الشيخ في الحقيقة، بل كانت من أجل موضوع الهيكل، لكن لو أنهم أذاعوا هذا الكلام فإن العالم الإسلامي سيثور من جديد، فأرادوا تهدئته، فسحبوا الترخيص بوضع حجر الأساس للهيكل إلى حين؛ لأن هذا هو المعهود من مكر اليهود وخداعهم أنهم يؤجلوا القضية شيئاً فشيئاً. وسوف يجتمع المحامون عن قضية فلسطين في قمة، فنرجو منهم ألا يخيبوا أملنا، فقد كشفت لنا الحقائق وكشف لنا التاريخ فيما مضى أن هؤلاء الحكام هم أفشل محامين في أعدل قضية على الإطلاق، فنرجو ألا يخيبوا أمل المسلمين، وأن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى تطبيق شرع الله، وإلى معاهدة سلام مع الإسلام، ونقول لهم: ساوونا باليهود على الأقل، واعملوا معاهدة سلام مع الإسلام، وكفوا عما فعلتموه من الصد عن سبيل الله، وتشويه الدين، وقولكم إن هذا الدين هو دين تطرف، إلى آخر هذا الكلام، ونقول: كفوا عن حرب الإسلام، وسووا بين المستقيمين وبين الفنانين والفسقة والرياضيين، فكل الناس قد تركت لهم الحرية، فسوونا بهم فقط، وارفعوا عنا الظلم الذي نعانيه ليل نهار، والمحاولات الدءوبة لإطفاء نور الله عز وجل، وإطفاء نور الإسلام في بلاد المسلمين. والحديث في هذا الأمر ذو شجون، لكن إن لم يعودوا إلى موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين وبقوا في أحضان الكفار، واستمروا في حربهم للإسلام؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وأما بالنسبة لهؤلاء الأشاوس فإن آخر شيء كنت قرأته: أن مجموعة من المثقفين يسمونهم: (مثقفين يهود) تكلموا في الإذاعة الإسرائيلية فيما يبدو عن الاستغراب الشديد الذي عمهم حينما حصل رد الفعل الغريب من هذه الأمة الإسلامية، فقد ظنوا أنها قد خمدت أنفاسها إلى الأبد، فقال بعضهم -وهو الشاعر اليهودي باراك - يفتخر بأنه يحفظ أشعاراً له كثيرة، فقال: أنا آسف، ليس في كل من حكموا إسرائيل من يفهم العرب أكثر من بنيامين نتنياهو ، فقالوا له: لماذا؟ قال: لأنه هو الوحيد الذي أصر على أن العرب لا يصلح معهم سلام على الإطلاق، فقالوا: لماذا؟ قال: قال نتنياهو : إن السلام الذي نصنعه هو مع الحكومات وليس مع الشعوب، لأن هؤلاء الحكام يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، فمتى ما تخلصوا من هؤلاء الحكام ستعود إلينا العداوة من جديد، وتنكشف الحقيقة، فالسلام ليس مع الشعوب! وهذا الكلام موافق للواقع إلى حد كبير؛ فانظر إلى هذا اليهودي الخبيث كيف تفطن للأمر! ولذلك قال بعضهم في نفس البرنامج وهو يعبر عن الصدمة والذهول: حتى المغرب التي كنا نظن أنها في جيبنا تخرج فيها مسيرة مليونية! أي: مظاهرة من مليون شخص تنادي بمحاربة اليهود لعنهم الله، فهم كانوا يؤملون أملاً كبيراً أن المغرب قد هدأت، لأن أقوى موضع في العالم الإسلامي لليهود هو في المغرب، فلهم هناك وضع متميز جداً، فوزير السياحة هناك يهودي، ومع ذلك ذهل اليهود من ردّ الفعل في المسلمين. فالحاصل أن المجتمعين في القمة هداهم الله وأجرى على أيديهم كل خير، على الأقل ينبغي أن يصطلحوا فيما بينهم ويكفوا عن محاربة الدعوة الإسلامية، فإن بعض البلاد تحارب الإسلام حرباً لا يقدر اليهود أنفسهم على القيام بها، فلعلهم يتوبون ويرجعون إلى الله سبحانه وتعالى، ويثوبون إلى رشدهم، ويكفوا عن حرب الإسلام. وهذا هو المفتاح الصحيح؛ لأن القضية قضية عقيدة شئنا أم أبينا، وهذه الحرب دينية بين الإسلام وبين الكفر، ولن تتغير طبيعتها، ولن يقوى أحد على الإطلاق أن يغير طبيعتها مهما فعل، فإن أردنا الطريق الصحيح فهو أن نعود إلى ديننا.

أثر مقاطعة المسلمين لمنتجات من حارب الإسلام والمسلمين

نعود إلى ما تبقى من الكلام عن الفرق بين التعصب والتسامح، وقد ذكرنا أن التسامح هو أن تعامل الكافر بالعدل والإنصاف، وتعاشره بالمجاملة والألطاف، وأن تحسن جيرته إن كان جاراً لك، وأن تصله إن كان من قرابتك، غير أنك لا تعطيه من زكاة مالك، ولا من زكاة فطرك؛ لأنهما خاصتان بفقراء المسلمين، ولا بأس أيضاً بجريان بعض المعاملات الدنيوية بينك وبينه كالقرض أو نحوه مما لا تعلق له بالدين، وشرط هذا كله ألا يكون محارباً. فلو كانت هناك شركات اقتصادية يهودية أو أمريكية مثلاً ممن يحاربون الإسلام والمسلمين، ويؤيدون اليهود، فيمكن مقاطعتها إضعافاً لاقتصادها، فيستطيع كل مسلم أن يستغني عن البيبسي والكوكاكولا وغيرها من الأشياء التابعة للأمريكان. وقد أعلنت بعض الشركات إعلاناً تصرخ فيه من مقاطعة المسلمين لمنتجاتها، وذلك في جريدة (الأهرام)؛ تقول فيه: إن أكثر من 1500 عامل فقدوا عملهم بسبب المقاطعة. وهذا التصرف كان فردياً، لكنه أثر عليهم لدرجة أن شركة أمريكية عملت إعلاناً تقول فيه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39] ويسردون الآيات، ويقولون بأنهم تبرعوا بـ(10%) تقريباً لإخواننا الفلسطينيين في فلسطين من ضحايا هذه المجازر، والسبب أن المسلمين حصل منهم مقاطعة أثرت على اقتصادهم، فإذا كان مجرد الإعراض عن هذا الاقتصاد له هذا الأثر الكبير، فكيف لو أن الجماعة الأشاوس أصحاب البترول قطعوا عنهم البترول؟! أليس كل مرة يقولون: سنقاتل حتى آخر جندي مصري، فليأتوا هذه المرة وليعملوا كما عمل الملك فيصل يرحمه الله، فالملك فيصل في حرب رمضان قال للأمريكان: لا يوجد بترول، فركع الغرب أمامه، وقال لهم: سنرجع مرة أخرى إلى حياة البدو، ولا توجد أي مشكلة في أن نعيش في الصحراء والخيام، ونرجع للفقر، وأبى رحمه الله، فهلا يأتسون به؟ فهم يملكون أسلحة في غاية القوة، فنرجو أن يهديهم الله. فكما قلنا: لا بأس بجريان بعض المعاملات الدنيوية مع الكافر من قرض أو رهن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على صاع من شعير، فكل ما لا تعلق له بالدين فلا بأس من التعامل مع الكافر فيه بشرط ألا يكون محارباً. ومع حسن المعاملة والبر والإحسان للكافر، فيجب عليك أن تعتقد اعتقاداً جازماً لا تردد فيه أنه على باطل، وأنه إن مات كافراً فلا يجوز الترحم عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [الفرقان:23] أي: في الخير من بر أو صلة رحم ونحو ذلك: فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] فلا ثواب له في الآخرة. إذاً: لا يوجد من الكفار ولي أو قدّيس كما يقولون؛ لأن الولاية أو القداسة هي في العمل الصالح المقبول، وأعمال هؤلاء غير مقبولة، بل مردودة؛ لأن دينهم مخالف للإسلام، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). فمن جوز وجود ولي منهم، أو تبرك بأحد قديسيهم فقد تخلى عن عقيدته ودينه، إذ التساهل في شيء من العقيدة لا يكون تسامحاً كما يظن المخلِّطون الواهمون، لكنه تنازل عن العقيدة يلزم منه الخروج من الدين؛ لأن الدين مبني على العقيدة، فإذا فُقدت العقيدة فقد الدين، فينبغي عدم إقرار الكافر على كفره، وعدم الرضا به، وبغضه لبغض الله تعالى له، وعدم موالاته ومودته لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28] وعدم التشبه به، وعدم إنكاحه المؤمنة، وعدم بداءته بالسلام، وأن يضطر إلى أضيق الطريق، فهذا كله من الدين وليس من التعصب في شيء، والتفريط فيه ليس تسامحاً، ولكنه تنازل عن حدود الله عز وجل! فالعبارات التي نسمعها والناس يرددونها حتى لا يكاد يشك فيها أحد كقولهم: إن الإسلام يحترم الأديان! عبارت باطلة، فكيف يحترم الإسلام الأديان التي جاء لهدمها والقضاء عليها؟! فعجيب أن يسمى هذا تسامحاً، إن التسامح لا يكون إلا في منطقة التعامل فقط. حدثني أحد الإخوة بالأمس أنه رأى أحد الدعاة ظهر في قناة تلفزيونية، وهو داعية مشهور جداً من خارج مصر، فظهر يتناقش مع المذيعة، وهي متبرجة، فتناقشه وهو آخذ موقف الدفاع، ويحامي عن الإسلام في قفص الاتهام، والمذيعة تقول له: أنتم تقولون عنا إننا كفار؟ وتقولون عن النصارى إنهم كفار؟ فرد عليها رداً متميعاً جداً من ذلك الكلام الذي تعودنا أن نسمعه، ولو أنه رد عليها وقال لها: نعم، نحن نعتقد أنكم كفار، لكن لا نبخسكم حقوقكم التي أعطاكم إياها الشارع الشريف، وأنتم الذين تقولون علينا كفار، لاعتقادكم أنني إذا لم أؤمن بالمخلص فأنا كافر، وهكذا في كل ملة من الملل، واليهود ألا يقولون: إننا لسنا على شيء، ومعلوم أن عقيدتهم باطلة؛ لكن أقول: لسنا نحن فقط الذين يعتقدون هذا. فمن لازم إسلامي وإيماني أن كل ما خالف الإسلام من الأديان فهو دين باطل، فليس من التسامح تمييع الدين بهذه الطريقة، ولا علاقة لذلك على الإطلاق بالتسامح، بدليل أن هذا الذي يقول: إن الإسلام يحترم الأديان، فإن أصغر طفل يأتي له بآيات من القرآن تفحمه وتسكته، وتبين أنه ينافق، ويداهن، ويزور، فعندما يقال له: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، ويقال له: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، ويقال له: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] ماذا سيقول إزاء هذه الآيات؟ هل سيقول: نسخت؟ وبماذا نسخت؟ فأي إنسان مزور ومداهن يفتضح في النهاية، فالعقيدة لا تنازل عنها، والتمسك بالعقيدة ليس تعصباً، إنما يكون التعصب في المعاملة بإضاعة الحقوق ونحو ذلك.

بعض صور معاملة الإسلام الحسنة للمشركين وأهل الذمة

وقد ذكر الشيخ عطية سالم بعض صور المعاملة الحسنة لأهل الذمة، فقال: وقصة الظعينة صاحبة المزادتين في صحيح البخاري ، فلم يقتلوها، أو يأسروها، أو يستبيحوا ماءها، بل استاقوها بمائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ من مزادتيها قليلاً، ودعا فيه، وردَّه، ثم استقوا فقال لها: (اعلمي أن الله هو الذي سقانا، ولم ننقص من مزادتك شيئاً) وأكرموها وأحسنوا إليها، وجمعوا لها طعاماً، وأرسلوها في سبيلها، فكانت تذكر ذلك، وتدعو قومها للإسلام، وقد كانت مشركة. وقصة ثمامة لما جيئ به أسيراً ورُبط في سارية المسجد، وبعد أن أصبح عاجزاً عن القتال لم يمنعهم ذلك من الإحسان إليه، فكان يراح عليه كل يوم بحليب سبع نياق، حتى فُكّ أسره، فأسلم طواعيه. وهكذا قول الله تبارك وتعالى أيضاً: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8] * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9] فلا يتصور أن يكون هناك أسير بين يدي المسلمين وهو مسلم، فإن الأسير لا يكون إلا كافراً، فالمقصود بهذه الآية الأسير الكافر قطعاً. وقوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] يعني: يؤثرون على أنفسهم مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، فهذه الآية تدل على جواز الإحسان بالإطعام ونحو ذلك كما ذكرنا. وفي سنة تسع -وهي سنة الوفود- كان يقدم إلى المدينة المسلمون وغير المسلمين فيتلقون بالبر والإحسان، كوفد نجران وغيرهم، وهاهو ذا وفد تميم جاء يفاخر ويفاوض في أسارى له، فيأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستمع مفاخرتهم، ويأمر من يرد عليهم من المسلمين، وفي النهاية يسلمون، ويجيزهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجوائز، فهذا الوفد أتى متحدياً مفاخراً بالشعر، ومع ذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أحد الصحابة أن يرد عليهم بنفس طريقتهم؛ وذلك بالشعر، وجاءوا بأمر جارٍ في عرف العرب، فجاراهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلن لهم أنه بُعث ما بالمفاخرة، ولكن ترفق بهم إحساناً إليهم، وتأليفاً لقلوبهم، وقد كان، فأسلموا. يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] من كانوا كذلك من جميع أصناف الملل والأديان، أن تبروهم، وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، فعم بقوله: (( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ )) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ؛ لأن بر المؤمنين لأهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرم، ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )). قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكانت الصلة بالمال والبر والإقساط ولين الكلام والمراسلة بحكم الله غير ما نهوا عنه من الولاية لمن نهوا عن ولايته مع المظاهرة على المسلمين؛ وذلك لأنه أباح بر من لم يظاهر عليهم من المشركين، والإقساط إليهم.. إلى آخر كلامه. ثم يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى: فهذا هو الذي يقتضيه روح التشريع الإسلامي، ويقول معبراً عن وجهة نظره: إن المسلمين اليوم مختلطة مصالحهم بعضهم ببعض، ومرتبطة بمجموع دول العالم من المشركين وأهل الكتاب، ولا يمكن لأمة اليوم أن تعيش منعزلة عن المجموعة الدولية في تداخل المصالح وتشابكها، ولاسيما في المجال الاقتصادي عصب في الحياة اليوم: من إنتاج، أو تصنيع، أو تسويق، فعلى هذا تكون الآية مساعدة على جواز التعامل مع أولئك المسالمين، ومبادلتهم مصلحة بمصلحة على أساس ما قاله ابن جرير ، وبينه الشافعي ، وبينه الشيخ أيضاً -يعني: الشيخ الشنقيطي رحمه الله- في حقيقة موقف المسلمين اليوم من الحضارة الغربية، وبشرط سلامة الباطن، بمعنى: أن القلب لا يميل إليهم بمحبة ومودة، وإنما هذه في المعاملة الظاهرة فقط، ومع عدم وجود تلك المصلحة عند المسلمين أنفسهم، فالمسلمون أولى بالتكافل فيما بينهم. يقول: ومما يؤكد ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، وقال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، ومع ذلك لا توجد موالاة قلبية في كل الأحوال، ولكن لما أخرجهم النبي عليه السلام من المدينة، وحاصرهم بعد ذلك في خيبر، ففتح الله عليه خيبر، وأصبحوا في قبضة يده، فلم يكونوا بعد ذلك في موقف المقاتلين، ولا المظاهرين على إخراج المسلمين من ديارهم، فحينئذ عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسط، فعاملهم على أرض خيبر ونخيلها، وأبقاهم فيها على جزء من الثمرة كأُجراء يعملون لحسابه وحساب المسلمين، فلم يتخذهم عبيداً يسخرهم فيها، وبقيت معاملتهم بالقسط مع أنهم يحرم موالاتهم. والآية نصت في النهي: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] لكن في المعاملة ماداموا غير محاربين، ولا يخرجون المسلمين من ديارهم، ولا يظاهرون عليهم فلا حرج، كما جاء في قصة ابن رواحة رضي الله عنه لما ذهب يخرص عليهم النخيل بخيبر:وعرضوا عليه ما عرضوا من الرشوة؛ ليخفف عنهم، فقال لهم كلمته المشهورة: والله لأنتم أبغض الخلق إلي، وقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي عليه الصلاة والسلام، ولن يحملني بغضي لكم ولا حبي له أن أحيف عليكم -أي: أظلمكم- فإما أن تأخذوا بنصف ما قدرت، وإما تكفوا أيديكم ولكم نصف ما قدرت، فقالوا له: بهذا قامت السماوات والأرض! أي: بالعدل والقسط، وقد بقوا على ذلك نهاية زمنه عليه الصلاة والسلام، وخلافة الصديق ، وصدراً من خلافة عمر حتى أجلاهم رضي الله تعالى عنه عنها، وكذلك المؤلفة قلوبهم أعطاهم النبي عليه السلام بعد الفتح، وأعطاهم الصديق ، ثم منعهم عمر رضي الله تعالى عنه. إن أشد ما يظهر وضوحاً في هذا المقام هو قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] فهذه حسن معاملة وبر وإحسان لمن جاهد المسلم على أن يشرك بالله ولم يقاتل المسلمين، فكان حق الأبوة مقدماً ولو مع الكفر والمجاهدة على الشرك. وكذلك جاء في نهاية هذه السورة: (( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ))، فتأمل قول الله تعالى بعد ذلك: (( وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا )) أي: آتوا المشركين ما أنفقوا، بيان ذلك: أن المؤمنات المهاجرات كن متزوجات بأزواج مشركين، وهؤلاء المشركون عندما تزوجوا بهن دفعوا لهن مهراً، فأسلم النسوة وهاجرن، فالله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين أن ادفعوا للمشركين الذين هم أزواج المؤمنات المهاجرات ما أنفقوا على أزواجهم، لأنها بعد أن أسلمت وهاجرت، انحلت العصمة بينها وبين زوجها الكافر، وفاتت عليه ولم يقدر عليها، فيأمر الله المسلمين أن يؤتوا أزواجهن -وهم مشركون- ما أنفقوا من صداق عند الزواج، لعجزهم عن استرجاع الزوجات، وعدم جواز إرجاعهن إليهم. فجاء الأمر بالمعاملة بالقسط، مع أن هؤلاء الكفار لم يقهروا المسلمين على ذلك. فهذه كلها نماذج تؤكد هذا المعنى الذي نذكره وهو أن التسامح والتعصب دائرته هي المعاملة فقط، وأما العقيدة فلا لا نسمي الكلام فيها تسامحاً؛ لأنه خروج من الملة، ومصادمة لأحكام القرآن.

وقبل أن نختم الكلام على أن أي خلل في قضية الولاء والبراء، يؤدي إلى فتنة في الأرض كما قال الله سبحانه وتعالى فيه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] فنجد الآن أن كل من صوب سهامه تجاه المسلمين فإنهم يصبونها في قضية الولاء والبراء خصوصاً، فتجد التشويش لجودة الدين ولبِّه، فإن من أعظم حقوق لا إله إلا الله موالاة من والى الله، ومعاداة من عادى الله، ففي الإسلام عبادات قلبية وقولية ومالية وبدنية، ومن أعظم العبادات القلبية عبادة الحب والبغض. فالحب عبادة، والبغض عبادة، فحب الله ورسوله والمؤمنين عبادة كما قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56]، والبغض عبادة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله)، فمن عادى الله، وعادى الرسول، وعادى الإسلام فلابد أن تعاديه، وأن تبغضه من قلبك. وأما الكلام في السموم التي تنفث في كل مكان: في مناهج التعليم، وفي الإعلام ليل نهار، فهي محاولة لكسر هذا الحاجز، وقد فُتح على الناس باب فتنة، وشر كبير، والمشكلة أن بعض الناس لا يسمي الأشياء بمسمياتها، فهناك تلاعب كبير في المصطلحات، ومن أخطر هذه المصطلحات الذي تروج لهذه الأفكار مصطلح التعصب، وأن هذا من التعصب، فإذا وجدت رجلاً يدعو بالرحمة لكافر مثلاً فقلت له: لا تدع لكافر، فإنهم يقولون لك: لا داعي للتعصب، الإسلام دين التسامح! أقول: لا، لن يجد في الإسلام دليلاً واحداً على ذلك لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من سيرة السلف، ولا حتى الخلف إلا خلفنا الذين نعيش بينهم الآن، فلن يجد أبداً تسامحاً بمعنى أنه يصف الكافر بأنه مسلم، أو بتعبير أدق أن يجعل الكفر سواسية مع الإيمان، فهذا لا يحصل أبداً، وهذا تحريف للدين، فعدم التمييز بين الأمرين يأتي بكثير من الخلط بين الأوراق وبين الأمور، فهناك فرق بين التعصب والتسامح.

فالتعصب والتسامح له مجال معين، فليس من مجال التعصب والتسامح مجال العقيدة، أو المفاهيم التي تستقر في قلب الإنسان، فهذه الأمور لا يوجد فيها تعصب ولا تسامح، حتى عند الكفار فإنهم يسمونها حرية الاعتقاد، فكل واحد حر يعتقد بقلبه ما شاء عندهم، لكن التعصب والتسامح له منطقة معينة وهي: منطقة المعاملة، فتكون متعصباً إذا ظلمت أحداً، أو بخسته حقه، أو آذيته بدون وجه حق. أما إذا اعتقدت بقلبي أن أحداً من الناس كافر بالله ورسوله، وأنه مكذب فأبغضته لذلك، فهذا ليس من التعصب في الدين، بل هذا من واجبات الدين وأركانه الركينة، فإن محبة الكافر وموالاته، واعتقاد أنه متساوٍ مع المسلم خروج من الملة كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24]. إن بعض الناس يخلطون بين لفظة التعصب ولفظة التسامح خلطاً معيباً يؤدي إلى خلل في دينهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فإذا سمعك أحدهم وأنت تقول: لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني مثلاً؛ لأنه لا يدخل الجنة، اعتبر هذا تشدداً وتعصباً، وتشدق بأن رحمة الله واسعة، وعد نفسه متمسكاً بسماحة الإسلام، وأنه أولى بالإسلام منك، فالإسلام دين السماحة، وأنت متشدد متعصب متطرف؛ لأنك تصف الكفار بأنه كافر! فنقول له: إن التعصب والتسامح لا يكونان إلا في المعاملة فقط، فالتعصب أن تعامل الذمي مثلاً -يهودياً كان أو نصرانياً- فتظلمه أو تبخسه حقه، فالشرع يأبى ذلك ولا يرضاه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ظلم معاهداً، أو كلفه ما هو فوق طاقته، فأنا خصيمه يوم القيامة)؛ ولأن هؤلاء لهم عهد الله وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم هذه الحقوق، فالمتعصب هو الذي يبخسهم حقهم أو يظلمهم، والتسامح هو أن تعامل الكافر بعدل بشرط ألا يكون محارباً.

من غير المعقول أن آتي إلى الإخوة الفلسطينيين وأقول لهم: لابد من التسامح وحسن الجوار، مع أناس فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، فاليهود المحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، يفتعلون الحرب، ومع ذلك هي حرب ليس فيها أدنى قدر من التكافؤ، حرب بين مدنيين عزّل وبين جيش مزود بالطيارات والدبابات والقذائف. فهؤلاء اليهود الجبناء الأنذال يفعلون ذلك مع أناس لا يملكون إلا الحجارة، ومع ذلك يفعلون بهم ما يفعلون، ولذلك تجد ما يسمونه بالمجتمع الدولي وعلى رأسهم الفتوة العالمي أمريكا الظالمة الباغية، يتلاعبون بالألفاظ، فبدلاً من أن يقولوا: نريد وقف إطلاق النار من قبل اليهود، فإنهم يقولون: نريد وقف إطلاق النار! فهلا استحوا على أنفسهم؟ فإنه أمر مخجل عندما يقولون: وقف إطلاق النار، أيّ نار يعنون؟! فليس هناك إلا شباب وأطفال مساكين لا يملكون إلا الحجارة، فهم لما أحسوا أن كلمة وقف إطلاق النار لا تركب، وأن النار لا تطلق إلا من طرف واحد فقط، أتوا بكلمة جديدة، وهي من ألاعيب السياسة، فقالوا: وقف أعمال العنف! فينبغي أن ننتبه لمثل هذه المصطلحات، فيقولون لك: وقف أعمال العنف. والحقيقة هي أن الموضوع أخطر مما نتصور، فاليهود يتدرجون في سبيل هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضه، فهذه هي القضية، وقد أعطت السلطات اليهودية تصريحاً لجماعة بناء الهيكل بوضع حجر الأساس لهيكل سليمان بجوار قبة الصخرة، لكن فيما يبدو أن المظاهرات التي حصلت في نفس اليوم صوروها لنا على أنّها إما مؤيدة أو معارضة لشرم الشيخ، وهي ليست من أجل موضوع شرم الشيخ في الحقيقة، بل كانت من أجل موضوع الهيكل، لكن لو أنهم أذاعوا هذا الكلام فإن العالم الإسلامي سيثور من جديد، فأرادوا تهدئته، فسحبوا الترخيص بوضع حجر الأساس للهيكل إلى حين؛ لأن هذا هو المعهود من مكر اليهود وخداعهم أنهم يؤجلوا القضية شيئاً فشيئاً. وسوف يجتمع المحامون عن قضية فلسطين في قمة، فنرجو منهم ألا يخيبوا أملنا، فقد كشفت لنا الحقائق وكشف لنا التاريخ فيما مضى أن هؤلاء الحكام هم أفشل محامين في أعدل قضية على الإطلاق، فنرجو ألا يخيبوا أمل المسلمين، وأن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى تطبيق شرع الله، وإلى معاهدة سلام مع الإسلام، ونقول لهم: ساوونا باليهود على الأقل، واعملوا معاهدة سلام مع الإسلام، وكفوا عما فعلتموه من الصد عن سبيل الله، وتشويه الدين، وقولكم إن هذا الدين هو دين تطرف، إلى آخر هذا الكلام، ونقول: كفوا عن حرب الإسلام، وسووا بين المستقيمين وبين الفنانين والفسقة والرياضيين، فكل الناس قد تركت لهم الحرية، فسوونا بهم فقط، وارفعوا عنا الظلم الذي نعانيه ليل نهار، والمحاولات الدءوبة لإطفاء نور الله عز وجل، وإطفاء نور الإسلام في بلاد المسلمين. والحديث في هذا الأمر ذو شجون، لكن إن لم يعودوا إلى موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين وبقوا في أحضان الكفار، واستمروا في حربهم للإسلام؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وأما بالنسبة لهؤلاء الأشاوس فإن آخر شيء كنت قرأته: أن مجموعة من المثقفين يسمونهم: (مثقفين يهود) تكلموا في الإذاعة الإسرائيلية فيما يبدو عن الاستغراب الشديد الذي عمهم حينما حصل رد الفعل الغريب من هذه الأمة الإسلامية، فقد ظنوا أنها قد خمدت أنفاسها إلى الأبد، فقال بعضهم -وهو الشاعر اليهودي باراك - يفتخر بأنه يحفظ أشعاراً له كثيرة، فقال: أنا آسف، ليس في كل من حكموا إسرائيل من يفهم العرب أكثر من بنيامين نتنياهو ، فقالوا له: لماذا؟ قال: لأنه هو الوحيد الذي أصر على أن العرب لا يصلح معهم سلام على الإطلاق، فقالوا: لماذا؟ قال: قال نتنياهو : إن السلام الذي نصنعه هو مع الحكومات وليس مع الشعوب، لأن هؤلاء الحكام يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، فمتى ما تخلصوا من هؤلاء الحكام ستعود إلينا العداوة من جديد، وتنكشف الحقيقة، فالسلام ليس مع الشعوب! وهذا الكلام موافق للواقع إلى حد كبير؛ فانظر إلى هذا اليهودي الخبيث كيف تفطن للأمر! ولذلك قال بعضهم في نفس البرنامج وهو يعبر عن الصدمة والذهول: حتى المغرب التي كنا نظن أنها في جيبنا تخرج فيها مسيرة مليونية! أي: مظاهرة من مليون شخص تنادي بمحاربة اليهود لعنهم الله، فهم كانوا يؤملون أملاً كبيراً أن المغرب قد هدأت، لأن أقوى موضع في العالم الإسلامي لليهود هو في المغرب، فلهم هناك وضع متميز جداً، فوزير السياحة هناك يهودي، ومع ذلك ذهل اليهود من ردّ الفعل في المسلمين. فالحاصل أن المجتمعين في القمة هداهم الله وأجرى على أيديهم كل خير، على الأقل ينبغي أن يصطلحوا فيما بينهم ويكفوا عن محاربة الدعوة الإسلامية، فإن بعض البلاد تحارب الإسلام حرباً لا يقدر اليهود أنفسهم على القيام بها، فلعلهم يتوبون ويرجعون إلى الله سبحانه وتعالى، ويثوبون إلى رشدهم، ويكفوا عن حرب الإسلام. وهذا هو المفتاح الصحيح؛ لأن القضية قضية عقيدة شئنا أم أبينا، وهذه الحرب دينية بين الإسلام وبين الكفر، ولن تتغير طبيعتها، ولن يقوى أحد على الإطلاق أن يغير طبيعتها مهما فعل، فإن أردنا الطريق الصحيح فهو أن نعود إلى ديننا.