خطب ومحاضرات
تفسير سورة الممتحنة [8-11]
الحلقة مفرغة
لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9]. قال بعض العلماء في تفسير: (المقسطين) هنا: إنه مأخوذ من القسط وهو العدل، أي: إن الله يحب أن يحكم بين الناس بالعدل، إلا أن الإمام ابن العربي رحمه الله تعالى فسرها بمعنى آخر، فقال: أن تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة خاصة، إذ تضمن ذلك سبب نزول هذه الآيات، وهو مجيء قتيلة أُم أسماء راغبة في صلتها. فالله سبحانه وتعالى يقول: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ )) عن الكفار، (( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) مع أن هناك كفاراً هم من أعداء الله، لكن الكفار نوعان: كافر منشغل بحاله، ويمكن أن يحصل نوع من حسن الخلق معه كما بينا، وكافر يحارب الله والرسول والإسلام، ويقاتل المسلمين، فهذا محارب لا يدخل في هذا القسم، إنما تتناول هذه الآية الكافر الذي تنتفي عنه صفة العداوة، فيجوز الإحسان إليه والبر والصلة، فقوله تعالى: (( أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) أي: تعطوهم قسطاً أي: نصيباً من أموالكم على وجه صلة الرحم، أو الإحسان، وليس المقصود بها أن تعدلوا، فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل، فلا يختص بأناس دون أناس، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] فيجب العدل حتى مع الكافر. وهناك مواقف كثيرة جداً في التاريخ الإسلامي تبيِّن عدل المسلمين، فما ملكت أمة قط وحققت العدل كما حققه المسلمون، فالعدل واجب فيمن قاتل، وواجب أيضاً فيمن لم يقاتل، لذلك جاء في تفسير قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] أي: ولا تظلموا. وقد دخل ذمي على إسماعيل بن إسحاق القاضي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون ذلك، فتلا عليهم هذه الآية: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] أي: أن هذا ذمي وليس محارباً، ثم بين الله من الذين ينهانا عن فعل ذلك معهم فقال: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:9]. فهذا ترخيص من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين، ولم يقاتلوهم، فهو في المعنى تخصيص لقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاء [الممتحنة:1] فقوله هنا: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ )) أي: من أهل مكة (( وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )) وذلك بالبر والإحسان إليهم. فهذا القدر من الموالاة -إن سميناه موالاة- من الإحسان إليهم، والصلة بالمال أو بنحو ذلك، وحسن الخلق، هذا لا حرج فيه، بل مأمور به في حقهم، والخطاب وإن كان في مشركي مكة إلا أن العبرة بعموم لفظه، وقد حاول بعض المفسرين تخصيصه، فرد ذلك الإمام ابن جرير بقوله: والصواب قول من قال: عنى بقوله تعالى: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ )) من جميع أصناف الملل والأديان أياً كان، أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، فإن الله عز وجل عمَّ بقوله: (( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ )) وهذه صيغة عموم عمَّ بذلك جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض. ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ -أي: أن بعض الناس قالوا: إن هذه الآية نسخت بآية السيف- لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب، غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورات لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح. ومما يوضح المعنى الذي نقصده أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدت -تعني: في فترة صلح الحديبية- فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك) ويفهم من بعض الروايات أن قولها: (أفأصلها؟) تعني: هل أعطيها مالاً وغيره، ويحتمل أن المعنى: أصلها بقبول ما جاءت به معها من هدايا. وهذا الحديث رواه أحمد والشيخان، وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم، صلي أمك). وعن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة -وهي: بنت عبد العزى - على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بهدايا: ضباب وأقط وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها، وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فأمرها أن تقبل هديتها، وأن تدخلها بيتها. وقال الرازي : قوله تعالى: (( أَنْ تَبَرُّوهُمْ )) بدل من: (الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ)، وكذلك قوله: (( أَنْ تَوَلَّوْهُمْ )) بدل من قوله: (الذين قاتلوكم)، والمعنى: لا ينهاكم عن برّ هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وهناك فرق بين البر وبين التولي والموالاة، فالموالاة للكافر لا تحل بحال من الأحوال، كما قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، وقوله: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] إلى آخر الآيات. فالموالاة التي هي بمعنى المحبة القلبية لا تكون على الإطلاق بين مسلم وكافر، فيقول: والمعنى لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء، وهذا رحمة لهم لشدتهم في العداوة. وهذه الآية تدل على جواز البر بين المسلمين والمشركين الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وإن كانت الموالاة منقطعة، لكن البر والإحسان جائز.
أهمية الولاء والبراء في هذا الدين
الفرق بين التعصب والتسامح
أحوال اليهود وأذنابهم في حرب الإسلام والمسلمين
أثر مقاطعة المسلمين لمنتجات من حارب الإسلام والمسلمين
بعض صور معاملة الإسلام الحسنة للمشركين وأهل الذمة
وقبل أن نختم الكلام على أن أي خلل في قضية الولاء والبراء، يؤدي إلى فتنة في الأرض كما قال الله سبحانه وتعالى فيه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] فنجد الآن أن كل من صوب سهامه تجاه المسلمين فإنهم يصبونها في قضية الولاء والبراء خصوصاً، فتجد التشويش لجودة الدين ولبِّه، فإن من أعظم حقوق لا إله إلا الله موالاة من والى الله، ومعاداة من عادى الله، ففي الإسلام عبادات قلبية وقولية ومالية وبدنية، ومن أعظم العبادات القلبية عبادة الحب والبغض. فالحب عبادة، والبغض عبادة، فحب الله ورسوله والمؤمنين عبادة كما قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56]، والبغض عبادة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله)، فمن عادى الله، وعادى الرسول، وعادى الإسلام فلابد أن تعاديه، وأن تبغضه من قلبك. وأما الكلام في السموم التي تنفث في كل مكان: في مناهج التعليم، وفي الإعلام ليل نهار، فهي محاولة لكسر هذا الحاجز، وقد فُتح على الناس باب فتنة، وشر كبير، والمشكلة أن بعض الناس لا يسمي الأشياء بمسمياتها، فهناك تلاعب كبير في المصطلحات، ومن أخطر هذه المصطلحات الذي تروج لهذه الأفكار مصطلح التعصب، وأن هذا من التعصب، فإذا وجدت رجلاً يدعو بالرحمة لكافر مثلاً فقلت له: لا تدع لكافر، فإنهم يقولون لك: لا داعي للتعصب، الإسلام دين التسامح! أقول: لا، لن يجد في الإسلام دليلاً واحداً على ذلك لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من سيرة السلف، ولا حتى الخلف إلا خلفنا الذين نعيش بينهم الآن، فلن يجد أبداً تسامحاً بمعنى أنه يصف الكافر بأنه مسلم، أو بتعبير أدق أن يجعل الكفر سواسية مع الإيمان، فهذا لا يحصل أبداً، وهذا تحريف للدين، فعدم التمييز بين الأمرين يأتي بكثير من الخلط بين الأوراق وبين الأمور، فهناك فرق بين التعصب والتسامح.
فالتعصب والتسامح له مجال معين، فليس من مجال التعصب والتسامح مجال العقيدة، أو المفاهيم التي تستقر في قلب الإنسان، فهذه الأمور لا يوجد فيها تعصب ولا تسامح، حتى عند الكفار فإنهم يسمونها حرية الاعتقاد، فكل واحد حر يعتقد بقلبه ما شاء عندهم، لكن التعصب والتسامح له منطقة معينة وهي: منطقة المعاملة، فتكون متعصباً إذا ظلمت أحداً، أو بخسته حقه، أو آذيته بدون وجه حق. أما إذا اعتقدت بقلبي أن أحداً من الناس كافر بالله ورسوله، وأنه مكذب فأبغضته لذلك، فهذا ليس من التعصب في الدين، بل هذا من واجبات الدين وأركانه الركينة، فإن محبة الكافر وموالاته، واعتقاد أنه متساوٍ مع المسلم خروج من الملة كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24]. إن بعض الناس يخلطون بين لفظة التعصب ولفظة التسامح خلطاً معيباً يؤدي إلى خلل في دينهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فإذا سمعك أحدهم وأنت تقول: لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني مثلاً؛ لأنه لا يدخل الجنة، اعتبر هذا تشدداً وتعصباً، وتشدق بأن رحمة الله واسعة، وعد نفسه متمسكاً بسماحة الإسلام، وأنه أولى بالإسلام منك، فالإسلام دين السماحة، وأنت متشدد متعصب متطرف؛ لأنك تصف الكفار بأنه كافر! فنقول له: إن التعصب والتسامح لا يكونان إلا في المعاملة فقط، فالتعصب أن تعامل الذمي مثلاً -يهودياً كان أو نصرانياً- فتظلمه أو تبخسه حقه، فالشرع يأبى ذلك ولا يرضاه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ظلم معاهداً، أو كلفه ما هو فوق طاقته، فأنا خصيمه يوم القيامة)؛ ولأن هؤلاء لهم عهد الله وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم هذه الحقوق، فالمتعصب هو الذي يبخسهم حقهم أو يظلمهم، والتسامح هو أن تعامل الكافر بعدل بشرط ألا يكون محارباً.
من غير المعقول أن آتي إلى الإخوة الفلسطينيين وأقول لهم: لابد من التسامح وحسن الجوار، مع أناس فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، فاليهود المحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، يفتعلون الحرب، ومع ذلك هي حرب ليس فيها أدنى قدر من التكافؤ، حرب بين مدنيين عزّل وبين جيش مزود بالطيارات والدبابات والقذائف. فهؤلاء اليهود الجبناء الأنذال يفعلون ذلك مع أناس لا يملكون إلا الحجارة، ومع ذلك يفعلون بهم ما يفعلون، ولذلك تجد ما يسمونه بالمجتمع الدولي وعلى رأسهم الفتوة العالمي أمريكا الظالمة الباغية، يتلاعبون بالألفاظ، فبدلاً من أن يقولوا: نريد وقف إطلاق النار من قبل اليهود، فإنهم يقولون: نريد وقف إطلاق النار! فهلا استحوا على أنفسهم؟ فإنه أمر مخجل عندما يقولون: وقف إطلاق النار، أيّ نار يعنون؟! فليس هناك إلا شباب وأطفال مساكين لا يملكون إلا الحجارة، فهم لما أحسوا أن كلمة وقف إطلاق النار لا تركب، وأن النار لا تطلق إلا من طرف واحد فقط، أتوا بكلمة جديدة، وهي من ألاعيب السياسة، فقالوا: وقف أعمال العنف! فينبغي أن ننتبه لمثل هذه المصطلحات، فيقولون لك: وقف أعمال العنف. والحقيقة هي أن الموضوع أخطر مما نتصور، فاليهود يتدرجون في سبيل هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضه، فهذه هي القضية، وقد أعطت السلطات اليهودية تصريحاً لجماعة بناء الهيكل بوضع حجر الأساس لهيكل سليمان بجوار قبة الصخرة، لكن فيما يبدو أن المظاهرات التي حصلت في نفس اليوم صوروها لنا على أنّها إما مؤيدة أو معارضة لشرم الشيخ، وهي ليست من أجل موضوع شرم الشيخ في الحقيقة، بل كانت من أجل موضوع الهيكل، لكن لو أنهم أذاعوا هذا الكلام فإن العالم الإسلامي سيثور من جديد، فأرادوا تهدئته، فسحبوا الترخيص بوضع حجر الأساس للهيكل إلى حين؛ لأن هذا هو المعهود من مكر اليهود وخداعهم أنهم يؤجلوا القضية شيئاً فشيئاً. وسوف يجتمع المحامون عن قضية فلسطين في قمة، فنرجو منهم ألا يخيبوا أملنا، فقد كشفت لنا الحقائق وكشف لنا التاريخ فيما مضى أن هؤلاء الحكام هم أفشل محامين في أعدل قضية على الإطلاق، فنرجو ألا يخيبوا أمل المسلمين، وأن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى تطبيق شرع الله، وإلى معاهدة سلام مع الإسلام، ونقول لهم: ساوونا باليهود على الأقل، واعملوا معاهدة سلام مع الإسلام، وكفوا عما فعلتموه من الصد عن سبيل الله، وتشويه الدين، وقولكم إن هذا الدين هو دين تطرف، إلى آخر هذا الكلام، ونقول: كفوا عن حرب الإسلام، وسووا بين المستقيمين وبين الفنانين والفسقة والرياضيين، فكل الناس قد تركت لهم الحرية، فسوونا بهم فقط، وارفعوا عنا الظلم الذي نعانيه ليل نهار، والمحاولات الدءوبة لإطفاء نور الله عز وجل، وإطفاء نور الإسلام في بلاد المسلمين. والحديث في هذا الأمر ذو شجون، لكن إن لم يعودوا إلى موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين وبقوا في أحضان الكفار، واستمروا في حربهم للإسلام؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وأما بالنسبة لهؤلاء الأشاوس فإن آخر شيء كنت قرأته: أن مجموعة من المثقفين يسمونهم: (مثقفين يهود) تكلموا في الإذاعة الإسرائيلية فيما يبدو عن الاستغراب الشديد الذي عمهم حينما حصل رد الفعل الغريب من هذه الأمة الإسلامية، فقد ظنوا أنها قد خمدت أنفاسها إلى الأبد، فقال بعضهم -وهو الشاعر اليهودي باراك - يفتخر بأنه يحفظ أشعاراً له كثيرة، فقال: أنا آسف، ليس في كل من حكموا إسرائيل من يفهم العرب أكثر من بنيامين نتنياهو ، فقالوا له: لماذا؟ قال: لأنه هو الوحيد الذي أصر على أن العرب لا يصلح معهم سلام على الإطلاق، فقالوا: لماذا؟ قال: قال نتنياهو : إن السلام الذي نصنعه هو مع الحكومات وليس مع الشعوب، لأن هؤلاء الحكام يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، فمتى ما تخلصوا من هؤلاء الحكام ستعود إلينا العداوة من جديد، وتنكشف الحقيقة، فالسلام ليس مع الشعوب! وهذا الكلام موافق للواقع إلى حد كبير؛ فانظر إلى هذا اليهودي الخبيث كيف تفطن للأمر! ولذلك قال بعضهم في نفس البرنامج وهو يعبر عن الصدمة والذهول: حتى المغرب التي كنا نظن أنها في جيبنا تخرج فيها مسيرة مليونية! أي: مظاهرة من مليون شخص تنادي بمحاربة اليهود لعنهم الله، فهم كانوا يؤملون أملاً كبيراً أن المغرب قد هدأت، لأن أقوى موضع في العالم الإسلامي لليهود هو في المغرب، فلهم هناك وضع متميز جداً، فوزير السياحة هناك يهودي، ومع ذلك ذهل اليهود من ردّ الفعل في المسلمين. فالحاصل أن المجتمعين في القمة هداهم الله وأجرى على أيديهم كل خير، على الأقل ينبغي أن يصطلحوا فيما بينهم ويكفوا عن محاربة الدعوة الإسلامية، فإن بعض البلاد تحارب الإسلام حرباً لا يقدر اليهود أنفسهم على القيام بها، فلعلهم يتوبون ويرجعون إلى الله سبحانه وتعالى، ويثوبون إلى رشدهم، ويكفوا عن حرب الإسلام. وهذا هو المفتاح الصحيح؛ لأن القضية قضية عقيدة شئنا أم أبينا، وهذه الحرب دينية بين الإسلام وبين الكفر، ولن تتغير طبيعتها، ولن يقوى أحد على الإطلاق أن يغير طبيعتها مهما فعل، فإن أردنا الطريق الصحيح فهو أن نعود إلى ديننا.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة التوبة [107-110] | 2819 استماع |
تفسير سورة المدثر [31-56] | 2621 استماع |
تفسير سورة البقرة [243-252] | 2584 استماع |
تفسير سورة البلد | 2567 استماع |
تفسير سورة الطور [34-49] | 2564 استماع |
تفسير سورة التوبة [7-28] | 2562 استماع |
تفسير سورة الفتح [3-6] | 2504 استماع |
تفسير سورة المائدة [109-118] | 2439 استماع |
تفسير سورة الجمعة [6-11] | 2412 استماع |
تفسير سورة آل عمران [42-51] | 2404 استماع |