خطب ومحاضرات
تفسير سورة الرحمن [1-13]
الحلقة مفرغة
نشرع بإذن الله تعالى في تفسير سورة الرحمن وهي السورة الخامسة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف. يقول المهايمي : سميت به؛ لأنها مملوءة بذكر الآلاء الجليلة، وهي راجعة إلى هذا الاسم. إذاً: هذه السورة حافلة بذكر نعم الله سبحانه وتعالى ومننه على عباده، وكل هذه النعم إنما هي من آثار اسمه الكريم الرحمن. وهي سورة مكية على قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وآيها ثمان وسبعون آية. وقد روى الإمام أحمد : أن أول مفصل ابن مسعود كان الرحمن. والمعروف أن الراجح في هذا أن أول المفصل سورة ق كما بينا ذلك في موضعه. وقال مقاتل: لما نزل قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:60]، قال كفار مكة: وما الرحمن؟ فقال الله سبحانه وتعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2]. يعني: أن الرحمن الذي أنكروه هو الذي علم القرآن، وتكرر منهم ذلك أيضاً في موقف آخر كما في كتابة صلح الحديبية، حينما أنكروا أن يكتب في وثيقة الصلح: بسم الله الرحمن الرحيم، وأصروا على أن يكتبوا باسمك اللهم؛ إنكاراً لاسم الرحمن جل جلاله، وهذا منهم مكابرة، وإلا فاستعمال هذا الاسم الجليل شائع في أشعارهم قبل الإسلام، وكانوا يعرفون الله سبحانه وتعالى بأنه الرحمن أيضاً، لكن هذا من الجحود ومن الكفران والاستكبار. يقول الله تبارك وتعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] أي: بصر به الناس وأخبرهم بما فيه رضاه وما فيه سخطه. عَلَّمَ الْقُرْآنَ لفظة (القرآن) تعرب على أنها مفعول به ثان؛ لأن (علّم) تتعدى إلى مفعولين، والمفعول الأول هو الرسول، فيكون التقدير: علم الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم القرآن، وعلم أمته هذا القرآن الكريم. وقيل: عَلَّمَ الْقُرْآنَ بمعنى: يسر القرآن. يقول القاسمي رحمه الله تعالى: أي: بصر به، وعلمهم وأخبرهم بما فيه رضاه وما فيه سخطه برحمته، فهذا التعليم وهذه الهداية هي من رحمة الله سبحانه وتعالى؛ ليطاع باتباع ما يرضيه، وعمل ما أمر به، وباجتناب ما نهى عنه وأوعد عليه، فينال جزيل ثوابه وينجى من أليم عقابه. قال القاضي: لما كانت هذه السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية، صدرها بهذا الاسم الفريد (الرَّحْمَنُ). وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها على الإطلاق على البشرية وهي نعمة إنزال القرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالقرآن هو أصل كل النعم الدينية، وهو أجل هذه النعم الدينية، يقول عز وجل: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، فإنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه هذا كله؛ لأن القرآن أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوحي وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصدق لما سبقه من الكتب كما أنه مهيمن عليها. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: عَلَّمَ الْقُرْآنَ أي: علم نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلقته أمته عنه، وهذه الآية الكريمة تتضمن رد الله على الكفار في قولهم: إنه تعلم هذا القرآن من بشر، كما قال تبارك تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103]، وكذلك في قوله تعالى: فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر:24] وهذا الوليد بن المغيرة حينما زعم أن القرآن سحر يؤثر. قوله: (يؤثر) يعني: ينقل ويرويه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن غيره. وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان:4-5]. فقوله تبارك وتعالى هنا: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ فيه رد على كل هذه الفرق، يعني: ليس الأمر كما زعمتم من أن هذا القرآن سحر يؤثر، أو إنما علمه بشر، أو أساطير الأولين وغيره ذلك، بل الرحمن جل وعلا هو الذي علمه هذا القرآن. والآيات الدالة على هذا كثيرة جداً، كقوله تعالى في جملة من الآيات تشهد بأن الله هو الذي أنزل هذا القرآن: قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:6]، وقوله تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، وقال تعالى: حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا [فصلت:1-4]، وقال تعالى: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:52]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ .. [الشورى:52]، وقال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف:3]، وقال تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، صلى الله عليه وآله وسلم. فلاشك أن أعظم ما علمه الله سبحانه وتعالى هو هذا القرآن العظيم، وقال أيضاً: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. وبين الله سبحانه وتعالى أن أعظم نعمة أنعمها على الرسول صلى الله عليه وسلم في المقام الأول ثم على أمته هي تعليم هذا القرآن، فقد قال تبارك وتعالى في سياق الامتنان: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32] وأرشدنا الله سبحانه وتعالى وعلمنا أن نحمده على نعمة إنزال القرآن، فقال تبارك وتعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1]، وقال تبارك وتعالى مبيناً أن إنزال القرآن رحمة لهذا الخلق، فقال: وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص:86]، وقال أيضاً: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الدخان:5-6]. فقوله تعالى: عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، فيه حذف أحد المفعولين، والتحقيق -كما يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى- أن المحذوف هو المفعول الأول لا الثاني كما ظنه الفخر الرازي ، وقد رده عليه أبو حيان . والصواب: هو ما ذكره من أن المحذوف هو المفعول الأول وتقديره: علم النبي القرآن، أو علم جبريل القرآن، أو علم الإنسان القرآن.
قال تبارك وتعالى: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4] إيماء بأن الله سبحانه وتعالى خلق البشر وميزهم عن سائر الحيوانات بالبيان والنطق، والبيان هو التعبير عما في الضمير وإفهام الآخر، أي: أن يستطيع أن يعبر عما يكنه من المعاني في ضميره، ويستطيع أن يفهم غيره بهذه اللغة وبهذا البيان بما عنده، وهذا يدرك بسبب تلقي الوحي، والتعرف على الحق وتعلم الشرع. فإذا كان خلق الله لهم إنما هو في الحقيقة لذلك، اقتضى ذلك اتصاله بالقرآن وتنزيله الذي هو منبعه وأساس بنيانه، الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن: عَلَّمَ الْقُرْآنَ وقال مباشرة بعدها في الإنسان: (( خَلَقَ الإِنسَانَ )) فنجد كثيراً من التعابير في الخلق بالنسبة للإنسان وسائر المخلوقات، أما القرآن فما جاء أبداً التعبير بأنه مخلوق؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى ليس بمخلوق، فلذلك هذا وصف اتصل بالقرآن عَلَّمَ الْقُرْآنَ ولم يقل: خلق القرآن، أما الإنسان فقال فيه: (( خَلَقَ الإِنسَانَ )) إذاً: في هذا إيماء بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، بخلاف هذه المحدثات. قوله تعالى: (( خَلَقَ الإِنسَانَ ))، اختلف فيه فقيل: الإنسان اسم جنس، يعني: خلق الناس جميعاً، وعلى هذا الأساس فقوله: عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ما المقصود بالبيان فيه: أي علمه النطق والتمييز، وقيل: الحلال والحرام، وقيل: ما يقول وما يقال له، وقيل: الخير والشر، وقيل: طرق الهدى، وقيل: الكتابة والخط. إلا أن الكثير من المفسرين رجحوا قول الحسن من أن البيان هو النطق والتمييز. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى؛ لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن، وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق، وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين، على اختلاف مخارجها وأنواعها. إذاً: قوله: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الأرجح أن المقصود بالإنسان جنس الإنسان، والمقصود بالبيان: النطق والتمييز. وقيل: الإنسان آدم، والبيان أسماء كل شيء أو بيان كل شيء أو اللغة. وقيل: (( خَلَقَ الإِنسَانَ )) أي: خلق محمداً صلى الله عليه وسلم. وقوله: عَلَّمَهُ الْبَيَانَ أي: علمه بيان ما كان وما يكون. والظاهر والله تعالى أعلم أن الأقرب هو القول الأول أن الإنسان اسم جنس يعم سائر الناس. هذه الآيات أتت خالية من حرف العطف الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . يقول الزمخشري : وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر من إحسانه؟ يعني: أن سبب خلو الآيات من العاطف هو أن الآيات واردة في سياق تعديد النعم، فالله سبحانه وتعالى خلقك أيها الإنسان وعلمك البيان. قال الشهاب المرجح الإشارة إلى أن كلاً منها نعمة مستقلة تقتضي الشكر. قول آخر في تعليل خلو هذه الآيات من حرف العطف: أنه لو حصل عطف قد يقتضي هذا العطف تتابع الصفات أو الأفعال المتشابهة، وإنما خلت من حرف العطف إشارة إلى أن كل نعمة مستقلة بذاتها، فتقتضي الشكر عليها بذاتها، فهذا فيه إيماء إلى تقصير الخلق في شكر هذه النعمة، ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبها ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة، لكن لما خلت من حرف العطف فهذا يؤكد أن كل نعمة مستقلة وحدها. قوله: عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . فتعليم القرآن نعمة مستقلة تستوجب الشكر، كذلك خلق الإنسان، كذلك تعليمه البيان، وفي ذلك إشارة إلى تقصير الخلق أو قصورهم عن أداء شكر هذه النعم كلها.
النطق أشرف ما خص الله به الإنسان
الخلاف في معنى قوله: (خلق الإنسان * علمه البيان)
وقال الأصفهاني في الذريعة: لما كان النطق أشرف ما خص به الإنسان.. يعني: مما يتميز به أنه حيوان ناطق، لا يوجد غير الإنسان من الحيوانات ناطق، وما عدا ذلك قد ينطق على سبيل التقليد دون أن يعي ما يقول، حتى الببغاء يجيد ترداد الكلام، لكنه لا يعي الكلام ولا يفهمه، إنما عنده القدرة على محاكاة أصوات يسمعها دون أن يعيها أو يفهمها، فالإنسان حيوان ناطق ميزه الله سبحانه وتعالى بهذه النعمة، بل شرفه بهذه النعمة وهي نعمة البيان. يقول: لما كان النطق أشرف ما خص به الإنسان، فإنه صورته المعقولة التي باين بها سائر الحيوان، قال الله عز وجل في بيان تشريف الإنسان بهذا الشرف: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ولم يقل: خلق الإنسان وعلمه البيان، إذ جعل قوله: ((علمه)) تفسيراً لقوله: (( خَلَقَ الإِنسَانَ ))؛ تنبيهاً أن خلقه إياه هو تخصيصه بالبيان؛ لأن الله خلق الإنسان وخلق الحيوانات، لكن لما خلا من حرف العطف فهمنا أن قوله: عَلَّمَهُ الْبَيَانَ هي تفسير لقوله: (( خَلَقَ الإِنسَانَ ))، يعني: خلقه مبيناً ناطقاً مميزاً. فهذا تنبيه على أن خلقه إياه هو تخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لكانت الإنسانية أقل درجة مما شرفها الله به. ولذلك قيل: لولا اللسان ما الإنسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة. يعني: منظر وشكل فقط كشبح، لكن البيان هو الذي رفعه وشرفه، ولذلك يتفاوت الناس ببيانهم، فإذا سكت الناس فإنهم يتساوون، لكن إذا أفصحوا وبينوا ظهر حينئذ تفاوتهم في علمهم وفي ذكائهم وفي فصاحتهم، وغير ذلك من الصفات التي يتفاوت الناس فيها. وقيل: المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا نطق كشف نفسه. وقال الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم إشارة إلى أن الإنسان قلب ولسان، واللسان يعرب عما في هذا القلب، وما عدا ذلك صورة اللحم والدم. فإذا توهم في ارتفاع النطق الذي هو باللسان، والقوة الناطقة التي هي بالفؤاد حرم من أمرين: النطق فلا يستطيع أن يبين ولا أن يتكلم، وفي نفس الوقت القلب أو الفؤاد الذي يفقه به ويفهم ويميز، فإذا تخيلنا أن هذا الإنسان بدون نطق وبدون بيان وبدون عقل أو قلب، لم يبق إلا صورة اللحم والدم، فيتساوى مع سائر العجماوات. فإذا كان الإنسان هو اللسان، فلا شك أن من كان أكثر منه حظاً فهو أكثر منه إنسانية، والصمت من حيث هو مذموم؛ لأنه من صفات الجمادات فضلاً عن الحيوانات، وقد جعل الله تعالى بعض الحيوانات بلا صوت، وجعل لبعضها صوتاً بلا ترتيب. إذاً: لا يستطيع أي مخلوق آخر أن يبين ويتكلم كما فعل الله ذلك في الإنسان. ومن مدح الصمت فإنما مدح الصمت بالنسبة له؛ لأنه إذا تكلم نطق بشر أو بسوء فالصمت أفضل، مثل قول أحدهم: الصمت أزين للفتى من منطق في غير حينه وكما يقولون: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، هل هذه الكلمة صحيحة؟ لا؛ لأن الإنسان ربما ينطق بكلام هو أثمن من الذهب، وربما ينطق بكلام سيئ فيكون الصمت أفضل منه، فهي مسألة نسبية، فإذا مدح الصمت فذلك مقارنة بالكلام القبيح؛ لأنه إذا صمت فهو على سبيل السلامة لا غنم ولا غرم، لكن إذا نطق بالسوء فهو الغرم، فإذا كان الإنسان مخيراً بين صمت ونطق بالشر فالأولى أن يصمت، أما إذا كان مخيراً بين الصمت والنطق بالخير فالأولى أن ينطق، وقد يجب ويتعين عليه ذلك. سئل حكيم عن فضلهما، فقال: الصمت أفضل حتى يحتاج إلى النطق. وسئل آخر: أيهما أفضل؟ فقال: الصمت عن الخنى أفضل من الكلام في الخطأ. وعنه أخذ الشاعر: الصمت أليق بالفتى من منطق في غير حينه حكى الشهاب أنه يجوز أن يكون (الرحمن) خبراً لمبتدأ محذوف، يعني: كأن المبتدأ يكون الله، والرحمن خبر، وما بعده مستأنف بتعديد نعمه. قوله: ((علم)) من التعليم، ومفعوله مقدر أي: علم الإنسان أو جبريل أو محمداً صلى الله عليه وسلم.
هناك خلاف في معنى قوله: ((خلق الإنسان)) و((علمه البيان)). يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4]: اعلم أولاً أن خلق الإنسان وتعليمه البيان من أعظم آيات الله الباهرة، كما أشار إليه تعالى بقوله في أول سورة النحل: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل:4]. هذا أيضاً ينص بأن خلق الإنسان وتكريمه بإعطائه الإبانة والتوضيح والإفصاح عما في قلبه، بحيث يقوى على الخطاب والمجادلة والمحاججة والنقاش. ثم قال أيضاً: وقوله: في آخر يس: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس:77]. فالإنسان بالأمس نطفة، واليوم هو في غاية البيان وشدة الخطاب، يجادل في ربه وينكر قدرته على البعث، فالمنافاة العظيمة التي بين النطفة وبين الإبانة في الخصام، مع أن الله خلقه من نطفة وجعله خصيماً مبيناً، آية من آياته جل وعلا دالة على أنه المعبود وحده، وأن البعث من القبور حق. انظر إلى هذه النطفة المهينة كيف خلق منها هذا الإنسان وهذا الكيان، حتى إنه قدر على الإبانة وعلى الفصاحة وعلى البلاغة، بل إنه يخاصم حتى في ربه، فانظر بعد ما بين المرتبتين، كما جاء في الحديث القدسي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في كفه، ثم أشار بأصبعه فقال: يقول الله تعالى: يا ابن آدم! أنا تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين برديك، وصار للأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت الحلقوم -يعني: حتى إذا أتى أوان قبض روحك- قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة)، أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: خَلَقَ الإِنسَانَ لم يبين هنا أطوار خلقه للإنسان، ولكنه بينها في آيات أخر، كقوله في سورة الفلاح: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:12-14]. وبلا شك فإن في سورة الرحمن آيات لها ارتباط وثيق جداً بالحقائق العلمية الحديثة، ولولا الخوف من الإطالة والتأخر في التفسير لأفضنا في هذا كثيراً. هذه الآية وحدها: (( خَلَقَ الإِنسَانَ )) شرحتها آيات أخرى في القرآن الكريم، ثم أتت العلوم الحديثة وكشفت مؤخراً عن مراحل تكوين الجنين، وبان بذلك أن الوصف الذي في القرآن هو وصف في غاية الدقة لكل المراتب التي يمر بها نمو الجنين في بطن أمه، وكثير من الحقائق العلمية كما أشرنا من قبل. ويكفي أن أشهر مرجع على الإطلاق في علم الأجنة -لدكتور كندي- تضمن صوراً لأجزاء من المصحف من سورة المؤمنون ومن سورة الحج حتى يوثق كلامه، وقال: إن هذا يدل على أن هذا القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن يكتشف هذه الأشياء من عند نفسه، بل هو تنزيل من لدن حكيم خبير. والأمر يطول لكن بعد أن نفرغ من درس التفسير يمكن أن نفرد للآيات التي لها ارتباط بموضع الإعجاز العلمي دروساً مستقلة إن شاء الله تعالى إن تيسر ذلك. وقد بين القرآن الكريم المراحل التي مر بها خلق الإنسان حتى قبل أن يكون نطفة، وهي أنه كان من تراب ومن ماء ومن طين ومن صلصال كما هو معروف. ثم قال: وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، التحقيق فيه: أن المراد بالبيان: الإفصاح عما في الضمير. وهذا وضحه قوله تعالى: فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل:4] فقوله تعالى: (( مُبِينٌ )) على أنه اسم فاعل أبان المتعدية، والمفعول محذوف للتعميم، أي: مبين كل ما يريد بيانه وإظهاره بلسانه مما في ضميره؛ وذلك لأن ربه علمه البيان. ثم قال: وقد امتن الله جل وعلا على الإنسان بأنه جعل له آلة البيان التي هي اللسان والشفتان، وذلك في قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9]. وهذا في سياق المنة، وبلا شك فإن اللسان والشفتين هما آلات البيان.
قال الله تبارك وتعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5]. قوله: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مبتدأ والخبر محذوف تقديره: يجريان بحسبان. قوله: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ أي: يجريان بحساب معلوم مقدر في بروزهما ومنازلهما لا يعدوانها، به تتفق أمور الكائنات الحسية، وتختلف الفصول والأوقات، ويعلم السنون والحساب. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: الحسبان: مصدر زيدت فيه الألف والنون، كما زيدت في الطغيان والرجحان والكفران، فمعنى: ((بحسبان)) أي: بحساب وتقدير من العزيز العليم، وذلك من آيات الله ونعمه أيضاً على بني آدم؛ لأنهم يعرفون به الشهور والسنين والأيام، ويعرفون شهر الصوم، وأشهر الحج، ويوم الجمعة، وعِدَدَ النساء اللاتي تعتد بالشهور، كاليائسة والصغيرة والمتوفى عنها. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس:5]، وقوله تعالى: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:12].
قال تبارك وتعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن:6]. قوله: ((والنجم)) اختلف العلماء في المراد بالنجم في هذه الآية: فقال بعض العلماء: النجم هو ما لا ساق له من النبات كالبقول، والشجر هو ما له ساق. وقال بعض أهل العلم: المراد بالنجم نجوم السماء. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي صوابه: أن المراد بالنجم هو نجوم السماء، والدليل على ذلك: أن الله جل وعلا في سورة الحج صرح بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه، ونعني بآية الحج قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ [الحج:18]، فدلت هذه الآية أن الساجد مع الشجر في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة مع الشمس والقمر في سورة الحج، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وعلى هذا الذي اخترناه فالمراد بالنجم النجوم. يعني: هي مفرد، لكن يراد بها الجمع، ومن ذلك قول الراعي: فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها فقوله: (فباتت تعد النجم) فالنجم هنا مفرد، لكن هي في الحقيقة كانت تعد النجوم؛ لأنه لو كان نجماً واحداً لما تعبت في عده، بل كانت تعد النجوم، وفي لغة العرب يكثر إطلاق المفرد مع إرادة الجمع. ومن ذلك أيضاً قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي : أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب ثم قالوا تحبها قلت بهراً عدد النجم والحصى والتراب قوله: (عدد النجم والحصى والتراب) يعني: عدد النجوم، مع أن اللفظ هنا مفرد. وقول الله تبارك وتعالى هنا: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ مثل قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا [الرعد:15]، فنسب السجود إلى كل هذه المخلوقات، فسجود كل شيء بحسبه. يعني: كل كائن من المخلوقات له تسبيح وله سجود، لكن منه ما نفهمه وهو الذي يتعلق بلغتنا نحن، أما سجود غيرنا من الكائنات فهذا ليس إلينا؛ لأنه مما لا ندركه كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، فأثبت لهم تسبيحهم، ولم يقل: ولكن لا تفقهون تسبيحها مع أن هذا هو الأصل؛ لأنها من غير العقلاء، لكن أنزلها منزلة العقلاء فأتى بضمير العقلاء (هم) تغليباً للعقلاء. يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ، قوله: ((والنجم)) أي: النبات الذي ينجم. يعني: الذي يطلع من الأرض ولا ساق له. قوله: ((والشجر)) أي: الذي له ساق. إذاً: القاسمي رجح التفسير الآخر وهو: أن النجم هو الشجر الذي لا ساق له وذلك لاقتران النجم بالشجر. بينما كلمة النجم تحتمل أن تكون النجوم في السماء أو النجوم وهو النبات الذي لا ساق له. وربما الذي أداه إلى هذا القول هو اقترانها بالشجر، فصار نسبة السجود للشجر الذي له ساق، والشجر الذي لا ساق له. قوله: ((يسجدان)) ثنى فعلهما على وفاق لفظهما، وإن كانت هذه الأسماء مفردة في الحقيقة؛ لكنها تدل على المجموع، فالتثنية هنا نظراً إلى اللفظ فقط، أما من حيث المعنى فهي سجود لعدد كبير. ((يسجدان)) أي: ينقادان لله فيما يريد بهما طبعاً، انقياد الساجد من المكلفين طوعاً، وفي الحقيقة مما يؤسف له أن في الأجزاء الأخيرة من تفسير القاسمي ميلاً كثيراً إلى القول بالمجاز، وتوسع في ذلك حتى كأني أكاد أحس أن هناك شخصاً آخر كتب الجزء الأخير هذا؛ لأن كثيراً جداً منه فيه مخالفة لمنهج السلف في تفسير أمثال هذه الأشياء، هل يستحيل أن النجم يسجد لله والشجر يسجد لله؟! إذا قلت: كل يسجد بحسبه، لماذا تنطلق أذهاننا فقط إلى السجود الذي هو متعلق بنا نحن؟ نحن لنا سجود ندركه؛ لأنه متعلق بالسجود الذي نفهمه، ونحن نسبح الله بالطريقة المعروفة، لكن ما الذي يمنع أن الجبال تسبح؟ هل هذا من حيث العقل مستحيل، بحيث أننا نلجأ دائماً إلى المجاز، ونقول: إن تسبيح الجبال هو أن من رآها قال: سبحان الله؟! الذي خلق هذه الجبال وغيرها أتانا بالدليل، مثل قوله تعالى في الآية التي في سورة ص: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18]، ومثل قوله تبارك وتعالى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]، فكان داود عليه السلام يسبح ويذكر الله سبحانه وتعالى بصوت عال، والجبال تردد معه والطيور تسبح من ورائهم. يا ليتنا أدركنا هذا المنظر الرائع! داود عليه السلام يسبح والجبال تنطق بالتسبيح معه، والطيور كذلك، الله قادر على كل شيء ولا يعجزه شيء. إذاً: الجبال لها تسبيح يناسبها، وكذلك كل هذه المخلوقات لها تسبيح يناسبها، كذلك الموج له تسبيح وكل شيء له تسبيح. وما يدرينا لعل الأصوات التي نسمعها مثل: أصوات العصافير في الصباح وفي المساء، لعل هذه الطيور أيضاً تقول أذكار الصباح والمساء بطريقة يعلمها الله، ألم يعلَّم الله سبحانه وتعالى سليمان عليه السلام لغة الطير، وفهم كلام الهدهد؟ إذاً: ما الذي يدعو الناس إلى اللجوء إلى المجاز؟ هل يعجز الله شيء حتى نهرب إلى المجاز دائماً؟! فالشاهد: أنه لو كان تسبيح الجبال بأن من رآها قال: سبحان الله! فإنها لا تسبح أصلاً، فلماذا نستبعده؟! ولو كان كذلك لما خص تسبيحها بالعشي والإشراق، لكن سيكون هذا في كل وقت؛ لأن الناس إذا رأوها وقالوا: سبحان الله! فهذا سيكون بالعشي والإشراق، والليل والنهار، والظهر والضحى، وكل الأوقات، فعندما يرونها سيقولون: سبحان الذي خلقك! لكن هنا تخصيصها بالعشي والإشراق فيه دليل على أنه تسبيح حقيقي، ولو كان غير حقيقي لم يقل الله تبارك وتعالى في الجبال: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74] من الجبال ما يتفطر من خشية الله، ونظائر ذلك كثيرة تكلمنا عنها بالتفصيل أثناء تلخيص كتاب (عبودية الكائنات) للأخ الفاضل الشيخ محمد فريد، وهو كتاب قيم جداً في هذا الباب، ننصح الإخوة بقراءته.
قال تبارك وتعالى: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9]. قوله: (( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا ))، كما قال تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6]. (( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا ))، يعني: خلقها مرفوعة، وكل ما علا فهو سماء، السحاب سماء، الغلاف الجوي سماء، ما يسمى خطأً بالفضاء سماء. (( وَوَضَعَ الْمِيزَانَ )) أي: العدل بين خلقه في الأرض، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ [الشورى:17]، يعني: وأنزل الكتاب وأنزل الميزان. واختلف في الميزان هنا فقال القاسمي : الميزان هو العدل بين خلقه في الأرض؛ لأن المعادلة موازنة الأشياء، وقيل: هو الميزان المعروف الذي يستعمل لوزن الأشياء؛ كي يتناصف الناس في الحقوق ويأخذ كل إنسان حقه، وقيل: الميزان هو القرآن الكريم نفسه. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (أن) فيها قولان: إما بمعنى اللام، يعني: وضع الله سبحانه وتعالى الميزان ليأخذ كل حقه، ولا يطغى أحد على أحد في الميزان، أو (أن) هنا للتفسير، فتكون (لا) للنهي، والمعنى: لا تجاوزوا العدل بالإفراط عن حد الفضيلة والاعتدال، فيلزم الجور الموجب للفساد. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ أي: بالاستقامة على الطريقة، وملازمة حد الفضيلة. كما قال تعالى أيضاً: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام:152]، فقوله تعالى: (( وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )) يعني: لا تنقصوا الوزن. قال بعض الحكماء: العدل ميزان الله تعالى، وضعه للخلق ونصبه للحق. وممن فسر الميزان في الآية بالعدل مجاهد وتبعه ابن جرير وكذا ابن كثير . وجوز أن يراد بالميزان ما يعرف به مقادير الأشياء، كذلك ما يعرف به مقاييس الأشياء، فالميزان ليس فقط لوزن الأشياء التي توزن بالثقل، وإنما ما يضبط من حقوق الناس ومستحقاتهم، فالميزان ما يعرف به مقادير الأشياء، سواء الأشياء الموزونة أو المكيلة أو المقيسة المذروعة. قال السيوطي في الإكليل : فيه وجوب العدل في الوزن، وتحريم البخس فيه، وعليه فوجه اتصال قوله: وَوَضَعَ الْمِيزَانَ بما قبله، أنه لما وصف السماء بالرفعة التي هي مصدر القضايا والأقدار، أراد وصف الأرض بما فيها، مما يظهر به التفاوت ويعرف به المقدار، ويسوى بين الحقوق والمواهب. ومن اللطائف التي يتسع لها نظم الآية الكريمة قول الرازي : الميزان ذكر ثلاث مرات، كل مرة بمعنى، فالأول: هو الآلة، والثاني: المطر، والثالث: للمفعول، أي: الموزون. يعني: ذهب الرازي إلى أن الميزان هنا ذكر ثلاث مرات، الأول: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:7]، الثاني: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ، الثالث: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ، فالأول: هو آلة الوزن التي يعرف بها مقادير الأشياء، أما الثاني: فالمقصود به هنا المصدر، الذي هو الوزن نفسه، أي: ألا تطغوا في عملية الوزن، والثالث: للمفعول، يعني: الشيء الموزون، وهذا من لطائف التفسير. ثم قال: وهو كالقرآن الكريم ذكر بمعنى المصدر في قوله: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18]، يعني: قراءته، وبمعنى: المقروء، وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء، كما في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ [الرعد:31] وفي قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. ثم قال: وبين القرآن والميزان مناسبة، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب، والميزان فيه من العدل ما لا يوجد في غيره من الآلات، فهذا وجه الجمع في هذا السياق بين القرآن الكريم وبين الميزان؛ لأن الله تعالى قال: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ [الرحمن:1-3]، إلى قوله: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ [الرحمن:7-8].
قال تبارك وتعالى: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ [الرحمن:10-11]. قوله: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وضع الأرض للأنام، والأنام هو الخلق؛ لأن وضع الأرض لهم على هذا الشكل العظيم القابل لجميع أنواع الانتفاع من إجراء الأنهار، وحفر الآبار، وزرع الحبوب والثمار، ودفن الأموات، وغير ذلك من المنافع، من أعظم الآيات وأكبر الآلاء التي هي النعم. ولهذا قال الله تبارك وتعالى بعدها مباشرة: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13]، إشارة إلى أن خلق الأرض على هذه الصورة المهيأة والمسخرة لمصالحكم ومنافعكم من نعم الله سبحانه وتعالى العظمى عليكم. ثم يقول: وما تضمنته هذه الآية الكريمة من امتنانه جل وعلا على خلقه بوضع الأرض لهم بما فيها من المنافع، وجعلها آية لهم، دالة على كمال قدرة ربهم، واستحقاقه للعبادة وحده، جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، كقوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [الرعد:3]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15]، وقال تعالى: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات:30-33]، وقال تعالى: وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:48]، وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، وقال تعالى: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا [ق:7-9]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]. هذا كله إشارة إلى منة خلق الله سبحانه وتعالى لهذه الأرض، والإنسان يقع في تقصير شديد جداً، وهو مستقبح من كل إنسان، ولكنه أقبح من المسلم المؤمن، وهو أن الإنسان لا يستحضر نعماً إلا النعم الخاصة، وربما أيضاً أهمل نعمة هي أعظم نعمة على الإطلاق يمن الله بها على الإنسان وهي نعمة الإسلام، فينبغي للمؤمن بين وقت وآخر أن يذكر نعمة الإسلام، وأن الله هداه للإسلام وشرح له صدره، فهذه أعظم نعمة في الوجود. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غضب مرة على زوجته، فقال لها: (والله لأسوأنك! فقالت له: هل تملك أن تخرجني من الإسلام بعد أن أعزني الله به؟ قال: لا، قالت: فبم تسوءني إذاً؟) يعني: أي شيء أقل من زوال هذه النعمة فهو أمر هين، ما دمت لا تستطيع أن تنزع من قلبي نعمة الإسلام فلا يضرني شيء مهما فعلت بعد ذلك، إشارة إلى أن أعظم نعمة على الإنسان هي نعمة الهداية إلى الإسلام، فمعظم الناس لا يهتمون إلا بشكر النعم الخاصة: نعمة المال، الصحة، المنصب، الوجاهة، وهكذا؛ لأن النعم عندهم هي هذه، وهذا نظر خاطئ، وتراهم بالمقابل يهملون النعم العامة، مع أنهم يتمتعون بها في كل لحظة، مثل: نعمة الشمس، ونعمة الهواء، ونعم الله سبحانه لا تعد ولا تحصى كما قال الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، ومجرد ذكر النعم وإمرارها على الفكر والقلب هذا في حد ذاته شكر لله عليها، واعتراف بنسبتها إلى المنعم بها وهو الله سبحانه وتعالى.
أدلة فرضية التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى وآلائه
تفسير القاسمي لقوله تعالى: (والأرض وضعها للأنام) وما بعدها من الآيات
كلام الشنقيطي على قاعدة: (الأصل فيما على الأرض الإباحة حتى يأتي دليل بالمنع)
إذاً: ينبغي أن نخصص أوقاتاً للتفكر، وإياكم أن تظنوا أن التفكر أمر مستحب، بل التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى فريضة وليس أمراً مستحباً، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت: (حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكت رضي الله تعالى عنها -وكان هذا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام- وقالت: قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي، فقلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، فقام فأخذ يصلي ويبكي حتى بل لحيته، ثم تمادى في البكاء حتى بل حجره، ثم استمر في البكاء حتى بل الثرى - ابتلت الأرض من دموعه صلى الله عليه وآله وسلم-، فلما دخل عليه بلال ليؤذنه بالصلاة، رآه يبكي فبكى، وقال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد أنزل عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191] ..) إلى آخر الآيات من أواخر سورة آل عمران. قوله: (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) هذا هو الشاهد، انظر إلى قوله في صدر هذه الآيات: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] إذاً: التفكر ليس شيئاً مستحباً إنما هو واجب، وبه يصل الإنسان إلى تعظيم الله سبحانه وتعالى وزيادة الإيمان واليقين. وهناك دليل آخر من القرآن على وجوب التفكر في بعض هذه الآيات، وهو قوله عز وجل: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] أي: ليتفكر، وهذا أمر، وظاهر الأمر الوجوب إلا أن يصرفه صارف، فهذا أيضاً دليل على وجوب التفكر فيما تأكله من الرزق، فتفكر في نعمة الله عليك في الطعام، فينبغي أن يكون للتفكر وقت مخصص، بأن يخلو الإنسان ويتفكر في آيات الله، وأن يدرس العلوم الحديثة، خاصة أن العلوم الحديثة الآن كشفت عن آيات توحيد الله سبحانه وتعالى بحيث أصبح الإنسان لا يقرأ سطراً إلا ويسبح الله سبحانه وتعالى ويعظمه ويحمده، فآيات الله ظهرت الآن بصورة مبهرة. والعلوم الحديثة مثل: علم الجينات، وعلم الفضاء، وعلم البحار، وعلم النباتات، هذه إذا قرأتها بنية التفكر في خلق الله كما ينبغي لها أن تكون فستكون فرعاً من علم التوحيد. فهنا يمتن الله سبحانه وتعالى علينا؛ لأنه كلما ذكر جملة من الآيات في سورة الرحمن ختمها بقوله عز وجل: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] معناها: أن الله سبحانه وتعالى يمن علينا بنعم معينة ويطالبنا بالتفكر فيها واستحضار نعمة الله فيها، ثم يعاتبنا أننا قصرنا في شكر هذه النعم، فتأملوا كل جملة من الآيات بعدها يأتي: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . إذاً: فتش عن الآلاء والنعم في الآيات قبل قول الله تبارك وتعالى: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)). فهذه الجملة من النعم ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ [الرحمن:10]، فخلق الأرض واستقرارها والرزق الذي فيها، كل هذه الأشياء لماذا نحن نقصر في شكرها وهي نعم عامة، ونحن نتمتع بها؟! تخيل أن الله منع الله عنك الهواء، أو منع عنك الماء، فهل لأنها نعم عامة لكل البشر فنحن لن نستحضرها؟ تذكروا قصة ذلك الملك الذي أصيب باحتباس في البول وتألم لذلك جداً، حتى أتاه بعض العلماء وقال له: هذا الملك الذي أنت فيه الآن، كم تبذل في سبيل إخراج هذا الذي احتبس منك؟ قال: أبذل ملكي كله. انظروا جعل ملكه في كفة وتفريغ هذا البول في كفة أخرى. إذاً: كم من النعم ييسرها الله سبحانه وتعالى لنا صباح مساء، ولا نحس بقيمتها إلا حينما نفقدها، حاول مرة أن تغمض عينيك، وأن تمشي في الطريق بدون نعمة البصر، حتى تدرك قيمة نعمة البصر، ربما لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها لحظات، لكن تأمل لو أنك تمشي بدونها، كذا في كل نعمة تأمل لو أنك محروم منها، أو اجلس إلى من امتحنه الله بفقد البصر حتى تعرف مدى نعمة الله عليك، كثير منا مثل المسمار -ونعتذر عن هذا التشبيه- لا يتقدم حتى يُضرب على رأسه، فكثير منا لا يستقيم على طاعة الله سبحانه وتعالى ومرضاته إلا إذا ابتلي، أو حرم من النعمة بحيث ينتبه لقيمة هذه النعمة، فالنعم لا تعد ولا تحصى، وكما أشرنا هذه السورة حافلة بذكر النعم التي يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى ضرورة شكرها والتفكر فيها. قوله: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ الأنام قيل: هم الناس، وقيل: كل ذي روح، وقيل: الإنس والجن.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة التوبة [107-110] | 2819 استماع |
تفسير سورة المدثر [31-56] | 2621 استماع |
تفسير سورة البقرة [243-252] | 2584 استماع |
تفسير سورة البلد | 2567 استماع |
تفسير سورة الطور [34-49] | 2564 استماع |
تفسير سورة التوبة [7-28] | 2562 استماع |
تفسير سورة الفتح [3-6] | 2504 استماع |
تفسير سورة المائدة [109-118] | 2439 استماع |
تفسير سورة الجمعة [6-11] | 2412 استماع |
تفسير سورة آل عمران [42-51] | 2404 استماع |