خطب ومحاضرات
تفسير سورة الحجرات [13-18]
الحلقة مفرغة
يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]. (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى ))، أي: من آدم وحواء، أو من ماء الذكر من الرجال ومن ماء الأنثى من النساء، وفي ذلك إشارة إلى خلق كل بني آدم من ذكر وأنثى، أي أن كل مولود من بني آدم يأتي من أب وأم كما قال سبحانه وتعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:7-8]. فما منكم أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلي به الآخر سواءً بسواء، وما منكم أحد يقدم على أحد في عنصره أو في أصله، بل كلكم ترجعون إلى آدم، وآدم خلق من تراب. فلا وجه للتفاخر والتفاضل في الأنساب؛ لأن هناك وجه ارتباط بين هذا الخطاب في هذه الآية الكريمة وبين ما قبلها، فإنه سبحانه وتعالى بعدما نهى عن الغيبة وعن احتقار الناس بعضهم لبعض وسخرية بعضهم من بعض، نبه على أنه لا يسوغ لأحد أن يحتقر أخاه أو أن يسخر منه؛ لأنهم متساوون جميعاً في البشرية، فقال الله عز وجل: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )). فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب؛ لأن النسب ليس إرادياً وليس يملكه الإنسان، وإنما كل يدلي من حيث يدلي به الآخر إلى ذكر وأنثى وإلى آدم وحواء. (( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ))، قال الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: وجعلناكم متناسبين، فبعضكم يناسب بعضاً نسباً بعيداً، وبعضكم يناسب بعضاً نسباً قريباً، ليعرف بعضكم بعضاً في قرب القرابة منه وبعده، لا فضيلة لكم في ذلك وقربة تقربكم إلى الله، بل كما قال الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) أي: أشدكم اتقاءً له وخشية، بأداء فريضته واجتناب معاصيه، لا أعظمكم ملكاً ولا أكثركم عشيرة. فلما تساوى البشر كله في البشرية، ذكر الله سبحانه وتعالى أن ناساً إن كان بعضهم يتفاخر على بعض بنسب وحسب، فإن هذا لا اعتبار له عند الله سبحانه وتعالى، وإنما الاعتبار بالعمل الصالح والتقوى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه). (( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))، أي: بظواهركم وبواطنكم، وبالأتقى والأكرم وغير ذلك، لا تخفى عليه سبحانه وتعالى خافية.
ذكر التدرج في أسماء القبيلة حسب الكثرة والقلة
دلالة الآية على النهي عن التفاخر بالأنساب
ذكر الأدلة على تحريم التفاخر وأن التقوى ميزان التفاضل
حكى الثعالبي في فقه اللغة في تدريج القبيلة من الكثرة إلى القلة عن ابن الكلبي عن أبيه: أن الشعب أكبر من القبيلة، ثم يليها العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وعن غيره قال: الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العشيرة، ثم الذرية، ثم العشرة، ثم الأسرة. وقال الشيخ ابن بري : الصحيح في هذا ما رتبه الزبير بن بكار وهو الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة. وقال أبو أسامة : هذه الطبقات على ترتيب خمس الإنسان، فالشعب أعظمها مشتق من شعب الرأس، ثم القبيلة من قبيلة الرأس باجتماعها، ثم العمارة وهي الصدر، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة وهي الساق. وزاد بعضهم العشيرة، فقال: اقصد الشعب فهو أكثر حـي عدداً في احتواء ثم القبيلة ثم يتلوهما العمارة ثم الـ بطـن والفخذ بعدها والفصيلة ثم من بعدها العشيرة لكـن هي في جنب ما ذكرنا قليلة فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة. وسميت الشعوب لأن القبائل تتفرق منها، والشعوب جمع شعب بفتح الشين. وفي هذه الآية الكريمة الاعتناء بالأنساب، وأنها شرعت للتعارف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعرفوا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)، فإذاً: هذه الآية تفيد الاعتناء بالأنساب والاهتمام بمعرفتها؛ لأن الهدف من تنوعها هو التعارف.
وفي الآية أيضاً ذم التفاخر بها قال تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))، فلا تتفاخروا بنسب التكريم عند الله بالتقوى. ففي الآية ذم التفاخر بالأنساب، وأن التقي غير النسيب يقدم على النسيب غير التقي، فيقدم الأورع في الإمامة على النسيب وغيرهما. وعن ابن وهب قال: سألت مالكاً عن نكاح الموالي العربية؟ فقال: حلال، ثم تلا هذه الآية: (( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ))، فلم يشترط في الكفاءة الحرية. وقال ابن كثير: استدل بالآية من ذهب إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط، ولا يشترط سوى الدين. وقد أشرنا مراراً إلى أن أمثال هذه التعبيرات الدقيقة للعلماء ينبغي ألا نتجاوز بها حدها، فقوله: واستدل بالآية من ذهب إلى أن الكفاءة لا تشترط في النكاح، ولا يشترط سوى الدين. يعني: أنها دليل لمن قال ذلك، ولكن تحقيق المسألة له موضع آخر، سواء كان هذا هو الراجح أو غيره، لكن هذه العبارات تأتي بصورة عابرة للإشارة إلى أن هذه قد استدل بها بعض العلماء على مسألة معينة. وقوله تبارك وتعالى: (( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ))، أفاد حصر حكمة جعلهم شعوباً وقبائل فيه، أي: إنما جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضاً: فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب، لا للتفاخر بالآباء والقبائل؛ فمعرفة الأنساب لها ارتباط وثيق جداً بأحكام الثوارت وغيرها، فجعلها الله كذلك لأجل هذه المنفعة وهذه الحكمة، وليس للتفاخر بالآباء والقبائل. فالحصر هنا مأخوذ من التخصيص بالذكر، فلما خص هذه الحكمة (لتعارفوا) بالذكر، دل ذلك على التخصيص، لأنه سكت عما عداه في معرض البيان، فهذا هو الذي أفاد الحصر في هذه الفائدة. وقال القاشاني : معنى قول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))، أي: لا كرامة بالنسب بتساوي الكل في البشرية المنتسبة إلى ذكر وأنثى، والامتياز بالشعوب والقبائل إنما يكون لأجل التعارف بالانتساب، لا للتفاخر فإنه من الرذائل، والكرامة لا تكون إلا بالاجتناب عن الرذائل الذي هو أصل التقوى، ثم كلما كانت التقوى أزيد نسبة كان صاحبها أكرم عند الله تبارك وتعالى، وأجل قدراً. فالمتقي عن المناهي الشرعية التي هي الذنوب في عرف ظاهر الشرع أكرم من الفاجر، وعن الرذائل الخلقية كالجهل والبخل والشره والحرص والجبن أكرم من المجترئ على المعاصي الموصوف بها.
روى البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا: ليس عن هذا نسأل، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسأل، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا). فقد يكون الإنسان غير مسلم لكن استعداداته الشخصية فيها خير، بحيث إذا عرض عليه الحق انقاد إليه ودخل في الإسلام بسبب هذه السمات الشخصية التي كان يتحلى بها في الجاهلية. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)، فهو يوسف عليه السلام ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومع ذلك لم ينتسب يوسف إلا بما فضله الله سبحانه وتعالى من الأخلاق الكريمة: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، لم يقل: إني أوتيت شطر الحسن ولم يفتخر بنسبه، وإنما زكى نفسه بما ميزه الله سبحانه وتعالى به: (( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )). وروى مسلم عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، فالعبرة عند الله سبحانه وتعالى، والحساب عند الله، والمفاضلة بين الناس لا تكون بالنظر إلى الصور ولا إلى الأعراض والأموال، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله). وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان). يعني: أن البشر جميعاً متساوون في البشرية والانتساب إلى آدم عليه السلام، ومقتضى هذا أنه لا يحق لأحد أن يفخر على أحد بنسب ولا حسب. قوله: (ولينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم)، في بعض الروايات: (لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم حطب جهنم)، فبعض الناس يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا على الكفر والعياذ بالله، فلا يجوز لمسلم أن يفتخر بآباء أو بأجداد ماتوا على الكفر كما سيأتي في الحديث أيضاً: يقول صلى الله عليه وسلم: (من انتسب إلى تسعة -يعني ممن ماتوا على الكفر- فهو عاشرهم في النار) أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله، فلا يجوز للمسلم إذا كرمه الله بالإسلام أن يفتخر بآبائه إذا كانوا مسلمين، فما بالك إذا كانوا كافرين، كما يفتخر بعض الناس بالقدماء المصريين المشركين الوثنيين. وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة: (أيها الناس! إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بالآباء، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله تعالى، ورجل فاجر هين على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ))). فغبية الجاهلية: يعني: افتخارهم بآبائهم، فهذه من سمات وأخلاق الجاهلية التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدميه، فقد خطب في حجة الوداع فقال: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي)، سواء كان حمية الجاهلية أو حكم الجاهلية، أو تبرج الجاهلية، أو ربا الجاهلية، أو ظن الجاهلية، وكل ما ينسب إلى الجاهلية وهو من خصائصها، فانظر كيف وضعهم النبي صلى الله عليه وسلم!
قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]. ذكر الأموال لحرص الإنسان عليها، فإن ماله شقيق روحه، ومعنى قوله: (( وَجَاهَدُوا ))، أي: بذلوا الجهد، فجاهدوا العدو أو النفس والهوى. (أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، أي: الذين صدقوا في ادعاء الإيمان؛ لظهور أثر الصدق على جوارحهم، وتصديق أفعالهم وأقوالهم. وفيه تعريض بكذب أولئك الأعراب في ادعائهم الإيمان وإفادة للقطع، أي: هم الصادقون لا أولئك، فإيمانهم إيمان صدق وبر. وفي الآية دليل على أن الأعمال من الإيمان، وهذا مما لا خلاف فيه بين السلف. وقوله تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ )) فيه إشارة إلى الإيمان المعتبر الحقيقي، وهو اليقين الثابت في القلب، الذي لا ارتياب معه، لا الذي يكون على سبيل الخطر، فالمؤمنون هم الموقنون الذين غلبت ملكة اليقين قلوبهم على نفوسهم، ونورتها بأنوارها، حتى تأثرت بها الجوارح، فلم يمكنها إلا الجزم بحكمها، والتفاخر بهيئتها، وذلك معنى قوله: (( وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) أي: بعد نفي الارتياب عنهم؛ لأنه لا يمكن أن يبذل الإنسان ماله ونفسه في سبيل شيء وهو يشك فيه؛ لأنه إذا مات سوف يلقى الله، فإذا لم يكن على يقين بأنه على الحق بهذا الإيمان؛ فكيف يخاطر بنفسه وبماله؟! فإذاً: هذه ثمرة هذا اليقين: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا )) ، فإذا كانوا على هذه الدرجة من اليقين والبراءة من الريبة والشك، فهؤلاء تطاوعهم أنفسهم في أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله تبارك وتعالى.
قال تبارك وتعالى: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحجرات:16]. أي: قل لهؤلاء الأعراب القائلين بأفواههم آمنا، (( أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ ))، أي: أتخبرونه بقولكم آمنا لطاعتكم إياه؛ لتكونوا مع المؤمنين عنده، ولا تبالون بعلمه بما أنتم عليه، وهو علام الغيوب. فهي من التعليم بمعنى الإعلام والإخبار (( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ )) أي: أتخبرون الله بدينكم، (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) . وهذا فيه تجهيل لهم وتوبيخ؛ لأن قولهم: (آمنا) إن كان إخباراً للخلق فلا دليل على صدقه، وإن كان للحق تعالى فلا معنى له؛ لأنهم كيف يعلمونه وهو العالم بكل شيء؟! كما قال: (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )). فهذا تقديم من الله إلى هؤلاء الأعراب بالنهي عن أن يكذبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم، يقول: الله محيط بكل شيء عالم به،فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائركم، فتنالكم عقوبته، فإنه لا يخفى عليه شيء.
قال الله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]. ثم أشار تبارك وتعالى إلى نوع آخر من جفائهم مختوماً بتوعدهم، فقال تبارك وتعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ)، أي: أن انقادوا وكثروا سواد أتباعك. وكلمة (أسلموا) تعني الأعراب، فالمقصود الإسلام الظاهر، وهو الانقياد باللسان والجوارح دون القلب، أي: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنهم انقادوا وكثروا سواد أتباعك. (( قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ )) أي: لا تمنوا علي بإسلامكم، إذ لا ثمرة منه إلي، فإنكم لو أسلمتم فأنا لا أنتفع بهذا، مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ [الإسراء:15] ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)، يعني: إن كنتم صادقين في قولكم (آمنا) ففي هذه الحال تكون المنة لله عليكم؛ لأنه هو الذي هداكم للإيمان، لكن علم الله من قلوبكم أنكم كاذبون لاطلاعه على الغيوب.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحجرات:18]. أي: إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب، والداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه، والداخل فيه رهبة من الرسول وجنده، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم، فإن الله لا يخفى عليه شيء في خبايا السماوات والأرض.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة التوبة [107-110] | 2819 استماع |
تفسير سورة المدثر [31-56] | 2621 استماع |
تفسير سورة البقرة [243-252] | 2584 استماع |
تفسير سورة البلد | 2567 استماع |
تفسير سورة الطور [34-49] | 2564 استماع |
تفسير سورة التوبة [7-28] | 2562 استماع |
تفسير سورة الفتح [3-6] | 2504 استماع |
تفسير سورة المائدة [109-118] | 2439 استماع |
تفسير سورة الجمعة [6-11] | 2412 استماع |
تفسير سورة آل عمران [42-51] | 2404 استماع |