خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60519"> سلسلة تفسير القرآن الكريم.
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة الأعراف [65-72]
الحلقة مفرغة
قال تبارك وتعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف:65]: قوله تعالى: ((وإلى عاد)) متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى: (أرسلنا)، في قصة نوح، فالمعنى: وأرسلنا إلى عاد. وعاد قبيلة كانت تعبد الأصنام، وكانت ذات بسطة وقوة، قهروا الناس بفضل هذه القوة، وفي كتاب الأنساب، عاد هو: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، كان يعبد القمر، ويقال: إنه رأى من صلبه وأولاد أولاده أربعة آلاف، وأنه نكح ألف جارية، وكانت بلادهم إرم المذكورة في القرآن، وهي من عمان إلى حضرموت. ومن أولاده شداد بن عاد صاحب المدينة المذكورة، كذا في تاج العروس. وقال ابن عرفة : قوم عاد كانت منازلهم في الرمال وهي: الأحقاف، جبال من الرمال المستطيلة، وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ [الأحقاف:21]، في جنوب الجزيرة العربية، ما بين عمان إلى حضرموت. وقال ابن إسحاق : الأحقاف: رمل فيما بين عمان إلى حضرموت. ((وإلى عاد أخاهم هوداً)) يعني: أخاهم في النسب، وليس أخاً لهم في العقيدة وفي الإيمان، ولكنه أخاهم في النسب؛ لأنه منهم في قول النسابين. وقيل: الناس كلهم إخوة في النسب؛ لأنهم ولد آدم وحواء، فالمراد أخاهم هوداً يعني صاحبهم هوداً، وواحد من جملتهم، كما يقال: يا أخا العرب! والمقصود واحد من العرب، وإنما قال: ((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)) إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى أرسل إليهم رسولاً منهم من أنفسهم، لأنهم أفهم لقوله من قول غيره، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله، وأرغب في اقتفائه، فربما إذا كان من قبيلة أخرى يستنكفون عن أن ينقادوا إليه. وأشار الحافظ ابن كثير إلى أن مساكنهم كانت في اليمن، فإن هوداً عليه السلام دفن هناك، وقال: إنهم كانوا يأوون إلى العمد في البر، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [الفجر:6-7] يعني: مدينة إرم، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:8] وذلك لشدة بأسهم وقوتهم، كما قال تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15]. ولذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه كما قال تعالى: ((يَا قَوْمِ)) أي: قال هود: يا قوم! أي: ما دمت أنا منكم وأنتم مني وما دمتم أنتم قومي فحقكم أن تكونوا مثلي في الإيمان وأن توافقوني. (اعبدوا الله) أي: وحده. (مالكم من إله غيره أفلا تتقون) أي: أفلا تخافون عذابه.
قال تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:66-67]. (في سفاهة) يعني: خفة علم وسخافة عقل، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر، وجعلت السفاهة ظرفاً (في سفاهة) على طريق المجاز، يعني: كأنه غرق ودخل في هذه السفاهة، يريدون أنه عليه السلام متمكن من هذه الصفة، غير منفك عنها، حتى كأنها تحيط به وهو في داخلها. (وإنا لنظنك من الكاذبين) أي: في ادعائك الرسالة، إذ استبعدوا أن يرسل الله أحداً من أهل الأرض إليهم، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:67] يعني: رسول من رب العالمين إليكم، لإصلاح أمر نشأتكم يعني: هذه النشأة في الدنيا، وأيضاً في النشأة الآخرة. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68] أي: ناصح لكم فيما آمركم به من عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأمين على تبليغ الرسالة لا أكذب فيها.
قال تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف:69]. يقول هود عليه السلام لقومه: ((أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ)) يعني: ينذركم أيام الله ولقاءه عز وجل، يعني: لا تعجبوا من هذا، ولكن احمدوا الله على هذه النعمة. ((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)) أي: خلفتموهم في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكاً بعدهم. إما خلفاء بمعنى: كما يخلف الملك الملك الآخر، فأنتم الملوك بعد قوم نوح عليه السلام، أو خلفاء بمعنى: خلفتموهم في مساكنهم، كما قال تعالى: وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ [إبراهيم:45]. ((وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً)) أي: قامة وقوة. ((فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ)) يعني: اذكروا آلاء الله في استخلافكم وبسطة أجرامكم -يعني: أجسامكم- وما سواهما من عطاياه لتخصصوه بالعبادة ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)) أي: تفوزون بالفلاح. قال الزمخشري: في إجابة الأنبياء عليهم السلام من نسبهم إلى الضلال والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم: أدب حسن وخلق عظيم، إشارة إلى حسن خلق الأنبياء عليهم السلام، وصبرهم على أذى قومهم، وعظم حلمهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. وقد سبق ما ذكره الله في مسلك نوح مع قومه، لما دعاهم إلى الله سبحانه وتعالى، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأعراف:60]، فكان الجواب: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف:61] وما قال لهم: أنتم أهل الضلال، وإن كان يعلم أنهم الضلال، ومتمكنون في صفة الضلال، لكن قال: (( وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:61-62]. كذلك هنا قال قوم هود لهود عليه السلام: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]. ففي جواب الأنبياء بالكلام الصادر عن الإغضاء والحلم، وترك المقابلة بما قالوا لهم بالمثل، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم، في ذلك كله أدب حسن وخلق عظيم، وحكاية الله عز وجل ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء، وكيف يغضون عنهم، ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم، يعني: أن تستر على السفيه حتى وإن آذاك وتتغاضى، كما قال الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبـني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني لأن الانشغال بالدفاع عن الذات وبرد هذه السفاهات، وهذه السباب والشتائم، ليس من شأن صاحب الحق، فإنه يريد التمكين لحقه وتوضيحه وبيانه، ولا يريد الانتصار لنفسه، بل لا يفكر في الانتصار لنفسه، وإنما يتألم لما هم عليه من الضلال. وفي ذلك كمال النصح والشفقة، وهضم النفس، وحسن المجادلة، فإذاً كأن الله سبحانه وتعالى بحكاية هذا الكلام وهذه المواقف بين الأنبياء وقومهم يعلمنا أنه ينبغي لكل ناصح ألا يثأر لنفسه، أو يغضب لنفسه، وإنما يكون كل همه وجل ما يعنيه هو تبليغ الرسالة وإيضاح الحق. وهذا أوضح ما يكون أيضاً في مناظرة موسى مع فرعون، خاصة في أوائل سورة الشعراء، ترى العجب من إغراق فرعون في السفاهة والجهالة والضلالة والكفران، وتمكن موسى عليه السلام من العلم والحجة والبصيرة، فكلما رد بحجة قابله فرعون بالسفاهة أو بالتهديد أو بالأذى، كما هو معلوم لمن يراجع أوائل سورة الشعراء.
الكلام على ما ينقل من ضخامة عاد ومدينتهم
أيضاً هنا تنبيه يتعلق بقول الله تبارك وتعالى: (( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ))، يقول القاسمي رحمه الله تعالى: لا يعتمد على ما يذكره بعض المؤرخين المولعين بنقل الغرائب، دون أن يضعوا هذه الأخبار على محك النظر والنقد والتمحيص، كالمبالغة في طول قوم عاد، لأن الله سبحانه وصف قوم عاد بقوله عز وجل: ((وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً))، فترى بعض هؤلاء يحكون حكايات غريبة في ضخامة أجسام قوم عاد وطول قامتهم، وأن أطولهم كان مائة ذراع، وأقصرهم كان ستين ذراعاً. فإن ذلك لم يقم عليه دليل عقلي ولا نقلي وهو وهم. لكن عندنا دليل حسي على ذلك، وسنبينه إن شاء الله. فقوله جل شأنه مخاطباً لقوم عاد: ((وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً)): لا يدل على ما أرادوا، وإنما يدل على عظم أجسامهم وقوتهم وشدتها. ونحن الآن في هذا العصر الذي نعيشه، نرى أن الإنسان القصير لا تنقص قامته عن مقدار معين، ومهما زاد الإنسان في عظم خلقته، فبعض الأجناس وبعض الشعوب مشهورون بضخامة جثثهم، لكن لها حد محدود، فلا نرى الرجل الآن طوله مثلاً خمسة أمتار، فإن هذا لا يقع، ولكن نرى حدوداً معينة للأطوال بحد أقصى لا يزيد عنها، فمهما زاد الإنسان في الجسم بسطة ومد الله له في قامته فإن له حداً لا يزيد عليه، فمثل هذه المبالغات مما لا يقبل، فمجرد قوله تعالى: ((وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً)) لا يسوغ لنا أن نقبل أي شيء يروى فيما يتعلق بضخامة أجسام هؤلاء القوم. فالتفاوت بين الشعوب والأمم في أطوال الجسم وأحجامها من الأمور المعتادة، فإن الأمم ليست متساوية في ضخامة الجسم وطوله وقوته، بل تتفاوت لكن تفاوتاً قريباً، ومما يدل على أن أجسام من سلف كأجسامنا لا تتفاوت عنها تفاوتاً كبيراً: مساكن ثمود قوم صالح الباقية، وقوم ثمود مقاربين لقوم عاد، ومساكن قوم ثمود ما زالت حتى الآن ماثلة ومعروفة في ديار ثمود قوم صالح في الطريق الذاهب إلى تبوك في الجزيرة العربية، وهي كتل من الجبال منحوتة من الداخل، فقد كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً، فالجبل وهو كتلة من الصخر ضخمة جداً، أو كتل متلاصقة، فكانت الجبال تفرغ من الداخل عن طريق النحت، وليس مجرد نحت الزخارف كما كان يفعل قدماء المصريين، فإنكم ترون في صور معابد أبي سنبل وغيرها، أنهم ينحتون التماثيل في الجبل، لكن هؤلاء كانوا يجوفون البيت من الداخل، فالسلالم والحجر والدواليب والأرفف، كلها أشياء لا تركب، وإنما هي منحوتة في الجبال! فهي مناظر تدل على عظم بأس هؤلاء القوم، وشدة تمكنهم في هذه الأشياء، لكن مع ذلك نلاحظ أن قاماتهم تدل عليها الحجرات وارتفاعاتها، وهذه الأشياء تدل على أن قامتهم كانت معتدلة، وليست بالطول البالغ إلى الحد الذي سنحكيه الآن. ومثله في الكذب، بل أعرق منه في الوهم: ما ينقلونه في وصف عوج بن عنق الجبار ملك بيسان، من أنه كان يحتجب بالسحاب، يعني: إذا وقف فإن جسمه يحجب بالسحاب، أي أن السحاب يصل إلى صدره إذا وقف!! يقف فيصل للسحاب ويشرب منه مباشرة!! ويتناول الحوت من أعماق البحار فيشويه بعين الشمس!! فهذا كله كلام لا يصدق، وهو من الغلو، والسبب في انتشار مثل هذا الكلام ما أولع به بعض المؤرخين من الحكايات الغريبة التي يأنس لها جهلة الناس وعوامهم دون نقد ودون تمحيص. ثم إنه لو كان يريد أن يشوي السمكة فإن درجة الحرارة تكون على سطح الأرض أعلى منها على الجبال؛ ولذلك تجد دائماً أن الجليد يكون في قمم الجبال. وقد أنكر العلامة ابن خلدون جميع ذلك في مقدمة تاريخه، وأبان أن الذي أدخل الوهم على الناس في طول الأقدمين، هو ما يشاهدونه من بعض آثارهم الجسيمة، ومصانعهم العظيمة، كأهرام مصر وإيوان كسرى، فيتخيلون لأصحابها أجساماً تناسب ذلك. والحال أن عظم هذه المصانع والآثار في أمة من الأمم ناشئ عن عظم ذواتها، واتساع ممالكها، وقوة شوكتها، ونماء ثروتها، واستعانتها بالماهرين في فن جر الأثقال، فإنه يقوم بحمل ما تعجز القوى البشرية عن عشر معشاره. وأنكر أيضاً ما ينقلون من قصة جنة عاد، وأنها مدينة عظيمة، قصورها من ذهب، وأساطينها من الزبرجد والياقوت، وفيها أصناف الشجر والأنهار المطردة، وأنها بنيت في مدة ثلاثمائة سنة في صحاري عدن بناها شداد بن عاد، ولما تم بناءها أرسل الله على أهلها صيحة، فهلكوا كلهم، وأن اسم هذه المدينة: إرم ذات العماد، وأنها المشار إليها بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8]. ويزعمون أنها لم تزل باقية في بلاد اليمن، وإنما حجبت عن الأبصار، وحيث إن ذلك لم يرو عن الصادق الأمين فلا نعول عليه ولا نلتفت إليه. صحيح أنه إذا لم يرد شيء في مثل هذا عن الصادق الأمين عليه السلام فلا نعول عليه، لكن لا يمنع أن يكتشف شيء من هذه الأشياء التي كانت محجوبة، ولا يمنع في مثل هذا المقام أن ننقل عن مجلة نيوزويك سبعة عشر فبراير، سنة اثنين وتسعين، صفحة ثمانية وثلاثين، نشرت خبراً غريباً جداً، يقول: إن القرآن يصف كيف أن الأرض ابتلعت مدينة مترفة أو باذخة فيها ترف جامد، ولكنها مدينة مهدمة أو مخربة، وهي مدينة الأبراج، وتدعى إرم، هذا نص عبارة مجلة النيوزويك، وهذا جزء كان من تحليل كبير يتكلمون فيه على اكتشاف، يقولون إنه عن طريق الأقمار الصناعية، استطاع الخبراء ومجموعة من الأخصائيين والمتمرسين في التكنولوجيا الحديثة، ومجموعة من علماء طبقات الأرض، أن يكتشفوا هذه المدينة القديمة في عمان، في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، ورجل يدعى نيكولاس كلاس عمل فيلماً وثائقياً عن البعثة التي ذهبت إلى هناك، والتي درست هذه المنطقة، سواء عن طريق الأقمار الصناعية أو الطبقات الجيولوجية. فيقول في النيوزويك: فالزيجرد -وكأنه يذكر طريقة تصوير ببعض الأجهزة الحديثة تكشف عما تحت الأرض- كان يرى حالياً مركز المدينة المرتطمة أو المحطمة، كما وصفها القرآن، هذه عبارتهم: كما وصفها القرآن؛ لأنها كانت بنيت فوق كذا وكذا ... وحقيقة المقالة كلها فيها أن القرآن أعطانا الحق عن هذه المدينة التي تدعى: عاد، وبقيت هناك علامات كثيرة حتى تأتي لهؤلاء، يعني: أن الله سبحانه وتعالى أبقى آثار هذه المدينة لمن يتفكرون ويؤمنون بوحدانية الله سبحانه وتعالى. وهذا يعني أنهم ربطوا بين هذا الاكتشاف الحديث وبين آيات القرآن الكريم التي تثبت وجود هذه المدينة، التي كانت بهذه الضخامة، التي حكاها الله سبحانه وتعالى في القرآن، واقتبسوا من القرآن الكريم تراجم لمعاني القرآن الكريم، يجمعون بينها وبين هذا البحث، وهي موجودة في النيوزويك مجازيم، سبعة عشر فبراير، سنة ألف وتسعمائة واثنين وتسعين، صفحة ثمانية وثلاثين. يقول: وأغلب المولعين بنقل مثل هذه الغرائب المصطنعة هم المؤرخون الذين يعتمدون على أخبار بني إسرائيل ويقلدونهم من غير برهان ودليل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ثم أخبر تعالى عن تمرد عاد وطغيانهم على هود عليه السلام بقوله سبحانه وتعالى: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ [الأعراف:70-71]. ((قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ)) أي: لنخصه بالعبادة. ((وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا)) يعني: من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى: ((أَفَلا تَتَّقُونَ)) لأنه كان يتوعدهم: فهنا قالوا: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا))، والذي تأمرنا بأن نتقيه من عذاب الله. ((إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)) يعني: في الإخبار بنزول العذاب. ((قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ)) أي: عذاب. والرجس بالسين والرجز بالزاي بمعنىً، حتى قيل: إن أحدهما مبدل من الآخر، كالأسد والأزد، وأصل معنى الرجس أو الرجز: الاضطراب، يقال: رجست السماء يعني: رعدت رعداً شديداً وتمخضت، وهم في مرجوسة من أمرهم يعني: في اختلاط والتباس. ثم شاع استعمال الرجس أو الرجز في العذاب؛ لأن العذاب إذا حل بقوم اضطربوا وماتوا. وادعى بعضهم أن الرجس بمعنى العذاب مجاز؛ لأنه حقيقته في الشيء القذر فاستعير لجزائهم، وظاهر اللغة أنه حقيقة وليس بمجاز، ووجه التعبير بالمضي عما سيقع: تنزيل المتوقع كالواقع، أي: كأنه قد وقع بالفعل وصار يخبر عنه بصيغة الماضي، كما في قوله تبارك وتعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]. ((وغضب)) أي: سخط؛ لإشراككم معه من هو في غاية النقص في أعلى كمالاته التي هي الإلهية. (( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ))[الأعراف:71] يعني: في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، وليس لها حقيقة؛ لأنكم تسمونها آلهة، ومعنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده، وهذا كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت:42] يعني: هي كالعدم. وقال الشهاب : جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، فعبر عن الأصنام بكلمة أسماء، كما يقال لما لا يليق: ما هو إلا مجرد اسم، فالمعنى أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها، فتوجه الذم للتسمية الخالية عن المعنى، والضمير حينئذ راجع إلى أسماء. ((مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ)) أي: حجة ودليل، يعني: لم يقم دليل وحجة على تسميتها آلهة؛ لأن المستحق للعبودية ليس إلا من أوجد الكل، وإنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى، إما بإنزال آية أو نصب حجة، وكلاهما مستحيل، فتحقق بطلان ما هم عليه. ((سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ)) أي: لو كانت تستحق الإلهية وليست مجرد أسماء عارية عن الحقيقة؛ لأنزل الله آية أو دليلاً أو حجةً أو برهاناً يؤكد إلهيتها، فلما لم يقع شيء من ذلك، بل مستحيل أن يقع، تحقق بطلان ما أنتم عليه. ودلت الآية على كساد التقليد حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم: ((سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)) أي: تقليداً لآبائكم. وتدل على أن المعارف مكتسبة. وتدل على بطلان كل مذهب لا دليل عليه لقوله: ((مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ)). ويدل قوله: ((أَتُجَادِلُونَنِي)) على أن المبطل مذموم في جداله، والواجب عليه النظر ليعرف الحق، وأن يتأمل ويتحرى ويبحث عن الحق بتجرد وإنصاف، لا أن يجادل عن الباطل الذي هو عليه. وبين تعالى أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة، من غير دليل يدل على تحقيق المسمى، وإسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهار لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم. ((سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)) هذا إشارة إلى غاية الجهالة وفرط الغباوة منهم وآبائهم. ((فَانتَظِرُوا)) أي: نزول العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه بقولكم: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [الأعراف:70] لأنه وضح الحق، وأنتم مصرون على العناد، فلم يبق إلا انتظار العذاب الذي تستعجلون، ولذلك قال لهم: فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ [الأعراف:71] أي: لما يحل بكم، فجاء منتظرهم بحيث لم ينجُ منهم بمجرى العادة أحد، وجعل هلاكهم بالريح التي تتقدم الأمطار لكفرهم برياح الإرسال.