من أقوال السلف في الاستفادة من الوقت
مدة
قراءة المادة :
20 دقائق
.
من أقوال السلف في الاستفادة من الوقتالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالصحة والفراغ من أكبر نِعَم الله عز وجل على عبده، ومع ذلك فكثيرٌ من الناس مغبونٌ فيهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعْمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ))؛ [أخرجه البخاري].
يقول العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: كثيرٌ من الناس تضيع صحتُه بغير فائدة، وفراغه في غير فائدة، صحيح الجسم معافًى في بدنه، وعنده فراغ؛ ولكن لا يستعمل ذلك فيما ينفعه، وفيما يُقرِّبه من الله، وفيما ينفعه في الدنيا، فهذا مغبونٌ في هاتين النعمتينِ؛وإنما ينبغي للمؤمن أن يستغلَّ هذه النعمة فيما يُرضي الله، وفيما ينفعه، في التجارة وأنواع الكسب الحلال والاستكثار من الصوم والصلاة، والذكر والطاعات، وعيادة المرضى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله عز وجل، إلى غير هذا من وجوه الخير، فالمؤمن يشغلهما بما يُرضي الله وبما ينفعه في دنياه من الحلال، فإذا ترك هاتين النِّعْمتينِ ولم يستعملْهما فيما ينفعه فقد غبن.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: أشار بقوله: ((كثيرٌ من الناس)) إلى أن الذي يُوفَّق لذلك قليل.
فطوبى لمن كان من القليل المغبوطين، الذين استغلُّوا وقتهم وصحتَهم فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودُنْياهم، وتعزيةً لمن كان من المغبونين، ممن ضاعت أوقاتهم في معصية الله، قال الحافظ ابن حجر: الدنيا مزرعةُ الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحُها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحَّتَه في طاعة الله فهو المغبوط...ومن استعمل فراغه وصحتَه في معصية الله فهو المغبون.
الوقت أمانة، ينبغي على المسلم أن يستفيد منه، ولا يُضيِّعه، ومَن ضيَّعه ندم، جاء في المختصر في التفسير، في فوائد الآيات من سورة فاطر، [ص:438]: الوقت أمانة يجب حفظها، فمن ضيَّعها ندم حين لا ينفع الندم.
ومع هذا فأكثر الناس لا يعرفون قيمة الوقت؛ بل إن البعض يُضيِّعه فيما لا ينفع، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا! إن طال الليل فبحديث لا ينفع...وإن طال النهار فبالنوم، فعلمت أن الله تعالى لم يُطلِع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلَّا مَن وفَّقه وألهمه اغتنام ذلك ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].
إن عدم استفادة المسلم من وقته أمرٌ كرهه السلف، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى الرجل فارغًا لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته.
كما ينبغي للمسلم عدم تضيع وقته الذي هو رأس ماله في لهو ولعب، قال محمد بن عبدالباقي الحنبلي رحمه الله: ما أعرف أني ضيَّعت ساعةً من عمري في لهو أو لعب.
لقد كان للسلف هِمَمٌ عاليةٌ في الاستفادة من أوقاتهم فيما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، دخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك، فقال: أصدقكم كنتُ أقرأ، فتركتُ القراءة لأجلكم.
ووصَّى بعضُ السلف أصحابه، فقال: إذا خرجتم من عندي فتفرَّقوا، لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم.
لقد بلغ من حرص السلف على أوقاتهم، أن قسَّموا ليلَهم إلى ثلاثة أجزاء: جزء للتصنيف، وجزء لقراءة القرآن، وجزء للنوم، وممَّن ذُكِر في سِيَرِهم أنهم يفعلون ذلك: الإمام محمد بن محمد الحجاج، والإمام القاسم بن سلام، والإمام الشافعي، والإمام عمرو بن دينار، والحافظ جعفر الحصيري، والحافظ أبو النضر الطوسي، رحمهم الله.
فبَوْنٌ شاسعٌ، وفرق كبير، بين حالنا وحالهم، فكم تضيع أوقات الكثيرين منا في غير فائدة! قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: فكم يُضيِّع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال: سبحانَ الله العظيم وبحمده، غُرِسَتْ له بها نخلةٌ في الجنةِ)).
فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يُضيِّع منه لحظةً في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيَّتُه في الخير قائمة.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: أعزُّ مال الإنسان عمره، والعجب أن العمر هو أرخص ما يهتمُّ به الإنسان! فتجده يبخل بالدرهم والدينار؛ ولكنه لا يبخل بالساعات الكثيرة التي تذهب من عمره بلا فائدة، مع أن العمر أغلى، كما قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ولم يقل لعلِّي أتَّجر فيما تركتُ حتى أربح، بل قال: ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ حتى لا يضيع عليَّ بلا فائدة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فإضاعة الوقت من باب أولى.
فاحرص أخي المسلم أن تكون من أولئك- وفَّقك الله لكل خير- وأكبر معين للمسلم على الاستفادة من وقته بعد توفيق الله جل وعلا له أن يُوقِن أن الموت سيقطعه عن العمل الصالح الذي بإمكانه الآن القيام به ما دام حيًّا يُرزَق، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: إذا علم الإنسان...بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته...فذلك الذي لم يمت "قد ماتَ قومٌ وهم في الناس أحياء".
للسلف أقوال في الاستفادة من الوقت، يسَّر الله الكريم، فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
إضاعة الوقت من أعظم الإضاعات:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أعظم هذه الإضاعات إضاعتان هُما أصلُ كُلِّ إضاعةٍ: إضاعة القلب، وإضاعة الوقت.
إضاعة الوقت أشدُّ من الموت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إضاعةُ الوقت أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
من علامة محبة الله عز وجل: التأسُّف لفوات الوقت في غير ذكره وطاعته:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: علامات محبة العبد لله تعالى: أن يعظم تأسُّفه على فوت كل ساعة خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته.
من علامة سعادة العبد حرصه على وقته:
• قال أبو علي الحسن الجوزقاني رحمه الله: من علامات سعادة العبد مراعاته لأوقاته.
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ثم تبرق له بارقة أخرى، يرى في ضوئها عزة وقته، وخطره وشرفه، وأنه رأس مال سعادته، فيبخل به أن يُضيِّعه فيما لا يقربه إلى ربِّه، فإن في إضاعته الخسران والحسرة والندامة، وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة، فيشحُّ بأنفاسه أن يُضيِّعها فيما لا ينفعه يوم معاده.
الذنوب والمعاصي من أسباب ضياع الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إضاعة الوقت، ومحق البركة في الرزق والعمر، أمور تتولَّد من المعصية والغفلة عن ذكر الله.
طول الأمل من أسباب إضاعة الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إضاعة الوقت من طول الأمل.
غفلة القلب عن ذكر الله من أسباب ضياع الوقت:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: إذا رأيتَ من نفسك أن أوقاتك ضائعةٌ بلا فائدة، فيجب عليك أن تُلاحظ قلبك، فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذِكر الله تعالى، ولو نظرتَ فيما سبَق من التاريخ كيف أنتج العلماء رحِمهم الله ما أنتجوا من المؤلفات، ومِن فطاحل العلماء الذين تخرَّجوا على أيديهم في أوقات قد تكون أقلَّ مِن الوقت الذي عِشتَه أنت، وذلك بسبب ما ملأ الله تعالى به قلوبهم من ذكره، حتى صارت أعمارُهم لا يضيع منها لحظةٌ واحدةٌ، فعليك أن تَنتبهَ لمرض قلبك، وأن تُبادِر بمُداواته.
الاشتغال بالناس يُضيِّع الوقت:
• قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الاشتغال بالناس يُضيِّع المصالح النافعة، والوقت النفيس.
• قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: كثيرٌ من الناس يُشغِل وقته بالحكم على الناس، وذكر معايبهم، وقد يحصل من هذا إشكالات كثيرة، فتجد غالب وقته: فلان مبتدع، وفلان كذا فيه.
قرناء السوء من أسباب ضياع الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الابتلاء بقرناء السوءِ الذين يُفسِدون القلب ويُضيِّعون الوقت...
ولهذا أوصى بعض الشيوخ، فقال: احذروا مخالطة من تُضيِّع مخالطتُه الوقتَ، وتُفسِد القلب، فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب، انفرطت على العبد أموره كلها، وكان ممن قال الله فيه: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
كثرة النوم يُضيِّع الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كثرة النوم تُميت القلب، وتثقل البدن، وتضيع الوقت.
الاجتماع بالإخوان على مؤانسة الطبع من أسباب ضياع الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرَّتُه أرجحُ من منفعته، وأقلُّ ما فيه أنه يُفسِد القلب ويُضيِّعُ الوقت.
كل آفة سببها ضياع الوقت:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كل آفة تدخل على العبد فسببُها ضياع الوقت، وفساد القلب، وتعود بضياع حظِّه من الله، ونقصان درجته ومنزلته عنده.
الغيرة على الوقت أن يذهب في غير رضى الله جل وعلا:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: غيرته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله، وكذلك يغار على أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رِضى محبوبه.
البركة في الوقت:
قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: الله تعالى قد ينزل البركة للإنسان في وقته، بحيث يفعل في الوقت القصير ما لا يفعل في الوقت الكثير، ومن أعظم ما يُعينك على هذا أن تستعين بالله عز وجل في جميع أفعالك، وإن أعانك الله فلا تسأل عما يحصل لك من العمل والبركة فيه.
اغتنام الوقت في طاعة الله عز وجل:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: كانت عين بصيرتي قوية الحِدَّة، تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة، وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات.
استغلال الوقت في طلب العلم:
• قال رجل لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن، في أي شيء أجعل فضل يومي؟ في تعلُّم القرآن أو في طلب العلم؟ فقال: هل تقرأ من القرآن ما تقيم به صلاتك؟ قال: نعم، قال: فاجعله في طلب العلم الذي يُعرف به القرآن.
• قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: إن خير ما قُطِع به الوقت، وشُغِلت به النفس، فتقرَّب به إلى الربِّ جلَّت عظمته، طلب علم أخرج من ظلمة الجهل إلى نور الشرع، وذلك الذي شغلتُ به نفسي، وقطعتُ به وقتي.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الوقت الوقت للتحصيل، فكن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر...فالحفظ على الوقت بالجد والاجتهاد، وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ، والاشتغال بالعلم قراءة وإقراءً، ومطالعةً، وتدبرًا، وحفظًا، وبحثًا، لا سيما في أوقات شرخ الشباب ومقتبل العمر، ومعدن العاقبة، فاغتنم هذه الفرصة الغالية لتنال رُتَب العلم العالية.
الاستفادة من الوقت في القراءة والبحث:
المحدِّث الشيخ الألباني رحمه الله، كان يذهب إلى المكتبة الظاهرية في دمشق بالشام، فيمضي فيها اثنتي عشرة ساعة، في القراءة والبحث، لا يتوقف عن ذلك إلا في أوقات الصلاة، وكان رحمه الله يتناول طعامه في المكتبة في كثير من الأحيان، حتى إن المسئولين عن المكتبة وافقوا على إعطائه مِفْتاحًا لها، فكان يأتي لها صباحًا قبل حضور الموظفين، ويبقى في المكتبة في بعض الأحيان إلى أن يصلي العشاء.
استغلال الوقت يحفظ الإنسان من الغيبة:
قال الغزالي رحمه الله: البواعث على الغيبة اللعب والهزل وتزجية الوقت بالضحك.
عمارة وقت غفلة الناس بالطاعة:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان)) فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة.
وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أن المنفرد بالطاعة عن أهل المعاصي والغفلة قد يُدفعُ به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويُدافع عنهم.
الاستفادة من وقت السحر، وعدم إضاعته بنوم أو لهو:
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: علامات محبَّة العبد لله تعالى: أن يُواظِب على التهجُّد، ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق...فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذَّ عنده، وأطيبَ من منجاة الله كيف تصحُّ محبَّتُه؟ وقال: إذا أحبَّ اللهُ تعالى أحب لا محالة التلذُّذ بالمناجاة، فتحمله لذةُ المناجاة على طول القيام.
• قال العلامة السعدي رحمه الله: كان خواصُّ المؤمنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربِّهم ومواهبه، فيقومون بعبوديته خاضعين خاشعين داعين متضرعين، يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم إياها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أن وعده حق.
• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال الله: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]، وقال: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، قال جماعة من أهل العلم من المحقِّقين: إن الاستغفار في هذا الوقت أفضل من قراءة القرآن، فإن قراءة القرآن أفضل بعامة؛ ولكن قد يعرض على الأوقات ما يجعل شيئًا فيها أفضل من قراءة القرآن، فما قبل الأذان بقليل، وما بعد الأذان إلى صلاة الفجر الأفضل فيها الاستغفار والدعاء، والتبتُّل إلى الله عز وجل، والخشوع، وأشباه ذلك من الذكر.
عدم إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه:
قال العلامة العثيمين رحمه الله:
الألعاب التي تُلهي كثيرًا، فيذهب الوقت وأنت لا تُحِسُّ به فتقتله، وفائدتها قليلة، فهذه حرام؛ لأنها تُذهِب أعزَّ ما على الإنسان، فإن أعزَّ مال الإنسان عُمُرُه، وإن العمر هو أرخص ما يهتمُّ به الإنسان.
مشاهدة المباريات فيها...
إضاعة للوقت...والوقت ثمين، وأثمن من المال ومن كل شيءٍ، فكلُّ وقت يمضي عليك في غير طاعة الله فهو خسارة.
ننصح إخواننا الذين تروقهم هذه المصارعة، ويضيعون عليها أوقاتًا طويلة في مشاهدتها...نقول لهم: إن الوقت أغلى من أن يفنى في هذا العبث الذي لا خير فيه.
لعب الورق: بعض العلماء يقول بتحريمه؛ لأنها تضيع الوقت وصاحبه لا يدري، والوقت ثمين أثمن من الدراهم، فلا تلعبها، قال شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله عن لعب الورق أنه حرام، والعلة فيه أنه يصُدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأن الذي ينغمس فيها قد يمُرُّ عليه الوقت بالساعات ولا يشعر به.
قراءة الشِّعر وكتابته والاستماع حسب ما فيه، فإن كان فيه خير، فهو خير، وإن كان فيه شر فهو شر، وإن لم يكن فيه لا هذا، ولا هذا، فإنه من اللغو الذي ينبغي أن يُنزِّهَ الإنسانُ نفسَه عنه، وكان عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا إذا مرُّوا باللغو مرُّوا كرامًا، فأرى ألا يُستمعُ إليه، ولا يهتم به ما دام ليس فيه نفع له؛ لأنه من لغو القول، وإضاعة الوقت بلا فائدة.
احرص أن تكون مكتبتُك خاليةً من الكتب التي ليس فيها خير، أو التي فيها شر، فهناك كُتبُ يقالُ لها كتب أدبٍ؛ لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة.
استغلال الوقت بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن وحفظه:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: أما الوقت فأحسن ما يكون في أول النهار إذا صليت الفجر أن تقرأ القرآن لتحفظه.
عدم ترتيب الوقت مضيعة له:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: عدم ترتيب الإنسان لوقته مضيعة؛ ولهذا أنا أدعو الجميع أن يجعلوا أوقاتهم مرتبةً، ومعنى مرتبة يعني مثلًا أن تقول: اليوم عملي كذا، وفي الصباح عملي كذا، وفي المساء عملي كذا، حتى لا تضيع عليك الأوقات...وأنا جربت هذا وهذا، جربت على أني كلما طرأ عليَّ شيء فعلته، أو أني أرتب وقتي، فوجدت أن الأخير أحسن وأنفع ويستفيد الإنسان من الوقت.
صور من حرص السلف على الاستفادة من أوقاتهم:
• قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: إني لا يحلُّ لي أن أُضيِّع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مُطالعة، أُعْمِل فِكْري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهضُ إلا وقد خطر لي ما أسطِّره.
• كان سليم بن أيوب بن سليم رحمه الله، لا يدع وقتًا يمضي بغير فائدة؛ إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ.
• الفقيه محمد بن المبارك بن الحسين بن إسماعيل رحمه الله، لا يقطع زمنه إلا بطاعة.
• قال الضياء تلميذ الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي رحمهما الله: كان شيخنا الحافظ رحمه الله لا يكاد يُضيِّع شيئًا من زمانه بلا فائدة، وقال أخوه الشيخ العماد: ما رأيتُ أحَدًا أشدَّ محافظةً على وقته من أخي.
• الإمام ابن الجوزي رحمه الله كان لا يُضيِّع من زمانه شيئًا.
• الموفق عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله، أوقاته مستغرقةٌ في العلم والعمل، وربما قُرِئ عليه بعد المغرب وهو يتعشَّى.
• الشيخ عبدالوهاب بن الأمين علي بن عبدالله بن عبيدالله بن سكينة رحمه الله، كانت أوقاته محفوظةً، فلا يمضي له ساعة إلا في قراءة أو ذِكْرٍ أو تهجُّدٍ أو تَسْمِيعٍ.
• الإمام أبو البقاء العكبري رحمه الله، كان محبًّا للاشتغال ليلًا ونهارًا، ما تمضي عليه ساعة بغير اشتغال، أو إشغال، حتى إن زوجته تقرأ له بالليل كُتُبَ الأدب وغيرها.
• الإمام النووي رحمه الله، كان لا يُضيِّع له وقتًا في ليل ولا في نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم حتى في ذَهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرير محفوظه أو مطالعة، قد صرف أوقاته كُلَّها في أنواع العلم والعمل، فبعضُها للتصنيف، وبعضُها للتعليم وبعضُها للصلاة، وبعضُها للتلاوة، وبعضُها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• الإمام عبدالوهاب بن علي الملجمي رحمه الله، كانت أوقاتُه محفوظةً، فلا تمضي له ساعةٌ إلا في قراءة، أو ذِكْر، أو تهجُّد، أو تسميع.
• الإمام يوسف بن حسن بن أحمد بن عبدالهادي الشهير بابن المبرد رحمه الله، أفنى عمره بين علم، وعبادة، وتصنيف، وإفادة.
• الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي رحمه الله، قطع زمانه بالإفتاء، والتدريس، والتحقيق والتصنيف.
• العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، كان وقت سماحتِه لا يضيعُ منه شيءٌ يُذْكَر؛ بل هو كلُّه في الخير من عِلْم وتعليم وقضاء وإفتاء، وعبادة وقيامٍ بمصالح المسلمين، والاهتمام بأمورهم وأخبارهم.
• الشيخ صالح بن علي الغصون رحمه الله يقرأ القرآن في أي وقت تَسنح فيه القراءةُ، ولو كان قصيرًا كما بين نزوله من السيارة إلى المنزل، وكان يُردِّد رحمه الله: إنني أريدُ أن يكون القرآن أنيسًا لي في القبر.
• الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، خصَّص الوقت من البيت إلى المسجد لمراجعة حِفْظِه من القرآن الكريم.
• الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان رحمه الله، سافر من مدينة الرياض إلى الطائف بالسيارة، فلما خرج من البنيان بدأ بقراءة الفاتحة، وعند دخول الطائف كان في آخر الخَتْمَة قرابة سبع أو ثماني ساعات وهو يقرأ.