دور المرأة في بناء المجتمع


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعــد:

أتوجه إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالدعاء أن يجعل هذا الدرس في ميزان أعمالنا يوم نلقاه، وأن يثيبنا عليه بخير الثواب، وأن يكتب لنا أجر ما نقول وما نعمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، إنه على ما يشاء قدير.

إن مما يجب علينا أن نعلمه: أن أعداء الله يخططون ليل نهار للقضاء على هذا الدين، ويسعون لإطفاء نور الله بأفواههم، ويجتهدون ويدأبون من أجل أن يبذروا في هذه الأمة بذور الشر والخلاف والفرقة؛ ليبعدوها عن الصراط المستقيم، وليمزقوها وليدمروا فيها القلوب والعقول؛ لكي تصبح الأمة الإسلامية أمةً ذليلةً منقادةً لشهواتها، فيقودونها كما تقاد الدابة من شهواتها إلى ما يريدون، وكما خطط لها الأعداء المتربصون بالإنسانية جميعاً.

هذه قضية يجب أن نعلمها، وأن نعدَّ العدة لنقاوم هؤلاء الأعداء، ونعلم مداخلهم التي منها يدخلون إلى مجتمعنا ليخربوه.

إن موضوع المرأة لمن أعظم ما ينبغي أن نعلمه وأن نعرفه.

قضية المرأة بين الماضي والحاضر

كانت القضية المتعلقة بالمرأة فيما مضى من العصور، قضية آداب وأخلاق وحياء، وهي قضية من قضايا الإيمان الواجب؛ بمعنى: أنه عندما كان العلماء والخطباء والوعاظ يتحدثون عما نسميه نحن اليوم موضوع المرأة- ولم يكن بهذا الاسم- كانوا يتحدثون من أجل الآداب والأخلاق في المجتمع المسلم، لكي لا تنتهك ولتبقى متماسكة.

ولكن الذي حصل في هذا الزمان، أن القضية لم تعد بهذه المثابة فحسب، وإنما هي قضية دين أو لا دين، بمعنى: هل نتبع القرآن كلام الله عز وجل ونتبع هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم نتبع ما عليه اليهود والنصارى، ونقول: إن ما جاء به القرآن قد عفا عليه الزمن ومضى وانتهى؟

فالقضية ليست قضية خلل في الأعمال، أعمال الإيمان، إنما هي خلل في أصل الإيمان، فقضيتنا قضية إيمان وعقيدة، وإن كانت في ظاهرها قضية اجتماعية؛ فالفتاة التي تتحجب في هذا الزمن، تتحجب عن إيمان ودين واعتقاد بأنها تطيع الله عز وجل وهذا هو الحق وأن ما عداه هو الباطل، لا ينظر إليه ولا يؤبه له.

وأما التي تتهتك، أو من يكتبون دعوات التهتك والتبرج والسفور، فإنهم -جميعاً- يقولون بلسان المقال أو بلسان الحال: إن هذا الدين قد استنفد أغراضه وقد عفا عليه الزمن، وقد ذهب إلى غير رجعة، وإنما الأمر اليوم أمر متابعة الغرب، وتقليد تلك المجتمعات المتطورة المتقدمة.

وكون القضية بهذا الشكل يجعلها أخطر مما يظن بعض المربين أو بعض الآباء أو الأمهات، عندما يظنون أن البنت وإن تحررت وإن تهتكت أو تبرجت، فإنها سرعان ما تعود بعد حين كما كانت النساء من قبل، فالفتاة قبل سن النضج ربما فعلت شيئاً من ذلك، ولكنها سرعان ما تعود.

والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن الأمر -الآن- موجه توجيهاً فكرياً يقصد به تحطيم هذه الأمة بتحطيم القاعدة الأساسية التي هي منبع التربية، والتي لا تكون العقيدة والأخلاق والفضيلة إلا من نبعها لأنها هي الأم، وإن مما يثيرونه ويبلبلون به أفكار الشباب قولهم: إن المرأة المسلمة ممتهنة أو مظلومة أو عاطلة عن العمل، وما أشبه ذلك من الدعاوى التي نراها على صفحات الجرائد والمجلات، وفي المحافل وفي كل مكان يستطيعون فيه أن يقولوا أمثال هذا الكلام.

فماذا يريدون به؟

أيريدون إنصاف المرأة؟!

أيريدون أن يرفعوا عنها الحيف والخوف؟!

أيريدون أن ينزلوها المنزلة التي تليق بها؟!

فلننظر إلى حال المرأة في ظل هذا الدين، وإلى حالها في ظل غيره.

مكانة المرأة عبر التاريخ

لسنا بحاجة إلى أن نستعرض قضية المرأة عبر التاريخ، ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا كان من حق الرجل أن يبيع زوجته، وقد حصل ذلك، ولم تكن المرأة تملك شيئاً حتى القرن العشرين، وإلى هذه اللحظة لا تزال دول أوروبية معروفة إلى اليوم بأنها لا تعطي المرأة حق الانتخابات، فهي ليست محسوبة من ضمن الشعب الذي يحق له أن ينتخب، وإلى هذه اللحظة لا تملك المرأة أن تستقل باسمها، وإنما بمجرد أن تتزوج أي زوج فإنها تصبح تابعة له بالاسم، وفي كثير من الدول لا يحق للمرأة أن تتملك شيئاً أبداً، فضلاً عن أنهم كانوا على حال أشد من ذلك فيما هو ثابت في نظرياتهم الفلسفية منذ عهد اليونان، فقد كان فلاسفة اليونان يكتبون -وكتاباتهم موجودة إلى اليوم- ويتساءلون هل المرأة إنسان أم لا؟!

وهل للمرأة روح أم ليس لها روح؟!

أما رهبان الكنيسة فحدث ولا حرج، فقد كانوا يرون أنها شيطان رجيم، وأنها منبع الخطيئة، ومصدر الشر، وأن من خطرت في قلبه صورة امرأة أو تعلق بها أو اشتهاها، فإنه قد يطرد من ملكوت الله؛ لأنه بذلك يفكر في الدنس والخطيئة، وذلك بسبب ما قررته التوراة المحرفة -كما في سفر التكوين عن قصة آدم وحواء عليهما السلام- من أن المرأة هي التي أغرت الرجل بأن يأكل من الشجرة.

ومن المعلوم أن مسألة الخطيئة -بالنسبة لنا نحن المسلمين- مسألة عادية مثلها مثل أي ذنب، حيث أن آدم عبد من العبيد أخطأ وأذنب ثم تاب، كما قال الله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122] فآدم عليه السلام اقترف معصية ثم أعقبتها توبة، وعَقِبَ التوبة حَصَلَ الاجتباءُ من الله تبارك وتعالى وانتهى الأمر.

ولو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أتاه العبد بقراب الأرض خطايا، ثم استغفره، لغفر له، لكنها في ذهن النصارى تختلف تماماً، لأنهم يقولون: إن المسيح عليه السلام هو ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وأن الله ضحى بابنه ليصلب من أجل أن يخلص الإنسانية من خطيئة الأكل من الشجرة، فالخطيئة عندهم من صلب العقيدة، والمرأة هي التي أوقعت الإنسانية في الخطيئة، وتركتها في هذا الدنس إلى الأبد!

هذا أحد الأسباب التي تجعلهم ينتقصون المرأة، وليست امرأة واحدة بل نوع الأنثى بكامله، فأينما وجدت المرأة بأي اسم وبأي شكل فإنها ممقوتة، وهي مصدر الشر ومصدر اللعنة على البشرية، لأنها هي التي أدت إلى هذا الجرم العظيم.

وبالرغم من أن هذا المعتقد زال نظرياً إلى حدٍ ما، نظراً لتحول أوروبا من النصرانية إلى العلمانية اللادينية، ولكن بقاياه النفسية ونظرته الاجتماعية لا تزال باقية، بل -كما أشرت من قبل- أن له بقايا في النواحي التنظيمية والقانونية أيضاً؛ لأن الإنسانية أو المجتمعات بأكملها تشبه الأفراد، ومن الصعب على الفرد مهما تقدم في العمر، ومهما ازداد من الثقافة أن ينسى ما كان في أيام طفولته من أحداث ووقائع ارتبطت بأمور معينة، ولذلك يصعب إلى اليوم أن نقتلع من أذهان الغربيين ما استقر فيها عن وضاعة المرأة.

ولهذا قامت في الغرب الحركة النسائية وتزعمتها عدة فئات منها هدامون يعملون في الظلام، وهدفهم تحطيم هذه الإنسانية بتحطيم الدين النصراني، وهؤلاء هم أتباع التلمود من اليهود، والذين يريدون أن يدمروا أديان البشرية جمعاء، ولا سيما أعدى أعدائهم وهم النصارى؛ المسيح وأتباعه، كما ينص عليه التلمود.

والآخرون أرباب شهوات، يريدون أن يتمتعوا ويستلذوا بخروج المرأة وبتبرجها وتهتكها، وللشهوة عندهم معنى غير معناها عندنا نحن المسلمين، وكل النفوس البشرية تشتهي المرأة، وكل رجل يشتهي الأنثى، فطرة كتب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك وخلقه وقدره في كل فطرة.

إن الميل من الذكر إلى الأنثى أمر طبيعي في بني الإنسان، لكن هذا الميل عند الغربيين يأخذ شكلاً آخر، وهو الشكل المحرم والممنوع والمحظور والمدنس حتى وإن حصل عليه؛ ولذلك فإن الأمم الأخرى -جميعاً- وليس المسلمون فقط، إذا احتاج الواحد منهم إلى الزواج تزوج، فإذا تزوج شعر أنه قضى وطره وانتهى الأمر، إلا الغربيين من النصارى أو من اتبعهم من رهبان البوذيين؛ لأنهم ينظرون إليها نظرة الدنس والاحتقار والخطيئة، فحتى وإن تزوج، فإنه كان يُنْظَر إليه -في العصور الوسطى على الأقل- أنه اقترف الدون، وفعل غير الصواب الذي هو أقل درجة، وإن لم ينظر إليه على أنه أخطأ خطأً محضاً، لكنه لم يأت بالأولى والأفضل، وهو أن يكون كالمسيح عليه السلام الذي ذكر أن الرهبان هم خصيان الملكوت، الذين يدخلون الجنة؛ لأنهم خصوا أنفسهم عن هذا العالم، كما تنسب إليه الأناجيل المحرفة ورسائل بولس.

إذاً: عند الغربيين وإن تزوج وتمتع بالمرأة بأي شكل من أشكال التمتع حلالاً أو حراماً، وإن تهتك وابتذل وأَسَفْ حتى أصبح كالبهيمة فإن هذا السعار لا يخبو؛ لأن لهذا السعار عمقاً نفسياً آخر، وهو أنه يريد أن يعوض ما استشعره في قرون طويلة تجاه هذه الشهوة وهذه اللذة، فهو يعض ويعض، ومع ذلك يستشعر في نفسه أنه لم يستكمل لذته بعد، لأنه يعوض ما افتقده في القرون الماضية.

ومن المعلوم أن الغرب لم ينظم حياته -أصلاً- وفق القوانين الحديثة إلا بعد أن وضع أول قانون في أوروبا في القرن التاسع عشر عام (1804م)، وهو قانون نابليون، ثم بعد ذلك أخذت بقية الدول تشرع القوانين وتضع الأنظمة.

وفي ذلك الوقت وضعت وشرعت القوانين التي تنظر إلى المرأة نظرة إجحاف وكأنها من سقط المتاع، إلا أن أولئك الهدامين أخذوا ينشرون هذه الأفكار بغرض إثارة المجتمع بعضه على بعض، لغرض التجارة المحرمة؛ لأن كثيراً منهم كانوا يتاجرون في هذه المتع المحرمة، ولا سيما اليهود، وهذا أمر معروف عنهم إلى اليوم، فهم ملوك البغاء في الأرض -كما يقال- لأنهم يتاجرون بالعرض، وهم -أيضاً- ملوك التجارة والمال، فيهمهم أن يتاجروا بجسد المرأة، وأن يعرضوا كل سلعة من السلع على جسد المرأة، فيمتهنونها بهذا الامتهان لكي يروجوا لبضائعهم، فإن كانت المرأة يهودية، فإنهم يحتسبون ذلك لها، كما احتسبوه لـإستير تلك التي جعلوا لها سفراً في التوراة، وذلك عندما أسر اليهود إلى بابل، في بلاد الفرس، فأقامت تلك الداعرة الفاجرة العلاقة مع ملك الفرس، واستطاعت أن تحرر شعبها بتلك العلاقة نتيجة إغرائها لملك الفرس بحمالها، وسطَّروا ذلك في التوراة، وجعلوا لها سفراً فيها، ويقولون: إن كانت المرأة يهودية وخدمت مصالح اليهود ولو بعرضها فهذا يحتسب لها، وإن كانت نصرانية أو أممية من الأمميين، فهؤلاء كالحيوان بل أحط من ذلك، فلا نظر ولا اعتبار لأعراضهم ولا لما هو مقدس عندهم.

ولكن من المؤلم أن تنقل هذه الصورة بحذافيرها إلى المجتمعات الإسلامية، وينقلها دعاة الضلالة وهم { دعاة على أبواب جهنم فمن أجابهم إليها قذفوه فيها} كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قوم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا فهم ينقلون تلك الآفات والأدواء والعلل إلى هذه البلاد الإسلامية، ونحن لا ننكر أن المرأة في بعض البلاد الإسلامية، وفي بعض البيوت قد تظلم، ويحاف ويجار عليها، ولكن كل ما يقع من ذلك، فهو انحراف عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعن كتاب الله الذي رفع الله به الإنسانية جمعاء، وجعله رحمة للعالمين، وليس ذلك -فقط- للمسلمين؛ بل رحم الله به الأقباط، ورحم الله به نصارى الشام، ورحم الله به نصارى بيزنطة، ورحم الله به أمماً في الهند والصين كانت مسحوقة مركولة، يستعبدها الكبراء والطواغيت من دون الله، ورحم الله من لم يسلم منهم بأن يدفعوا الجزية ويتحرروا من الطواغيت، ويعيشوا عيشة الإنسان في ظل الدولة الإسلامية، فضلاً عمن أسلم منهم.

يريدون أن ينقلوها إلى هذا المجتمع الذي يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] فجعل الله تبارك وتعالى الحياة الطيبة -وهي الحياة في الدنيا- لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى، فالرجل والمرأة كل منهما مكلف بعبادة الله، ومأمور بطاعة الله، ومسئول بين يدي الله، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها}.

فهذه المرأة التي كانت في الجاهلية توأد، وكانت تباع في بلاد الروم والإغريق ولا قيمة لها، فيأتي هذا الدين -دين الرحمة- فيجعلها في تلك المنزلة، ويجعل من المرأة العربية التي لم تكن شيئاً مذكوراً، والتي كانت تورث كما يورث المتاع، فجعل منهن النساء العالمات، كأمهات المؤمنين -رضي الله تعالى عنهن- وكأولئك الصحابيات، والنساء الطاهرات، الذي لم يشهد تأريخ الإنسانية -قط- أمثالهن في الطهارة والعفة، أولئك اللاتي نزلت آية الحجاب فأصبحن كالغربان، أولئك اللاتي كنَّ المثل الأعلى لنساء البشر جميعاً في حسن الخلق وفي بر الزوج وطاعته، وفي بر الوالدين، وفي تربية الأبناء على الخلق القويم، وفي كل فضيلة من الفضائل، وبقي هذا الإرث لنا، وبقيت هذه الأحكام ملزمة لنا نحن المسلمين.

وهذا كتاب ربنا بين أيدينا، وهو أوضح وأجلى من أن يقال أو يتحدث فيه، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فمما هو أقوم أن تأخذ أحكام الله في الطلاق، وفي موضوع المرأة والحجاب، وفي كل شيء.

دعاة تحرير المرأة

لما نقل دعاة تحرير المرأة هذه القضية إلينا -كما قلت- لم ينقلوها على أنها قضية مظلوم يُنتَصَرُ له، بل نقلت على أنها قضية امرأة مقابل رجل، وقضية ذكر مقابل أنثى؛ وهكذا استطاعوا أن يمزقوا المجتمع وأن يوجدوا هذه الفرقة بينه ليتمزق، فأي مكان للرجل فيه موضع قدم قيل: وأين مكان المرأة؟!

وقيل للمرأة: وأين دورك؟!

وأي مكان للمرأة، يقال للرجل: لماذا يترك المكان للنساء فقط؟

وهكذا حتى تتناحر المجتمعات، والمجتمعات الغربية من المعلوم أنها مجتمعات متفككة لا روابط فيها، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة تطرد من بيت أهلها، وتعيش كما تشاء وأينما تشاء مع من تشاء، وكذلك الحال مع الشاب من الذكور، وومن هنا فإن كل جماعة وفئة في المجتمع تحتاج إلى تكتل تنظم تحت لوائه لتنتصر إذا ظلمت من قبل الآخرين، ولذا نجد العمال لهم تكتلات مقابل أصحاب رءوس الأموال، والطلاب لهم تكتلات مقابل الجامعات، النساء أيضاً لابد أن يتكتلن وإلا ضِعْنَ، فتتكتل النساء ويجتمعن وينشئن الجمعيات.

لأن المرأة إن لم تكن في جمعية فلن تجد من يطالب بحقها؛ لأنها ستكون ضائعة في حكم القانون!! فلا بد أن تتكتل، ومن هنا تكونت الحركات والجمعيات النسائية وما أشبه ذلك.

وجاءوا إلينا -نحن- في بلاد الإسلام وهي البلاد التي لا تعرف هذه الفرقة -أصلاً- والتي يجب فيها على المجتمع ككل ألا تضيع فيه امرأة، ولا طفل، ولا إنسان، فإن لم يكن لها أب أو أخ يحميها، فلا بد أن يتولى القاضي الوصايةَ عليها، أو يقيمَ وصياً عليها أو يزوجها أو ينفق عليها أو يحفظها في دور للرعاية، فهي مصونة مكفولة، ويكفي أن تذهب إلى القاضي، وتقول: إنني لا عائل ولا محرم لي، وعندئذٍ تصبح في كفالة ولي الأمر، وحق عليه أن يفعل ذلك.

وهذا لا يوجد -أصلاً- في أي نظام من الأنظمة، فمثلاً: الشيوعية تحاول أن تدعي شيئاً من ذلك، ولكن لا وجود له.

أما المجتمعات الإسلامية فإن الرجل قد لا يبالي لو ضاع منه عشرة أبناء، ولكن لو فقدت منه ابنته يوماً واحداً، لاسوَّدت الدنيا في عينيه ولكأنها قامت القيامة.

ثم يؤتى إلى هذا المجتمع ويقال للمرأة فيه: تكتلي أيتها المرأة، طالبي بحقك، اخرجي، لماذا الرجال لديهم المناصب والجامعات؟!

لماذا لديهم الوظائف الفلانية؟!

فأصبحت القضية قضية رجل وامرأة.

ولو نظرنا إلى مطالبة المرأة لحقوقها في الغرب -كما أشرت- فلا يوجد من تطالبه؛ لأنه ليس لها روابط، فلتطالب بحقوقها في هذه الحالة، أما في المجتمع المسلم، فإن الزوجة تطالب زوجها، والأخت تطالب أخاها، والأم تطالب ابنها، ثم تأتي كاتبة في جريدة تقول: لتنتصف لأمي مني، أو لزوجتي مني..!

فلنفرض أن امرأة تعمل، ثم إن مديرها ظلمها، هل يمكن أن يقال: إن مديرها ظلمها، لأنه ذكر وهي أنثى؟!

إن هذا لا يخطر إلا على عقول المجانين، فالمسألة ليست كذلك، فهو قد يظلمها، والظلم الإداري قد يقع على الرجل أو على المرأة؛ ولو وقع الظلم، فإن الذي ينتصف لها هو رجل آخر كالأخ، أو الزوج، أو الأب.

وهناك مثال آخر وهو: أن رجلاً تزوج زوجتين، فظلم الأولى منهما -كما يحدث غالباً-فيقولون: الرجل ظالم..!

ولو تأملنا من هو الظالم؟

هل هو الرجل أم الزوجة الثانية؟

لعلمنا أن القضية ليست قضية رجل فقط، ولكن القضية أن الظلم من شيم النفوس، كما يقول المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد     ذا عفة فلعلة لم يظلم

نحن نقول: إن لم يوجد التقوى فلا بد من الظلم؛ لأن الذي يحجز الإنسان عن الظلم هو التقوى، ولن يحجزه عنها كاتب في جريدة.

محاولة إفساد المرأة

أثيرت قضية المرأة كما أشرت بغرض الإفساد وللإفساد فقط، ولهذا يأتون إلى أحكام قطعية مما يتعلق بالمرأة، كحكم خروجها من البيت لغير حاجة ولا ضرورة، فيجعلونه على أحسن الأحوال -إن لم يطالبوا بالخروج- موضع تساؤل ونقاش فيقال: ما رأيكم؟ هل ترون أن المرأة تخرج أو لا تخرج؟...وهكذا.

وكأننا كالغرب الأمة الضائعة التي لا تسنُّ فيها القوانين إلا عن طريق استطلاع الآراء العامة.

فيأتون إلى الناس في مسألة تعدد الزوجات -مثلاً- ويجرون مقابلة مع رياضي، أو مع فلاح، أو مع رجل كبير في السن يحدثهم عما قبل خمسين أو سبعين سنة، فيقال لهم: ما رأيكم في تعدد الزوجات؟

وربما يجعلون العنوان الرئيسي (فلان تزوج اثنتين) أو (لم أتزوج إلا واحدة) ومن العجب أن يكون هذا عنوان عريض في بلد الإسلام، وما الغرابة في أن يتزوج الرجل اثنتين أو ثلاثاً أو واحدةً، ولكن لأن لهذا الأمر أهميته في الغرب أتوا به إلينا.

وهذه القضية كثيراً ما تثار، وليس في دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما يحرِّم أن يتزوج الرجل من زوجتين أو أكثر، أقصد بدين الله الذي أنزله على أنبيائه ورسله، وليس فقط دين الإسلام؛ فإن دين الأنبياء جميعهم في التوحيد واحد، ولكن الشرائع تختلف.

وأما مسألة تعدد الزوجات فكانت موجودة حتى في الشرائع السابقة، فهي موجودة في التوراة، فقد ذكر في التوراة أنه كان لدى سليمان -عليه السلام- سبعمائة امرأة، والمسيح عليه السلام لم يتزوج، ولكن لأنه كثيراً من الأنبياء جمعوا بين زوجتين فأكثر فإن ذلك يدل على وجود التعدد في الشرائع كلها، بل إن مما يتعجب له، أن الكنيسة الباباوية -الكاثوليكية- قالت: لم لا نتراجع عن النظر إلى الزواج في إفريقيا بالذات؟

لأن الأفارقة -بطبيعتهم- يحبون التعدد؛ فإذا علموا أننا نحرم التعدد، لم يدخلوا في النصرانية!!!

فنقول: إن كان هذا من دين الله الذي أنزل، فلماذا تجانبون شرع الله؟

وإن كان هذا مما لم يشرعه الله، فيجب عليكم ألا تفعلوا؛ وذلك لأنهم ليس لديهم قاعدة مطردة في هذا، إنما يشرعون من عند أنفسهم لمصلحة الشهوة والهوى.

فأتوا إلى المجتمعات الإسلامية -كما قلت- وأفسدوها بالمجلات النسائية التي لا تتحدث إلا عن هذه القضية، وأفسدوها بالأفلام، وتجد أن المرأة لها دور أساسي من أول المسلسل إلى آخره، والغالب -كما يلاحظ- في المسلسلات أن موضوعها واحد ومكرر، فيجعلون لكل رجل امرأتين : إحداهما زوجة، والأخرى عشيقة، وفي الأخير تنتصر العشيقة دائمة، ويقولون: لو وضعوها زوجتين لما نجح الفيلم، ولا المسلسل، ولم يستقم الموضوع، فلا بد أن يوضعوا حلال وحرام، وفي النهاية ينتصر الحرام.

فهناك تخطيط، وإفساد متعمد، منذ أن جاءت حملة نابليون إلى العالم الإسلامي، وجاءت ببغاياها ورفعت شأن البغايا اللاتي كن موجودات ومروراً بالنوادي والصالونات إلى ثورة سعد زغلول عام (1919م)، وخروج المرأة وقولهم: إنها تحررت، إلى الجمعيات التي أنشئت، والأحزاب النسائية التي أسست.

وقد نشر هذا مؤخراً مع كثير من الوثائق، بأن حزب فتاة النيل، وحزب آخر من الأحزاب النسائية في مصر، كانت تشرف عليها وتمولها زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت، وأما هدى شعراوي، وسيزا نبراوي ونظيراتهن، فهن من أعضاء الاتحاد العالمي النسائي، الذي كان يخطط لإفساد المرأة المسلمة -ولا يزال إلى الآن- ولن نتكلم أكثر من هذا، لأنها بمثابة كلمة للمداولة والمناقشة في كيفية مواجهة هذا الغزو وهذه الهجمات الخبيثة التي اقتحمت علينا بيوتنا، والتي لا يصح بأي حال من الأحوال أن نَغَضَّ الطرفَ عنها، وندفن رءوسنا في الرمال؛ ولأنها قضية يجب أن يكون لكل أب وأخ، ولكل مسلم ومسلمة موقِفُهُ، منها الذي يَصدق فيه مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي يعمَل فيه جاهداً من أجل أن يحق الحق الذي أنزله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويبطل الباطل الذي يريد أولئك أن يروجوه.

كانت القضية المتعلقة بالمرأة فيما مضى من العصور، قضية آداب وأخلاق وحياء، وهي قضية من قضايا الإيمان الواجب؛ بمعنى: أنه عندما كان العلماء والخطباء والوعاظ يتحدثون عما نسميه نحن اليوم موضوع المرأة- ولم يكن بهذا الاسم- كانوا يتحدثون من أجل الآداب والأخلاق في المجتمع المسلم، لكي لا تنتهك ولتبقى متماسكة.

ولكن الذي حصل في هذا الزمان، أن القضية لم تعد بهذه المثابة فحسب، وإنما هي قضية دين أو لا دين، بمعنى: هل نتبع القرآن كلام الله عز وجل ونتبع هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم نتبع ما عليه اليهود والنصارى، ونقول: إن ما جاء به القرآن قد عفا عليه الزمن ومضى وانتهى؟

فالقضية ليست قضية خلل في الأعمال، أعمال الإيمان، إنما هي خلل في أصل الإيمان، فقضيتنا قضية إيمان وعقيدة، وإن كانت في ظاهرها قضية اجتماعية؛ فالفتاة التي تتحجب في هذا الزمن، تتحجب عن إيمان ودين واعتقاد بأنها تطيع الله عز وجل وهذا هو الحق وأن ما عداه هو الباطل، لا ينظر إليه ولا يؤبه له.

وأما التي تتهتك، أو من يكتبون دعوات التهتك والتبرج والسفور، فإنهم -جميعاً- يقولون بلسان المقال أو بلسان الحال: إن هذا الدين قد استنفد أغراضه وقد عفا عليه الزمن، وقد ذهب إلى غير رجعة، وإنما الأمر اليوم أمر متابعة الغرب، وتقليد تلك المجتمعات المتطورة المتقدمة.

وكون القضية بهذا الشكل يجعلها أخطر مما يظن بعض المربين أو بعض الآباء أو الأمهات، عندما يظنون أن البنت وإن تحررت وإن تهتكت أو تبرجت، فإنها سرعان ما تعود بعد حين كما كانت النساء من قبل، فالفتاة قبل سن النضج ربما فعلت شيئاً من ذلك، ولكنها سرعان ما تعود.

والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن الأمر -الآن- موجه توجيهاً فكرياً يقصد به تحطيم هذه الأمة بتحطيم القاعدة الأساسية التي هي منبع التربية، والتي لا تكون العقيدة والأخلاق والفضيلة إلا من نبعها لأنها هي الأم، وإن مما يثيرونه ويبلبلون به أفكار الشباب قولهم: إن المرأة المسلمة ممتهنة أو مظلومة أو عاطلة عن العمل، وما أشبه ذلك من الدعاوى التي نراها على صفحات الجرائد والمجلات، وفي المحافل وفي كل مكان يستطيعون فيه أن يقولوا أمثال هذا الكلام.

فماذا يريدون به؟

أيريدون إنصاف المرأة؟!

أيريدون أن يرفعوا عنها الحيف والخوف؟!

أيريدون أن ينزلوها المنزلة التي تليق بها؟!

فلننظر إلى حال المرأة في ظل هذا الدين، وإلى حالها في ظل غيره.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2598 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2575 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2509 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2461 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2349 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2264 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2261 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2251 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2198 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2167 استماع