خطب ومحاضرات
احفظ الله يحفظك
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه، أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: نحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على ما أنعم وتفضل به علينا من مجالس الذكر والعبادة والإنابة.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منكم ومنا جميعاً، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب.
تحدثنا في الدرس الماضي عن الوصية الأولى من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطهور شطر الإيمان).
واليوم سنتحدث عن الوصية الثانية وهي حديث عظيم من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أعظم وصايا هذا الرسول! وكيف لا، وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؟! الذي أخرجنا الله تبارك وتعالى به من الظلمات إلى النور فما أجدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتأمل وأن نتدبر كلامه ومواعظه ووصاياه!
نص الحديث
القلوب التي تتدبر وتتفكر وآتاها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوة الفهم والمعرفة واليقين لا تحتمل بعض الأحاديث أو بعض الآيات، بل تكاد تطيش.
وهذا الحديث هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته المشهورة، للغلام النبيه النجيب الذكي، الذي نوَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه بالإيمان، وجعله حبر الأمة وترجمان القرآن. عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وعن أبيه عندما أوصاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وفي رواية أخرى: { تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).
السلف الصالح والتفكر
ولا نتعجب من قول ذلك العالم في هذا الحديث، فقد قرأت منذ أمد ليس بالطويل أن الإمام العابد الزاهد أبا سليمان الداراني -رحمه الله تعالى- نادى غلامه أحمد بن أبي الحواري فقال له: ائتني بماء، فجاءه بماء ليتوضأ لقيام الليل، يقول أحمد بن أبي الحواري :[[فلما أذن الفجر، أذن وهو على حاله، ويده في الإناء ولم يرفعها ولم يتوضأ! فقلت له: الصلاة رحمك الله! أذن الفجر]] أي أنه طوال كل هذه الليلة كان يتفكر في حاله مع الله عز وجل، تفكر فنسي واستغرق ولم يفعل شيئاً، وهذا التفكر هو عبادة.
أقول: لا نستغرب أن من تدَّبر وتفكَّر وأمعن النظر قد يحدث له شيء من هذا، فمثلاً: عندما تأملت هذا الكلام وتعجبت منه تذكرت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر قصته مع ابن عبد ياليل وما جرى له من الأذى، فقال: {انطلقت هائماً على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب!}.
وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوى الناس زماماً، وأثبتهم نفساً، لكن الهمّ الذي ركبه واستغراق التفكير جعله يمضي وينطلق ولا يفيق إلا وهو في قرن الثعالب، واستغراق التفكير في المشي والسير أعظم منه والإنسان جالس.
ثمرات التفكر
إن عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا يحفظون كتاب الله، وإنما حفظه نفرٌ معدودون منهم، والحديث كذلك لم يكن يجمعه أو يجمع أكثره والآلاف منه إلا نفر معدودون، لكن كان اليقين يقر ويثبت في قلوبهم بآية واحدة أو بحديث واحد.
فهذا اليقين يستغرق قلبه، ويفتح الله تبارك وتعالى به عليه معارِفِ عظيمة، فيلج على قلبه من الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية ما يجعله ينسى كل شيء في هذه الدنيا، فحكمة واحدة يأخذها ردة واحدة يردها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى هذا النعيم الصافي العذب، تروي قلبه، وتنبت فيه شجرة الحكمة، فيجني ثمارها هو ومن بعده.
لذلك انظروا إلى كلامهم! ورحم الله الحافظ ابن رجب حيثن كتب كتاب "فضل علم السلف" فقال: ''الكلمة الواحدة من كلام السلف تزن مجلدات من كتب الخلف'' وما أكثرها الآن في المكتبات! وما أكثر المحاضرات والكلمات، لكن أين كلامنا وأين علمنا وأين خطبنا ومحاضراتنا من كلمة واحدة من كلام السلف؟! فالسلف رحمهم الله أخذوا هذا الدين عن إيمان ويقين.
وهذا الحديث الذي هو الوصية الثانية، قال عنه بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش'' فالله أكبر!
القلوب التي تتدبر وتتفكر وآتاها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوة الفهم والمعرفة واليقين لا تحتمل بعض الأحاديث أو بعض الآيات، بل تكاد تطيش.
وهذا الحديث هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته المشهورة، للغلام النبيه النجيب الذكي، الذي نوَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه بالإيمان، وجعله حبر الأمة وترجمان القرآن. عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وعن أبيه عندما أوصاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وفي رواية أخرى: { تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).
وتحت كل جملة من هذه الجملة عبر ومعانٍ عظيمة لا نستطيع أن نأتي عليها، وإنما نشير بما فتح الله تبارك وتعالى به علينا، حاثين أنفسنا وإخواننا جميعاً على تدبر كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا سيما هذه الوصايا الجامعة المانعة.
ولا نتعجب من قول ذلك العالم في هذا الحديث، فقد قرأت منذ أمد ليس بالطويل أن الإمام العابد الزاهد أبا سليمان الداراني -رحمه الله تعالى- نادى غلامه أحمد بن أبي الحواري فقال له: ائتني بماء، فجاءه بماء ليتوضأ لقيام الليل، يقول أحمد بن أبي الحواري :[[فلما أذن الفجر، أذن وهو على حاله، ويده في الإناء ولم يرفعها ولم يتوضأ! فقلت له: الصلاة رحمك الله! أذن الفجر]] أي أنه طوال كل هذه الليلة كان يتفكر في حاله مع الله عز وجل، تفكر فنسي واستغرق ولم يفعل شيئاً، وهذا التفكر هو عبادة.
أقول: لا نستغرب أن من تدَّبر وتفكَّر وأمعن النظر قد يحدث له شيء من هذا، فمثلاً: عندما تأملت هذا الكلام وتعجبت منه تذكرت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر قصته مع ابن عبد ياليل وما جرى له من الأذى، فقال: {انطلقت هائماً على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب!}.
وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوى الناس زماماً، وأثبتهم نفساً، لكن الهمّ الذي ركبه واستغراق التفكير جعله يمضي وينطلق ولا يفيق إلا وهو في قرن الثعالب، واستغراق التفكير في المشي والسير أعظم منه والإنسان جالس.
أقول هذا لأنبه الإخوة لعظم التفكر في آية، أو في حديث، أو في عبرة، أو في حكمة؛ فهذا التفكر ثمرته عظيمة جداً؛ لأنه يورث لك علماً عظيماً جداً؛ بحيث إنك كلما قرأت، أو تعلمت، أو رأيت أيَّة عبرة وأخذتها بهذا العمق بالتفكير والتدبر والتأمل، فإنها تفيدك كثيراً جداً، وما ميَّز الله تبارك وتعالى أهل التقى السابقين -وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم- بكثرة الرواية، ولا بكثرة المسائل في العلم، ولكن بهذا العمق في الفهم واليقين والتدبر.
إن عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا يحفظون كتاب الله، وإنما حفظه نفرٌ معدودون منهم، والحديث كذلك لم يكن يجمعه أو يجمع أكثره والآلاف منه إلا نفر معدودون، لكن كان اليقين يقر ويثبت في قلوبهم بآية واحدة أو بحديث واحد.
فهذا اليقين يستغرق قلبه، ويفتح الله تبارك وتعالى به عليه معارِفِ عظيمة، فيلج على قلبه من الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية ما يجعله ينسى كل شيء في هذه الدنيا، فحكمة واحدة يأخذها ردة واحدة يردها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى هذا النعيم الصافي العذب، تروي قلبه، وتنبت فيه شجرة الحكمة، فيجني ثمارها هو ومن بعده.
لذلك انظروا إلى كلامهم! ورحم الله الحافظ ابن رجب حيثن كتب كتاب "فضل علم السلف" فقال: ''الكلمة الواحدة من كلام السلف تزن مجلدات من كتب الخلف'' وما أكثرها الآن في المكتبات! وما أكثر المحاضرات والكلمات، لكن أين كلامنا وأين علمنا وأين خطبنا ومحاضراتنا من كلمة واحدة من كلام السلف؟! فالسلف رحمهم الله أخذوا هذا الدين عن إيمان ويقين.
إخوتي الكرام: تدبروا هذا جيداً، وتدبروا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( احفظ الله يحفظك ) من الذي لا يسعى في دنياه إلى أن يحفظه الله تبارك وتعالى من أي سوء؟!
يجتهد الناس في هذه الحياة الدنيا إما لجلب النفع أو دفع الضر، وإذا تأملنا هذا الحديث وجدنا كل ما جاء فيه متعلقاً بهذا الموضوع.
فكل الناس في هذه الدنيا إنما يسعون ويجتهدون ويعملون من أجل أن يحققوا لهم في أنفسهم ما ينفعهم في العاجلة أو الآجلة، ويدفع عنهم ما يضرهم، ومحور ذلك وجماعه كله في هذه الوصايا التي أوصى بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (احفظ الله يحفظك) أي: في دنياك وآخرتك.
مجالات حفظ العبد لربه
فعندما ذكر صفات المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] فجعل من صفاتهم: الحافظون لحدود الله، أي أنني أحفظ الله بأن أحفظ حدود الله.
ومن ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] فاحفظ هذه الآلة، وهذا العضو، وقد بيَّن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطورة هذا العضو وضم إليه عضواً آخر، فقال: {من يضمن لي -أو من يحفظ لي- ما بين لحييه ورجليه أضمنْ له الجنة}.
احفظ اللسان، واحفظ الفرج، فالله تعالى استودعك هذين العضوين، وما أكثر من دخل النار بسببهما! فإذا حفظتهما فهذا من جملة ما تحفظ.
ومن أعظم المحافظة التي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها المحافظة على الصلوات: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فحافظ على الصلاة؛ فمن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة.
والمحافظة على هذه الأعضاء، كما قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] وهل تظن أنك يا عبد الله في هذه الدنيا تقول ما تشاء، وتصنع ما تشاء، وتنظر إلى ما تشاء؟! لا والله! إن السمع والبصر والفؤاد، حتى الفكر وهمُّ القلب وخطراته وما يأتي فيه لا ينبغي أن يكون إلا لله وقد تجاوز الله لنا عما حدثتنا به أنفسنا ولم نعمل به، لكن لا يجوز ولا ينبغي لنا أن نعزم على معصية؛ لأن العزم مقدمة العمل.
بل يجب علينا أن نعلم أن هذه ودائع استودعنا الله تبارك وتعالى إياها، فلنحفظها ولنحافظ عليها، فإذا حفظ العبد جوارحه، وحفظ حدود الله، وحفظ ما أمر الله تبارك وتعالى به وامتثله، وحفظ ما نهى الله تبارك وتعالى عنه فلم يقربه، نال النتيجة، وهي حفظ الله له.
حفظ الله للعبد
الله تعالى يحفظنا بالمعقبات، أي: الملائكة كما فسرها الصحابة ومن بعدهم، وهي ملائكة وتحفظنا من الشياطين، تحفظنا من أن يصيبنا شيء، إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه فلا بد منه.
فالله تعالى يحفظنا من الشياطين، وما أكثر ما تحاول الشياطين أن تتخطفنا وأن تغوينا! ولكنه يحفظنا في أبداننا، وفي إيماننا من هذه الشياطين، فالله عز وجل يحفظنا بحفظه حياتنا، وإلا فمن الذي يرعانا؟! ومن الذي يربينا بنعمه؟! ومن الذي يغذينا بآلائه؟! أين نحن من هذا كله؟!
الواحد منّا همه أن يطعم الطعام وينام، فمن الذي يسيره ويدبره ويُصّرفه فينال كل عضو منه ما كتب الله له أن يناله الطعام أو الدواء أو الماء.
فالله عز وجل هو الذي يحفظنا، حتى أنفسنا لا نملكها ولا نستطيع أن ندبرها، ولو وكل الله إلى واحد منا أن يدبِّر عينه فقط، لما اشتغل في الدنيا إلا بعينه، ولو وكل إليك أن تدبِّر معدتك أو قلبك حتى يتحرك، لذهب عمرك كله وأنت تحرك القلب أو تحرك المعدة أو تحرك الكبد أو المرارة أو... إلخ.
انظروا هذا الصنع العجيب: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] من الذي يُدَبِّر هذا الخلق العجيب، خلق الإنسان؟! ومن الذي يسيره؟! ومن الذي يسخره؟! أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:59] أنحن أم الله؟!
الله عز وجل منذ أن وضعت النطفة فالله هو الذي خلقه، ونحن لا نخلق ولا نرزق ولا نعطي ولا نهب ولا نمنع، وكل شيء إنما هو بقدرة الله تبارك وتعالى وبتدبير الله.
فيجب علينا أن نحفظ الله ليحفظنا، لكن قد يقول قائل:كيف يحفظني الله؟ هل يحفظني فلا يصيبني أذى، ولا يصيبني بلاء، ولا يصيبني مرض أو مصيبة أو نكبة؟ فنقول: هذا جزء من الحفظ، ولكنَّ هناك حفظ أعظم من هذا كله...!
إن الله عز وجل إذا حفظته فإنه يحفظك في دينك، وفي إيمانك، وعقيدتك، وفي يقينك، ومعرفتك بالله عز وجل، وهذه هي أغلى شيء في هذه الدنيا، فأعظم شيء في هذا الوجود ليس هو الدنيا فقط أو الأعراض الفانية، فهذه كلها تذهب ولا تنفع.
فمن حُرِمَ لذة معرفة الله تبارك وتعالى فقد حرم ألذ الأشياء، كما قال بعض السلف رضي الله تعالى عنهم: [[ مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا ألذ ما فيها، قيل: وما ألذ ما فيها؟ قال: ذكر الله عز وجل ومعرفة الله ]].
إذا طعمت أكلة لذيذة من ألذ الأطعمة، وأكثرت منها وزدت، فإنك تجد تعباً ومغصاً وتتمنى أنك ما أكلت، وذهبت تبحث عما يُسَّمى بالمهضِّمات!
وقد تعجب الصحابة رضي الله تعالى عنهم من ذلك، وقالوا: [[أمرنا بأن يكفي أحدنا لقيمات، وأنتم تحدثونا عن المهضمات!]].. هذا شيء عجيب!
وألذ متعة يتلذذ بها أهل الدنيا هي متعة النساء، والذي يحفظ الله يحفظ الله له هذه المتعة، أما الذين يزنون -والعياذ بالله- ويهدرون شبابهم في الزنا، فهؤلاء هم أقل الناس تمتعاً بالحلال إن تزوجوا بعد ذلك.
والذين يمارسون هذه الفاحشة القبيحة سواءٌ أكانت زناً أم لواطاً -وهو أقبح وأخبث- يبددون قوتهم، ويبددون متعتهم، ويهدرون طاقتهم، ولذلك لا يتمتعون إلا فترة قليلة من عمرهم!
وقد أجريت مقابلة في أحد الكتب مع رجل ممن أصيب بالهربز، فقيل له: كم تمتعت؟ فقال: خمسة عشر سنة -أي أنه: كان يزني والعياذ بالله ويرتكب الفواحش خمسة عشر سنة- ويقول: هذه مدة تعتبر كافية! فهذا مسكين والله...!
أيها الإخوة: انظروا إلى سير الصحابة -رضي الله عنهم- يبلغ أحدهم الستين والسبعين عاماً وربما أكثر، وهو متزوج ولا يزال يولد له، وعنده الإماء وهو في أحسن الصحة والعافية..سبحان الله! يحفظون الله فيمتعهم.
والأمثلة على هذا كثيرة، فالشهوات الظاهرة البدنية لا يتذوقها ولا يجد طعمها -على الحقيقة- إلا من حافظ على حدود الله، فما بالك باللذة والنعمة التي لا تقاس بهذا كله؟! بل هي أعظم وأعظم، والتي يحرمها أهل الدنيا، وهي معرفة الله والأنس به ولذة الضراعة إليه ولذة دعائه عز وجل.
وكثير من الناس لا يعرف هذه اللذة! ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله وذكر ذلك ابن تيمية وغيره ممن أشاروا إليه: ''بعض الناس تصيبه المصيبة فإذا أصابته أخذ يدعو الله، ويتضرع إليه، ويستغيث به، فيجد من لذة الدعاء والضراعة والاستغاثة إليه والانكسار بين يديه ما ينسيه تلك المصيبة بالكلية، فتكون المصيبة خيراً، فقد فتحت له باباً عظيماً ما كان يعلمه، وتراه يقول: الناس مساكين ما عرفوا هذه النعمة! ومن أين عرف هذه النعمة؟ عرفها بهذه المصيبة! ومن هنا لا يكره الإنسان المصائب، ولا يجزع ولا يقنط من القدر''.
احفظ الله كما ذكر الله تبارك وتعالى وبيَّن في كتابه.
فعندما ذكر صفات المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] فجعل من صفاتهم: الحافظون لحدود الله، أي أنني أحفظ الله بأن أحفظ حدود الله.
ومن ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] فاحفظ هذه الآلة، وهذا العضو، وقد بيَّن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطورة هذا العضو وضم إليه عضواً آخر، فقال: {من يضمن لي -أو من يحفظ لي- ما بين لحييه ورجليه أضمنْ له الجنة}.
احفظ اللسان، واحفظ الفرج، فالله تعالى استودعك هذين العضوين، وما أكثر من دخل النار بسببهما! فإذا حفظتهما فهذا من جملة ما تحفظ.
ومن أعظم المحافظة التي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها المحافظة على الصلوات: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فحافظ على الصلاة؛ فمن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة.
والمحافظة على هذه الأعضاء، كما قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] وهل تظن أنك يا عبد الله في هذه الدنيا تقول ما تشاء، وتصنع ما تشاء، وتنظر إلى ما تشاء؟! لا والله! إن السمع والبصر والفؤاد، حتى الفكر وهمُّ القلب وخطراته وما يأتي فيه لا ينبغي أن يكون إلا لله وقد تجاوز الله لنا عما حدثتنا به أنفسنا ولم نعمل به، لكن لا يجوز ولا ينبغي لنا أن نعزم على معصية؛ لأن العزم مقدمة العمل.
بل يجب علينا أن نعلم أن هذه ودائع استودعنا الله تبارك وتعالى إياها، فلنحفظها ولنحافظ عليها، فإذا حفظ العبد جوارحه، وحفظ حدود الله، وحفظ ما أمر الله تبارك وتعالى به وامتثله، وحفظ ما نهى الله تبارك وتعالى عنه فلم يقربه، نال النتيجة، وهي حفظ الله له.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2597 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2574 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2508 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2460 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2348 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2263 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2259 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2249 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2197 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2165 استماع |