الصبر على الابتلاء


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك محمد سيد الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعــد:

أتحدث إليكم أيها الإخوة وأنتم -ولله الحمد- رجال الحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الرجال القائمون على الفريضة التي تركتها الأمة، وغفلت عنها ونسيتها، فاعتراها ما اعتراها من الذل والضعف والهوان، وفيكم بعد الله سبحانه وتعالى، وبعد توفيقه وتأييده الأمل -إن شاء الله- بإعادة هذه الأمة -مع من ييسر الله ويوفقه للتعاون على البر والتقوى- إلى رشدها، وإعادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به قِوام حياتها، والذي هو سِر أفضليتها على العالمين.

والحمد لله أنكم تقومون بهذا العمل أيضاً في بلد الله الحرام، وهذا جهاد على جهاد في هذا البلد الذي شرفه الله تعالى وعظمه، وقال في حقه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] فإذا كان هذا عقاب الذي يريد فقط؛ فكيف بالفاعل؟!

وأنتم تحولون -ولله الحمد- دون فعل الموبقات والمجاهرة بالمنكرات في بلد الله الحرام، وهذا وإن كان واجباً على كل مسلم، لكنكم تضطلعون به رغم قلة الإمكانيات والجهود... ففي هذا -إن شاء الله- غبطةٌ لكم من إخوانكم الذين يغبطونكم على هذا العمل الجليل، وفيه تذكير لكم أيضاً بواجب الاحتساب لله تعالى، والإخلاص لوجهه الكريم، لتنالوا بذلك أجركم كاملاً غير منقوص.

فنحن نشكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي هيأ لنا مثل هذا اللقاء، ونشكر -كذلك بعده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذين كانوا السبب في هذا الاجتماع الطيب المبارك سواء في رئاسة الهيئات، فضيلة نائب الرئيس العام، أو في مكة فضيلة الشيخ الفراج، أو المسئولون في هذه الجامعة، الذين حرصوا على إقامة هذه الدورة، وحياكم الله جميعاً، وأسأل الله العظيم الجليل لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.

الموضوع عن الصبر والكلام يطول فيه جداً كما قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأرضاه: إن الله ما عظَّم شيئاً في كتابه كما عظَّم الصبر، فقد ذكره في أكثر من تسعين موضعا.

فضل الصابرين ودرجاتهم

وأما فضل الصابرين ودرجات الصابرين فمنها: ما ذكره الله من مضاعفة الأجر لهم كما في قوله: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [القصص:54].

ومنها: ما ذكر من توفيتهم أجرهم بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

ومنها: بيان وذكر معيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، ومنها ما ذكره عز وجل في الاستعانة بالصبر على ما يواجه الإنسان، كما في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) [البقرة:45] وكما في قوله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل:96] وكما في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود:11] وكما في الوصية به كما في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

فلا يتم للإنسان حقيقة اليقين والإيمان إلا بالصبر، هذا في حق كل مسلم، وفي حق كل مؤمن، ولكن عندما نتحدث عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يكون الكلام أخص من ذلك، وتكون الحاجة إلى الصبر أعظم من ذلك.

حاجة الدعاة إلى الصبر

لعل فيما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في وصية لقمان لابنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] إنَّ التعقيب بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيه إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر؛ وأن كل من دعا إلى الله وآمن بالله لابد أن يبتلى وأن يمتحن، ولا بد أن يعادى كما قال سبحانه: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] أي لا يمكن ذلك، ويقول الله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا الفرقان:31].

فكل نبي وكل صاحب دعوة له أعداء من المجرمين، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر له أعداء من المجرمين، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يُصادم الناس في رغباتهم، وفي شهواتهم، وفي مطامعهم، وفي مآربهم وملذاتهم؛ والناس يتهافتون عليها كما مثَّل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بأنهم يتهافتون في النار كما يتهافت الفراش والذباب، ولكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {فأنا آخذ بحجزكم عن النار} وهذا العمل لا يقوم به من بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا العلماء والدعاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، لأن الناس يتهافتون على ما يضرهم.

فلو أبيح الزنا -عياذاً بالله- لتهافتوا عليه كما يتهافت الذباب على القاذورات، ولو أبيحت الخمرة؛ لشربها أكثر من ترى من الناس، ولو أبيح أي نوع من أنواع الفساد؛ لرأيتهم يتهافتون عليه، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنعام:116].

وأما إذا اجتمعت مع هذه الشهوة والرغبة شهوات أخرى؛ كأن يكون الرجل ذا منصب، أو كأن يكون ذا مال وجاه عند الناس؛ فإن ردّه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون أكبر، فيستعظم ويستفظع أن رجلاً في مرتبة كذا ينتقد عليه وهو صاحب الرتبة والمرتبة والجاه والسلطان ويقول له: اتق الله، فهذا حال من أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] نعوذ بالله من ذلك، ولكن هذا أصبح حال أكثر الناس الآن.

فإذا كان هذا في زمن كثر فيه الفساد , واشتدت غربة الدين -كما ترون- وضعف فيه سلطان أهل الحق، وأصبحوا لا يخلو حالهم من قلة أو ذلة، فإن الأمر يكون أشد، وإن الصبر يكون أحوج ما يكون له العبد ما تحتمله هذه الكلمة من أنواع الصبر.

الصبر على أذى النفس والأهل

نعم. الصبر على أذى النفس، وعلى هوى هذه النفس الأمارة بالسوء والتي تقول لك: يا عبد الله. الناس مرتاحون, الناس لا يعادون خلق الله, الناس يأكلون ويشربون، الناس في وظائف مرفهة منعمة, الناس في أجور عالية, وأنت في هذا المجال، ماذا تقصد، وما فائدتك؟

فهذه سهوة لا بد أن تردها وأن تقمعها, وأن تقول لها: أيتها النفس: اخسئي ولا تتكلمي؛ فإنني أعمل عمل الأنبياء.

وهذا العمل لو لم نتقاض عليه أي أجر فإن رسل الله الكرام قالوا لقومهم -كما ذكر سبحانه-: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:164] ولكن ما جاء من عند الله فهو خير.

ولاشك عند من يُقَدر حال الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أن أولى ما ينفق عليه ومن أحق الناس بالعطاء الجزيل هم رجال الحسبة؛ لكن إذا لم يحصل ذلك فهنا لا بد من الصبر.

والصبر يكون كذلك مع الأهل: لأن بعض الناس قد يصبر وقد يقاوم نفسه، ولكنه قد ينهزم أمام أهله -الزوجة أو الزوجات أو الأبناء- الذين يقولون: لقد أضعتنا، فالليل في دوريات، والنهار في دوامين، لم لا تفعل كذا أو تأتي بكذا؟

إذاً: نحن ماذا؟

دعك من هذا العمل، اترك هذا العمل، أرحنا منه، وافتح محلاً... إلخ. وهذا من الفتنة والابتلاء، فقد ابتلى الله سبحانه تعالى نوحاً عليه السلام بامرأته وابنه, وابتلى لوطاً بامرأته, وابتلى إبراهيم بأبيه، فلا نستغرب هذا، فقد ابتلي به كل الأنبياء. فلابد من الصبر على ابتلاء الأهل وعلى ما يقولونه، وكذلك يكون الصبر على الابتلاء الحاصل في العمل نفسه.

ابتلاء هذه الأمة بالفرقة والاختلاف

إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كرم هذه الأمة، فهي أمة مكرمة مفضلة؛ لكنها لابد أن تأخذ عقوبتها إذا عصت الله، وإن كانت عقوبتها أخف من غيرها، تكريماً لها وتشريفاً لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستجابة لدعائه، {لمَّا قال سبحانه: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] فقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك، فقال الله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتان أَهْوَنُ -أَوْ قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَيْسَر} رواه البخاري والترمذي وأحمد.

وعن عامر بن سعد عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا} رواه مسلم وأحمد.

أي: أعطاه ألا يهلك أمته بعذاب من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم؛ ومنعه مشكلة الفرقة والاختلاف في الرأي، وفي الاجتهادات.

أقول: بالنسبة للعمل: فأنت ترى أن إنكار المنكر يكون بهذه الطريقة، ورئيسك المباشر قد يرى غير ذلك، والرئيس الذي أعلى منه قد يرى خلاف ذلك، فالمفتش له رأي، والرئيس العام -أحياناً- يكون له رأي... وهكذا، وأنتم كلكم ليس لكم غرض إلا إنكار المنكر، لكن الفرقة تدب، ثم يجعلها الشيطان مشكلة، ثم يجعلها أحزاباً وخصومات... وأحرص ما يحرص عليه الشيطان: أن يوقع الفتنة والعداوة بين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر, وبين العلماء وبين الدعاة, وهذا هو مكسب الشيطان.

إن الشيطان لا يريد أن يوقع العداوة بين من يشربون الخمر -مع أن شرب الخمر من ضروراته حصول العداوة- أو من يلعبون القمار والميسر... إلخ.

لكن الشيطان أحرص ما يكون على هذه الحالقة؛ كما جاء عن الزبير بن العوام قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ} رواه الترمذي وأحمد، فالفرقة والخصومة والنزاعات بين الإخوة العاملين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة كبيرة جداً؛ فلو تخلص الإنسان من مشكلة النفس وهواها وهوى جنسها، ومشكلة الأهل؛ فقل أن يسلم من مشكلة العمل وسيره والخلافات فيه.

وأما فضل الصابرين ودرجات الصابرين فمنها: ما ذكره الله من مضاعفة الأجر لهم كما في قوله: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [القصص:54].

ومنها: ما ذكر من توفيتهم أجرهم بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

ومنها: بيان وذكر معيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، ومنها ما ذكره عز وجل في الاستعانة بالصبر على ما يواجه الإنسان، كما في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) [البقرة:45] وكما في قوله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل:96] وكما في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود:11] وكما في الوصية به كما في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

فلا يتم للإنسان حقيقة اليقين والإيمان إلا بالصبر، هذا في حق كل مسلم، وفي حق كل مؤمن، ولكن عندما نتحدث عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يكون الكلام أخص من ذلك، وتكون الحاجة إلى الصبر أعظم من ذلك.

لعل فيما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في وصية لقمان لابنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] إنَّ التعقيب بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيه إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر؛ وأن كل من دعا إلى الله وآمن بالله لابد أن يبتلى وأن يمتحن، ولا بد أن يعادى كما قال سبحانه: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2] أي لا يمكن ذلك، ويقول الله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا الفرقان:31].

فكل نبي وكل صاحب دعوة له أعداء من المجرمين، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر له أعداء من المجرمين، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يُصادم الناس في رغباتهم، وفي شهواتهم، وفي مطامعهم، وفي مآربهم وملذاتهم؛ والناس يتهافتون عليها كما مثَّل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بأنهم يتهافتون في النار كما يتهافت الفراش والذباب، ولكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {فأنا آخذ بحجزكم عن النار} وهذا العمل لا يقوم به من بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا العلماء والدعاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، لأن الناس يتهافتون على ما يضرهم.

فلو أبيح الزنا -عياذاً بالله- لتهافتوا عليه كما يتهافت الذباب على القاذورات، ولو أبيحت الخمرة؛ لشربها أكثر من ترى من الناس، ولو أبيح أي نوع من أنواع الفساد؛ لرأيتهم يتهافتون عليه، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنعام:116].

وأما إذا اجتمعت مع هذه الشهوة والرغبة شهوات أخرى؛ كأن يكون الرجل ذا منصب، أو كأن يكون ذا مال وجاه عند الناس؛ فإن ردّه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون أكبر، فيستعظم ويستفظع أن رجلاً في مرتبة كذا ينتقد عليه وهو صاحب الرتبة والمرتبة والجاه والسلطان ويقول له: اتق الله، فهذا حال من أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] نعوذ بالله من ذلك، ولكن هذا أصبح حال أكثر الناس الآن.

فإذا كان هذا في زمن كثر فيه الفساد , واشتدت غربة الدين -كما ترون- وضعف فيه سلطان أهل الحق، وأصبحوا لا يخلو حالهم من قلة أو ذلة، فإن الأمر يكون أشد، وإن الصبر يكون أحوج ما يكون له العبد ما تحتمله هذه الكلمة من أنواع الصبر.

نعم. الصبر على أذى النفس، وعلى هوى هذه النفس الأمارة بالسوء والتي تقول لك: يا عبد الله. الناس مرتاحون, الناس لا يعادون خلق الله, الناس يأكلون ويشربون، الناس في وظائف مرفهة منعمة, الناس في أجور عالية, وأنت في هذا المجال، ماذا تقصد، وما فائدتك؟

فهذه سهوة لا بد أن تردها وأن تقمعها, وأن تقول لها: أيتها النفس: اخسئي ولا تتكلمي؛ فإنني أعمل عمل الأنبياء.

وهذا العمل لو لم نتقاض عليه أي أجر فإن رسل الله الكرام قالوا لقومهم -كما ذكر سبحانه-: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:164] ولكن ما جاء من عند الله فهو خير.

ولاشك عند من يُقَدر حال الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أن أولى ما ينفق عليه ومن أحق الناس بالعطاء الجزيل هم رجال الحسبة؛ لكن إذا لم يحصل ذلك فهنا لا بد من الصبر.

والصبر يكون كذلك مع الأهل: لأن بعض الناس قد يصبر وقد يقاوم نفسه، ولكنه قد ينهزم أمام أهله -الزوجة أو الزوجات أو الأبناء- الذين يقولون: لقد أضعتنا، فالليل في دوريات، والنهار في دوامين، لم لا تفعل كذا أو تأتي بكذا؟

إذاً: نحن ماذا؟

دعك من هذا العمل، اترك هذا العمل، أرحنا منه، وافتح محلاً... إلخ. وهذا من الفتنة والابتلاء، فقد ابتلى الله سبحانه تعالى نوحاً عليه السلام بامرأته وابنه, وابتلى لوطاً بامرأته, وابتلى إبراهيم بأبيه، فلا نستغرب هذا، فقد ابتلي به كل الأنبياء. فلابد من الصبر على ابتلاء الأهل وعلى ما يقولونه، وكذلك يكون الصبر على الابتلاء الحاصل في العمل نفسه.

إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كرم هذه الأمة، فهي أمة مكرمة مفضلة؛ لكنها لابد أن تأخذ عقوبتها إذا عصت الله، وإن كانت عقوبتها أخف من غيرها، تكريماً لها وتشريفاً لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستجابة لدعائه، {لمَّا قال سبحانه: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] فقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك، فقال الله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتان أَهْوَنُ -أَوْ قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَيْسَر} رواه البخاري والترمذي وأحمد.

وعن عامر بن سعد عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا} رواه مسلم وأحمد.

أي: أعطاه ألا يهلك أمته بعذاب من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم؛ ومنعه مشكلة الفرقة والاختلاف في الرأي، وفي الاجتهادات.

أقول: بالنسبة للعمل: فأنت ترى أن إنكار المنكر يكون بهذه الطريقة، ورئيسك المباشر قد يرى غير ذلك، والرئيس الذي أعلى منه قد يرى خلاف ذلك، فالمفتش له رأي، والرئيس العام -أحياناً- يكون له رأي... وهكذا، وأنتم كلكم ليس لكم غرض إلا إنكار المنكر، لكن الفرقة تدب، ثم يجعلها الشيطان مشكلة، ثم يجعلها أحزاباً وخصومات... وأحرص ما يحرص عليه الشيطان: أن يوقع الفتنة والعداوة بين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر, وبين العلماء وبين الدعاة, وهذا هو مكسب الشيطان.

إن الشيطان لا يريد أن يوقع العداوة بين من يشربون الخمر -مع أن شرب الخمر من ضروراته حصول العداوة- أو من يلعبون القمار والميسر... إلخ.

لكن الشيطان أحرص ما يكون على هذه الحالقة؛ كما جاء عن الزبير بن العوام قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ} رواه الترمذي وأحمد، فالفرقة والخصومة والنزاعات بين الإخوة العاملين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة كبيرة جداً؛ فلو تخلص الإنسان من مشكلة النفس وهواها وهوى جنسها، ومشكلة الأهل؛ فقل أن يسلم من مشكلة العمل وسيره والخلافات فيه.

إننا لو اتفقنا نحن في العمل - في المركز أو في الإدارة أو في الرئاسة- كلنا على منكر ما واتحدنا وأردنا الخير وكانت المسألة واضحة ولا تحتاج إلى نقاش ولا إلى خلاف؛ لوجدنا العداوة من غيرنا، وصاحب الشهوة أو صاحب المنكر يأتيك ويجلب عليك كل عداوة، وتأتيك العداوة من الشرطة، وأحياناً تأتيك من الإمارة مثلاً.

فأقول: من نذر نفسه في هذا العمل فليتوقع العداوة من كل أحد؛ توقع أن يأتيك أمر بالنقل أو بالفصل أو بالطرد أو بأي شكل من الأشكال، وما ذنبك إلا أنك قلت لأحدهم: اتق الله، أو غضبت عليه وهو على منكر أو جرم يجب على كل مسلم أن ينكره عليه، وليس عليك أنت -فقط- الذي وظفت أصلاً لهذا العمل، وستحاسب لو قصرت فيه.

إذاً: فهي مشكلة: إن قمتم بواجبكم حوسبتم، وقيل: أنتم عملتم وأسأتم، أو يقال: شككتم الناس في أهاليهم -هذا إذا قبض على أحدٍ وكان مستوراً فانفضح بأن كان عنده مصنع خمر مثلاً- أما إذا لم تعملوا شيئاً قالوا: لا يخافون الله، يأخذون الراتب دون عمل، يتكلمون ويشربون القهوة، ثم بعد هذا يأخذون الراتب آخر الشهر.

إذاً: ماذا نعمل؟

إن عملنا نلام بلاحق، وإن سكتنا نلام على ذلك! فأقول يا إخوان: هذا لا بد منه، وما دام لا بد منه فلا حيلة لكم إلا الصبر، فقد أرشدنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى ذلك، وأن أي أمر لا حيلة لنا فيه فالحيلة معه الصبر، فإن الصبر حيلة من لا حيلة له؛ ولهذا إذا قدر الله تعالى على أي إنسان مصيبة -نسأل الله أن يحفظنا وإياكم - فوقعت وانتهى الأمر؛ فلا حيلة له إلا الصبر، ومتى يكون الصبر؟

عند الصدمة الأولى، وأما بعد ذلك فكل الناس تسلو كما تسلو البهائم؛ لكن المؤمن يصبر ويحتسب عند الصدمة الأولى؟

لأن الأمر قد انتهى، فمات من مات وحصل ما حصل وانتهى فماذا بقي من حيلة؟

بقي الصبر والاحتساب عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل هذه العقبات يجدها الداعية ويجدها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في طريقه أينما اتجه.

ابتلاء الدعاة في الوقت الحاضر

إنّ الشيطان إذا جاء وقال لصاحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا كان الأمر كذلك فانسحب من هذا الميدان، فماذا يكون الحال؟

وهل هذا حل؟

لا. هذا ليس حلاً، فهنا الخطر، وهنا تكون الفتنة لأهل الشر والفسق والفجور، وما أجرأهم على ارتكاب المحرمات؛ إلا أنهم رأوا أنه كلما برز عنصر طيب في الهيئات سرعان ما ينسحب أو ينتقل، فيكون ذلك فتنة لأهل الفساد، ويكون أيضاً إسقاطاً وخوراً في عزيمة المجتهدين الراغبين في داخل الجهاز، ويكون أيضاً تثبيطاً وتخذيلاً لمن يريد أن يلتحق بهذا الجهاز، وهو يرى أن أهل الخير وأهل الفضل يتركونه.

ثم أهم من ذلك: أن هذا الإنسان يأثم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه آثر الراحة وآثر السلامة؛ أي أنه باختصارلم ينجح في الابتلاء، والله تعالى يقول: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] أي: أنه لا بد من الفتنة، ولا بد من الابتلاء، فهذه سنة ربانية حتى قال بعض العلماء: "إن من لم يؤذَ ويبتلى ويتحمل الأذى، فإن إيمانه لا يعد إيماناً في الحقيقة" فهو مسلم -إن شاء الله- وعلى خير، إن مات قبل الابتلاء؛ لكن إذا حصل الابتلاء؛ فهنا يكون المحك، إما أن يصبر فيرتقى إيمانه ويكون مؤمنا حقاً على تفاوت في الدرجات بين المؤمنين؛ وإما أن يخفق في الابتلاء فيفقد إيمانه -نسأل الله العفو والعافية- وكفى به حرمان.

ولا خيار للإنسان، فنحن عبيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، خلقنا وسيرنا واستعبدنا بأن نقيم هذا الدين, وأن ندعو إليه دون اختيار لنا في ذلك أبداً، وأي انحراف أو خروج منا على هذا الابتلاء، أو محاولة في الابتعاد عن هذا الابتلاء فإن ذلك علينا لا لنا.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2573 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2505 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2458 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2346 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2261 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2254 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2248 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2196 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2164 استماع