مفهوم العبادة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أما بعــد:

يقول الله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57] فالله تبارك وتعالى قد بيَّن في هذه الآية الغاية من خلق الثقلين وهي (عبادته)؛ وهذه العبادة يفتقر إليها المخلوق افتقاره إلى الطعام والشراب؛ بل ربما كان أكثر من ذلك؛ لأن جوعة الروح وجوعة القلب أعظم من جوعة الجسد، فإن الإنسان لا يستطيع الاستغناء عن الطعام والشراب، وكذا عن الجو الذي يعيش فيه جسده، فكذلك -بل أعظم منه- لا يستطيع الإنسان أن يكون في كفاية عن غذاء الروح (أي: عن العبودية لله).

حاجة العبد إلى الله حاجة فطرية ذاتية

إن افتقار المخلوق إلى أن يكون عبداً لله -تبارك وتعالى- هو افتقار ذاتي فطري، وهو حاجة رجوعة لا يسدها حقاً إلا عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي أودع في العبد هذه الحاجة الفطرية، وهذا الافتقار الذاتي؛ كي يعبده وحده تبارك وتعالى، ولذلك مدح الله سبحانه نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعظم مقامات التشريف، وهو: مقام الإسراء والمعراج الذي لن يبلغه قبله بشر ولم يبلغه أحد بعده، فقال تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً الإسراء:1] فوصفه بالعبودية؛ لأنها أشرف مقام، ولأنها أعظم ما تطمح إليه النفس البشرية؛ فبتحقيق العبودية لله -تبارك وتعالى- يرتقي العبد إلى أعلى درجات الكمال الإنساني الذي يمكن أن يبلغه أي بشر، وأعظم الناس عبودية هم: الملائكة، والأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من البشر، ممن انتهج منهجهم، وسار على طريقهم.

الكفار يلجئون إلى الله

وهذا الافتقار الذاتي إلى عبادة الله من فطريته وضروريته في النفس الإنسانية، أنه لا يمكن أن ينكره منكر، ولا يكابر فيه مكابر، حتى الكفار الذين جحدوا آيات الله، وعاندوا أنبياء الله، وردوا ما جاءوا به من أمر الله، واستكبروا على عبودية الله، فإنك في وقت الشدة تراهم يذعنون لله تبارك وتعالى بالعبودية، ويظهرون الافتقار والحاجة إليه، في ذلك الوقت (وقت الضرورة) الذي تنتفي فيه كل البهارج وكل ما يكون على القلب من الكبر والعتو.

إذاً: كما ذكر الله عنهم في القرآن حاكياً حالهم بأنهم إذا ركبوا في الفلك وأحاط بهم الموج من كل مكان، حينئذٍ ينسون آلهتهم، ويعلمون أن تلك الآلهه إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [النجم:23] فهم الذين اختلقوها واخترعوها، وهم أول من يعلم أنها لا تغني ولا تنفع ولا تضر؛ فيدعون الله تعالى بتضرع وبكاء.

وهنا سأذكر أمثلة من العالم الحاضر، الذي يعيش الآن في أعتى درجات التكبر عن عبادة الله وعن الإذعان والإعلان بالعبودية لله، بل عن الإقرار لله تعالى بالألوهية، بل بوجوده تبارك وتعالى؛ فهم ينكرون أن يكون الله موجوداً، فضلاً على أن يتقربوا إليه بالعبادة، أو يخضعوا له.

هذا العالم المتجبر المتكبر، وإنَّ أعتى وأكبر من يمثل ذلك هي: الشيوعية الملحدة، وأعتى دول الشيوعية في العالم هي: الاتحاد السوفيتي، وإن أعتى طواغيت هذه الدولة هو: استالين عندما اجتاحت جيوش هتلر أراضي بلاده -أثناء الحرب العالمية الثانية- وكانت بلاده تحرم الأديان تحريماً قاطعاً، بل وحظرتها حظراً باتاً وأقفلت دور العبادة من أي ملة؛ فعند ذلك لم يكن لديه أية حيلة ولا أي منقذ، وهنالك يأمر هذا الطاغوت اللعين أن تفتح أبواب الكنائس، وأن يتضرع الناس بدعاءِ الله، وأن يطلبوا من الله التأييد على هتلر وعلى جنوده النازيين!!

فهذا الإقرار الذي ذكره الله تبارك وتعالى عن الأمم الخالية يتمثل أمامنا في أعتى طاغوت من طواغيت أعتى دولة شيوعية ملحدة تنكر وجود الله.!

وأذكر أنني قرأت في مذكرات شدشد أنه هو وإيزنهاور عندما كانا يتوليان قيادة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية نفسها، أنهما كانا على إحدى البوارج في البحر، وكان الموقف في أشد ما يكون من الحرج، وكانت جيوش النازية ما تزال في عنفوان وقمة انتصاراتها واجتياحها لـأوروبا؛ وعندئذٍ عملا قداساً على ظهر البارجة وأخذا يبتهلان إلى الله! وهما الرجلان اللذان لم يعرفا الله عز وجل من قبل؛ فهؤلاء عتاة الشرق والغرب في عالمنا المتمرد على الله يلجئون وقت الشدة إلى الله، ويعترفون أنه لا ملجأ ولا منجىً منه إلا إليه، وأنه هو الذي يغيث الملهوف، وينقذ المكروب ويكشف الغم.

فالعبودية ضرورة فطرية، فطر الله تبارك وتعالى عليها كل واحد.

إن افتقار المخلوق إلى أن يكون عبداً لله -تبارك وتعالى- هو افتقار ذاتي فطري، وهو حاجة رجوعة لا يسدها حقاً إلا عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي أودع في العبد هذه الحاجة الفطرية، وهذا الافتقار الذاتي؛ كي يعبده وحده تبارك وتعالى، ولذلك مدح الله سبحانه نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعظم مقامات التشريف، وهو: مقام الإسراء والمعراج الذي لن يبلغه قبله بشر ولم يبلغه أحد بعده، فقال تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً الإسراء:1] فوصفه بالعبودية؛ لأنها أشرف مقام، ولأنها أعظم ما تطمح إليه النفس البشرية؛ فبتحقيق العبودية لله -تبارك وتعالى- يرتقي العبد إلى أعلى درجات الكمال الإنساني الذي يمكن أن يبلغه أي بشر، وأعظم الناس عبودية هم: الملائكة، والأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من البشر، ممن انتهج منهجهم، وسار على طريقهم.

وهذا الافتقار الذاتي إلى عبادة الله من فطريته وضروريته في النفس الإنسانية، أنه لا يمكن أن ينكره منكر، ولا يكابر فيه مكابر، حتى الكفار الذين جحدوا آيات الله، وعاندوا أنبياء الله، وردوا ما جاءوا به من أمر الله، واستكبروا على عبودية الله، فإنك في وقت الشدة تراهم يذعنون لله تبارك وتعالى بالعبودية، ويظهرون الافتقار والحاجة إليه، في ذلك الوقت (وقت الضرورة) الذي تنتفي فيه كل البهارج وكل ما يكون على القلب من الكبر والعتو.

إذاً: كما ذكر الله عنهم في القرآن حاكياً حالهم بأنهم إذا ركبوا في الفلك وأحاط بهم الموج من كل مكان، حينئذٍ ينسون آلهتهم، ويعلمون أن تلك الآلهه إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [النجم:23] فهم الذين اختلقوها واخترعوها، وهم أول من يعلم أنها لا تغني ولا تنفع ولا تضر؛ فيدعون الله تعالى بتضرع وبكاء.

وهنا سأذكر أمثلة من العالم الحاضر، الذي يعيش الآن في أعتى درجات التكبر عن عبادة الله وعن الإذعان والإعلان بالعبودية لله، بل عن الإقرار لله تعالى بالألوهية، بل بوجوده تبارك وتعالى؛ فهم ينكرون أن يكون الله موجوداً، فضلاً على أن يتقربوا إليه بالعبادة، أو يخضعوا له.

هذا العالم المتجبر المتكبر، وإنَّ أعتى وأكبر من يمثل ذلك هي: الشيوعية الملحدة، وأعتى دول الشيوعية في العالم هي: الاتحاد السوفيتي، وإن أعتى طواغيت هذه الدولة هو: استالين عندما اجتاحت جيوش هتلر أراضي بلاده -أثناء الحرب العالمية الثانية- وكانت بلاده تحرم الأديان تحريماً قاطعاً، بل وحظرتها حظراً باتاً وأقفلت دور العبادة من أي ملة؛ فعند ذلك لم يكن لديه أية حيلة ولا أي منقذ، وهنالك يأمر هذا الطاغوت اللعين أن تفتح أبواب الكنائس، وأن يتضرع الناس بدعاءِ الله، وأن يطلبوا من الله التأييد على هتلر وعلى جنوده النازيين!!

فهذا الإقرار الذي ذكره الله تبارك وتعالى عن الأمم الخالية يتمثل أمامنا في أعتى طاغوت من طواغيت أعتى دولة شيوعية ملحدة تنكر وجود الله.!

وأذكر أنني قرأت في مذكرات شدشد أنه هو وإيزنهاور عندما كانا يتوليان قيادة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية نفسها، أنهما كانا على إحدى البوارج في البحر، وكان الموقف في أشد ما يكون من الحرج، وكانت جيوش النازية ما تزال في عنفوان وقمة انتصاراتها واجتياحها لـأوروبا؛ وعندئذٍ عملا قداساً على ظهر البارجة وأخذا يبتهلان إلى الله! وهما الرجلان اللذان لم يعرفا الله عز وجل من قبل؛ فهؤلاء عتاة الشرق والغرب في عالمنا المتمرد على الله يلجئون وقت الشدة إلى الله، ويعترفون أنه لا ملجأ ولا منجىً منه إلا إليه، وأنه هو الذي يغيث الملهوف، وينقذ المكروب ويكشف الغم.

فالعبودية ضرورة فطرية، فطر الله تبارك وتعالى عليها كل واحد.

إن واقع البشر الذي نراه يختلف اختلافا بيناً لا في قضية العبودية من أصلها أو في العبادة من حيث هي عبادة ولكن من حيث نوع العبادة، ومن حيث نوع المعبود، ومن حيث كيفية التعبد، وهنا ضلت الأمم وتاهت.

سبب الضلال

قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] كان الناس أمة واحدة (أي: كانوا على التوحيد) فالمُقَدَّر هنا، (فأشركوا وكفروا) كما فسرها ابن عباس -رضي الله عنه- بقوله: [[كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام]] حتى أضلتهم الشياطين الذين جاءوا إلى قوم نوح وأمروهم أن يعيدوا ذكريات القوم الذين سماهم الله تبارك وتعالى من الرجال العبّاد: (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا).

عشرة قرون والبشرية على التوحيد النقي، تعبد الله -تبارك وتعالى- ثم اختلفوا، ومنذ أن اختلفوا -وما يزالون مختلفين- ظهرت العبوديات المتباينة، والديانات المختلفة؛ التي منها ما كان من عند الله فحَّرفه الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79] وهم: الأحبار، والرهبان، والكهان، الذين اتخذهم أقوامهم أرباباً من دون الله، وحرفه -أيضاً- الطواغيت من الملوك والحكام من الفراعنة ومن قبلهم، ليعبِّدوا الناس لأنفسهم، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

وهل أفسد الدين إلا الملوك      وأحبار سوء ورهبانها

جاء فرعون ليقول للقوم الذين كانوا يعبدون آلهة شتى: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] ويقول لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24].

وممن قام بتحريف الأديان المبتدعة الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كما قال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] فكل من اتبع هواه في عبودية الله أو عبد الله لا كما أمر الله، وإنما كما يحلو له، أو كما يرد على خاطره، أو كما يرى من تقاليد آبائه وأجداده؛ فله حظ من ذلك.

المعبودات الباطلة مظاهرها وأشكالها

لقد تعددت العبوديات وتنوعت؛ فهناك اليوم بشر! يعملون في المصانع النووية، وينتجون القنابل الذرية التي يهددون بها المسلمين، ولكنهم يعبدون البقر! هذا الحيوان المعروف الذي نراه!! ويتبركون بما يخرج منها!!! وهناك من يعبدون البشر ويعطونهم الربوبية الكاملة وهم -أيضاً- أحياء، وفي القرن العشرين القرن الذي يقال عنه: إنه قرن الحضارة والعلم والتطور، وإن مرحلة الدين هي مرحلة تجاوزتها الإنسانية وخلفتها وراءها، وانتقلت الآن إلى طور الحضارة وطور العلم، وما الدول الشيوعية إلا نموذج لذلك.

ويوجد -أيضاً- عُبَّاد الشهوات الذين يعبدون الهوى، والذين يعبدون بطونهم وفروجهم، وهؤلاء يقدمون عبودية كاملة وعبودية حقيقية.

قد يقول البعض: إنها ليست عبودية بالمعنى الواضح، ولكنها في الأخير نرى أنها عبودية لمن أوحى ولمن وسوس ولمن زين هذه العبوديات؛ إما عبودية الشيطان، أو عبودية المرأة، أو عبودية الأفلام، أو عبودية الخلاعة، أو عبودية ما يسمى بالموضات، فكل هذه أنواع من العبودية.

وهناك -أيضاً- عبودية التقاليد وهي عبودية شديدة الوطأة فهي ثقيلة، ولا أدَّل على ثقل هذا النوع من العبودية من أنه في إمكان الإنسان أن يتعبد أو يصلي أو يستقيم مع أنه يتعرض للأذى لكنه قد يتحمل ذلك، لكن أن يخالف عادة اجتماعية... أو تقليداً من تقاليد القبيلة... أو من تقليد البيئة... فهذا أشد شيء عليه، وهنا تظهر حقيقة اتباع الناس لهذه العبودية التي لم يشرعها الله تبارك وتعالى وإنما هي تقاليد، قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] فقط! دون النظر إلى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحل هذا أو حرَّمه.

هناك -أيضاً- عبودية أخرى، وهي عبودية اللهو واللعب... (عبودية الملاهي بجميع أنواعها) فشياطين الجن والإنس الذين كما قال الله تبارك وتعالى عنهم: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112] أوجدوا هذا النوع من العبودية لمن؟!

للجماهير (الطبقة العريضة الممتدة من البشر الذين هم أقل من أن يفهموا الأفكار... أقل من أن يستوعبوا المبادئ أو النظريات التي يخطط لها هؤلاء الشياطين) فجاءوا لهم بعبودية اللهو واللعب، ومنها: الكرة -كمثال على ذلك، فالفرق كبير بين (الرياضة -بين النشاط- بين الترفيه) بين أي نوع من الأنواع التي يمكن أن يقوم الإنسان بها مع نفسه أو مع غيره، فرق بين هذه وبين العبودية التي تعطي الولاء والبراء! تعطي المحبة والبغض! وهذا الذي فطن إليه شياطين الجن والإنس، فرأوا أن القلب البشري -كما خلقه الله- لا بد أن يُعادي وأن يوالي، أي: أن فيه خطان مزدوجان: خط الحب وخط البغض.

فمثلاً: عندما تسمع أي خبر في الإذاعة عن القتال في أفغانستان، فمجرد أن يخطر على بالك هذا الخبر فإنك سوف تتعاطف تلقائياً مع إخوانك المجاهدين، وتتمنى أن يكون الخبر مفرحاً، وأنهم حققوا انتصارات كبيرة على عدوهم! وبالمقابل تتغيظ من عدوهم وتبغضه، وتتمنى أن يحقق الله له الذلة والهزيمة الساحقة! (وهذه هي فطرة بشرية!)، فأراد شياطين الإنس والجن أن يأتوا إلى هذا الإناء فيفرغوا فيه ويضعوا فيه ما يملؤه مما يصرف البشر -وبخاصة المسلمين- ويجعلهم يعرضون عن الطريق القويم إلى طريق آخر، وهذا الإناء الذي جعله الله تبارك وتعالى لنا هو القلب، فإذا امتلأ بما يضعه هؤلاء الشياطين؛ فلن يبق فيه مجال لما يلقيه الملك الذي يأمرك بالخير، كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ويظهر أنه موقوف عليه) {إن للملك لمة وللشيطان لمة} فالقلب البشري تعتريه لمة الملك ولمة الشيطان، ولا يمكن أن يخلو القلب من هذا أو ذاك؛ فهؤلاء يريدون أن يجعلوا لمة الشيطان هي الغاية، فلا يبقى للمة الملك مدخل ولا منفذ إلى القلب البشري؛ ولذلك جاءوا بهذه المغريات، وأتوا بالتعصب والتحزب والولاء والعداء لها! فجعلوها كأنما هي غاية!! فتحققت عبودية المشتغلين بها على النحو الذي خطط له هؤلاء؛ فالقلب البشري لا يخلو من الحب والكره، وهما (أي: الحب والكره) مع الإرادة يحققان العبودية لأي معبود كان.

قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] كان الناس أمة واحدة (أي: كانوا على التوحيد) فالمُقَدَّر هنا، (فأشركوا وكفروا) كما فسرها ابن عباس -رضي الله عنه- بقوله: [[كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام]] حتى أضلتهم الشياطين الذين جاءوا إلى قوم نوح وأمروهم أن يعيدوا ذكريات القوم الذين سماهم الله تبارك وتعالى من الرجال العبّاد: (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا).

عشرة قرون والبشرية على التوحيد النقي، تعبد الله -تبارك وتعالى- ثم اختلفوا، ومنذ أن اختلفوا -وما يزالون مختلفين- ظهرت العبوديات المتباينة، والديانات المختلفة؛ التي منها ما كان من عند الله فحَّرفه الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79] وهم: الأحبار، والرهبان، والكهان، الذين اتخذهم أقوامهم أرباباً من دون الله، وحرفه -أيضاً- الطواغيت من الملوك والحكام من الفراعنة ومن قبلهم، ليعبِّدوا الناس لأنفسهم، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

وهل أفسد الدين إلا الملوك      وأحبار سوء ورهبانها

جاء فرعون ليقول للقوم الذين كانوا يعبدون آلهة شتى: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] ويقول لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24].

وممن قام بتحريف الأديان المبتدعة الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كما قال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] فكل من اتبع هواه في عبودية الله أو عبد الله لا كما أمر الله، وإنما كما يحلو له، أو كما يرد على خاطره، أو كما يرى من تقاليد آبائه وأجداده؛ فله حظ من ذلك.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2599 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2575 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2508 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2462 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2350 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2276 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2265 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2250 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2197 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2166 استماع