تأملات في حديث: (يا عبادي ...)


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

فجميلٌ بنا ونحن نستقبل شهر رمضان العظيم: أن نقف قليلاً بقلوبنا وعقولنا وأسماعنا، لنستمع إلى هذا النداء الرباني الذي تكرر عشر مرات في هذا الحديث الجليل الذي قال عنه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى ورضي عنه-: '' هو أشرف حديث رواه أهل الشام ''.

لأنه من رواية أهل الشام، رواه التابعي أبو إدريس الخولاني عن الصحابي الجليلأبي ذرٍ جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه.

وكان أبو إدريس إذا حدَّث بهذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جثا على ركبتيه من شدة وقعه عليه وتأثره به.

وفي هذا الحديث عشرةُ نداءات من الله -تبارك وتعالى- يرويها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مما تعلمونه جميعاً ويعرف بالحديث القدسي، الذي يرويه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه عز وجل، فالألفاظ التي فيه نبوية، والمعاني ربانية.

تحريم الظلم على الخالق والمخلوق

يقول الله تبارك وتعالى في أول هذا الحديث: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا}.

وهذه الرواية رواية الإمام مسلم رحمه الله وهي أتم من غيرها، فأول العشرة النداءات هو هذا النداء وبهذا اللفظ: { يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي }، فالله تبارك وتعالى هو الذي حرم الظلم على نفسه، وإلا فإنه عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولن يكون ظالماً -تبارك وتعالى- ولو فعل بخلقه ما فعل؛ وهو الخالق والرازق والمنعم والمدبر والمتصرف في ملكه كما يشاء، ومع ذلك فإنه فضلاً منه تبارك وتعالى، حرم الظلم على نفسه، وكتب على نفسه الرحمة، كما أخبر تبارك وتعالى في الذكر الحكيم.

فإذا كان القوي العزيز الجبار المتكبر، القادر على كل شيء، الخالق المالك لكل شيء حرم الظلم على نفسه، فكيف يظلم العبد أخاه العبد؟ وكيف يتظالم العباد؟! { فلا تظالموا }، هذا مع أن الله تبارك وتعالى، لا يجب عليه حقٌ لأحد، بل هو كما قال الشاعر رحمه الله:

ما للعباد عليه حقٌ واجبٌ     كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُ

إن عذبوا فبعدله أو نعموا     فبفضله وهو الكريم الواسعُ

فهو إن عذب الخلق، فلا يعذبهم إلا عدلاً، وإن رحمهم فلا يرحمهم إلا فضلاً منه عز وجل وتكرماً، ولهذا جاءت هذه النداءات -وكلها تخاطب الإنسان الضعيف العاجز- من الله من الرب الرحيم، الودود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

{ يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا } فكيف يتظالم المخلوقون؟! وكيف يظلم بعض الناس بعضاً؟!

والله تبارك وتعالى قال عن نفسه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يونس:44]، وقال: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ [غافر:31]، فهو عز وجل لا يريد الظلم ولا يحبه، وقد حرمه على نفسه فلن يريده ولن يقبله من أحدٍ أبداً.

بل هو كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {إن الله يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته }، وقال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183].

لكن الله إذا أخذ الظالم لم يفلته، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الظلم ظلمات يوم القيامة} كما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { المسلم أخو المسلم لا يظلمه.. } فالمسلم لا يظلم أحداً من الناس، بل ولو كانت دابةً من الدواب، فوضع الشيء في غير موضعه، هو: الظلم، وكل وضع للشيء في غير موضعه فالله تبارك وتعالى منزه عنه.

كما يجب على العباد أن يتركوا ذلك الظلم، فديننا هو دين العدل في كل شيء، حتى الحذاء: {نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينتعل الرجل في إحدى رجليه ويدع الأخرى}، لأنه دين العدل في كل شيء.

فمن الفوائد المأخوذة من هذا الحديث: أن ديننا دين العدل، حتى بين أرجلك فتعدل بينهما، فإما أن تنتعل فيهما معاً، وإما أن تكونا حافيتين معاً، فلا ظلم ولا إجحاف.

ولقد بعث الله -تبارك وتعالى- محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدنيا شرقاً وغرباً تعج بالمظالم، وبالعنصرية وبالطبقية وباستعباد خلق الله -تبارك وتعالى- فكما كان فرعون ظالماً كان كذلك فراعنة الفرس والروم، فيجعلون أقوامهم شيعاً ويستضعفون طوائف منهم.

فجاء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدين العدل والحق والهدى، فتعلمت الإنسانية جميعاً كيف تعدل من هذا الدين، وعلمت لأول مرة في تاريخها لا كلاماً وحِكماً يقولها الفلاسفة، ويرددها الحكماء، بل رأت العدل واقعاً يسير أمامها، ويملأ شرق الدنيا وغربها، وذلك لأنهم عرفوا مما عرفوا مثل هذا النداء الرباني الكريم: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}.

طلب الهداية من الله وحده

بعد ذلك تأتي نداءات تالية لتبين عجز هذا المخلوق الضعيف، وافتقاره إلى الله تبارك وتعالى: {يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم} أي: أخرجكم من الضلال الذي يسبب شقاء الدنيا والآخرة، والذي لافلاح معه ولا نجاح، ولا خير فيه ولا سعادة.

فهذا الضلال { كلكم ضال إلا من هديته }، فكل خلق الله، وكل عباد الله ضالون إلا من هدى الله، ومن منَّ الله تعالى عليه وتفضل بالهداية. ومن هدايته لهم: أنه خلقهم على الفطرة القويمة، وأنه أرسل إليهم الرسل، وأنه أنزل عليهم الكتب، وأنه أعطاهم العقول ليفكروا بها وليتدبروا طريقهم بها، قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78].

فهكذا الإنسان، أول ما يخرج لا يعلم شيئاً، ثم يمنُّ الله تبارك وتعالى عليه، بالعلم وبالسمع والبصر والفؤاد، ثم يبين له طريق الخير من طريق الشر، فمن وفقَّه الله تبارك وتعالى للهدى فلا مضل له، ولكن من خذله الله وحُرِمَ توفيق الله تبارك وتعالى للاهتداء إلى الطريق القويم، وركنه الله إلى نفسه وعقله ورأيه وتدبيره، فقد خاب وهلك.

فمن لم يوفقه الله -تبارك وتعالى- لسلوك طريق الحق فإنه ضال لا محالة، مهما بدت أمامه الحجج، فمع أنه مولودٌ على الفطرة، وأمامه الحجج والآيات البينات، والآيات المقروءة في كتاب الله، والآيات المنظورة في صفحات الكون، والآيات المرئية أيضاً من آثار الغابرين السابقين، فكلها أمام عينيه، ولكن إذا خذله الله، ولم يوفقه، فإنه لا يؤمن ولا يعرف طريق الحق أبداً.

فإذاً كلنا ضلال إلا من هدى الله، فماذا ينبغي لنا أن نفعل؟!

{ فاستهدوني أهدكم }، فما علينا إلا أن نطلب الهداية من الله -تبارك وتعالى- آناء الليل وآناء النهار، ولهذا أُمر المؤمنون أن يقرءوا في كل ركعة من صلاتهم أم الكتاب، وفيها يقولون: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].

فعباد الله المؤمنون المصلون، العابدون، يطلبون الهداية من الله تبارك وتعالى في كل يوم بعدد ركعات صلاتهم، فريضةً كانت أم نافلة، ويعلنون أنهم إن لم يهدهم الله تبارك وتعالى، فقد ضلوا إما ذات اليمين أو ذات الشمال، فكانوا إما مع المغضوب عليهم، وهم: الذين رأوا الآيات البينات، وعرفوا الحق، ولكنهم لم يتبعوه، وإما مع الضالين، وهم: الذين عبدوا الله تبارك وتعالى على جهل، فلم يتبعوا ما أنزل الله وما شرع، بل عبدوه بالبدع، لا بما شرع.

فيقول تعالى: { كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم } فاطلبوا هدايتي، وادعوني أن أهديكم، والإجابة من الله تبارك وتعالى متحققة: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87].

فإذا أقبل العبد على الله وطلبه الهداية ورجاه، فإن الله تبارك وتعالى يهديه ولا يخيبه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فمن جاهد في الله يريد وجه الله ويريد معرفة الحق، أوصله الله تبارك وتعالى إليه.

ألا ترون إلى قصة سلمان الفارسي -رضي الله تعالى عنه- كيف أنه خرج يطلب الدين الحق، وكيف عَبَدَ الله بـالمجوسية مدةً من الزمن، ثم انتقل من راهبٍ إلى راهب، وهذا يسلمه إلى ذاك، وهذا يحوله إلى ذاك، حتى مَنَّ الله تبارك وتعالى عليه بلقاء المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فآمن بالله، وجاهد في الله، وطلب الهداية وسعى من أجلها، فلم يمت إلا وقد قرت عينه بالإيمان، ورأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].

إذاً الافتقار الأول هو الافتقار إلى الهداية، وهو أشد أنواع الافتقار بالنسبة للمخلوق، فالعبد المخلوق أفقر ما يكون إلى هداية الله، ولذلك قدمت الهداية على الطعام وعلى الكساء، لأن أهم شيء هو: أن يهتدي الإنسان إلى الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى : الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ [الرحمن:1-3].

فامتنَّ الله تبارك وتعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان، مع أن الإنسان لن يستطيع قراءة القرآن إلا إذا خُلق، ولكن أعظم من كونه مخلوقاً: أن يكون عالماً بالقرآن، عاملاً به، مهتدياً إلى ربه، وإلا فكم من مخلوق لا يعرف ربه ولا يعرف القرآن، فحياته نقمة عليه، لأنه والدواب سواء، قال تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44]، فهم أضل من الأنعام.

فالهداية هي أحوج ما يبحث عنه الإنسان، وأشد ما يفتقر إليه، ولذلك فإنها قدمت في هذا الحديث، على ما سيلحقها بعد ذلك.

طلب الرزق من الرزاق وحده

النداء الثالث هو: طلب ما يحتاج إليه العباد ويضطرون إليه في معاشهم وحياتهم الدنيا، فقال: {يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم}.

نعم: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [العنكبوت:17] فالناس غالباً ما يعلقون طلب الرزق بالأسباب، فكل الناس -حتى أكثر المسلمين- يعلقون طلب الرزق إلى الأسباب؛ وينسون خالق الأسباب، وينسون الرزاق ذا القوة المتين الذي تكَّفل فقال: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6].

ومع ذلك، فإن أكثر الناس لا ترتفع أنظارهم إلى خالق السماوات والأرض، الرازق المحيي المميت، بل ينغمسون في طلب الأسباب ويلهثون ورائها، وكثيراً ما يخرج بهم ذلك عن الطريق المستقيم، فيقعون في معصية الله، ويبتغون رزق الله بمعصيته، ظناً منهم وجهلاً أنهم بذلك ينالون فضل الله، وينالون رزق الله تبارك وتعالى، وهو يقول: {يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته}، فهو المطعم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يُطْعِمْ ولا يُطْعَمْ، وهو الذي يمنُّ على خلقه بهذا الرزق، وكل ذي كبدٍ رطبة، فالله تبارك وتعالى يرزقه ويكلؤه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

{ فاستطعموني أطعمكم }، فاطلبوا الرزق مني وحدي، فمن طلب الرزق من الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، فقد كفي مؤونة الرزق، وكان مع ذلك ذا عزةٍ وتعففٍ وترفعٍ، لا يجده أبداً من طلب الرزق من البشر، أو من الأسباب المخلوقة المنقطعة عن الله تبارك وتعالى.

فثنى الله -تبارك وتعالى- بطلب الرزق والإطعام بعد طلب الهداية منه وحده لا شريك له.

طلب الكساء من الخالق وحده

وهناك أمر ضروري آخر يحتاج إليه الناس، وقليل من الناس من يُفكِّر فيه، أو من يعرف نعمة الله تبارك وتعالى ومنته علينا به، فقال في الحديث: (يا عبادي! كلكم عارِ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم)، فكثير من الناس لا يفطنون ولا يتنبهون إلى نعمة الكساء؛ لأنها لكثرتها ولوفرتها ولعموم فائدتها تبلد الإحساس بها، إلا من عانى ومن ذاق عدم اللباس، فمن ذاق ذلك عرف نعمة الله تبارك وتعالى على العالمين، بأنه أنزل إلينا هذا اللباس، وتفضل علينا به، والله تبارك وتعالى، يذكرنا بنعمه، ومنها هاتان النعمتان: نعمة الطعام ونعمة اللباس، وهما النعمتان المشاهدتان الملموستان يومياً في حياة الإنسان.

فكل إنسان في أية بيئة كان أو في أي مستوى كان من الحياة، لابد أنه في كل يومٍ وليلة يأكل ويشرب، ولابد أنه يلبس، فهاتان نعمتان ملازمتان للإنسان أينما وجد، فكان ينبغي أيضاً أن يلازم الإنسان تقوى الله، وطاعته، وعبادته، أينما وجد، ومهما كانت حالته الاجتماعية والمعيشية.

طلب المغفرة من الغفور سبحانه

ثم يقول تعالى في هذا الحديث: (يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم).

فهذه حقيقة لامناص لأي إنسان أن يفر منها أو يكابر أو ينكرها، فنحن العباد نخطئ بالليل والنهار، وكل بني آدم خطاء، فالقلب يخطئ بالخطرات والأفكار والوساوس الرديئة والأماني الكاذبة.

والعين تخطئ بفضول النظر، وبالنظر المحرم، وبما من شأنه أن يدخل إلى القلب داءً قد لا يشفى منه أبداً.

واللسان يخطئ، ومن الذي يمر عليه يوم ولا يخطئ بلسانه؟! إما بغيبة أو نميمة أو كلمةٍ لاحق له أن ينطقها؟!

والأذن تخطئ فكم تسمع من حرام! فإما أن تسمع حراماً فتستلذ به، وإما أن تسمع منكراً فلا تنكره، فالخطأ ملازم لابن آدم، ولو لم يكن من خطأ ابن آدم إلا أنه غافلٌ عن هذه النعم، فهو غافل عن ذكر الله تعالى مع أنه متلبس بها ليل نهار.

ولهذا أمرنا الله أن نستغفره -تبارك وتعالى- وكذلك أمرنا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستغفر الله تبارك وتعالى، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب لنا في ذلك المثل الأعلى؛ فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر الله في اليوم مائة مرة أو أكثر من مائة مرة، بل كان ربما استغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة.

هذا وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والاستغفار هو صابون الذنوب، وهو الذي يذهبها بإذن الله تبارك وتعالى.

فهذا الطلب وهذا النداء من الغفور الرحيم، الغني عن العالمين إن عبدوا وإن أطاعوا، أو إن عصوا وكفروا؛ فالله عز وجل يبين لنا أنه يفتح هذا الباب العظيم من أبواب الرجاء ومن أبواب الخير، وهو عز وجل يطلب منا أن ندعوه، وأن نستغفره.

الله يغضب إن تركت سؤاله     وبني آدم حين يسأل يغضب

فسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى القائل في محكم التنزيل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، فهذا الغني الحميد هو من يقول لهؤلاء الفقراء -وكلنا فقير-: يا أيها العبيد استغفروني؛ واطلبوني الهداية، واطلبوني الإطعام؛ واطلبوني الكساء؛ واطلبوني أن أغفر لكم ذنوبكم، لأنكم لاتنفكون عن ذنب آناء الليل وآناء النهار، فأي إنعامٍ وإحسان وتكرم وفضل بعد ذلك؟! وهو عز وجل لا يُقَنِّطُ عباده ولا يخيب من أتاه ومن رجاه، ولو أتاه بملء الأرض من الخطايا.

ممن يطلب العفو

يقول تعالى في حديث آخر : (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) سبحان الله! لا يبالي مهما كان عظم ذنبه..! فأين المستغفرون؟! وأين الأوابون؟! وأين التائبون؟! فيكفي أن تقبل على الله وأن تطرق باب الكريم الودود، فلا يردك أبداً، ولا يخيبك أبداً، فالله -عز وجل- منه المفر وإليه الملجأ، كما جاء في دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك...).

فنخاف من الله، لأننا أذنبنا، وأسرفنا على أنفسنا بالمعاصي، فماذا نفعل؟ نلجأ إلى الله، فمنه المهرب وإليه الملجأ، فلا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك يا رب العالمين.

فهكذا يفتح الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو الغني الحميد الباب أمام العباد الفقراء المحتاجين العاجزين أن هلموا، وتعالوا إلى الفضل والرحمة والمغفرة، وتعالوا إلى الله بقلوب مؤمنة مستغفرة تائبة، فعندها يُبدِّلُ الله سيئاتكم حسنات.

فالله لا يرد من أتاه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا يخيب من رجاه، وهل هناك أكرم من الله عز وجل؟! فلو تخلَّى الله عن هذا التائب العائد إلى الله، فإلى من يعود؟! وإلى من يلجأ؟! لا إلى أحد، فهذا من سعة فضل الله ومن سعة كرمه -جل وعلا- فهو يبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ومع ذلك أين العباد من هذا؟!

نجد أن أكثر الناس غافلون، لاهون، منغمسون في دنياهم، لا يقول أحدهم: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، كم من المؤمنين من يستغفر الله! وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

فكيف بالكافرين وهم أكثر من المسلمين، الذين لا يستغفرون الله تبارك وتعالى، ولا يرجون اليوم الآخر؟! ولذلك يلقونه وأوزارهم على ظهورهم، وتعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولا يظلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحداً، فما عملوا من عملٍ، فيه إحسان أو خير، إلا عجل لهم الجزاء به في الحياة الدنيا، من عافية ومالٍ، وزيادةٍ في النماء، والذكر عند الناس، لكنهم يلقون الله وليس لهم عنده شيء.

أما المؤمن الذي يرجو لقاء الله، فإنه يستغفر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويعلم أنه مذنب، والاستغفار لتضمنه الافتقار إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والانكسار والذل والخضوع له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ كان بهذه المثابة العظيمة، وكان هذا فعله في الذنوب.

والمهم أن يكون المستغفر مستغفراً حقاً، وأن يكون صادقاً في أوبته إلى الله تبارك وتعالى، وأن يكون راجياً طالباً لذلك، وينظر إلى ذنبه، وكأنه جبل يوشك أن يقع عليه.

فهذا هو استغفار عباد الله الصالحين: (يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم).

لا ينفع الإنسان ولا يضر إلا نفسه

ثم يقول: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)، فهذا النداء السادس يبين لنا الفارق بين رب العالمين، وبين العبيد، وهو أن العبيد لن يضروا الله شيئا، فمن كفر فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله تبارك وتعالى شيئاً أبداً، ولو أراد أحدٌ أن ينفع الله تبارك وتعالى، فهل ينفع رب العالمين بشيء؟! لا، لأنك أنت الفقير وأنت المحتاج إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

( يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني )، فلماذا إذاً يفكر العباد في أن يُعَادْوا ربهم -عز وجل- ويحاربوه، ويعاندوه ويستكبروا على دينه؟! أيظنون أنهم يضرونه؟ لا يضرون إلا أنفسهم فيقول الله لهم : (لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني).

فلو أن أحداً ظن بعقله القاصر، وبذهنه الكليل أنه قد ينفع الله، فإنه لن ينفع الله تبارك وتعالى بشيء، فهو الغني الحميد، والعباد هم الفقراء إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثم وضحَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذلك وجلَّاه وبيَّنه فيما بعد، فقال: (يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً). فسبحان الله! لو أن هؤلاء جميعاً، الأولين والآخرين، الإنس والجن، كانوا على أتقى قلب رجل واحد -ولا أتقى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما زاد ذلك في ملك الله تبارك وتعالى شيئاً أبداً.

فلا يزيد ملكه بالطاعة، ولا ينقص بالمعصية، كما قال بعد ذلك: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

فهو الغني عن الطاعة إن أطعنا، وهو الغني عن المعصية إن عصينا، وهو الذي لا تنفعه تلك الطاعة، ولا تضره هذه المعصية أبداً.

فإن نفع الطاعة وفائدتها هي للعبد، لك أيها العبد العاجز الضعيف، ومن تضر المعاصي؟ تضرك أنت أيها العاصي، العبد العاجز الضعيف، فإذا تدبر الإنسان هذه المعاني, وعلم ذلك، وعلم مقدار جنايته على نفسه حين يعصي ربه عز وجل، وعلم أنه فرط في حق نفسه وفرط في حق ربه -تبارك وتعالى- لما جاهره وحاربه وتنكَّب طريق هداه، فهو بهذا لن يضر إلا نفسه، وربه تبارك وتعالى غني عنه.

غنى الله المطلق لا ينقص بالعطاء

ثم أخبر الله تبارك وتعالى بعد ذلك بما يدل على الغنى المطلق الذي لا يحده حد، والعطاء الواسع، فقال: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني، فأعطيت كل واحدٍ منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أدخل البحر).

فلو وقف الناس جميعاً الأولون والآخرون، والثقلان الجن والإنس، في صعيد واحد في أرض منبسطةٍ ممتدةٍ واحدةٍ، وكل منهم سأل الله ما يشاء ودعاه كما يريد، وأعطاه الله تبارك وتعالى ما طلب، لم يُنقص ذلك المعطى للمخلوقين جميعاً من ملك الله، إلا كما يُنقص المِخْيَط إذا أدخل البحر، وكم يأخذ المِخْيَط من الماء بالنسبة إلى ذلك البحر؟!

هو كما قال عز وجل، كما في مسند الإمام أحمد: (عطائي كلام، وعذابي كلام) فعطاء الله تبارك وتعالى كلام، وعذابه كلام، أي: يقول للشيء: كن فيكون، فماذا ينقص من خزائن الله تبارك وتعالى، وهو الذي يقول للشيء: كن فيكون!

فمهما طلب العبد، ومهما رجا، ومهما ألح أو أكثر، فإن أعطي له فإن ذلك لا ينقص من ملك الله الواسع العظيم أي شيءٍ على الإطلاق.

كما أنه لا يكون علم المخلوقين بالنسبة إلى علم الله -تبارك وتعالى- إلا كهذه النسبة، كما ضرب الخضر عليه السلام، لموسى عليه السلام ذلك حين قال: (ما مثل علمي وعلمك في علم الله -تبارك وتعالى- إلا كمثل ما أخذ ذلك الطائر من البحر)، وكم أخذ من البحر؟! فهذا هو العليم؛ علمه كذلك، وملكه كذلك، وغناه كذلك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

إحصاء الله لأعمال عباده حتى يوفيها لهم

يقول عز وجل: { يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها }، فهذا هو النداء العاشر، والخاتمة المهمة التي يجب أن ينتبه لها كل المخلوقين.

{يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله} فالفضل لله، لأنه هو الذي هداه وأنعم عليه، وغفر له واجتباه، ووفقه لطريق الخير.

ثم قال: {ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنّ إلا نفسه}، لأن الحجة قد قامت عليه، ولأن الإعذار قد أتاه، والنذير قد جاءه، وأياً كان هذا النذير، فقد جاءه النذير، وقد رأى الآيات البينات وما عصى إلا على بينةٍ وعلم: {فلا يلومن إلا نفسه}.

فاللوم حينئذٍ يتوجه إلى ذلك العبد وإلى نفسه الأمارة بالسوء، وليس إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وليس إلى المقادير، كما يفعل ذلك الكفار: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا [المؤمنون:106]، فهذه العلل وهذه الأعذار لا تنفع حينها.

ولهذا قال من قال من السلف: والله لأجتهدن، ثم لأجتهدن، فإن كان الذي نرجو فالحمد لله، وإن كان غير ذلك، قلت: قد اجتهدت وقد فعلت، ولم ينفع ذلك، ولا نقول: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً [فاطر:37]، فكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يعلمون هذه الحقيقة، ولهذا اجتهدوا وبذلوا جهدهم كله، واستفرغوا أوقاتهم وأعمالهم وطاقاتهم في رضى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي طاعته، وفي اجتناب معصيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكانوا هم العباد حقاً.

فهذا الحديث قد سقناه، وشرحناه شرحاً موجزاً، راجين من الله -سبحانه وتعالى- أن يمنَّ علينا بالإيمان والتقوى، وبالتدبر لهذا الحديث ولأمثاله، مما خاطبنا الله تبارك وتعالى به في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، وما خاطبنا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذلك مما فيه حياة قلوبنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، وفيه الخير والفلاح، لنا في هذه الحياة وفي الحياة التي نرجوها عند الله تبارك وتعالى.

يقول الله تبارك وتعالى في أول هذا الحديث: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا}.

وهذه الرواية رواية الإمام مسلم رحمه الله وهي أتم من غيرها، فأول العشرة النداءات هو هذا النداء وبهذا اللفظ: { يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي }، فالله تبارك وتعالى هو الذي حرم الظلم على نفسه، وإلا فإنه عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولن يكون ظالماً -تبارك وتعالى- ولو فعل بخلقه ما فعل؛ وهو الخالق والرازق والمنعم والمدبر والمتصرف في ملكه كما يشاء، ومع ذلك فإنه فضلاً منه تبارك وتعالى، حرم الظلم على نفسه، وكتب على نفسه الرحمة، كما أخبر تبارك وتعالى في الذكر الحكيم.

فإذا كان القوي العزيز الجبار المتكبر، القادر على كل شيء، الخالق المالك لكل شيء حرم الظلم على نفسه، فكيف يظلم العبد أخاه العبد؟ وكيف يتظالم العباد؟! { فلا تظالموا }، هذا مع أن الله تبارك وتعالى، لا يجب عليه حقٌ لأحد، بل هو كما قال الشاعر رحمه الله:

ما للعباد عليه حقٌ واجبٌ     كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُ

إن عذبوا فبعدله أو نعموا     فبفضله وهو الكريم الواسعُ

فهو إن عذب الخلق، فلا يعذبهم إلا عدلاً، وإن رحمهم فلا يرحمهم إلا فضلاً منه عز وجل وتكرماً، ولهذا جاءت هذه النداءات -وكلها تخاطب الإنسان الضعيف العاجز- من الله من الرب الرحيم، الودود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

{ يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا } فكيف يتظالم المخلوقون؟! وكيف يظلم بعض الناس بعضاً؟!

والله تبارك وتعالى قال عن نفسه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يونس:44]، وقال: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ [غافر:31]، فهو عز وجل لا يريد الظلم ولا يحبه، وقد حرمه على نفسه فلن يريده ولن يقبله من أحدٍ أبداً.

بل هو كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {إن الله يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته }، وقال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183].

لكن الله إذا أخذ الظالم لم يفلته، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الظلم ظلمات يوم القيامة} كما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { المسلم أخو المسلم لا يظلمه.. } فالمسلم لا يظلم أحداً من الناس، بل ولو كانت دابةً من الدواب، فوضع الشيء في غير موضعه، هو: الظلم، وكل وضع للشيء في غير موضعه فالله تبارك وتعالى منزه عنه.

كما يجب على العباد أن يتركوا ذلك الظلم، فديننا هو دين العدل في كل شيء، حتى الحذاء: {نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينتعل الرجل في إحدى رجليه ويدع الأخرى}، لأنه دين العدل في كل شيء.

فمن الفوائد المأخوذة من هذا الحديث: أن ديننا دين العدل، حتى بين أرجلك فتعدل بينهما، فإما أن تنتعل فيهما معاً، وإما أن تكونا حافيتين معاً، فلا ظلم ولا إجحاف.

ولقد بعث الله -تبارك وتعالى- محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدنيا شرقاً وغرباً تعج بالمظالم، وبالعنصرية وبالطبقية وباستعباد خلق الله -تبارك وتعالى- فكما كان فرعون ظالماً كان كذلك فراعنة الفرس والروم، فيجعلون أقوامهم شيعاً ويستضعفون طوائف منهم.

فجاء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدين العدل والحق والهدى، فتعلمت الإنسانية جميعاً كيف تعدل من هذا الدين، وعلمت لأول مرة في تاريخها لا كلاماً وحِكماً يقولها الفلاسفة، ويرددها الحكماء، بل رأت العدل واقعاً يسير أمامها، ويملأ شرق الدنيا وغربها، وذلك لأنهم عرفوا مما عرفوا مثل هذا النداء الرباني الكريم: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2573 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2505 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2458 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2346 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2261 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2254 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2247 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2196 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2164 استماع