شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 54-56


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة الكرام!

لدينا في هذه الحلقة أربعة أحاديث، وإن كان المحقق في النسخة التي علق عليها الشيخ محمد حامد الفقي اعتبرها ثلاثة أحاديث. أولها: حديث جابر ثم حديث أبي هريرة ثم حديث سعيد بن زيد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين.

قال المصنف رحمه الله: (وعنه رضي الله عنه -الضمير في قوله: (وعنه) يرجع إلى جابر راوي الحديث السابق- قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه )، أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف.

تخريج الحديث

هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه، في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عقب روايته: ابن عقيل ليس بالقوي، هكذا يقول الدارقطني، ويعني بـابن عقيل هذا: القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل الهاشمي، في إسناد هذا الحديث القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل الهاشمي . يقول الدارقطني : ليس بالقوي.

وكلام أئمة الجرح والتعديل في القاسم هذا أغلظ وأشد مما قاله الدارقطني، فقد قال فيه الإمام أحمد : ليس بشيء.

وقال أبو حاتم : متروك الحديث.

وقال أبو زرعة : أحاديثه منكرة.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي .

وبناءً على قول الأئمة السابقين أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم يكون هذا الحديث ضعيفاً جداً، وليس ضعيفاً فقط كما قال المصنف رحمه الله ؛ لأن حديثاً فيه رجل متروك الحديث، أو أحاديثه باطلة، أو منكرة أو ليس بشيء، أحاديثه ضعيفة جداً وليست ضعيفة فحسب.

دلالة الحديث على وجوب غسل المرفق مع غسل الذراع

المؤلف رحمه الله ساق هذا الحديث لفائدة فقهية وهي أن المرفق داخل فيما يجب غسله من الذراع؛ لأنه قال: ( كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه )، فدل على دخول المرفق فيما يغسل من الذراع، ولكن الحديث كما رأيتم ضعيف جداً، والأحاديث الضعيفة جداً بل الأحاديث الضعيفة لا يحتج بها، خاصة في مجال الأحكام والحلال والحرام .

ولكن هذا المعنى الذي دل عليه الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق أخرى، من أقواها وأصحها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أنه غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم قال أبو هريرة في آخره: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم )، فهذا الحديث دال على دخول المرفق فيما يجب غسله من الذراع.

ومثله في الدلالة أيضاً حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل يديه حتى مس أطراف العضدين )، والحديث رواه الدارقطني وغيره، وفيه محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وهو صدوق مدلس، وقد عنعن في هذا الحديث.

وبناءً على ذلك يكون حديث عثمان بمفرده ضعيفاً؛ لأن فيه عنعنة ابن إسحاق، ولذلك من الممكن أن يعترض معترض فيقول: ما دمنا لم نحتج بحديث جابر لأنه ضعيف، فما بالنا نحتج بحديث عثمان مع أنه ضعيف أيضاً، فكيف ننفك عن هذا الإشكال؟

نقول: إن الضعيف إذا تعددت طرقه يكون حسناً لغيره .

فما بال حديث جابر لم يكن حسناً لغيره مع تعدد طرقه؟

لشدة ضعفه، حديث جابر لا ينجبر؛ لأنه شديد الضعف كما يظهر من أقوال العلماء في القاسم بن محمد، أما ضعف عثمان فضعفه قريب وقابل للانجبار.

وكذلك مثل هذين الحديثين في الدلالة على دخول المرفق في الذراع: حديث وائل بن حجر عند البزار والطبراني وغيرهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل الذراعين حتى جاوز المرفقين )، وحديث وائل هذا ضعيف؛ لأن فيه عدداً من الرواة المجهولين، فالمسألة التي أورد المصنف من أجلها حديث جابر، وهي مسألة دخول المرفق فيما يجب غسله من الذراع، مسألة ثابتة من حديث عثمان، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث وائل وغيرهم. وهذا القول بدخول المرفق فيما يجب غسله هو قول جماهير العلماء، الأئمة الأربعة وعطاء وإسحاق وغيرهم. ولم يخالف في ذلك إلا زفر وأبو بكر بن داود الظاهري، ولعل المسألة سبقت في غير هذا الموضع.

المهم: أن حديث جابر شديد الضعف كما رأيتم، ويغني عنه حديث أبي هريرة ثم حديث عثمان ووائل، ولذلك قال الصنعاني في سبل السلام وهو يتكلم عن حديث جابر هذا، قال: إن المصنف قال: ويغني عنه حديث عثمان، ويا ليته! ساقه عوضاً عنه، يعني: لو أن المصنف ساق حديث عثمان الذي في مسلم عوضاً عن هذا الحديث لكان أولى، والله أعلم.

نعم، لو أن المصنف ساق حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم عوضاً عن حديث جابر لكان أولى، هذا ما يتعلق بحديث جابر رضي الله عنه .

هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه، في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عقب روايته: ابن عقيل ليس بالقوي، هكذا يقول الدارقطني، ويعني بـابن عقيل هذا: القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل الهاشمي، في إسناد هذا الحديث القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل الهاشمي . يقول الدارقطني : ليس بالقوي.

وكلام أئمة الجرح والتعديل في القاسم هذا أغلظ وأشد مما قاله الدارقطني، فقد قال فيه الإمام أحمد : ليس بشيء.

وقال أبو حاتم : متروك الحديث.

وقال أبو زرعة : أحاديثه منكرة.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي .

وبناءً على قول الأئمة السابقين أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم يكون هذا الحديث ضعيفاً جداً، وليس ضعيفاً فقط كما قال المصنف رحمه الله ؛ لأن حديثاً فيه رجل متروك الحديث، أو أحاديثه باطلة، أو منكرة أو ليس بشيء، أحاديثه ضعيفة جداً وليست ضعيفة فحسب.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4784 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4394 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4213 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4047 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4021 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3974 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3917 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3900 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3879 استماع