شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه من أهوال ذلك اليوم الحق، واختلاف أحوال العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك، في ذلك اليوم الهائل, من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابة عن المسائل].

منزلة الإيمان بالبعث واليوم الآخر

الإيمان بالبعث بعد الموت, وما يجعله الله عز وجل بعد ذلك من حساب وعقاب وثواب, وما يجعله الله عز وجل من ميزان لأهل الحسنات والسيئات, وما يجعله الله عز وجل أيضاً من امتحان واختبار وشدائد في يوم العرصات, هذا من أركان الإيمان, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة وكذلك من حديث عمر بن الخطاب، لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, وبالبعث بعد الموت, وبالقدر خيره وشره ), فيؤمن الإنسان بالبعث بعد الموت, وما أخبر الله عز وجل به.

الإيمان الذي يسقط به التكليف عن الإنسان باليوم الآخر

والإيمان الذي يسقط به التكليف عن الإنسان باليوم الآخر أن يؤمن بأن الله عز وجل يبعث الناس، ويجازيهم على أعمالهم, من خيراً وإن شراً فشر, يجازي المحسن بالإحسان والمسيء بالإساءة, وأهل الإيمان يكونون من أهل الجنة، وأهل الكفر يكونون من أهل النار خالدين فيها, وأن الله عز وجل يعذب طائفة من أهل الإيمان, يمحصهم سبحانه وتعالى، ثم يدخلهم الله جل وعلا الجنة بعد ذلك, وأن الله سبحانه وتعالى حرم على أهل الإيمان الخلود في النار.

الإيمان بأحداث يوم القيامة على التفصيل

وما يأتي من تفاصيل القيامة؛ من العرض, والميزان, والصراط, وصفة المرور عليه؛ فنقول: الإيمان بذلك عند ورود النص واجب, وعند عدم وروده لا يجب على كل أحد أن يتتبع النص ليصح إيمانه فيؤمن بذلك, ولهذا نقول: الذي يقول: إنني لا أعلم عن الصراط شيئاً، ولا أؤمن به, باعتبار عدم ورود دليل في ذلك، هذا معذور؛ لأنه لم يسمع بهذا, وأما الذي يقول: لا أدري ما البعث، ولا أدري الناس يبعثون أو لا يبعثون؛ هذا هل يصح إيمانه أو لا يصح؟ لا يصح إيمانه, باعتبار أن الأصل في ذلك أنه لا يصح إيمان الإنسان إلا بالإيمان بالبعث.

وأما ما يتعلق بتفاصيل ذلك فإن ذلك يرجع فيه الإنسان إلى وقوفه عن الدليل, إن وقف عليه وجب عليه أن يؤمن, وإن لم يقف عليه لا يجب عليه أن يؤمن؛ كالكفتين للميزان, وكذلك إقرار الله سبحانه وتعالى لعباده, وجعل المؤمن في كنفه, وكذلك ما يتعلق بالصحف ومدها, وما يتعلق أيضاً بدنو الشمس, وغير ذلك مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كونه يوم القيامة, نقول: هذا معرفته ليست من أركان الإيمان بهذا التفصيل.

وأما ما يجب على المؤمن أن يؤمن أن الله عز وجل على سبيل الإجمال يبعث عباده، ويجازي المحسن بالإحسان والمسيء بالإساءة, المحسن هو من آمن على ما تقدم الكلام عليه, والمسيء هو من كفر بالله سبحانه وتعالى, ويعذب الله عز وجل طائفة من أهل الإيمان بذنوبهم، ثم يدخلهم الله عز وجل الجنة؛ وذلك بما يشاؤه الله سبحانه وتعالى ويقدره.

نشر الصحف يوم القيامة

وهنا يذكر المصنف رحمه الله ما يأتي يوم القيامة من صحف, صحف يأخذها الإنسان بيمينه, وصحف يأخذها بشماله, صحف اليمين هي الصحف الراجحة من صحف الحسنات, وأما ما يأخذه الإنسان بشماله فهي الصحف الراجحة من أعماله السيئة, التي تقود الإنسان إلى النار والعياذ بالله.

وزن الحسنات والسيئات يوم القيامة

وما من أحد من العباد من أهل الإيمان إلا وله كفتان: كفة حسنات, وكفة سيئات, يستثنى من ذلك من غفر الله عز وجل له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2], هذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم, أما بقية العباد فلهم كفتان: كفة حسنات, وكفة سيئات, وأما من له كفة واحدة وهي كفة السيئات وهم الكفرة, وهم من كفر بالله سبحانه وتعالى.

ولهذا نستطيع أن نقول: إن الناس يوم القيامة منهم من له كفتان, وهم سائر الخلق, لهم حسنات وسيئات, ومنهم من له كفة واحدة؛ كفة حسنات, وهو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وقسم له كفة واحدة وهي كفة السيئات وهم الكفار, أين الحسنات؟ ( عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ), فحينئذٍ ليس لديهم حسنات, وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5], ولم يبق لديه شيء من عمل الطاعات التي تقرب بها إلى الله عز وجل في دنياه, وحينئذٍ ليس له إلا كفة واحدة وهي كفة السيئات.

وأما ما يتعلق ببعض الأعمال التي تقع من الإنسان فنقول: إن الإشراك مع الله عز وجل غيره هذه تزيل ما في الكفة الثانية, وليس له موزون فيها, باعتبار أن الشرك يضيع ويهدر ويحبط غيره من سائر أعمال الطاعات, وهذا للشرك الأكبر؛ لأن الله عز وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48], لأن الله قطع أن الشرك الأكبر لا يغفره لصاحبه, وأما ما عدا ذلك من الذنوب فإنها تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى, ويستثنى من مشيئة الله عز وجل في غفران الذنوب أمور:

أولها: هل يدخل الشرك الأصغر في هذا الباب أم لا؟ هذا موضع خلاف, هل يدخل تحت نفي الغفران؛ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] ؟ هم قولان للعلماء في هذا؛ قولان لأهل السنة, وهم قولان أيضاً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, قال: تارة أن الله عز وجل يجعلها تحت المشيئة, يعني: الشرك الأصغر, وقول: أنه لا يكون تحت المشيئة, بل إن الله عز وجل قطع الأمر في ذلك, فلا يغفر لأحد من عباده أشرك معه, سواء كان شركاً أصغر أو كان شركاً أكبر, فهذا على هذا القول يكون مما حرم الله عز وجل على نفسه غفرانه, ولكن يدخل في باب الموازنة, لا يمحو غيره؛ لأن الله عز وجل حينما قال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5], المراد بذلك هو الكفر الأكبر, لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65], المراد به هو الشرك الأكبر لا الشرك الأصغر, هو الذي يحبط جميع الأعمال.

أما ما يتعلق بالشرك الأصغر فلا يحبط جميع الأعمال، ولكن يحبط شيئاً منها, وإنما قلنا شيئاً منها؛ لأن الإطلاق في قول الله عز وجل: لَئِنْ أَشْرَكْتَ [الزمر:65] المراد بذلك هو الشرك الأكبر, وقلنا بالجزم بالإحباط أن السيئات تمحو الحسنات كما أن الحسنات تمحو السيئات, كما في قول الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114], هذا في أمور الحسنات تذهب السيئات.

أما ما يتعلق بالسيئات هل تذهب الحسنات أو تذهب بعضها؟ نقول: نعم, كما أن الحسنة لا تذهب جميع السيئات كذلك فإن السيئة لا تذهب جميع الحسنات إلا الشرك الأكبر, فإنه يمحو الله عز وجل به سائر ما يفعله الإنسان فلا يجازى عليه في الآخرة, وإنما يعجل له في الدنيا.

وأما بالنسبة لمحو السيئات للحسنات فهي على نوعين:

النوع الأول: محو سيئة لحسنة تقابلها, وذلك بنقضها؛ كقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264], فهو قد نقض صدقة بضدها, فتصدق ثم امتن, فقال: أعطيتك مالاً, يريد بذلك أن يظهر المنة, فهو نقض, ويدخل في هذا ما يتعلق بدقائق الشرك الأصغر من أمور الرياء وغير ذلك, فهذا يبطل ذلك العمل.

النوع الثاني: هو إبطال عمل من غير جنسه, فالسيئة تبطل الحسنة من غير جنسها؛ وذلك كالزنا, وهو كبيرة, يبطل طاعات أخرى؛ كتسبيح واستغفار وتهليل وغير ذلك, ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2], يعني: أن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب إحباط العمل, وهذا من مواضع الخلاف عند أهل السنة، ولهم قولان في مسألة محو السيئات للحسنات, محو الحسنات للسيئات هذا محل اتفاق عند أهل السنة.

وأما ما يتعلق بمحو السيئات للحسنات فهذا موضع خلاف عند أهل السنة، فقد اختلفوا في هذه المسألة على قولين: ذهب طائفة من أهل السنة وهو قول المعتزلة, إلى أن السيئات تمحو الحسنات كما أن الحسنات تمحو السيئات, وذهب جماعة من أهل السنة إلى أن السيئات لا تمحو الحسنات, قالوا: وهذا مقتضى أن رحمة الله سبحانه وتعالى تسبق غضبه, والتساوي في ذلك يحتاج إلى دليل, قالوا: ولا دليل صريح في ذلك.

نقول: الأدلة في هذا ظاهرة, فقد جاء من حديث أبي إسحاق عن زوجه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى ( أنها قالت لأم زيد بن أرقم : أخبريه أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب), لما تبايع بالعينة, ولهذا نقول: إن السيئة تذهب شيئاً من حسنات الإنسان, هذا فيما يتعلق بالسيئات التي هي من حق الله عز وجل المحض, أما ما كان من السيئات التي تكون من حق العباد فنقول: هذا الله عز وجل يغفرها لعبده بجميع أنواع المكفرات.

والمكفرات: لدينا حسنات تذهب السيئات, الاستغفار والتوبة, المصائب والهموم التي تطرأ على الإنسان, وكذلك الأحزان والآلام والأمراض والأسقام التي تطرأ على الإنسان, حتى الشوكة يشاكها الإنسان يكفر الله عز وجل بها من خطاياه, فهذه مكفرات, وكذلك ما يفتن به الإنسان في قبره مما يكفر الله عز وجل به أيضاً من عذاب يوم القيامة, عرصات يوم القيامة, فالله عز وجل لا يجمع للإنسان عذابين وغير ذلك, كذلك استغفار الإنسان لأخيه يمحو الله عز وجل به من ذنبه, وغير ذلك من أنواع المكفرات, وكل هذه المكفرات تكفر ما كان من حق الله عز وجل.

وأما ما كان من حقوق العباد فيما بينهم, وهي ثلاثة: الدماء, والأموال, والأعراض, فهذه لا تأتي عليها المكفرات, فكيف تكفر؟ تكفر إما بالاستحلال أو بأداء الحق إلى أهله, وقد دل الدليل على ذلك, فقد جاء في حديث أبي هريرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم : ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها، وليقتصن الله من الشاة القرناء للشاة الجماء ), وهذا الموضع الوحيد الذي تكلف به البهائم, وتحاسب عليه يوم القيامة, وهي الحقوق فيما بينها, فتحاسب البهائم على هذا, باعتبار أن الله عز وجل قد جعل فيها قدرة تميز الحق فيما بينها, فيحاسبها الله عز وجل على ذلك.

وكذلك ما كان من أمور العباد فيما بينهم؛ في الأموال, في الدماء, في الضرب, واللطم, والجراحة والقتل وغير ذلك, فإن الله عز وجل يجعلها قصاصاً يوم القيامة, والقصاص بالحسنات والسيئات جاء من حديث سعيد بن زيد من حديث أبي هريرة , وجاء من حديث عبد الله بن أنيس من حديث جابر بن عبد الله وغيرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدلة في ذلك مستفيضة.

مجازاة الله لعباده على مثاقيل الذر من الخير والشر

قال المصنف رحمه الله: [ إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط والميزان، ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر وغيرها].

وذلك أنه ما من أحد إلا ويجازيه الله عز وجل ولو كان من أمور الخير الدقيقة, فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8], ولو كان مثقال ذرة, لا بد أن يراه بعينه, وقوله هنا: ( يَرَه ) يعني: أن الله عز وجل يوقف عبده على كل عمل عمله, يقره عليه, والله عز وجل يجعل الكتبة عن يمين وشمال؛ هل هو للعلم أم لإقامة الحجة؟ لإقامة الحجة؛ لأن الله عز وجل يعلم, وليس بحاجة للكتبة, وإنما هو لإقامة الحجة على العبد يوم القيامة, فيكون من الشهود عليه, فيشهدون، ثم يأبى إلا من شاهد من نفسه، فينطق الله عز وجل جوارح العبد.

والله سبحانه وتعالى يحصي على عبده كل شيء.

وما تاب منه في الدنيا وقبل الله عز وجل عليه توبته؛ هل يره الإنسان؟ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8], هل يره أم لا يره؟ هذا موضع خلاف, ذهب الجمهور إلى أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, وأن الذنب يعدم, ولا يبقى منه شيء, فإذا قبل الله عز وجل من عبده توبة, ذهب بعض أهل السنة وقال بهذا الحسن البصري إلى أنه لا يمحى, فيبقى ويقر عليه ويسأل عنه, وهذا مقتضى الإحصاء وعدم مغادرة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, لكن لا يعذب عليها, وإنما يقر, (أتذكر ذنب كذا وكذا في يوم كذا وكذا واستغفرت منه؟) غفره الله عز وجل لك, لكن لا يعذبك به, ويقرك بذنب لم تتب منه ولم يغفره الله عز وجل لك، ويحاسبك عليه إن شاء سبحانه وتعالى.

الإيمان بالبعث بعد الموت, وما يجعله الله عز وجل بعد ذلك من حساب وعقاب وثواب, وما يجعله الله عز وجل من ميزان لأهل الحسنات والسيئات, وما يجعله الله عز وجل أيضاً من امتحان واختبار وشدائد في يوم العرصات, هذا من أركان الإيمان, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة وكذلك من حديث عمر بن الخطاب، لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, وبالبعث بعد الموت, وبالقدر خيره وشره ), فيؤمن الإنسان بالبعث بعد الموت, وما أخبر الله عز وجل به.

والإيمان الذي يسقط به التكليف عن الإنسان باليوم الآخر أن يؤمن بأن الله عز وجل يبعث الناس، ويجازيهم على أعمالهم, من خيراً وإن شراً فشر, يجازي المحسن بالإحسان والمسيء بالإساءة, وأهل الإيمان يكونون من أهل الجنة، وأهل الكفر يكونون من أهل النار خالدين فيها, وأن الله عز وجل يعذب طائفة من أهل الإيمان, يمحصهم سبحانه وتعالى، ثم يدخلهم الله جل وعلا الجنة بعد ذلك, وأن الله سبحانه وتعالى حرم على أهل الإيمان الخلود في النار.

وما يأتي من تفاصيل القيامة؛ من العرض, والميزان, والصراط, وصفة المرور عليه؛ فنقول: الإيمان بذلك عند ورود النص واجب, وعند عدم وروده لا يجب على كل أحد أن يتتبع النص ليصح إيمانه فيؤمن بذلك, ولهذا نقول: الذي يقول: إنني لا أعلم عن الصراط شيئاً، ولا أؤمن به, باعتبار عدم ورود دليل في ذلك، هذا معذور؛ لأنه لم يسمع بهذا, وأما الذي يقول: لا أدري ما البعث، ولا أدري الناس يبعثون أو لا يبعثون؛ هذا هل يصح إيمانه أو لا يصح؟ لا يصح إيمانه, باعتبار أن الأصل في ذلك أنه لا يصح إيمان الإنسان إلا بالإيمان بالبعث.

وأما ما يتعلق بتفاصيل ذلك فإن ذلك يرجع فيه الإنسان إلى وقوفه عن الدليل, إن وقف عليه وجب عليه أن يؤمن, وإن لم يقف عليه لا يجب عليه أن يؤمن؛ كالكفتين للميزان, وكذلك إقرار الله سبحانه وتعالى لعباده, وجعل المؤمن في كنفه, وكذلك ما يتعلق بالصحف ومدها, وما يتعلق أيضاً بدنو الشمس, وغير ذلك مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كونه يوم القيامة, نقول: هذا معرفته ليست من أركان الإيمان بهذا التفصيل.

وأما ما يجب على المؤمن أن يؤمن أن الله عز وجل على سبيل الإجمال يبعث عباده، ويجازي المحسن بالإحسان والمسيء بالإساءة, المحسن هو من آمن على ما تقدم الكلام عليه, والمسيء هو من كفر بالله سبحانه وتعالى, ويعذب الله عز وجل طائفة من أهل الإيمان بذنوبهم، ثم يدخلهم الله عز وجل الجنة؛ وذلك بما يشاؤه الله سبحانه وتعالى ويقدره.

وهنا يذكر المصنف رحمه الله ما يأتي يوم القيامة من صحف, صحف يأخذها الإنسان بيمينه, وصحف يأخذها بشماله, صحف اليمين هي الصحف الراجحة من صحف الحسنات, وأما ما يأخذه الإنسان بشماله فهي الصحف الراجحة من أعماله السيئة, التي تقود الإنسان إلى النار والعياذ بالله.