كتاب الخراج والإمارة والفيء [1]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم.

أول كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم, والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم, والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم, والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه, فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ].

كل أحد لديه ولاية مسئول عنها, وأعظم الولايات هي الولاية الكبرى؛ لأنها شاملة للجميع؛ شاملة للأموال وللأفراد, شاملة للأنفس والعقول، وللدين والأعراق وغير ذلك, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من رجل يلي أمر ثلاثة فما فوق إلا جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه، فكه بره أو أبقاه إثمه ), يعني: الأصل أنه مؤاخذ, فيأتي مقيداً فيفكه عدله؛ لأنه لا يكاد يسلم من مظالم الناس أحد إلا ما رحم الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في طلب الإمارة

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس و منصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: ( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) ].

لا حرج أن يتشوف الإنسان للإمارة لا لحظ نفسه وإنما لإقامة العدل إذا لم يكن في الأمة أحد صالح؛ وذلك كما طلبها يوسف عليه السلام لا لحظ نفسه وإنما لحظ الأمة كما في قوله: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ [يوسف:55], وذلك لما رأى أمر الأمة مهلك, ويسير إلى غير خير, فسألها حتى يقيم أمر الناس, وإلا فالأصل أنها مكروهة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن بشر بن قرة الكلبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال: ( انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشهد أحدهما, ثم قال: جئنا لتستعين بنا على عملك, فقال الآخر مثل قول صاحبه, فقال: إن أخونكم عندنا من طلبه, فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لم أعلم لما جاءا له, فلم يستعن بهما على شيء حتى مات ) ].

أخو إسماعيل الذي يروي عنه إسماعيل بن أبي خالد لا يُعرف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الضرير يولى

حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين ) ].

ولاية الأعمى هنا ولاية عارضة لا ولاية دائمة, والولاية العارضة للأعمى لا حرج فيها, وأما الولاية الدائمة فتُكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العرافة

حدثنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا محمد بن حرب عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معدي كرب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً ) ].

صالح بن يحيى بن المقدام يقول البخاري: فيه نظر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده ( أنهم كانوا على منهل من المناهل, فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وقسم الإبل بينهم, وبدا له أن يرتجعها منهم, فأرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبي يقرئك السلام, وإنه جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وقسم الإبل بينهم, وبدا له أن يرتجعها منهم؛ أفهو أحق بها أم هم؟ فإن قال لك: نعم أو لا, فقل له: أبي شيخ كبير وهو عريف الماء, وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده, فأتاه فقال: إن أبي يقرئك السلام, فقال: وعليك وعلى أبيك السلام, فقال: أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وحسن إسلامهم, ثم بدا له أن يرتجعها منهم فهو أحق بها أم هم؟ فقال: إن بدا له أن يسلمها لهم فليسلمها, وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم, فإن هم أسلموا فلهم إسلامهم, وإن لم يسلموا قوتلوا على الإسلام, وقال: إن أبي شيخ كبير وهو عريف الماء, وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده, فقال: إن العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء, ولكن العرفاء في النار ) ]. الحديث لا يصح؛ للجهالة في إسناده.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: اتخاذ الكاتب

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: ( السجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم ) ].

وهذا الحديث تفرد به يزيد بن كعب وهو مجهول, فالحديث منكر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السعاية على الصدقة

حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي وقال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته ).

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وقال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة صاحب مكس ).

حدثنا محمد بن عبد الله القطان عن ابن مغراء عن ابن إسحاق قال: الذي يعشر الناس, يعني: صاحب المكس ].

والمكس شبيهة بالأموال التي تؤخذ ضرائب على السلع من غير مؤنة, وشبيهة بالجمارك اليوم, فإذا أخذت بحق؛ كأن يأخذوا المال لحمايتها مثلاً أو لحراستها أو لكونها تكون في مستودعاتهم ونحو ذلك فذلك جائز, أما أن تؤخذ على كل مار ولا يقدم لها شيئاً فهذا هو المكس.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخليفة يستخلف

حدثنا محمد بن داود بن سفيان و سلمة قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: ( قال عمر: إني إلا أستخلف, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف, وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف, قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وأنه غير مستخلف )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في البيعة

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: ( كنا نبايع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ويلقنَّا: فيما استطعت ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة ( أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء فقالت: ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها, فإذا أخذ عليها فأعطته قال: اذهبي فقد بايعتك ) ].

هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم, وإنما نهي عن المس والخلوة والنظر لأجل ألا يفضي ذلك إلى الوقوع في الفاحشة, مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك, ومع ذلك امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن مصافحة النساء؛ لعظم هذا الأمر، ولكونه مشرّعاً عليه الصلاة والسلام.

ولا أعلم أحداً من السلف رخص في مصافحة المرأة بحال، أو فعلها, لا من الصحابة ولا من التابعين, وإنما يروى في هذا عن أبي بكر في المرأة العجوز, ذكره الزيلعي في كتابه نصب الراية, وليس له إسناد, وجاء عن إبراهيم النخعي أيضاً من أهل الكوفة القول بهذا في المرأة كبيرة السن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام قال: ( وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, بايعه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو صغير, فمسح رأسه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أرزاق العمال

حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ).

حدثنا أبو الوليد الطيالسي وقال: حدثنا ليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي قال: ( استعملني عمر على الصدقة, فلما فرغت أمر لي بعمالة, فقلت: إنما عملت لله, قال: خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني ).

حدثنا موسى بن مروان الرقي قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير عن المستورد بن شداد قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً, قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق ) ].

وفي هذا حث لأصحاب الولايات أن يكفوا؛ حتى لا تتشوف نفوسهم إلى مثل ما عليه أصحاب الغنى والتجارة وغير ذلك, وكذلك ينبغي ألا يخالطوا الناس في أموالهم فيغبنوهم أسعارهم وسوقهم فتخفض لهم الأسعار فيظلموا, فيعطون كفايتهم من المال والخادم وغير ذلك حتى تُسد الحاجة, فإن أخذوا زيادة عن ذلك فهو غلول, لا يجوز لهم أن يأخذوا غير ذلك من بيت المال.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الطهارة [5] 2708 استماع
كتاب الطهارة [8] 2686 استماع
كتاب الترجل - كتاب الخاتم 2315 استماع
كتاب الصلاة [21] 2311 استماع
كتاب الأيمان والنذور [2] 2300 استماع
كتاب الطهارة [9] 2294 استماع
كتاب الطهارة [2] 2221 استماع
كتاب الطهارة [4] 2164 استماع
كتاب الصلاة [20] 2127 استماع
كتاب الصلاة [6] 2117 استماع