أرشيف المقالات

النفس .. سعادتها وشقاؤها

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
النفس..
سعادتها وشقاؤها

للنفس قوتان: القوة العلمية، والقوة العملية[1]، كما أن لها نوعين من الحياة إحداهما: طبيعية كحياة البهائم، وهي ليست الحياة الكاملة النافعة التي خلق لأجلها الإنسان، والثانية: الحياة الكاملة النافعة، أي: ما ينتفع به الحي لأنه لا بد له من لذة يريدها أو ألم يتجنبه.
 
والنفس بطبيعتها متحولة، فهي حية، والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة، والإرادة والعمل من لوازم ذاتها (فإذا هداها الله علمها ما ينفعها وما يضرها فأرادت ما ينفعها وتركت ما يضرها)[2].
 
وقد تفضل الله سبحانه على بني ادم بأمرين هما أصل السعادة: الفطرة والهداية العامة.
 
ففيما يتعلق بالفطره، يأتي ابن تيمية بتفسيره للآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172] وقوله تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].
 
وكذلك الحديثان: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يقول الله تعالى: "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين.
وحرمت عليهم ما أحللت لهم.
وأمرتهم أن يشركوا بما لم أنزل به سلطانًا")
[3].
 
ويستخلص ابن تيمية من ذلك أن النفس إذا تركت بفطرتها كانت مقرة لله بالألوهية محبة له تعبد إياه لا تشرك به شيئًا، ولكن سبب فسادها أن شياطن الإنس والجن يفسدونها بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل[4].
 
وأما الهداية فهي هداية الله سبحانه بما جعل في بني البشر بالفطرة من المعرفة وأسباب العلم، وبما أنزل من الكتب وأرسل من الرسل، إذ يتضح من قصص الأنبياء اشتراك نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل، ولم يكن بالبشر حاجة إلى الاعتبار بمن لا يشبههم ولكن الأمر كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [البقرة: 118] وقوله عز وجل: ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة: 30] وتظهر الحجة لأنه لولا (أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل - فرعون ومن قبله - لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط)[5].
 
ولذلك تتمثل الهداية العامة للناس فيما جعل الله فيهم بالفطرة من المعرفة وأساليب العلم، قال تعالى:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
 
وقال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4].
 
وقال تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3].
 
وقال عز وجل: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10].
 

[1] ابن تيمية: الجواب الصحيح ج 4 ص 109.
[2] ابن تيمية: الحسنة والسيئة ص 65.
[3] الحديث الأول ورد في الصحيحين، والثاني ورد في صحيح مسلم.
[4] ابن تيمية: الحسنة والسيئة ص 66.
[5] ابن تيمية: الحسنة والسيئة ص 84.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣