أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
في معرض الكتاب العربي: زرت معرض الكتاب العربي الذي أعدته وزارة المعارف، فكانت زيارة ممتعة، لأني حصلت في ساعة ونصف ساعة ما لم أكن لأستطيع أن أحصله في عشر سنوات لو أني عكفت على متابعة تاريخ الكتاب العربي والصحافة العربية وطفت بأقسامه المتباينة، فلحظت كيف تطورت الطباعة وتقدمت.
كانت الكتب في عهد محمد علي تطبع على ورق عريض ذي هامش واسع، يحيط بالكتابة إطار مزخرف أو عادي.
أما اليوم، فقلّ من يعنى من المؤلفين والناشرين باتباع هذا النظام العتيق! وشهدت خلاصة تفكير المصريين من أيام محمد علي إلى يومنا هذا معروضة عرضاً شهياً في مكان واحد، فحسبت نفسي في بستان يانع حوى ما دنا من قطوف الثقافة وثمارها وتأملت كتابا عنوانه (الأدلة القطعية على عدم دوران الكرة الأرضية) صدر في عهد عباس الأول - إن لم تخني الذاكرة - فأغرقت في الضحك، لأن ما كان يعده المؤلف إذ ذاك (أدلة قطعية) أصبحنا نعده اليوم (حججا واهية بالية)! ورأيت كتابا آخر عنوانه (وفيات الأعيان)، فضحكت كذلك لأن مؤلفه لم يجد ما يكتب عنه إلا أن يسرد تواريخ وفيات الأعيان! كأن الدنيا وما فيها لا تهمه وكأن الإصلاح الاجتماعي لا حاجة لنا إليه، وكأن الكتّاب فرغوا من الكتابة في جميع الموضوعات، ولم يبق سوى الكتابة عن وفيات الأعيان! وشاهدت الكتب الأولى للأساتذة: محمد حسين هيكل باشا، وطه حسين بك، وأحمد أمين بك، وأحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، وسواهم ممن تصدروا الحركة الثقافية المصرية، فكانت كتباً طريفة وقرأت في مجلة كان يصدرها الأستاذ سلامة موسى في عام 1914 - وقد نسيت اسمها - إن الدكتور طه حسين تشرف بمقابلة الخديو قبل سفره إلى فرنسا للدراسة، فسأله الخديو عما ينوي التخصص فيه فأجاب: في الأدب وتاريخه.
وعاد الخديو يسأله لماذا لا يتخصص في الفلسفة؟ فقال الدكتور طه: إن الفلسفة أفسدت الدكتور منصور فهمي (باشا فيما بعد)! وطبعت المجلة إلى جانب هذه الدعاية صورة للدكتور طه في زيه الأزه ورأيت مجلة كان يصدرها (أحمد أفندي لطفي السيد)، ويشترك في تحريرها (إسماعيل أفندي صدقي) و (عبد العزيز فهمي أفندي)!! غير أني لاحظت أن المعرض كاد يكون قفرا من الكتب العربية التي طبعت في البلدان الشقيقة.
فلا يشاهد المرء فيه - إلا عرضاً - كتباً لمؤلفين سوريين ولبنانيين وعراقيين وحجازيين وأردنيين وفلسطينيين، وكان يجدر بوزارة المعارف - ولا سيما المنظمين منها لهذا المعرض - أن تدعوا البلدان العربية الشقيقة إلى الاشتراك في هذه الحركة الثقافية المحمودة.
والكتاب عادة خير ما يعرف الناس عن الشعوب الأخرى.
وأحسب أن هذه الملاحظة جديرة بعناية وزارة المعارف وسائر الوزارات التي تزمع أن تنظم معارض مماثلة، فقد اصبح الشرق العربي في وحدة ينبغي العمل على تعزيزها وتنميتها. وليت وزارة المعرف تعنى بأن تنشئ متحفا للنهضة الثقافية في العالم العربي كمتحف فؤاد الصحي، أو الزراعي، أو متحف البريد، أو متحف الآثار، ليستطيع المتشوقون إلى الوقوف على النهضة الثقافية وقوفاً عابراً الإفادة من زيارته.
والمعروف أن دار الكتب لا يتيسر للمرء فيها أن يلقي نظرة عابرة على ما احتوته خزائنها من مؤلفات، كما يستطيع رواد المتاحف الأخرى. وديع فلسطين نص المحكم في الفعل (كفل): رأيت بمناسبة ما دار من البحث حول (كفل المال وكفل به) في الرسالة الغراء أن أطلع على نص كتاب المحكم، وهو المعجم المشهور للإمام ابن سيده في إحدى مخطوطات دار الكتب المصرية، فإذا هو يقول في الجزء الثامن (في مادة الكاف واللام والفاء): (.

وكفل المال وبالمال: ضمنه، وكفل بالرجل يكفل كفلا وكفولا وكفالة، وكفل وتكفّل به كله ضمنه، وأكفله إياه وكفله ضمّنه)
(ع.
م)
(دار الكتب المصرية) في رباعيات الأستاذ عتمان: في العدد 677 من أعداد الرسالة الغراء اطلعت على (رباعيات عتمان) للأستاذ الشاعر عتمان حلمي، وعنّ لي فيها ما يأتي: يقول الأستاذ الشاعر: خلّ دنياك كيف شاءت وصلها ...
ما جنا إن أوسعتك مجونا والمشاهد أن الشطر الثاني بصورته السابقة مكسور، فقد اسقط الشاعر سبباً خفيفاً من التفعيلة الأولى في الشطر الثاني. وفي بيته: إن موج الحياة يحمل في مدّ ...
هـ وفي جزره صنوف الهلاك نراه أضاف سببا خفيفا في أول الشطر الثاني منه.
وكذلك في قوله: لم أجد فيما مضى من حياتي ...
ليَ عذرا في الهم أو في الشكاة نجد نقصا في الشطر الأول بسبب خفيف.

والصحيح أن يقول: لم أجد فيما (قد) مضى من حياتي.

.

.

.

.

.
وفي البيت: ونصيب الشباب في العيش لا يف ...
ضل في حسنه نصيب الشيب خطأ مطبعي في كلمة (الشيب) وأصلها (المشيب) كل على ما سبق من الهنات الهينات مغفور، ولكن نعتب على الشاعر قوله: لا تلمني وانظر إلى تكويني ...
فظنوني من كنهه ويقيني حيث أتى (بالتشعيث) في العروض، وهو آخر الشطر الأول، مع علمه بأن التشعيث لا يدخل إلا في الضرب، وإن كان من العلل غير اللازمة وجواز دخول التشعيث ما جاء في قوله: ومحيط الإنسان أكبر جان ...
هو أو رحمة على الإنتاج حيث وقع في الضرب وهو آخر الشطر الثاني من البيت وبعد، فالقصيدة لا يغض من قيمتها ما سبق التنبيه إليه، فالجوهر جوهر حيثما كان! وفي الختام أهدي السلام لناظم الرباعيات.

مع التقدير. (الزيتون) عدنان أسعد إلى الأستاذ علي الطنطاوي: أضع بين يدي الأستاذ هذا التعليق على كلمته التي عرض فيها لديوان (الصيدح) 1 - ذكر الأستاذ الكبير ديواني في معرض النقد، ولم يذكر وجه النقد أو أسبابه. 2 - عرض لهذا الديوان بعد مرور ثماني سنوات من صدوره، أي بعد أن أصبح المؤلف نفسه غير راض عنه، لأنه من شعر الصبا، فقد وضع الشعر منذ أحد عشر عاما، حين كان المؤلف في التاسعة عشرة طالبا يؤدي امتحان (البكالوريا). 3 - وبرغم هذا فإن الدوائر الأدبية تقبلته قبولا حسنا.
وإني أتحدى الأستاذ أن يقتبس من شعر الديوان ما لا يدل على صدق التعبير، أو لا يصدر مثله عن شعور أو لا يتفق مع القاعدة. 4 - إن النقد لا يسوءني، وحبذا لو بصرني ناقد بالخطأ فأتجنبه، أما التجني من غير دليل، فإني أعده تحاملا من غير مبرر؛ وأنا أعرف أن الأستاذ ليس بشاعر، ومع أن هذا لا يمنع من تمكنه من النقد، إلا أنى احسب أنه لو كان يقول الشعر لتذوق حلاوته في هذا الديوان. 5 - إن لي أسوة في غيري من الشعراء المبرزين، لأتعزى، فقد طلع على الناس الأستاذ علي محمود طه، والدكتور إبراهيم ناجي بديوانيهما سنة 1933، فسلط عليهما النقاد السنة حداداً، وقال الدكتور طه حسين لأحدهما في ختام نقده: لا أكتمك يا سيدي الدكتور إنك لست على شيء! وقال الأستاذ سيد قطب: نظرت في الكتاب الأول فإذا هو تافه كله أغلاط، لا يستحق أن ينظر فيه؛ كانت حملة شديدة لم ينقذهما منها أو ينصفهما فيها إلا أستاذنا الكبير أحمد حسن الزيات.
حتى دارت الأيام فإذا الشاعران ملء الأسماع والقلوب، لا يقولان إلا المعجب المطرب. والسلام على الأستاذ الطنطاوي (الكاتب) الحصيف المتمكن الذي أجله (القاهرة) خليل جرجس خليل

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير