كتاب الطلاق [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين .

أما بعد:

وبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن خبب امرأة على زوجها.

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له.

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية الطلاق.

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا معرف عن محارب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ).

حدثنا كثير بن عبيد قال: حدثنا محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق )].

وحديث: ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )، جاء من طرق متعددة وكلها معلّة، ولا يصح منها شيء، ولكن معناه صحيح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في طلاق السنة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ( أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء ).

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن نافع أن ابن عمر طلق امرأة له وهي حائض تطليقة بمعنى حديث مالك.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر: ( أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه: ( أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله عز وجل ).

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: أخبرني يونس بن جبير: ( أنه سأل ابن عمر، فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة ).

حدثنا القعنبي قال: حدثنا يزيد -يعني: ابن إبراهيم- عن محمد بن سيرين قال: حدثني يونس بن جبير قال: ( سألت عبد الله بن عمر، فقلت: رجل طلق امرأته وهي حائض، قال: تعرف عبد الله بن عمر ؟ قلت: نعم، قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها في قبل عدتها، قال: قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه أرأيت إن عجز واستحمق ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال: ( كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئاً، وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك، قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1]، في قبل عدتهن ).

قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبي وائل معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر، وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ) وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يراجع ولا يشهد.

حدثنا بشر بن هلال أن جعفر بن سليمان حدثهم عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في سنة طلاق العبد.

حدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا علي بن المبارك حدثني يحيى بن أبي كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره ( أنه استفتي ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقها بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: نعم، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا علي بإسناده ومعناه بلا إخبار، قال ابن عباس: ( بقيت لك واحدة، قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: قال عبد الرزاق قال ابن المبارك لـمعمر: من أبو الحسن هذا؟ لقد تحمل صخرة عظيمة.

قال أبو داود: أبو الحسن هذا روى عنه الزهري، قال الزهري: وكان من الفقهاء، روى الزهري عن أبي الحسن أحاديث.

قال أبو داود: أبو الحسن معروف وليس العمل على هذا الحديث.

حدثنا محمد بن مسعود قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ) قال أبو عاصم: حدثني مظاهر قال: حدثني القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال: ( وعدتها حيضتان ).

قال أبو داود: وهو حديث مجهول].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الطلاق قبل النكاح.

حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام، ح وقال: حدثنا ابن الصباح قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قالا: حدثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك ) زاد ابن الصباح: ( ولا وفاء نذر إلا فيما تملك ).

حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه، زاد: ( من حلف على معصية فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له ).

حدثنا ابن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الخبر زاد: ( ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الطلاق على غيظ.

حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد الله بن أبي صالح الذي كان يسكن إيليا، قال: خرجت مع عدي بن عدي الكندي حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة وكانت قد حفظت من عائشة قالت: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا طلاق ولا عتاق في غلاق ).

قال أبو داود: الغلاق أظنه في الغضب].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الطلاق على الهزل.

حدثنا القعنبي قال: حدثنا عبد العزيز - يعني: ابن محمد - عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.

حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228]، الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك وقال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] .

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: ( طلق عبد يزيد - أبو ركانة وإخوته - أم ركانة ونكح امرأة من مزينة، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة. لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلاناً يشبه منه كذا وكذا؟ قالوا: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد يزيد: طلقها، ففعل، ثم قال: راجع امرأتك أم ركانة وإخوته، فقال: إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله، قال: قد علمت راجعها، وتلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ).

قال أبو داود: وحديث نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته ألبتة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصح؛ لأن ولد الرجل وأهله أعلم به أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة.

حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا إسماعيل قال: أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: ( كنت عند ابن عباس فجاء رجل، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ [الطلاق:1]، في قبل عدتهن ).

قال أبو داود: روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس، ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأيوب وابن جريج جميعاً عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ورواه ابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس، ورواه الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس كلهم قالوا في الطلاق الثلاث: إنه أجازها، قال: وبانت منك نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير.

قال أبو داود: وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، بفم واحد فهي واحدة، ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس، وجعله قول عكرمة.

وصار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن يحيى -وهذا حديث أحمد- قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً، فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

قال أبو داود: وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد بن إياس بن البكير إلى ابن الزبير وعاصم بن عمر فسألهما عن ذلك، فقالا: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة رضي الله عنها، ثم ساق هذا الخبر.

قال أبو داود: وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولاً بها وغير مدخول بها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، هذا مثل خبر الصرف، قال فيه: ثم إنه رجع عنه، يعني: ابن عباس.

حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان قال: حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد، عن طاوس أن رجلاً يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لـابن عباس قال: ( أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، فلما رأى الناس -يعني: عمر- قد تتابعوا فيها، قال: أجيزوهن عليهم ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لـابن عباس: ( أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر ؟ قال ابن عباس: نعم ) ].

ويظهر أن قضاء عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى بإيقاع الثلاث ثلاث طلقات أنه من باب التعزير، وإلا فالأصل أن الثلاث واحدة، وهذا هو الأرجح، وجاء ذلك عن طاوس بن كيسان وغيره.