أهمية التقوى لدفع غضب الله وعذابه
مدة
قراءة المادة :
20 دقائق
.
أهمية التقوى لدفع غضب الله وعذابهأهمية التقوى لدفع غضب الله وعذابه ودفع الأذى والبلاء الدنيوي والأخروي والسلامة مما ينقص القَدْرَ ويُخرِم المروءة، ويضر بمخلوقات الله تعالى:
قال الله تعالى: ﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].
وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 278].
وقال الله تعالى: ﴿ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ إلى قوله: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
وللعلماء عند تفسير هذه الآية أقوال ملخصها: أن الإنسان يعمل بما يقرِّبه إلى الله تعالى من العدل, والصدق بالشهادة, والوفاء بالوعد والعهد، وترك الظلم وانتهاك المحارم, وترك كل وسيلة إلى محرم, والله أعلم.
وقال الله: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 75ـ 76].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130].
وقال الله تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128].
وقال تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].
وقال تعالى: ﴿ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [هود: 78].
وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴾ [الحجر: 69].
وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [النمل: 45- 53 ].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 32- 33].
وقال الله تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ [الأحزاب: 55].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70].
والقول السديد: هو الصدق, وقيل: هو الصواب, وكله حق, نقله ابن كثير في "تفسيره" (3 / 706), عن مجاهد, وعكرمة, وغيرهما, والله أعلم.
وقال ابن جرير في "تفسيره" (20/ 335): قولوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمؤمنين قولًا قاصدًا غير جائز, حقًّا غير باطل؛ اهـ.
وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [فصلت: 17- 18].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
والناظر في تفاسير هذه الآية يرى أن ملخَّص ما قالوه ما ذكرناه في العنوان, والله أعلم.
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18ـ 19].
قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" تحت الحديث الثامن عشر: إذا أُضيفت التقوى إليه، فالمعنى: اتقوا سخطه وغضبه، وهو أعظم ما يُتقى، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي؛ اهـ.
وروى البخاري برقم (3465), ومسلم (2743), عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة أصحاب الغار الثلاثة، وفيهم رجل لم يُعطِ عامله آجره, فجاء العامل بعد مدة لأجره, فأعطاه أجره, وما تفرع منه.
وروى البخاري برقم (2786) ـ واللفظ له ـ ومسلم (1888), عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي: الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شِعب من الشِّعاب, يتقي الله, ويدع الناس من شره».
وروى البخاري برقم (25)، ومسلم (4094), عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهاتٍ لا يعلمهنَّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبراء لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقَع الحرام».
وروى البخاري برقم (1395)، ومسلم (121), عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «اتَّق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
قال العلامة عبدالرحمن بن حسن في "فتح المجيد" (ص194): قوله صلى الله عليه وسلم: «واتق دعوة المظلوم»؛ أي: اجعل بينك وبينه وقاية بالعدل، وترك الظلم، وهذان الأمران يقيان من رُزِقَهُمَا من جميع الشرور, دُنيا وأُخرى؛ اهـ.
وروى البخاري برقم (2219) عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال لصهيب رضي الله عنه: اتَّق الله ولا تدَّعي إلى غير أبيك»، فقال صهيب: ما يسرني أن لي كذا, وكذا، وأني قلت: ذلك, ولكني سُرقت, وأنا صبي.
وروى مسلم برقم (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحاسدوا, ولا تناجشوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, ولا يبيع بعضكم على بيع بعض, وكونوا عباد الله إخوانًا, المسلم أخو المسلم لا يظلمه, ولا يَخذله, ولا يحقره, التقوى ها هنا - ويشير الى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه, وماله, وعرضه».
وروى مسلم برقم (6948) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوةٌ خضرة، وأن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعلمون, فاتقوا الدنيا, واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».
وروى مسلم برقم (618) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللَّعانين»، قالوا: وما الَّلعانان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم».
وروى مسلم برقم (2578) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم, حملهم على ان سفكوا دمائهم, واستحلوا محارمهم».
وروى النسائي في "الكبرى" (2/ 409) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم؛ فإنه ظلمات يوم القيامة, واتقوا الفحش؛ فإن الله لا يحب الفحش والتفحش, وإياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم, أمرهم بالظلم فظلموا, وأمرهم بالفجور ففجروا, وأمرهم بالقطيعة فقطعوا».
والحديث في "الصحيح المسند" برقم (795) لشيخنا الوادعي.
وروى أحمد برقم (6508) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق الله وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصتك وإيَّاك وعوامهِمْ».
الحديث رجاله رجال الشيخين, واختُلف هل سمع الحسن البصري من عبدالله بن عمرو، وقد أثبته الحافظ في "التهذيب" (2/ 231), وهو في "الصحيحة" برقم (205).
وروى الحاكم (1/ 29) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شَرَار».
قال الألباني في "الصحيحة" برقم (871): حديث صحيح على شرط مسلم؛ اهـ.
وروى البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 186), عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام، فيقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأَنصرنَّك ولو بعد حين».
قال العلامة الألباني في "الصحيحة" برقم (870): أقلَّ أحواله الحُسن؛ اهـ.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي»؛ رواه أبو داود برقم (4832), والترمذي (2395)، والحاكم (4/ 128)، وصححه, ووافقه الذهبي، وحسَّنه العلامة الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، بالرقم السابق.
قلت: ومن ضعفه من العلماء قال: معناه صحيح؛ لأحاديث في الباب, والله أعلم.
وروى الإمام أحمد (3/ 135ـ 136), والترمذي برقم (3894), عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: بلغ صفيَّة رضي الله عنها أن حفصة رضي الله عنها قالت لها: بنت يهودي, فبكت, فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي, فقال: «ما يبكيك؟», فقالت: قالت لي حفصة: أني بنت يهودي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لابنة نبي, وإنك لتحت نبي, ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة»؛ تقدم الحكم عليه.
وروى الحميدي في "مسنده" برقم (895)، والبيهقي (4/ 158), عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة، فقال له: «اتق الله يا أبا الوليد, أن تأتي يوم القيامة ببعيرٍ تحمله على رقبتك له رغاء, أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤاج»[1].
وروى ابن ماجه برقم (1756) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن روح القدس قد نفَث في رُوعي: أنها لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وخذوا ما حل, ودعوا ما حرم»؛ سبق الحكم عليه.
وقال العلامة ابن القيم في "الفوائد" (ص107): جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «اتقوا الله, وأجملوا في الطلب» بين مصالح الدنيا والآخرة, ونعيمها ولذاتها إنما ينال بتقوى الله وراحة القلب والبدن، وترك الاهتمام, والحرص الشديد والتعب والعناد والكدر والشقاء في طلب الدنيا, إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله، فاز بلذة الأخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها.
وروى الترمذي برقم (2407) وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم, فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان, فتقول: اتق الله فينا, فإنما نحن بك, فإن استقمتَ استقمنا, وإن اعوججتَ اعوججنا»[2].
وروى الترمذي برقم (1213)، والنسائي (7/ 294), عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف من يهودي ثوبين إلى أجل, فقال اليهودي: إنما أراد محمد أن يذهب بمالي، فقال صلى الله عليه وسلم: «كذب, قد علم أني من أتقاهم لله, وأداهم للأمانة»؛ سبق الحكم عليه.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" برقم (361) عن قيس بن أبي عاصم, أنه أوصى بنيه عند موته, فقال: اتقوا الله وسوِّدوا أكبركم, وهو في "صحيح الأدب" برقم (277).
وروى ابن ماجه برقم (4212) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم صدوق اللسان»، قالوا: يا رسول الله عرفنا صدوق اللسان, فما القلب المخمول؟ قال: «هو التقي النقي, الذي لا إثم فيه, ولا بغي, ولا غل، ولا حسد»؛ سبق الحكم عليه.
قال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص174) بعد ذكره للحديث السابق: قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدر, وسخاوة النفس, والنصيحة للأمة, وبهذه الخصال بلغ من بلغ, لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة؛ اهـ.
وللشافعي:
فدع عنك سوءات الأمور فإنها **** حـرام على نفس التقي ارتكابها
وقال ابن المعتز كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 53):
خل الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض
الشوك يحذر ما يرى
لا تَحْقِرَنَّ صغيرة
إن الجبال من الحصى
وكما قيل:
ولولا التقى ثم النهى خشية الردى
لعاصيت في وقت الصبا كل زاجرِ
قضى ما قضى في ما مضى ثم لا ترى
له عودة أخرى الليالي الغوابر
وفي "تفسير ابن كثير" (1/ 352)، و"لطائف المعارف" (ص433) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع امرأة في ليلة تنشد غياب زوجها عنها:
تطاول هذا الليل تسري كواكبه
ووافَقني أنْ لا خليل أُلاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره
لحرَّك من هذا السرير جوانبه
ولكن تقوى الله عن ذا تصدني
وحفظي لبعلي أن تنال مراكبه
ولكنني أخشى رقيبًا موكلًا
بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
وكما قيل:
وإذا جميلُ الوجهِ لم
يأتِ الجمالَ فما جمالُهْ
ما خيرُ أخلاق الفتى
إلا تُقاه واحتمالُهْ
[1] قال العلامة الألباني في "الصحيحة" برقم (857): هذا إسناد صحيح, لولا أنه مرسل, لكن قد وصله البيهقي في "السنن" (4/158), من طريق ابن أبي عمر, قال: حدثنا سفيان به, إلَّا أنه قال: عن أبيه عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقة؛ الحديث, فهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وابن أبي عمر اسمه: محمد بن يحيى, وهو ثقة, من شيوخ مسلم, وكان لازم سفيان بن عيينة، وهكذا موصولًا, أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير", كما في "المجمع" (3/86), وقال: رجاله رجال الصحيح؛ اهـ.
[2] ثم قال الترمذي: حدثنا هناد, حدثنا أبو أسامة, عن حماد بن زيد نحوه, ولم يرفعه, وهذا أصح من حديث محمد بن موسى, قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن زيد, وقد رواه غير واحد, عن حماد بن زيد, ولم يرفعوه, حدثنا صالح بن عبدالله, حدثنا حماد بن زيد, عن أبي الصهباء, عن سعيد بن جبير, عن أبي سعيد الخدري, قال: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، قال العلامة الألباني في "تخريج المشكاة" برقم (4838): حديث حسن؛ اهـ.