كتاب الطهارة [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المذي

حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه، قال: ( كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم -أو ذكر له- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود: ( أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا أستحيي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة ).

حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد، وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليغسل ذكره وأنثييه ) ].

وذكر الأنثيين منكر، وذلك أن عروة عن علي مرسل، وفي الحديث أن الإنسان مهما بلغ حياءً لا يمنعه أن يسأل عن العلم الذي ينفعه، وأن يزيل ما استشكل عليه ولو بواسطة أحد، وأن العلم لا يناله الرجل الذي يستحي؛ ولهذا نقول: إنه لا حياء في العلم، وأما ما يقول بعض العامة: لا حياء في الدين فخطأ بل الدين كله حياء، أما العلم فلا يناله من كان مستح؛ ولهذا يقول غير واحد من العلماء: لا ينال العلم مستح ولا مستكبر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا القعنبي، قال: حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب، قال: قلت للمقداد فذكر معناه.

قال أبو داود: ورواه المفضل بن فضالة، والثوري، وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أنثييه.

حدثنا مسدد، قال: حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم- قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف، قال: ( كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر من الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه ).

حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل؟ وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: ذاك المذي وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة ).

حدثنا هارون بن محمد بن بكار، قال: حدثنا مروان -يعني: ابن محمد- قال: حدثنا الهيثم بن حميد عن العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم عن عمه: ( أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار ) وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث.

حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني، قال: حدثنا بقية بن الوليد عن سعيد الأغطش -وهو: ابن عبد الله- عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، قال هشام: وهو: ابن قرط أمير حمص عن معاذ بن جبل، قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل ). قال أبو داود: وليس بالقوي ].

وعبد الرحمن لم يدرك معاذ بن جبل كما قاله أبو زرعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإكسال

حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث- عن ابن شهاب، قال: حدثني بعض من أرض: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره: أن أبي بن كعب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك ). قال أبو داود: يعني: ( الماء من الماء ).

حدثنا محمد بن مهران الرازي، قال: حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: حدثني أبي بن كعب: ( أن الفتيا التي كانوا يفتون: أن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد ).

حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، قال: حدثنا هشام، وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل ).

حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الماء من الماء )، وكان أبو سلمة يفعل ذلك ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يعود

حدثنا مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد ). قال أبو داود: وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، ومعمر عن قتادة عن أنس، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري، كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب ينام

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: أنه قال: ( ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجنب يأكل

حدثنا مسدد، وقتيبة بن سعيد، قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ).

حدثنا محمد بن الصباح البزاز، قال: حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: ( وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه ).

قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصور. ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة. ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل

حدثنا مسدد، قال: حدثنا معتمر.

(ح) وحدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث، قال: قلت لعائشة: ( أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره. قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.. ) ].

والوضوء للجنب آكد من غسل اليدين ولو اكتفى بغسل يديه بعد الجنابة للأكل أجزأ عنه، وأما غسل اليدين للنوم بعد الجنابة فإنه لا يجزئ عن الوضوء وهو مستحب في الحالين، وفي هذه الأحاديث دليل على عدم وجوب المبادرة بغسل الجنابة ولكنه مستحب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ( قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت. قلت الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ).

حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) ].

وهذا الحديث لو صح ففيه وجوب المبادرة بغسل الجنابة، ولكن لا يصح ذكر الجنب هنا بل هو منكر، و عبد الله بن نجي غير معروف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً ).

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الواسطي، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].

وبهذا يتفق الحفاظ على أن الحديث وهم وغلط، وقد نص على أنه غلط جماعة: كـشعبة وسفيان والإمام أحمد وغيرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يقرأ

حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، قال: ( دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه -أو قال: يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة ) ].

وهذا الحديث أعله الإمام أحمد؛ لتفرد عبد الله بن سلمة به وقد جاء موقوفاً أيضاً على عبد الله بن سلمة، و يرويه عن علي ولا يصح مرفوعاً، والصواب فيه الوقف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يصافح

حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه فقال: إني جنب فقال: إن المسلم ليس ينجس ) .

حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة، قال: ( لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس ). قال في حديث بشر: حدثنا حميد، قال: حدثني بكر ].

وفي هذا أن الإنسان عند التعجب يقول: سبحان الله! وهي آكد من قول: الله أكبر.