أبواب الجهاد [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الجهاد.

باب فضل الجهاد في سبيل الله.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن الفضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعد الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة.

ثم قال: والذي نفسي بيده، لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تخرج في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم فيتخلفون بعدي، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المجاهد في سبيل الله مضمون على الله، إما أن يكفته إلى مغفرته ورحمته، وإما أن يرجعه بأجر وغنيمة. ومثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر، حتى يرجع ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل الغدو والرواح في سبيل الله عز وجل.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و عبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( غدوة أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا زكريا بن منظور قال: حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( غدوة أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها ).

حدثنا نصر بن علي ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لغدوة أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل النفقة في سبيل الله تعالى.

حدثنا عمران بن موسى الليثي قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على فرس في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله ) ].

ولفضل النفقة في سبيل الله قدمها الله جل وعلا على القتال بالنفس, فالجهاد بالنفس والجهاد بالمال ذكره الله عز وجل في كتابه العظيم, فما من موضع ذكر الله عز وجل النفقة أو الجهاد في سبيل الله, إلا وقدمها على الجهاد بالنفس إلا في موضع واحد، وذلك لفضل الجهاد بالمال، وأن الجهاد بالنفس يقوم به فرد, وأما الجهاد بالمال فالإنسان يقيم نفسه ويقيم غيره، ولهذا عظمت منزلته عند الله سبحانه وتعالى.

قال: [ حدثنا هارون بن عبد الله الحمال قال: حدثنا ابن أبي فديك عن الخليل بن عبد الله عن الحسن عن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعمران بن الحصين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته، فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجهه ذلك، فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم, ثم تلا هذه الآية: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261] ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب التغليظ في ترك الجهاد.

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا يحيى بن الحارث الذماري عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو رافع- هو إسماعيل بن رافع- عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لقي الله وليس له أثر في سبيل الله، لقي الله وفيه ثلمة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل الرباط في سبيل الله.

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: ( خطب عثمان بن عفان الناس فقال: يا أيها الناس! إني سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضّنّ بكم وبصحابتكم، فليختر مختار لنفسه أو ليدع، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رابط ليلة في سبيل الله سبحانه كانت كألف ليلة، صيامها وقيامها ).

حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني الليث عن زهرة بن معبد عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات مرابطاً في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع ).

حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة قال: حدثنا محمد بن يعلى السلمي قال: حدثنا عمر بن صبح عن عبد الرحمن بن عمرو عن مكحول عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً، من غير شهر رمضان، أعظم أجراً من عبادة مائة سنة، صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً، من شهر رمضان، أفضل عند الله وأعظم أجراً- أراه قال- من عبادة ألف سنة، صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالماً، لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل الحرس والتكبير.

حدثنا محمد بن الصباح قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله حارس الحرس ).

حدثنا عيسى بن يونس الرملي قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن سعيد بن خالد بن أبي الطويل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة، السنة ثلاثمائة يوم، واليوم كألف سنة ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري: ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أوصيك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الخروج في النفير.

حدثنا أحمد بن عبدة قال: أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: ( ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أحسن الناس وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلقوا قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لـأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه السيف، وهو يقول: يا أيها الناس! لن تراعوا, يردهم، ثم قال للفرس: وجدناه بحراً. أو إنه لبحر ).

قال حماد: وحدثني ثابت أو غيره قال: كان فرساً لـأبي طلحة يبطأ، فما سبق بعد ذلك اليوم.

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطاة قال: حدثنا الوليد قال: حدثني شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا استنفرتم فانفروا ).

حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد مسلم ).

حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري قال: حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من راح روحة في سبيل الله، كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل غزو البحر.

حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن ابن حبان هو محمد بن يحيى بن حبان: ( عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان؛ أنها قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يتبسم فقلت: يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي يركبون ظهر هذا البحر، كالملوك على الأسرة, قالت: فادع الله أن يجعلني منهم. قال: فدعا لها.

ثم نام الثانية ففعل مثلها، ثم قالت مثل قولها، وأجابها مثل جوابه الأول قالت: فادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين.

قال: فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازية أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبي سفيان، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين، فنزلوا الشام، فقربت إليها دابة لتركب، فصرعتها فماتت ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا بقية عن معاوية بن يحيى عن ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( غزوة في البحر مثل عشر غزوات في البر، والذي يسدر في البحر، كالمتشحط في دمه في سبيل الله سبحانه ) ].

وهذا دليل على أن فضل الجهاد واحد, ولكنه يتفاضل فيما بينه بحسب شدته وكربه، ونوازله متعددة، ولهذا لا نستطيع أن نقول: إن التفاضل في البر والبحر، فقد وجد حوادث الآن في زماننا كحرب الجو أيضاً.

ولهذا نقول: بحسب شدته وأثره وكربه يكون حينئذ فضله، نستطيع أن نقول: إن التفاضل في ذلك جو ثم بحر ثم أرض باعتبار ضعف النجاة، فالإنسان في البر أقرب إلى النجاة من البحر, وفي البحر أقرب إلى النجاة من الجو, وفي الجو أقرب إلى الهلاك، ولهذا نقول: تفاضلها بحسب شدتها وأثرها على الإنسان.

قال: [ حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري قال: حدثنا قيس بن محمد الكندي قال: حدثنا عفير بن معدان الشامي عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح، إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين ) ].