أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها [7]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في التطوع في البيت.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن طارق عن عاصم بن عمرو، قال: ( خرج نفر من أهل العراق إلى عمر، فلما قدموا عليه قال لهم: ممن أنتم؟ قالوا: من أهل العراق. قال: فبإذن جئتم؟ قالوا: نعم. قال: فسألوه عن صلاة الرجل في بيته، فقال عمر: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما صلاة الرجل في بيته فنور، فنوروا بيوتكم ).

حدثنا محمد بن أبي الحسين قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر بن الخطاب عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

حدثنا محمد بن بشار و محمد بن يحيى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قضى أحدكم صلاته فليجعل لبيته منها نصيباً، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ).

حدثنا زيد بن أخزم، و عبد الرحمن بن عمر قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوا بيوتكم قبوراً ).

حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد، قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة ) ].

في حديث ابن عمر السابق دليل على النهي عن الصلاة في المقبرة، وذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تتخذوا بيوتكم قبوراً )، وجاء في رواية: ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ).

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في صلاة الضحى.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث، قال: ( سألت في زمن عثمان بن عفان والناس متوافرون -أو متوافون- عن صلاة الضحى، فلم أجد أحداً يخبرني أنه صلاها -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- غير أم هانئ، فأخبرتني أنه صلاها ثمان ركعات ).

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب قالا: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن موسى بن أنس عن ثمامة بن أنس عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة، بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية، قالت: ( سألت عائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: نعم، أربعاً، ويزيد ما شاء الله ) ].

وكانت عليها رضوان الله تعالى لا تدعها، وكانت تقول: لو نشر أبواي ما تركتها، يعني صلاة الضحى.

قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن النهاس بن قهم عن شداد أبي عمار عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حافظ على شفعة الضحى، غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في صلاة الاستخارة.

حدثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال، قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن جابر بن عبد الله قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر -فيسميه ما كان من شيء- خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو خيراً لي في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه، وإن كنت تعلم -يقول مثل ما قال في المرة الأولى- وإن كان شراً لي فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيثما كان، ثم رضني به )].

ووقع خلاف في مسألة هذا الدعاء، هل يكون في آخر الصلاة قبل السلام أم بعدها، هما قولان معروفان، وهنا أيضاً: هل للإنسان أن يستخير بلا صلاة؟ يعني يدعو هذا الدعاء بلا صلاة؟ هو جاء مرتبطاً بالصلاة، ولا يثبت في ذلك شيء، ولكن لو دعا الإنسان في الأمور التي تكون عجلى، وربما لا يتسع وقت الإنسان لأداء صلاة في أمرها، فنقول: يدعو، ويكون من جملة الدعاء العام، ولا حرج في ذلك.

والاستخارة تكون في الأمور التي يتردد فيها الإنسان، وليس في الأشياء التي قضى فيها الله سبحانه وتعالى، ما قضى الله جل وعلا فيه لا يسوغ للإنسان أن يستخير فيه، إلا إذا تردد بين أمرين فاضلين، فيريد الإنسان أن يقدم بينهما، وذلك كصلة الإنسان لرحمين متساويين في الحق، يستخير في الذهاب إلى هذا أو إلى هذا، أو حقين متشابهين، صلة الرحم، أو أداء العمرة، وكلها مستحبة وقد أسقط الواجب عليه، وأمثال هذا.

أما ما شرعه الله عز وجل فيستخير في أصله هذا خطأ، وهذا أيضاً من الاستهانة بالشريعة، أن الله عز وجل يقضي في أمر ثم تستخير فيه، ولهذا الله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فإذا قضى الله جل وعلا في أمر فليس للإنسان أن يخاير فيه أو يستخير، فنقول: قضى الله عز وجل في هذا الأمر، فعلى الإنسان أن يتوجه للعمل به، نعم يستخير في الرفقة، أأذهب إلى الحج مع فلان أو مع فلان، أو يستخير في الزمن، أأذهب إلى الحج اليوم أو غداً، وهو يريد أن يسقطه هذا العام، أو أذهب إلى العمرة هذا الأسبوع أو الذي يليه، وهو مبيت الأداء، فهذا ممكن، لكن لا يجعل الاستخارة على الأصل.

وأما تكرار الاستخارة، فنقول: يستخير الإنسان مرة واحدة كافية، وما يقدره الله عز وجل للإنسان خير، وعلى الإنسان أن يأخذ بالرضا والتسليم في ذلك، والقناعة أن الله عز وجل لن يختار له إلا الأمر الخير.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في صلاة الحاجة.

حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا أبو عاصم العباداني عن فائد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي، قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه، فليتوضأ وليصل ركعتين، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، أسألك ألا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها لي، ثم ليسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء الله، فإنه يقدّر ).

حدثنا أحمد بن منصور بن سيار قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف: ( أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني، فقال: إن شئت أخرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت، فقال: ادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد، إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في صلاة التسبيح.

حدثنا موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المسروقي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا موسى بن عبيدة قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي رافع، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عم! ألا أحبوك، ألا أنفعك، ألا أصلك، قال: بلى يا رسول الله! قال: فصل أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة فقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة قبل أن تركع، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً قبل أن تقوم، فتلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاثمائة في أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج، غفرها الله لك، قال: يا رسول الله! ومن لم يستطع يقولها في يوم؟ قال: قلها في جمعة، فإن لم تستطع فقلها في شهر، حتى قال: فقلها في سنة ) ].

ولا يثبت في صلاة الحاجة خبر، ولا في صلاة التسابيح، بل صلاة التسابيح أضعف من صلاة الحاجة، وصلاة الحاجة أمثل، فقد جاء في معناها بعض الأحاديث، لكن من غير اسمها، فبعضهم يلحقها بهذا المعنى، وبعضهم يجعلها من الصلاة العامة، كما في حديث عتبان وغيره.

قال: [ حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري قال: حدثنا موسى بن عبد العزيز قال: حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: يا عباس! يا عماه! ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل لك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته. عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة قلت وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمسة وسبعون في كل ركعة، تفعل في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان.

حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر ).

حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ومحمد بن عبد الملك أبو بكر، قالا: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة، قالت: ( فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع، رافع رأسه إلى السماء، فقال: يا عائشة! أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: قد قلت، وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ).

حدثنا راشد بن سعيد بن راشد الرملي قال: حدثنا الوليد عن ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن ).

حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال: حدثنا ابن لهيعة عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي، نحوه ].

ولا يثبت في فضل النصف من شعبان خبر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما هي أقوال لبعض التابعين، وجاء أيضاً عن بعض المتأخرين من فقهاء مكة.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في الصلاة والسجدة عند الشكر.

حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال: حدثنا سلمة بن رجاء، حدثتني شعثاء عن عبد الله بن أبي أوفى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين ).

حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبدة السهمي عن أنس بن مالك: ( أن النبي بشر بحاجة، فخر ساجداً ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، قال: لما تاب الله عليه خر ساجداً.

حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي وأحمد بن يوسف السلمي قالا: حدثنا أبو عاصم عن بكار بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به، خر ساجداً، شكراً لله تبارك وتعالى ) ].

سجود الشكر ثابت، وثمة نصوص ليست بالقليلة فيه، وهو من جهة الثبوت يلي سجود التلاوة صحة.

وسجود الدعاء المنفرد لا يصح فيه شيء، كذلك أن يركع الإنسان ركوعاً منفرداً لا أصل له، ولهذا نقول: من المسائل المهمة أن الصلاة فيها قيام وركوع وسجود، والسجود جاء بلا صلاة، أما الركوع والقيام لفم يأت بلا صلاة، بل جاء داخلاً فيها، وعلى هذا نقول: إن من سجد لغير الله كفر؟ لأن السجود منفرداً عبادة، لكن من ركع لغير الله، لا يكفر؛ لأن الركوع ليس بعبادة، إلا إذا نوى الإنسان العبادة، لأن الأصل أن الركوع ليس فيه عبادة، لكن لو أن الإنسان سجد لغير الله ولو قال: إني لا أنوي العبادة، نقول: السجود لا يكون إلا عبادة أصلاً، وكذلك إذا قام الإنسان لأحد، لا يعد ذلك عبادة في الإسلام، ولهذا نقول: إن القيام والركوع ليس بعبادة منفردة وإنما هو عبادة في الصلاة، أما السجود فهو عبادة في الصلاة وخارجها، ويكفر من سجد لغير الله ظاهراً، ولا يكفر من ركع أو قام لغير الله؛ لأن القيام والركوع ليس عبادة إلا في الصلاة.

أما إذا نوى الإنسان العبادة، نقول: لو نوى الإنسان العبادة ولو لم يركع، فهو كافر بالله سبحانه وتعالى إذا قال: أنا أعبد فلاناً، نقول له: لم تصل أصلاً، أو لم تركع أو لم تقم، فهذا كفر في ذاته، أما كفر العمل فلا يكفر بالركوع ولا يكفر بالقيام.

وهذا لا يعني جواز أن يركع الإنسان لغير الله باعتبار أن فيه نوع تعظيم، ويكفي أن النبي عليه الصلاة والسلام قد شدد في أمر القيام، وهو أهون من الركوع، ونهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يحب الإنسان أن يقام له ويتمثل الناس له قياماً، ولكن نتكلم هنا عن مسألة الكفر وعدمه.

وما ثبت من قيام النبي عند مرور الجنازة، نقول: قيامه ليس للجنازة، إذ جاء التعليل في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ( إن للموت لفزعاً ).

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في أن الصلاة كفارة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و نصر بن علي قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا مسعر، وسفيان عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة الوالبي عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي بن أبي طالب، قال: ( كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا ينفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف صدقته، وإن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يذنب ذنباً، فيتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين- وقال مسعر: ثم يصلي- فيستغفر الله، إلا غفر الله له ).

حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الله أظنه عن عاصم بن سفيان الثقفي: ( أنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو، فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العام. وقد قال: أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه. فقال: يا ابن أخي! أدلك على أيسر من ذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما تقدم من عمل. أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم ).

حدثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: حدثني صالح بن عبد الله بن أبي فروة أن عامر بن سعد أخبره قال: سمعت أبان بن عثمان يقول: قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقي من درنه؟ قال: لا شيء، قال: فإن الصلاة تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن ).

حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود: ( أن رجلاً أصاب من امرأة، يعني ما دون الفاحشة، فلا أدري ما بلغ، غير أنه دون الزنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأنزل الله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114]، فقال: يا رسول الله! ألي هذه؟ قال: لمن أخذ بها ) ].

تكفير الصلوات وكذلك الطاعات للمعاصي ولو لم يستحضر الإنسان ذنباً بعينه، هي تأتي على ما علم وعلى ما لم يعلم، وهذا على الخلاف في مسألة الكبائر.

وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده، أن جعل الطاعات تمحو الذنوب، وذلك أن الإنسان لا يستحضر كل ذنب، فالإنسان مجبول على النسيان، يفعل الذنب ثم ينساه، فإذا كانت التوبة لا تكون إلا على ذنب يعينه الإنسان فيتوب منه عيناً، على هذا يدون في صحيفة الإنسان من الذنوب ما نسيها فلا يتذكرها إلا عند الله، ولكن الله عز وجل رحم العباد بأن جعل الطاعات تمحو السيئات ولو لم يستحضرها الإنسان، فهذه التي تخرج مع قطر الماء من الوضوء، كذلك الصلوات كفارة لما بينها، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، يتخلل هذا العام وهذه الأوقات والأيام والليالي، من الذنوب ما لا يستحضره الإنسان، وتأتي على تلك بهذه الطاعات.

كذلك الاستغفار المجمل يأتي على الذنب الغائب، إذا قال الإنسان: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وأكثر من ذلك، هو يطلب ستراً من الله وغفراناً وتكفيراً لذنوبه، يأتي بمقدار الاستغفار يستوعب الذنب، ولكن كلما كان الاستغفار مع استحضار الذنب عيناً كان أقوى للتكفير.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها.

حدثنا حرملة بن يحيى المصري قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى آتي على موسى عليه السلام، فقال موسى: ماذا افترض ربك على أمتك؟ قلت: فرض علي خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت ربي، فوضع عني شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت ربي، فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي. فرجعت إلى موسى، فقال: ارجع إلى ربك. فقلت: قد استحييت من ربي ) ].

وفي هذا استشارة الأعلى للأدنى، وأخذ الأعلى برأي الأدنى مع منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو سيد ولد آدم، يأخذ برأي من دونه من إخوانه من الأنبياء، وكذلك يستشيرهم.

وكذلك فيه: جواز المراجعة في الأمر الواحد مرات، فإذا راجع النبي ربه فيراجع الإنسان أخاه، ويراجع الإنسان العالم، ويراجع الحاكم، مرة ومرتين وثلاث وأربع، وغير ذلك ما أراد بذلك خيراً.

والذي يأنف ويتكبر من المراجعة من ملأ الله عز وجل قلبه كبراً، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام ربما يراجع في الأمر مرات ولا يأنف عليه الصلاة والسلام، إلا إذا كان مراجعة في حد أو في حكم من أحكام الله سبحانه وتعالى، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام ربما راجع في بعض أصحابه المرة والمرتين وغير ذلك.

قال: [ حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شريك عن عبد الله بن عصم أبي علوان عن ابن عباس، قال: ( أمر نبيكم بخمسين صلاة، فنازل ربكم أن يجعلها خمس صلوات ).

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن المخدجي عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خمس صلوات افترضهن الله على عباده، فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئاً، استخفافاً بحقهن، فإن الله جاعل له يوم القيامة عهدًا أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً، استخفافاً بحقهن، لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ).

حدثنا عيسى بن حماد المصري قال: أخبرنا الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: ( بينما نحن جلوس في المسجد، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، قال: فقالوا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، فلا تجدن علي في نفسك، فقال: سل ما بدا لك. قال الرجل: نشدتك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك بالله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ) ].

وفي هذا تواضع النبي عليه الصلاة والسلام وجلوسه مع أصحابه، ولهذا لم يعرف النبي عليه الصلاة والسلام مميزاً بجلسة، فقال: أيكم محمد؟ يعني لا يدري، فقيل: هذا الرجل الأبيض المتكئ.

كذلك فيه: أنه ناداه باسمه ولم يسدل عليه لقباً، فقال: أيكم محمد؟ وما قال أيكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فلهذا الإنسان إذا كان له ألقاب أو شيء فيتجرد منها مع الناس، إن نودي بها فمن الناس وإليهم، وإلا لا يطلب من ذلك لقباً، مع كون هذا اللقب هو لقب من الله سبحانه وتعالى، وله من المعاني العظيمة التي جعلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الألقاب بعد مقام العبودية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام ما أنف ولا ضجر.

كذلك فيه: احتياط هذا الأعرابي لدينه، والشدة في هذا.

وفيه أيضاً: جواز دخول البهائم عرضاً للمسجد، ولهذا جاء في حديث عبد الله بن عمر قال: كانت الكلاب تقبل وتدبر، وجاء في السنن زيادة: وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية في البخاري في أحد نسخه: وتبول، وهي في ذلك الزمن لم يكن عليها فرش ولا بسط.

وفيه أيضاً: أن الإنسان إذا طلب منه يمين مغلظة أو نحو ذلك لحياطة أو شيء من هذا، فإنه يعطي اليمين بلا أنفة، فكيف إذا كان هذا الأمر يتعلق بأمر دين، فلا يقول: تكذبني أو لا تصدقني أو نحو ذلك، لأن الناس يريدون أن يستوثقوا لدنياهم، ولدينهم من باب أولى.

قال: [حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك قال: أخبرني دويد بن نافع عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله عز وجل: افترضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهداً أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا أبو مصعب المديني أحمد بن أبي بكر قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن رباح، وعبيد الله بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام ).

حدثنا إسماعيل بن أسد قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ) ].

وهذه المساجد لجملة الأحكام الواردة فيها، لا يجوز فيها تقليل حجمها، يعني تصغير الحجم، ولا يجوز فيها تغيير المكان ولو لشبر؛ لتعلق الأحكام بها، ولكن يجوز الزيادة، وقد أشار إلى هذا بعض العلماء، فنقل ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى إجماع السلف من الصحابة والتابعين على أنها لا تنقص من أي جهة من جهاتها، وإنما يزاد عليها، ولا تحول عن موضعها إلى موضع آخر، لتعلق الأحكام بها.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أبواب الأذان والسنة فيها 2548 استماع
أبواب التجارات [1] 2405 استماع
أبواب الوصايا 2390 استماع
أبواب الطهارة وسننها [3] 2378 استماع
أبواب الأحكام 2341 استماع
أبواب الجنائز [2] 2264 استماع
أبواب الحدود 2227 استماع
أبواب الزكاة 2220 استماع
أبواب المساجد والجماعات 2215 استماع
أبواب الرهون 2169 استماع