خطب ومحاضرات
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد فرض على الناس صيام رمضان, وأمر بالتهيؤ له بالعمل الصالح وإخلاص النية, والصيام من جليل العبادات وأفضلها على وجه العموم, ولهذا جعله الله جل وعلا ركناً من أركان الإسلام, وقد جاء هذا في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ), وجاء أيضاً في قصة جبريل لما جاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله, وهذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى, حينما ( سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام, فقال: الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ).
والصيام هو من جليل الأعمال وأفضلها، وقد كان في ابتداء الأمر الصيام فرضاً, لكنه في غير رمضان, ( فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر, ويصوم يوم عاشوراء ), وجاء تفصيله في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة عليها رضوان الله تعالى, وجاء كذلك في مسند الإمام أحمد من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في ابتداء الأمر ثلاثة أيام من كل شهر, وكان يصوم يوم عاشوراء فرضاً, ثم لما فرض الله عز وجل عليه صيام شهر رمضان نسخ ذلك إلى الاستحباب ), يعني: صيام يوم عاشوراء وثلاثة أيام, وكان قبل ذلك من شاء أن يصوم رمضان ومن لم يرد أن يصومه فليطعم عن كل يوم مسكيناً, حتى نسخ الله عز وجل ذلك وأبقى صيام شهر رمضان, وهذا من باب التدرج؛ وذلك لمشقة الصيام لمن لم يعتاده, وهذا هو الحكمة من تشريع ذلك.
والصيام الأصل فيه بلغة العرب: هو الإمساك, ولهذا يقول الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة
والمراد بذلك: ممسكة عن الصهيل.
والصيام على ثلاثة أنواع كما قال غير واحد من العلماء؛ كـأبي حامد الغزالي، يقول: الصوم صوم العامة, وهو: إمساك الفرج واللسان وسائر الجوارح عن قصد المعاصي والشهوات.
وصوم الخاصة هو: إمساك السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن المعاصي.
وصوم خاصة الخاصة: وهو صيام القلب عن الهم بغير ما يرضي الله.
وهذا تقسيم وجيه, ولا يدخل على وجه العموم فيما نحن فيه, لكنه يدخل على وجه العموم فيما أمر الله سبحانه وتعالى بالإمساك عنه وهو داخل في الصيام, فالصيام الآثام فيه أعظم من غيره, كذلك الأعمال فيه أعظم من غيره, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ومسلم من حديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير, وكان أجود ما يكون في رمضان ), حينما يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل رمضان وأصحابه بالجد والاجتهاد والعمل, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم قبل ذلك من شعبان, بل كان يصوم أكثره, بل قيل: إنه يصومه كله, عليه الصلاة والسلام, كما جاء في حديث عائشة وفي غيره, و( كان عليه الصلاة والسلام يبشر أصحابه ويهنئهم بقدوم رمضان ), وروي في ذلك جملة من الأخبار الضعيفة بالتهنئة بدخول رمضان, وما جاء في هذا الباب كله ضعيف, كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة؛ كـالعقيلي في كتابه الضعفاء وغيره.
وقد روي في هذا الباب ثلاثة أخبار: حديث سلمان الفارسي عليه رضوان الله تعالى, وحديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى, وكذلك حديث عبد الله بن عباس، وهذه كلها معلولة, لا يصح منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صيام النبي صلى الله عليه وسلم قبل رمضان
وكان عليه الصلاة والسلام يصوم قبل ذلك, أي: قبل رمضان في شعبان, وأما رجب فلم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صامه أو أمر أحداً بصيامه, وما جاء فيه من فضل فهو معلول, لا يحتج به, وأما ما رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ), فلا يصح, فقد رواه زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى ولا يصح, فـزائدة بن أبي الرقاد قال فيه النسائي وكذلك البخاري: منكر الحديث, وقد أعل هذا الخبر العقيلي في كتابه الضعفاء.
الحكم على حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
وأما ما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصيام بعد منتصف شعبان فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ), وهذا الخبر منكر, قد أعله سائر الأئمة النقاد, أعله عبد الرحمن بن مهدي فأنكره, وكذلك أعله يحيى بن معين فقال: منكر الحديث, وأعله كذلك الإمام أحمد فقال: ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة حديثاً أنكر من هذا, وأعله كذلك النسائي فقال: لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وقال في موضع آخر: هذا خبر ليس بمحفوظ؛ وذلك أنه مخالف لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يصوم شعبان, وعليه يقال: إن صيام شعبان سنة, وينبغي للإنسان أن يكثر منه, سواء كان في أوله أو في آخره.
ما يروى عن بعض السلف في استقبال وتوديع رمضان
وما يروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا انصرم دعوا الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامهم، فهذا لا أعلمه يصح عنهم, وإنما هو مروي عن بعض السلف كما قال المعلى بن الفضل وغيره، وأما عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أصل.
حكم التهنئة برمضان
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه, كما تقدم, فالتهنئة بقدوم رمضان كأن يقول: شهر مبارك أو نحو ذلك هذا لا بأس به, نص عليه الإمام أحمد والشافعي، وكذلك ابن رجب في كتابه اللطائف, وإن لم يكن يثبت في هذا الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن أصل التهنئة في هذا لا بأس بها, في حصول مواسم الخير وحصول المسرات على الإنسان وإن كانت من التشريع, ولهذا قد جاءت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هجر كعب بن مالك ومن معه لما نزلت براءتهم من السماء هنأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول الله جل وعلا لتوبته, وهذا أصل في قبول التهنئة في الأعمال الخيرية.
وقد صنف الإمام السيوطي عليه رحمة الله تعالى رسالة في ذلك سماها أصول الأماني بأصول التهاني, ومال إلى أنه لا بأس بأن يهنئ الإنسان بحلول رمضان أو بغيره, وهذا الذي عليه الأئمة.
الحكم على الأخبار الواردة في التهنئة برمضان
وقد جاء كما تقدم في هذا جملة من الأخبار، منها ما رواه ابن خزيمة من حديث علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس أتاكم شهر عظيم, شهر فيه ليلة خير من ألف شهر, شهر جعل الله صيامه فريضة, وقيام ليله تطوعاً, من تقرب فيه بخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ), والخبر منكر كما قال ذلك أبو حاتم، وكذلك قد أعله العقيلي، وأعله ابن خزيمة أيضاً حينما أخرجه في كتابه الصحيح فقال: باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر, وابن خزيمة عليه رحمة الله تعالى كما تقدم الكلام على هذه المسألة في عدة مواضع أنه إذا نص على حديث في ترجمته ثم قال: إن صح الخبر؛ أنه يريد إعلالاً له, وهذا أي: حديث سلمان الفارسي معلول عند سائر الأئمة, وقيل: إنه روي ما يشهد له وفي ذلك نظر؛ فما رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث أيوب بن أبي تميمة السختياني عن أبي قلابة عن أبي هريرة بنحو حديث سلمان الفارسي هو أيضاً منكر, فإن أبا قلابة لم يسمعه من أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى, وكذلك قد رواه ابن ماجه في سننه من حديث عمران بن داور القطان عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى بنحو حديث أبي هريرة ونحو حديث سلمان، ولا يصح أيضاً, فهو معلول بـمحمد بن بلال راويه عن عمران بن داور فإنه قد قال الدارقطني : يهم ويغلط, وكذلك قال ابن عدي في كتابه الكامل: يهم ويغرب في روايته عن عمران، وكذلك قد أُعل بـعمران فقد ضعفه غير واحد من الأئمة؛ كـالنسائي وابن معين وأبي داود، ووثقه جماعة, وعلى كل لا يثبت في التهنئة بدخول رمضان خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عليه الصلاة والسلام يصوم قبل ذلك, أي: قبل رمضان في شعبان, وأما رجب فلم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صامه أو أمر أحداً بصيامه, وما جاء فيه من فضل فهو معلول, لا يحتج به, وأما ما رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ), فلا يصح, فقد رواه زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى ولا يصح, فـزائدة بن أبي الرقاد قال فيه النسائي وكذلك البخاري: منكر الحديث, وقد أعل هذا الخبر العقيلي في كتابه الضعفاء.
وأما ما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصيام بعد منتصف شعبان فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ), وهذا الخبر منكر, قد أعله سائر الأئمة النقاد, أعله عبد الرحمن بن مهدي فأنكره, وكذلك أعله يحيى بن معين فقال: منكر الحديث, وأعله كذلك الإمام أحمد فقال: ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة حديثاً أنكر من هذا, وأعله كذلك النسائي فقال: لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وقال في موضع آخر: هذا خبر ليس بمحفوظ؛ وذلك أنه مخالف لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يصوم شعبان, وعليه يقال: إن صيام شعبان سنة, وينبغي للإنسان أن يكثر منه, سواء كان في أوله أو في آخره.
وما يروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا انصرم دعوا الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامهم، فهذا لا أعلمه يصح عنهم, وإنما هو مروي عن بعض السلف كما قال المعلى بن الفضل وغيره، وأما عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أصل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه, كما تقدم, فالتهنئة بقدوم رمضان كأن يقول: شهر مبارك أو نحو ذلك هذا لا بأس به, نص عليه الإمام أحمد والشافعي، وكذلك ابن رجب في كتابه اللطائف, وإن لم يكن يثبت في هذا الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن أصل التهنئة في هذا لا بأس بها, في حصول مواسم الخير وحصول المسرات على الإنسان وإن كانت من التشريع, ولهذا قد جاءت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هجر كعب بن مالك ومن معه لما نزلت براءتهم من السماء هنأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول الله جل وعلا لتوبته, وهذا أصل في قبول التهنئة في الأعمال الخيرية.
وقد صنف الإمام السيوطي عليه رحمة الله تعالى رسالة في ذلك سماها أصول الأماني بأصول التهاني, ومال إلى أنه لا بأس بأن يهنئ الإنسان بحلول رمضان أو بغيره, وهذا الذي عليه الأئمة.
وقد جاء كما تقدم في هذا جملة من الأخبار، منها ما رواه ابن خزيمة من حديث علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس أتاكم شهر عظيم, شهر فيه ليلة خير من ألف شهر, شهر جعل الله صيامه فريضة, وقيام ليله تطوعاً, من تقرب فيه بخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ), والخبر منكر كما قال ذلك أبو حاتم، وكذلك قد أعله العقيلي، وأعله ابن خزيمة أيضاً حينما أخرجه في كتابه الصحيح فقال: باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر, وابن خزيمة عليه رحمة الله تعالى كما تقدم الكلام على هذه المسألة في عدة مواضع أنه إذا نص على حديث في ترجمته ثم قال: إن صح الخبر؛ أنه يريد إعلالاً له, وهذا أي: حديث سلمان الفارسي معلول عند سائر الأئمة, وقيل: إنه روي ما يشهد له وفي ذلك نظر؛ فما رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث أيوب بن أبي تميمة السختياني عن أبي قلابة عن أبي هريرة بنحو حديث سلمان الفارسي هو أيضاً منكر, فإن أبا قلابة لم يسمعه من أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى, وكذلك قد رواه ابن ماجه في سننه من حديث عمران بن داور القطان عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى بنحو حديث أبي هريرة ونحو حديث سلمان، ولا يصح أيضاً, فهو معلول بـمحمد بن بلال راويه عن عمران بن داور فإنه قد قال الدارقطني : يهم ويغلط, وكذلك قال ابن عدي في كتابه الكامل: يهم ويغرب في روايته عن عمران، وكذلك قد أُعل بـعمران فقد ضعفه غير واحد من الأئمة؛ كـالنسائي وابن معين وأبي داود، ووثقه جماعة, وعلى كل لا يثبت في التهنئة بدخول رمضان خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إطلاق لفظ رمضان مجرداً والحكم على ما ورد في ذلك
ولا حرج من إطلاق رمضان مجرداً على شهر الصيام من غير إلحاقه بشهر, وهذا الذي عليه عمل عامة الأئمة من الفقهاء والمحدثين وهو عمل السلف الصالح عليهم رضوان الله تعالى, وذهب بعضهم إلى كراهة إطلاق رمضان على شهر الصوم من غير أن يسبق بشهر, ولا يثبت في ذلك نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغايته ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث محمد بن بكار عن أبي معشر عن محمد بن كعب والمقبري عن أبي هريرة أنه قال: ( لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله, ولكن قولوا شهر رمضان ), وهذا الخبر منكر, فقد تفرد به أبو معشر وهو وإن كان إماماً في السير ويروي عن أبيه إلا أن تفرده هذا مردود.
ولهذا قد أنكر هذا الخبر ابن عدي في كتابه الكامل, وقال ابن كثير عليه رحمة الله تعالى في تفسيره: قد أنكر هذا الخبر ابن عدي على أبي معشر، وهو جدير بالإنكار, فإنه قد وهم وغلط فيه فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو على كل لا يثبت مرفوعاً ولا يثبت موقوفاً.
وبناء عليه قد كره بعض السلف من الأئمة وغيرهم أن يُجمع رمضان, سواء كان بجموع التكسير أو جموع المؤنث السالم؛ كأن يقال رمضانات أو رماضين أو أرمضة أو أرمضاء وغيرها, والصواب أنه يجوز أن يجمع على أي وجه كان, وأنه ليس من أسماء الله عز وجل, ولهذا ذهب البخاري عليه رحمة الله تعالى إلى جواز ذلك؛ كما ترجم في كتابه الصحيح قال: باب هل يقال رمضان, ثم أورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ), وهذا نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاق رمضان من غير أن يسبقها كلمة شهر, وكذلك في قوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: ( لا تقدموا رمضان بصيام يوم ولا يومين ), ولم يقل شهر.
وإن كان قد روي عن بعض الأجلة من الأئمة كراهة ذلك, فقد روي هذا عن غير واحد من الأئمة كالقاضي أبي يعلى من الحنابلة كما نص عليه ونقله عنه جماعة من الفقهاء أنه يرى كراهة إطلاق كلمة رمضان من غير قرينة؛ كأن يقال: صام الرجل رمضان, أو من غير أن يسبقها كلمة شهر, وقد ذكر النووي عليه رحمة الله تعالى في كتابه المجموع عن أصحاب الإمام مالك أنهم كرهوا ذلك, وفي هذا النقل نظر، فإن ما هو موجود في مصنفات المالكية هو عدم الكراهة, وهذا الإطلاق فيه نظر, ومن نظر إلى عمل السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام وجد أنهم يتسامحون في ذلك, ومن قال بالنهي فإن معتمده حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، وكذلك ظاهر كلام الله عز وجل في قول الله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185], فنقول أن قول الله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185], أن هذا الإطلاق لا يعني أنه لا يسمى بغيره, وكذلك يستدلون بما اشتهر عند العرب أن الأشهر تسمى بأسمائها إلا رمضان يقال فيه: شهر رمضان, فيقال: محرم, وصفر, وربيع, وجمادى, وشهر رمضان, وهذا إما على العرف أو أخذاً من كلام الله سبحانه وتعالى, وهذا لا يتضمن نهياً.
أصل اشتقاق لفظ (رمضان)
وقد اختلف العلماء في مصدر اشتقاق كلمة رمضان ومن أين أخذت، قيل أخذت من الرمضاء وهي: حرارة الأرض, وقالوا: إن العرب حينما سموا الأشهر من أسمائها القديمة ونقلوها إلى أسمائها العربية كان وضع ذلك في وقت الحر, ومعلوم أن الأيام في السنة القمرية تنتقل وتتحول, فيكون الشهر سنة في صيف، ويتأخر قليلاً, بعضهم قال: خمسة عشر, وبعضهم قال: أكثر من ذلك قليلاً, وعلى كل يقال: إن هذا محتمل, ولكن يناقضه رأي بعض الفلكيين الذين يقولون: إن تغيير العرب لهذا كان في فصل الخريف ولم يكن في وقت الحر.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2] | 2709 استماع |
إنما يخشى الله من عباده العلماء | 2473 استماع |
إن خير من استأجرت القوي الأمين | 2314 استماع |
العالِم والعالَم | 2307 استماع |
الذريعة بين السد والفتح [1] | 2296 استماع |
الإسلام وأهل الكتاب | 2129 استماع |
الذريعة بين السد والفتح [2] | 2101 استماع |
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] | 2100 استماع |
الردة .. مسائل وأحكام | 2075 استماع |
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] | 2044 استماع |