عقيدة أهل الإيمان [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإننا سنتكلم بإذن الله جل وعلا على ما خلق الله لأجله الخليقة، وأنزل الله جل وعلا الكتب وأرسل الرسل، وخلق الله الجنة والنار، ونصب الميزان، وجعل الرقيب العتيد والحسنات والسيئات على عباده، وجعل الناس وقسمهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهؤلاء كانوا بسبب ما فرطوا أو وافقوا معه أو فيه ما خلق الله جل وعلا العباد لأجله.

أهمية معرفة التوحيد

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وتوحيده، وتوحيد الله سبحانه وتعالى أعظم ما يتقرب به المتقربون إليه جل وعلا، ويجب أن يعلم أن عقيدة المؤمن وتوحيده لله سبحانه وتعالى أعظم ما ينبغي للإنسان أن يتبصر به، وأن يكون على معرفة وهداية ويقين وثبات به، بمعرفة ذلك من أصوله التي أنزلها الله جل وعلا، وأمر العباد بأن يأخذوا الدين منها كتاباً وسنة، فدين الله سبحانه وتعالى لا يؤخذ من أقول الرجال، ولا يؤخذ من موروث الأمم والشعوب، ولا من فلسفات الأمم والمفكرين والكتبة وغير ذلك، وإنما يؤخذ من الله سبحانه وتعالى، فلا أحد أعرف بالشيء منه بنفسه، فالله سبحانه وتعالى قد عرف نفسه لعباده في كتابه العظيم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن توحيد الله وإفراده بالعبادة هو القضية التي لأجلها جاهد من جاهد وناضل من ناضل، وكان الناس فيها في مقابل الأنبياء على فريقين: أناس يوالون، وأناس يعادون، فالذين يوالون هم أهل التوحيد، والذين يخالفون ويعادون هم أهل الإشراك مع الله عز وجل.

الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق إلا لعبادته، وعبادة الله التي لأجلها خلق الخلق ليست موكولة من جهة التفسير إلى الأذواق والحس ونحو ذلك، وإنما هي إلى النص من كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن العبادة على مراتب، وأعلى هذه المراتب هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتفسير هذه الكلمة يعني: لا معبود بحق إلا الله، وأما الذين يعبدون غير الله -وإن ظنوا أنهم عبدوا الله جل وعلا بما شرع- فهم يعبدون وهماً ويعبدون سراباً، أو فسروا العبودية على ما يريدون فضلوا في ذلك وأضلوا.

مفهوم خاطئ للعبادة

وكثير من المتعبدين حينما يتعبدون لله ظاهراً يظنون أنهم قد تعبدوا لله جل وعلا كذلك باطناً، ومن الناس من يظن أنه إذا تعبد لله باطناً وخالف أمور الظواهر أنه متعبد لله جل وعلا وهذا من الوهم والغلط؛ ولهذا كثير من الناس الذين يطوفون على الأضرحة والقبور والمزارات، ويسجدون عندها وينذرون لها، ويعطونها ويهبونها كثيراً من الأموال؛ دفعاً للشر وجلباً للخير، ويسألونها من دون الله جل وعلا ذلك، هذا هو الكفر المبين، مع كونهم يزعمون أن ذلك ما كان لهؤلاء الأولياء إلا لفضل الله وجلالة منزلته في قلوبهم، قالوا: لا نعبدهم إلا لأنهم كانوا أولياء لله سبحانه وتعالى، فلما كانوا كذلك فإننا نعبدهم من دون الله جل وعلا، أو نجعلهم وسطاء بيننا وبين الله جل وعلا.

إن الله سبحانه وتعالى يقر بأحقيته بالخلق، وكذلك التصرف بالكون، كل الناس يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، وأن هذا الخالق هو المصرف والمدبر، ولكنهم يضلون في لوازم هذا الإيمان، ويضلون في مسالك وأبواب الألوهية، وتوحيد الله سبحانه وتعالى فيه، وأسماء الله جل وعلا وصفاته يضلون في ذلك ضلالاً بعيداً.

إن معرفة العقيدة ومعرفة منزلتها وقدرها، وحجم المخالف والموافق فيها يعرِّف الإنسان قيمة عمله وعاقبته عند الله سبحانه وتعالى، إن وافق أو خالف.

إن توحيد الله جل وعلا هو الفيصل الذي لا يقبل فيه الرأي أو الاجتهاد، وإنما ذلك موكول إلى قطعيات الشريعة، ودلالات النصوص من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وتوحيده، وتوحيد الله سبحانه وتعالى أعظم ما يتقرب به المتقربون إليه جل وعلا، ويجب أن يعلم أن عقيدة المؤمن وتوحيده لله سبحانه وتعالى أعظم ما ينبغي للإنسان أن يتبصر به، وأن يكون على معرفة وهداية ويقين وثبات به، بمعرفة ذلك من أصوله التي أنزلها الله جل وعلا، وأمر العباد بأن يأخذوا الدين منها كتاباً وسنة، فدين الله سبحانه وتعالى لا يؤخذ من أقول الرجال، ولا يؤخذ من موروث الأمم والشعوب، ولا من فلسفات الأمم والمفكرين والكتبة وغير ذلك، وإنما يؤخذ من الله سبحانه وتعالى، فلا أحد أعرف بالشيء منه بنفسه، فالله سبحانه وتعالى قد عرف نفسه لعباده في كتابه العظيم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن توحيد الله وإفراده بالعبادة هو القضية التي لأجلها جاهد من جاهد وناضل من ناضل، وكان الناس فيها في مقابل الأنبياء على فريقين: أناس يوالون، وأناس يعادون، فالذين يوالون هم أهل التوحيد، والذين يخالفون ويعادون هم أهل الإشراك مع الله عز وجل.

الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق إلا لعبادته، وعبادة الله التي لأجلها خلق الخلق ليست موكولة من جهة التفسير إلى الأذواق والحس ونحو ذلك، وإنما هي إلى النص من كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن العبادة على مراتب، وأعلى هذه المراتب هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتفسير هذه الكلمة يعني: لا معبود بحق إلا الله، وأما الذين يعبدون غير الله -وإن ظنوا أنهم عبدوا الله جل وعلا بما شرع- فهم يعبدون وهماً ويعبدون سراباً، أو فسروا العبودية على ما يريدون فضلوا في ذلك وأضلوا.

وكثير من المتعبدين حينما يتعبدون لله ظاهراً يظنون أنهم قد تعبدوا لله جل وعلا كذلك باطناً، ومن الناس من يظن أنه إذا تعبد لله باطناً وخالف أمور الظواهر أنه متعبد لله جل وعلا وهذا من الوهم والغلط؛ ولهذا كثير من الناس الذين يطوفون على الأضرحة والقبور والمزارات، ويسجدون عندها وينذرون لها، ويعطونها ويهبونها كثيراً من الأموال؛ دفعاً للشر وجلباً للخير، ويسألونها من دون الله جل وعلا ذلك، هذا هو الكفر المبين، مع كونهم يزعمون أن ذلك ما كان لهؤلاء الأولياء إلا لفضل الله وجلالة منزلته في قلوبهم، قالوا: لا نعبدهم إلا لأنهم كانوا أولياء لله سبحانه وتعالى، فلما كانوا كذلك فإننا نعبدهم من دون الله جل وعلا، أو نجعلهم وسطاء بيننا وبين الله جل وعلا.

إن الله سبحانه وتعالى يقر بأحقيته بالخلق، وكذلك التصرف بالكون، كل الناس يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، وأن هذا الخالق هو المصرف والمدبر، ولكنهم يضلون في لوازم هذا الإيمان، ويضلون في مسالك وأبواب الألوهية، وتوحيد الله سبحانه وتعالى فيه، وأسماء الله جل وعلا وصفاته يضلون في ذلك ضلالاً بعيداً.

إن معرفة العقيدة ومعرفة منزلتها وقدرها، وحجم المخالف والموافق فيها يعرِّف الإنسان قيمة عمله وعاقبته عند الله سبحانه وتعالى، إن وافق أو خالف.

إن توحيد الله جل وعلا هو الفيصل الذي لا يقبل فيه الرأي أو الاجتهاد، وإنما ذلك موكول إلى قطعيات الشريعة، ودلالات النصوص من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الله جل وعلا حينما أرسل رسله إلى الذين كفروا بالله وأشركوا معه غيره أمرهم أن يدعوهم إلى توحيد الله وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، فالله جل وعلا أمر جميع الأمم على لسان أنبيائه أن يعبدوا الله جل وعلا ولا يشركوا معه أحداً غيره، إذا كانوا يقرون بأن الخالق هو الله، فما هو الشرك الذي قد وقعوا فيه؟

هم قد وقعوا في شرك من الأقوال والأعمال وذلك ببعض الأسباب التي جعلوها أسباباً ولم يجعلها الله جل وعلا أسباباً، فشاركوا الله في حقه، فجعلوا بينهم وبين الله وسطاء، وجعلوا بينهم وبين الله شفعاء، ويظنون ذلك أنهم يتقربون إلى الله، ويظنون أيضاً أنهم أحسنوا صنعاً.

إن حسن قصد الإنسان لا يخرج قوله وفعله من الباطل، فالمقصد والقلوب مردها إلى الله، والظواهر هي الحكم والفيصل في ذلك.

إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

إن كفار قريش وكفار العرب حينما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى توحيد الله وعدم الإشراك معه غيره، كان أولئك يقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق والرازق؛ ولهذا قال الله جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهم يؤمنون أن الله جل وعلا هو الخالق، ولكنهم يشركون معه غيره، بأنه جعلوا هؤلاء الصالحين ممن كان في القبور، وأن ما صوروا لهم من صور وأصنام وتماثيل قالوا: هؤلاء من الناس الصالحين السالكين ينبغي أن يكونوا لنا وسطاء، وإنما أحلهم هذا المحل من الإشراك مع الله غيره، أنهم دخلوا أمثال هذه الأمور بتسويلات شيطانية ظاهرها فيما يظنها أصحاب العقل البسيط أنها حسنة، ويقولون: إننا نستحي ونخجل لذنوبنا أن نتقرب إلى الله ونحن العصاة المسرفون بشيء من أعمالنا، أو نتقرب إلى الله جل وعلا بلا وسطه، بل نتوسط بهؤلاء العباد والأولياء الصالحين المنقطعين عبادة لله؛ حتى يشفعوا لنا، قالوا: فإن الإنسان إذا قصد ملكاً من ملوك الأرض فإنه يجعل بينه وبين ذلك الملك شفاعة أو وساطة ونحو ذلك، وجهلوا أن الوسطاء في أمر الدنيا يعرفون بالأشخاص الآخرين ما جهله السلطان أو يحسنون صورتهم إذا كانت سيئة، وأما الله جل وعلا فإنه يعلم الوسطاء، ويعلم غيرهم على حدٍّ سواء، فلا مجال للزيادة والنقصان؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يراقب الله ظاهراً وباطناً، وهذا نوع من التمثيل الذي قد استقر في قلوبهم بين الخالق والمخلوق بين سلاطين الأرض ووجهائهم، وبين الله جل وعلا الخالق، إن عقيدة المؤمن وعقيدة أهل الإيمان -مع أهميتها وجلالة قدرها- إلا أن كثيراً من الناس يفرطون بمعرفتها، ومعرفته ما يجب عليهم فيها، فيعرفون كثيراً من مسائل الطهارة وكثيراً من مسائل الصيام والصلاة ودقائقها، بل ربما عرفوا بعض مسائل الخلاف، في مسائل الفروع في بعض جزئيات الصلاة من سننها وواجباتها وسنن الرواتب ونحو ذلك، ويجهلون الأمور الكثيرة المهمة في مسائل العقيدة؛ ولهذا كثير من الناس ربما يقعون في الشرك من حيث لا يشعرون، وربما وقعوا في مخالفة السنة، وأوغلوا في الوقوع في البدعة أو استمروا عليها دهراً من حيث لا يشعرون؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يتبصر بالعلم الشرعي عموماً، وأن يعرف أن العلم والعمل على مراتب، وهذه المراتب ليس للإنسان أن يقدم الأدنى على الأعلى، فالله جل وعلا قد جعل لكل شيء قدرا.

أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله

أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله هو أن يعبدوا الله جل وعلا وأن لا يشركوا معه أحداً غيره، وأعظم ذنب يقع فيه البشرية هو أن يشركوا مع الله جل وعلا غيره؛ ولهذا خص الله جل وعلا الإشراك معه غيره بشيء من الخصائص ليست لغيره من سائر الذنوب، فالذي يشرك مع الله غيره لا يُقبل له عمل، ولا يرفع له أجر، ولا ينظر إليه، حتى يوحد الله وإن وقع في الشرك فقد قطع الوصل بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

فلا يرد عليه شيء من المكفرات وإن مات على كفره فإنه ليس من أهل الإيمان ولا يدعى له بالرحمة؛ لأن الله أخذ على نفسه أن لا يغفر لمن أشرك معه شيئاً غيره؛ لهذا يقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو لا يشرك مع الله غيره دخل الجنة، ومن مات وهو يشرك مع الله غيره دخل النار )، في هذا إشارة إلى أهمية التوحيد وعلو منزلته، وأن الله سبحانه وتعالى جعله الفيصل حتى بين الأقارب، فلا أنساب بين المؤمن والكفار، فلا يرث المؤمن الكفار، ولا يرث الكفار المؤمن.

وقد بين الله سبحانه وتعالى أن على المسلم أن تكون بينه وبين الكفرة مفاصلة ولو كانوا من الأقربين؛ ولهذا إبراهيم عليه السلام لما استغفر لأبيه منعه الله جل وعلا من ذلك؛ للمفارقة الدينية؛ لأن الله قد قضى أن لا يغفر شيئاً لمن أشرك معه غيره، فهذا الاستغفار لا يكون في محله، فبين الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام ذلك الأمر.

وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن ربه أن يزور قبرها فأذن له، وهذا أمر يبين أن منزلة التوحيد عظيمة، وأن منزلة الإشراك مع الله عز وجل غيره عظيمة الجرم.

وإذا مات الإنسان على الكفر -ولو كان معذوراً بجهل ونحو ذلك- فإننا نكل أمره إلى الله، ونتوقف عن الاستغفار له، كأصحاب الفترة؛ لأن مرد أولئك -وإن جهلوا- إلى الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا حكيم بصير بأحوالهم رحيم بعباده، وقد ذكر في كتابه العظيم أنه لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة، قال جل وعلا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، أي: أن الإنسان لا يعذب على شيء عمله حتى يكون البلاغ قد سبق إليه؛ ولهذا يقول الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6].

إن كفار قريش وكفار العرب حينما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى توحيد الله وعدم الإشراك معه غيره، كان أولئك يقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق والرازق؛ ولهذا قال الله جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهم يؤمنون أن الله جل وعلا هو الخالق، ولكنهم يشركون معه غيره، بأنه جعلوا هؤلاء الصالحين ممن كان في القبور، وأن ما صوروا لهم من صور وأصنام وتماثيل قالوا: هؤلاء من الناس الصالحين السالكين ينبغي أن يكونوا لنا وسطاء، وإنما أحلهم هذا المحل من الإشراك مع الله غيره، أنهم دخلوا أمثال هذه الأمور بتسويلات شيطانية ظاهرها فيما يظنها أصحاب العقل البسيط أنها حسنة، ويقولون: إننا نستحي ونخجل لذنوبنا أن نتقرب إلى الله ونحن العصاة المسرفون بشيء من أعمالنا، أو نتقرب إلى الله جل وعلا بلا وسطه، بل نتوسط بهؤلاء العباد والأولياء الصالحين المنقطعين عبادة لله؛ حتى يشفعوا لنا، قالوا: فإن الإنسان إذا قصد ملكاً من ملوك الأرض فإنه يجعل بينه وبين ذلك الملك شفاعة أو وساطة ونحو ذلك، وجهلوا أن الوسطاء في أمر الدنيا يعرفون بالأشخاص الآخرين ما جهله السلطان أو يحسنون صورتهم إذا كانت سيئة، وأما الله جل وعلا فإنه يعلم الوسطاء، ويعلم غيرهم على حدٍّ سواء، فلا مجال للزيادة والنقصان؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يراقب الله ظاهراً وباطناً، وهذا نوع من التمثيل الذي قد استقر في قلوبهم بين الخالق والمخلوق بين سلاطين الأرض ووجهائهم، وبين الله جل وعلا الخالق، إن عقيدة المؤمن وعقيدة أهل الإيمان -مع أهميتها وجلالة قدرها- إلا أن كثيراً من الناس يفرطون بمعرفتها، ومعرفته ما يجب عليهم فيها، فيعرفون كثيراً من مسائل الطهارة وكثيراً من مسائل الصيام والصلاة ودقائقها، بل ربما عرفوا بعض مسائل الخلاف، في مسائل الفروع في بعض جزئيات الصلاة من سننها وواجباتها وسنن الرواتب ونحو ذلك، ويجهلون الأمور الكثيرة المهمة في مسائل العقيدة؛ ولهذا كثير من الناس ربما يقعون في الشرك من حيث لا يشعرون، وربما وقعوا في مخالفة السنة، وأوغلوا في الوقوع في البدعة أو استمروا عليها دهراً من حيث لا يشعرون؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يتبصر بالعلم الشرعي عموماً، وأن يعرف أن العلم والعمل على مراتب، وهذه المراتب ليس للإنسان أن يقدم الأدنى على الأعلى، فالله جل وعلا قد جعل لكل شيء قدرا.

أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله هو أن يعبدوا الله جل وعلا وأن لا يشركوا معه أحداً غيره، وأعظم ذنب يقع فيه البشرية هو أن يشركوا مع الله جل وعلا غيره؛ ولهذا خص الله جل وعلا الإشراك معه غيره بشيء من الخصائص ليست لغيره من سائر الذنوب، فالذي يشرك مع الله غيره لا يُقبل له عمل، ولا يرفع له أجر، ولا ينظر إليه، حتى يوحد الله وإن وقع في الشرك فقد قطع الوصل بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

فلا يرد عليه شيء من المكفرات وإن مات على كفره فإنه ليس من أهل الإيمان ولا يدعى له بالرحمة؛ لأن الله أخذ على نفسه أن لا يغفر لمن أشرك معه شيئاً غيره؛ لهذا يقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو لا يشرك مع الله غيره دخل الجنة، ومن مات وهو يشرك مع الله غيره دخل النار )، في هذا إشارة إلى أهمية التوحيد وعلو منزلته، وأن الله سبحانه وتعالى جعله الفيصل حتى بين الأقارب، فلا أنساب بين المؤمن والكفار، فلا يرث المؤمن الكفار، ولا يرث الكفار المؤمن.

وقد بين الله سبحانه وتعالى أن على المسلم أن تكون بينه وبين الكفرة مفاصلة ولو كانوا من الأقربين؛ ولهذا إبراهيم عليه السلام لما استغفر لأبيه منعه الله جل وعلا من ذلك؛ للمفارقة الدينية؛ لأن الله قد قضى أن لا يغفر شيئاً لمن أشرك معه غيره، فهذا الاستغفار لا يكون في محله، فبين الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام ذلك الأمر.

وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن ربه أن يزور قبرها فأذن له، وهذا أمر يبين أن منزلة التوحيد عظيمة، وأن منزلة الإشراك مع الله عز وجل غيره عظيمة الجرم.

وإذا مات الإنسان على الكفر -ولو كان معذوراً بجهل ونحو ذلك- فإننا نكل أمره إلى الله، ونتوقف عن الاستغفار له، كأصحاب الفترة؛ لأن مرد أولئك -وإن جهلوا- إلى الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا حكيم بصير بأحوالهم رحيم بعباده، وقد ذكر في كتابه العظيم أنه لا يعذب أحداً حتى تبلغه الرسالة، قال جل وعلا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، أي: أن الإنسان لا يعذب على شيء عمله حتى يكون البلاغ قد سبق إليه؛ ولهذا يقول الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6].

إن عقيدة المؤمن مع أهميتها وجلالة قدرها ينبغي أن تعرف ماهيتها وأصلها، وكذلك ما يدخل في هذه الأبواب، وما ينبغي أيضاً أن يعرفه الإنسان من مهمات هذه العقيدة.

والعلم بالتوحيد بالمنزلة الرفيعة، وأشرف العلوم على الإطلاق هو معرفة توحيد الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته.

المراد بالعقيدة كمصطلح

والعقيدة مشتقة من عقد الشيء وهو الإبرام، فكأن الإنسان قد أبرم في قلبه عقداً وثيقاً تصدر منه الأقوال والأفعال، والمراد بهذا العقد هو ما يؤمن به الإنسان بينه وبين ربه فيوحد الله جل وعلا قولاً وفعلاً.

ويدخل في هذا أيضاً توحيد الله سبحانه وتعالى كمصطلح؛ فإن المراد بذلك هو إفراد الله بالعبادة، والتوحيد هو أخص من العقيدة، فالعقيدة باب واسع، وأما العقيدة فهي إفراد الله جل وعلا فيما علمه الإنسان من خصائص ربه، فالله جل وعلا له أسماء وصفات، وله خصائص سبحانه وتعالى ينبغي للإنسان أن يعرفها، وهذه المعلومات التي يعرفها الإنسان عن ربه جل وعلا، يجب أن يوحده فيها، فيكون حينئذ التوحيد هو مفسراً للعقيدة أو مخصصاً لبعض معانيها، وذلك أنها لله جل وعلا لا يشركه معه أحد غيره.

شرف علم التوحيد

إن شرف العلم بشرف المعلوم، فيعرف الشيء من جهة أهميته بشرف ماهيته وحقيقته، وكذلك أثره على الناس، وإذا نظرنا في المعلومات والمدركات سواء كانت من العلوم الدينية أو الدنيوية نجد أن شرف الشيء يكون بمعرفة المعلوم، فإذا أراد الإنسان أن يعرف الأمور العلمية من علوم الدنيا سيجد أن أشرف العلوم لديه هو معرفة علم الأبدان وهو طب العقول، وكذلك طب الأجساد والجوارح ونحو ذلك، ومعرفة ذلك لا يمكن أن يتحقق للإنسان إلا بسلوك ذلك السبيل، وإنما عرفت أهمية ذلك؛ لأن المعلوم وهو الإنسان أشرف شيء عند نفسه بين المخلوقات؛ لهذا يحرص الإنسان على معرفة أحواله ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للمعلوم الأعظم والواجب الأكبر على الإنسان فهو معرفة ربه من جهة توحيده، وكذلك حق الله جل وعلا على عباده، وكذلك حق العباد على الله سبحانه وتعالى فيما بينه الله مفصلاً في كتابه وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه المعلومات هي أشرف العلوم على الإطلاق؛ لأن سبيلها إلى صاحب الحق وهو الله سبحانه وتعالى.

فلا شيء أعرف من الشيء منه بنفسه، فالله سبحانه وتعالى عرف بنفسه لعباده في كتابه العظيم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مصدر العقيدة الصحيحة

لا تؤخذ العقيدة ولا التوحيد من أقوال فلان ولا فلان، ولا من موروثات الأمم والشعوب؛ ولهذا إنما ضلت الأمم والشعوب بأخذهم التوحيد والعقيدة عما وجدوا عليه آباءهم؛ ولهذا قد يبدل آباؤهم شيئاً فشيئاً على سبيل التدرج حتى انطمس ذلك التوحيد، وأصبح توحيدهم كحال اللوحة من الزجاج، يكون عليها من الرذاذ والأوساخ يتراكم شيئاً فشيئاً حتى يصبح الإنسان لا يرى من ذلك شيئاً، وإن كان أصلها من جهة الاسم واحداً؛ ولهذا الجاهليون لما جاءهم أنبياء الله سبحانه وتعالى يدعونهم إلى التوحيد قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، يعني: إننا نسلك هذا الطريق كما كان عليه آباؤنا.

وقد أتى الأنبياء الأمم يدعونهم إلى توحيد الله، محتجين على ذلك بكلام الله لا بكلام الأمم والشعوب وموروثاتها، ولا بكلام والآباء والأجداد، وما استحسنوه عقلاً؛ فإن هذا -إن ركنوا إليه- ضلوا، وإن ركنوا إلى توحيد الله -بمعرفة الله جل وعلا بكتابه وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- اهتدوا ورشدوا وكانوا من أهل التوفيق والسداد.

موضوعات علم العقيدة

وعقيدة المؤمن يدخل فيها أركان الإيمان، وتوحيد الله بالربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، والولاء لمن حقق ذلك، والبراء لمن لم يحقق ذلك، الولاء لأهل الإيمان، والعداء والبراء لأهل الكفر، وقد يجتمع الولاء والبراء في شخص بعينه بوجود الإيمان فيه من وجه فيوالي، ووجود الفسوق والفجور والظلم والتعدي على الناس من وجه آخر مما لا يخرجه من الإيمان فيوالى من وجه ويعادى من وجه، والمؤمن مهما كان مسرفاً على نفسه متعدياً على غيره فهو أحب إلى الله جل وعلا من الكفار مهما كانوا عادلين؛ لأن أعظم الظلم هو ظلم الإنسان لنفسه، وأعظم الظلم هو أن يتعدى الإنسان على حق لله جل وعلا بتوحيده، فيصرفه إلى مخلوق؛ ولهذا كثير من الناس إنما ينظرون إلى موازين دنيوية من جهة العدل، فيقدمون أقواماً لأنهم عدلوا في الدينار والدرهم، وعدلوا في العطية والهبة ونحو ذلك، ولا ينظرون إلى الظلم الأكبر الذي وقعوا فيه وهو ظلم العبد لنفسه مع الله جل وعلا.

فمن عبد صنماً أو حجراً أو جحد ربوبية الله فهذا أعظم الظلم، فإذا تعدي على الإنسان بالسب والشتم والثلب وكذلك التعيير أو سلب حقه بالقول والفعل ونحو ذلك فإن ذلك يعد من أعظم الظالمين، كذلك إذا توجه أحد إلى أحد من سلاطين الأرض بالتعدي عليه قولاً أو فعلاً، أو سلب حقه من الطاعة ونحو ذلك -وإن عدل مع الناس- فإنه في ذلك يعد ظالماً، فكيف الذي يسلب الله جل وعلا حقه بزعمه، ويدعي أن ذلك لغيره من المخلوقات؟! لا شك أن ذلك من أعظم الظلمة فلا ينبغي أن يقدم لغيره، فالله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، يعني: أن المؤمن خير من المشرك، ولو أعجبك مع وجود الإعجاب القلبي الذي يظهر في فطرة الإنسان، من استحسان المظهر والشكل، أو العدل أو الإنصاف، أو نحو ذلك والأدب والسلوك، ولكن ذلك ليس بالمعيار، المعيار الأول هو الولاء لأهل الإيمان؛ لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ولاء أهل الإيمان مهما بعدوا، ومهما اقترفوا من ذنوب ومعاص، ويدعو إلى منابذة أهل الشرك مهما وقعوا فيه من عدل، ولكن الله جل وعلا مع ذلك أمر بالقسط، والعدل والإحسان، وتأليف قلوب من بعد عن دينه، وكذلك جذبه إلى التوحيد بالإحسان إليه وإكرامه، ولكنه لا يقدم على أهل الإيمان قاطبة؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه في صفه ممن انتمى إلى الإسلام ممن آمن به، من كان من المقصرين، بل ربما قاتل معه من كان من أهل الكبائر، كبعض من يشرب الخمر أو يقع في بعض المعاصي، وهؤلاء داخلون في دائرة الإيمان، وفي الولاء لهم والبراء من أعدائهم.

معنى توحيد الله تعالى

إن توحيد الله سبحانه وتعالى هو أن يثبت الإنسان لله جل وعلا ما يحبه الله لنفسه، وأن يكون ذلك خصيصة له لا يشركه معه غيره؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم مبيناً أهمية التوحيد: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، أي: أنه يجب على الإنسان أن يعلم أنه لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، قال جل وعلا: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، أي: مما وقعت فيه مما يخالف ذلك إن وقعت، وكذلك أن تستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وذلك مدعاة إلى باب من أبواب الولاء والتلاحم والصلة والجمع بينه وبينهم على تلك العقيدة، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، الله سبحانه وتعالى أمر ألا يعبد إلا هو، وألا ينصرف قلب الإنسان وجوارحه ولسانه إلا له؛ لهذا قال جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]،يعني: أنهم قد مالوا عن طريق الغواية والشر إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فأمر الله بالعبادة ونهى عن ضدها.

إن أعظم البيان أن يأمر الإنسان بشيء وينهى عن ضده، وهذا أعظم وأتم أنواع البيان، ويأتي بعد ذلك مرتبة أن يأمر الإنسان بالشيء ولا ينهى عن ضده، ويليه بعد ذلك أن ينهى الإنسان عن الشيء ولا يأمر بضده.

وبهذا نعلم أن الأشياء تتضح بأمرين:

الأمر الأول: ببيان حقيقتها بذاتها والأمر على ذلك.

الأمر الثاني: ببيان ضدها والنهي عن ارتكاب ذلك الضد؛ لمناقضته للأمر الأول؛ ولذلك نعلم أن الشريعة جاءت ببيان التوحيد والنهي عن الشرك، وهو ضد توحيد الله سبحانه وتعالى وهذا أعظم وجوه البيان، وأعظم بيان التحقيق والتوضيح؛ ولهذا إذا أراد الإنسان أن ينظر في أمر أمر الله به، ونهى عن ضده على وجه الإجمال والتفصيل، وكذلك السرد في النصوص كتاباً وسنة لم يجد شيئاً يوازي توحيد الله سبحانه وتعالى منزلة، وذلك أن الإشراك مع الله عز وجل هو أعظم ظلم يقع فيه الإنسان، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، جعل الله الظلم هو الإشراك؛ لهذا لما نزلت هذه الآية كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى، قال: ( شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم )، ومعنى أنه شق عليهم ذلك: أن قوله جل وعلا الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، أن الأمن يسلب منا إذا وقعنا في الظلم، كأن نظلم بعضنا في الدينار والدرهم، بالكلام ونحو ذلك، أو ربما بشيء من الأمور الكبيرة التي لا تصل إلى المفاصلة والمفارقة بين العبد وربه، فيكون الإنسان يعادي معاداة تامة كما يعادي أهل الكفر.

فشق ذلك على الصحابة، أي: كيف نقع في شيء من الظلم ثم لا يكون لنا الأمن يوم القيامة ( جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه ليس كما تظنون؛ إن الظلم هنا هو الشرك، أولم تسمعوا لقول العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ).

والعقيدة مشتقة من عقد الشيء وهو الإبرام، فكأن الإنسان قد أبرم في قلبه عقداً وثيقاً تصدر منه الأقوال والأفعال، والمراد بهذا العقد هو ما يؤمن به الإنسان بينه وبين ربه فيوحد الله جل وعلا قولاً وفعلاً.

ويدخل في هذا أيضاً توحيد الله سبحانه وتعالى كمصطلح؛ فإن المراد بذلك هو إفراد الله بالعبادة، والتوحيد هو أخص من العقيدة، فالعقيدة باب واسع، وأما العقيدة فهي إفراد الله جل وعلا فيما علمه الإنسان من خصائص ربه، فالله جل وعلا له أسماء وصفات، وله خصائص سبحانه وتعالى ينبغي للإنسان أن يعرفها، وهذه المعلومات التي يعرفها الإنسان عن ربه جل وعلا، يجب أن يوحده فيها، فيكون حينئذ التوحيد هو مفسراً للعقيدة أو مخصصاً لبعض معانيها، وذلك أنها لله جل وعلا لا يشركه معه أحد غيره.

إن شرف العلم بشرف المعلوم، فيعرف الشيء من جهة أهميته بشرف ماهيته وحقيقته، وكذلك أثره على الناس، وإذا نظرنا في المعلومات والمدركات سواء كانت من العلوم الدينية أو الدنيوية نجد أن شرف الشيء يكون بمعرفة المعلوم، فإذا أراد الإنسان أن يعرف الأمور العلمية من علوم الدنيا سيجد أن أشرف العلوم لديه هو معرفة علم الأبدان وهو طب العقول، وكذلك طب الأجساد والجوارح ونحو ذلك، ومعرفة ذلك لا يمكن أن يتحقق للإنسان إلا بسلوك ذلك السبيل، وإنما عرفت أهمية ذلك؛ لأن المعلوم وهو الإنسان أشرف شيء عند نفسه بين المخلوقات؛ لهذا يحرص الإنسان على معرفة أحواله ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للمعلوم الأعظم والواجب الأكبر على الإنسان فهو معرفة ربه من جهة توحيده، وكذلك حق الله جل وعلا على عباده، وكذلك حق العباد على الله سبحانه وتعالى فيما بينه الله مفصلاً في كتابه وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه المعلومات هي أشرف العلوم على الإطلاق؛ لأن سبيلها إلى صاحب الحق وهو الله سبحانه وتعالى.

فلا شيء أعرف من الشيء منه بنفسه، فالله سبحانه وتعالى عرف بنفسه لعباده في كتابه العظيم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2] 2709 استماع
إنما يخشى الله من عباده العلماء 2473 استماع
إن خير من استأجرت القوي الأمين 2314 استماع
العالِم والعالَم 2307 استماع
الذريعة بين السد والفتح [1] 2296 استماع
الإسلام وأهل الكتاب 2129 استماع
الذريعة بين السد والفتح [2] 2101 استماع
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] 2100 استماع
الردة .. مسائل وأحكام 2075 استماع
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] 2044 استماع