خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56808"> سلسلة أصول الفقه
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح منظومة رشف الشمول في أصول الفقه لابن بدران [9]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: [ باب الاستدلال ].
الاستدلال المراد به: طلب الدليل، أي: كيف أن الإنسان يلتمس دليلاً في مسألة من المسائل، يذكر المصنف رحمه الله هنا شيئاً من الطرق في طلب الدليل، وكذلك طريقة استعمالها، وكذلك بيان المفارقة بينها.
تعارض الأدلة
قال رحمه الله تعالى:
[ إذا مثنى خاص أو عام عرض وأمكن الجمع فجمع يفترض
إن يمتنع فرده للوقف ثم اجتهد عسى دليلا تقفي ]
إذا جاء في مسألة معينة دليلان في حكم من الأحكام فينبغي للإنسان أن ينظر إلى الدليل الخاص ويجعله خاصاً، وأن ينظر إلى الدليل العام فإما أن يجريه على عمومه، ويلحق ذلك العام بما خصصه الشارع، أي يلحق الأدلة ويجمعها فيما بينها، أو ينظر لبعض القرائن التي تؤديه إلى جعل الخاص باق على خصوصه، والعام باق على عمومه، وذلك لبعض الفروقات بين بعض الأدلة في وجوه خصوصها، وكذلك وجوه العموم؛ ولهذا نقول: إن الأدلة إما أن تتساوى، وإما أن يترجح بعضها على بعض، وإما أن يوجد دليل واحد ولا يوجد غيره، فإذا وجد الدليل الواحد فلا يصار إلا إليه، ولا يلتمس معارض، وأما إذا وجد في المسألة دليلان في مسألة من المسائل فلا بد من النظر في أحوال:
الحالة الأولى: النظر في إمكان النسخ، فإذا تعارضا مع معرفة المتقدم والمتأخر فالناسخ والمنسوخ، وإذا ثبت ورود النسخ فليس للإنسان أن يجمع بينهما مع ظهور النسخ إما بالنص عليه أو معرفة التاريخ، فإذا عرف التاريخ وتعذر في ذلك الجمع فإنه يصار إلى النسخ.
الحالة الثانية: أن يجمع بين الأدلة، فإذا لم ينص على النسخ فإنه يجمع بين الأدلة، وإذا تعذر الجمع فإنه يصار إلى الترجيح بين الأدلة.
ولهذا قال: (وأمكن الجمع فجمع يفترض) هنا قدم الجمع، والجمع لا يصار إليه إذا ظهر في ذلك النسخ، فإذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ كما في قوله: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها تذكر الآخرة ) ليس لنا أن نجمع بين الناسخ والمنسوخ، وإنما نقول: ذاك حكم انتهى، ونبقي ذلك، وقد نصير إليه مع توفر علته، كانتشار الوثنية، إذا انتشر في بلد من البلدان، نضع على المقابر سياج ونحو ذلك، خشية أن تعبد إذا ظهرت العبادة، فنقوم حينئذٍ بالمنع للرجوع إلى تلك العلة، أما أن نجمع بين الدليلين في حالة واحدة فهذا ضعيف، وفي حال عدم ثبوت النسخ فإن الجمع يقدم على النسخ.
قال:
( إن يمتنع فرده للوقف ثم اجتهد عسى دليلا تقفي)
هنا في مسألة تعذر الجمع من العلماء من يقول: يصار إلى الترجيح، ثمة قاعدة يذكرها الفقهاء، وهي إعمال الدليل أولى من إهماله، أو يقولون: إعمال الدليلين أولى من إهمالهما، أو إهمال أحدهما، وهذا المراد به أنك إذا أعملت الشريعة عظمتها، ودنت الله عز وجل بها، فلم تعطل هذا وهذا، وهذا يؤدي إلى الجمع، لكن الإنسان إذا مال إلى الترجيح فلا بد أن يعطل أحد الدليلين، لكن قد ينقدح في ذهن الإنسان جملة من القرائن تؤدي إلى تعطيل أحد الدليلين، من هذه القرائن:
الأمر الأول: قوة أحد الدليلين على الآخر، وذلك أن قوة الدليل تعني في كثير من الأحيان الاعتداد بالحكم، والعمل به، فإذا حمله الصغار وزهد الكبار عن حمل الحديث الثابت إلى من دونهم دل على عدم العناية بمضمونه، وما يحمله الناس مما يدور في مجالسهم من أخبار ويتحدثون بها في الغالب أنهم يهتمون بها، فإذا تحدث بها الكبار دل على أنها مهمة، وإذا لم يتحدث بها الكبار تجد أن لديهم ليست مهمة؛ لهذا نقول: إنه إذا لم يتمكن الإنسان من الجمع، فلا بد أن يصير إلى الترجيح، بالنظر إلى جملة من القرائن، فمن هذه القرائن: قوة الدليل على الآخر.
الأمر الثاني: عمل السلف، فإذا كان عمل السلف على أحد الدليلين فهذا من القرائن على تعطيل الثاني؛ ولهذا يقول إبراهيم النخعي: لا أبالي في حديث يبلغني عن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعمل به الصحابة أن أرمي به؛ وذلك أن الصحابة ما تركوه إلا لثبوت سبب للترك، إما لورود النسخ فيه، وإما لمدخل فيه فربما كان مختلقاً، وظهر في صورة الحسن، فانطلى على الرواة ولو كانوا ثقات، وهو منكر.
الأمر الثالث: أن يكون أحد الدليلين أقوى من جهة الدلالة، وإن تشابها من جهة الإسناد، وذلك أن يكون أحد الدليلين أقرب إلى التخصيص في المسألة بعينها، وذاك أعم منه، فالخاص أقوى من العام، فيؤخذ بالخاص، ويعطل العام عند التعارض بينهما، وعدم إمكان الجمع.
الناسخ والمنسوخ
قال رحمه الله تعالى:
[ وينسخ الأخير حكم الأول مما أتانا في الكتاب المنزل ]
تقدم الكلام على النسخ، وقيل: إنه الإزالة، وقيل المراد بذلك هو: التبديل، يقول: (وينسخ الأخير حكم الأولمما أتانا في الكتاب المنزل) بالنسبة لنسخ الأخير للأول لا بد في ذلك من معرفة التاريخ، ومعرفة التاريخ تكون إما بمعرفة أسباب النزول، وإما بمعرفة النقلة لذلك الخبر، أو من شهدها، فإذا عرفنا من شهد ذلك الحكم من الصحابة، وعرفنا أن منهم من توفي متقدماً، فيعطينا هذا إشارة إلى أن ذلك الحكم متقدم، أو ثبت لدينا أن أحد الدليلين كان في آخر زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فيغلب على الظن أن ما قبله سابق له، كذلك من أمارات معرفة الناسخ والمنسوخ أن الغالب في الناسخ أن يكون أغلظ، ولا نحمل الأدنى على نسخ الأعلى، فهذا من القرائن، فننظر في حال المتعارضين ما هو الأغلظ؟ ففي الغالب أن الأغلظ في حالة تعذر الجمع ينسخ الأخف، وهذا الأغلب في التشريع، والنسخ يقع كما تقدم في الكتاب، فينسخ الكتاب بعضه بعضاً، كما في مناجاة النبي عليه الصلاة والسلام: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً[المجادلة:12]، وكذلك أيضاً فيما كان أيضاً بالكتاب للسنة، والسنة للكتاب، والسنة للسنة، كذلك أيضاً عمل السلف للسنة، ولا بد من موجب للسنة ولكنه لم ينقل، ولكن نذكر الإجماع ونذكر عمل السلف؛ لعدم ظهور الدليل الناسخ.
تخصيص العام
قال رحمه الله تعالى:
[ وخص عام إذ لخاص عرضا وأوهما كل بكل فرضا ]
نقول: إن من وجوه الجمع في ورود الأدلة: أن يكون أحد الدليلين خاصاً، والدليل الآخر عاماً، فنجري الخاص على خصوصه، ونبقي العام على عمومه، أو نجعل الخاص مخصصاً للعام، فيثبت حينئذٍ العام والخاص، أو نحمل العام على الخاص، فنبطل حكم العموم ونثبت الخصوص، وهذا بالنظر إلى القرائن، وذلك إما أن يكون الخاص يبطل العام، أو العام يبطل الخاص، أو يبقى الخاص على خصوصه، والعام على عمومه، أو نقول إن الخاص يحمل عليه العام.
لهذا نقول: إن هذا ينظر فيه إلى القرائن.
قال: (وأوهما كل بكل فرضا).
بالنسبة للعموم والخصوص، جاء في الشريعة تخصيص كثير من العمومات، وتقدم الإشارة معنا في أبواب العام والخاص، وجاء أيضاً فيها ما يبقى التخصيص على خصوصه، والعام على عمومه، كما يأتي مثلاً من تحريم نكاح أكثر من أربع، والتخصيص الذي هو خاص للنبي عليه الصلاة والسلام يبقى الخاص على خصوصه، والعام على عمومه، فلا نقول: إن ذلك التخصيص يخصص العموم، بل كل الأدلة تبقى على ما هي عليه.
قال رحمه الله تعالى:
[ (فيما سقت) لأول ممثلا و(حديث الماء) ثانٍ يشملا ]
بالنسبة لما سقى، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( فيما سقت السماء العشر ) هذا جاء عاماً في كل نوع من أنواع الثمار، وكذلك أيضاً في كل قدر من المقادير، ولكن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) لهذا نقول: إن ذلك العام قد خصصه ذلك الدليل.
كذلك ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في أمور المياه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام جملة من الأحاديث مخصصة له، على خلاف في صحتها، قال: ( إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه بنجاسة تحدث فيه ) لهذا نقول: إن هذه المسائل من مسائل الاستثناءات لها دليل قد خصها، فوجب أن يؤخذ ذلك الخصوص، ويكون مخصصاً لذلك العام.
قال رحمه الله تعالى:
[ وظاهر وموجب للعلم مقدم على ظنون الوهم ]
تقدم معنا أنواع الدلالة:
الأول: أن الدلالة دليل قطعي والدلالة ظنية.
الثاني: الدليل قطعي والدلالة قطعية.
الثالث: الدليل ظني والدلالة ظنية.
الرابع: الدليل ظني والدلالة قطعية، نقول: إنه كلما غلب في ذلك القطع واليقين فإنه يقدم على الظن، وكذلك الأدلة تنقسم إلى قسمين من جهة ثبوتها: أدلة ظنية وأدلة قطعية، ومن جهة دلالتها على نوعين: قطعية وظنية، واجتماع الدلالة مع الدليل في القطع أقوى من الظن، والظن كما تقدم الكلام عليه معنا هو: التردد بين أمرين مع رجحان أحدهما، وأما الشك فهو: التردد بين أمرين بلا مرجح، والوهم هو: ما يقابل الظن، الظن كإنسان يقول: أظن أن فلاناً ذهب إلى بلدة كذا، أظن أن الذي زار فلان وفلان، يعني لا يدري إما هو أو آخر لكن الغالب أنه هو، وأما التوهم فهو: الذي يخالف الظن، والشك: الذي لا مرجح له، هو الوجود أو العدم.
تقديم الكتاب والسنة على القياس
قال رحمه الله تعالى:
[ مقدَّم كتابنا والسنة على القياس في اجتهاد الأمة
ثم الجلي من قياس قدما على خفي ناشئ ليحكما ]
تقدم معنا أن القياس إنما هو إلحاق فرع بأصل، الأصل من الذي أثبته؟ أثبته الدليل من الكتاب والسنة، إذاً: هو لا بد من ثبوت الأصل بدليل، كما تقدم أن من شروط الأصل أن يكون قد ثبت حكمه بدليل.
إذاً: لا يمكن أن يصار إلى قياس إلا بورود دليل من الكتاب والسنة، والكتاب والسنة متلازمة من جهة قوة الاحتجاج، وأما من جهة الثبوت فالقرآن كله متواتر، والسنة فيها المتواتر وفيها الآحاد، وفيها اليقين وفيها الظن، القرآن كله قطعي الثبوت، وأما الدلالة ففيه القطعي وفيه الظني، فيه ما هو ثابت بذلك فيما أمر الله عز وجل به من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها، وفيه ما هو ظن يحتمل أحد الأمرين، كتفسير القرء كما في قول الله جل وعلا: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228] هذا ظن، القرء المراد به الطهر أم المراد به الحيض، كذلك أيضاً في قول الله جل وعلا: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ[الأنعام:141] فالحق في ذلك عام لكل مقدار فهو في ذلك ظني الدلالة، المراد بذلك النصاب معلوم النصاب، وهل يدخل في ذلك الحصاد الذي يحصد في السنة مرتين؟ أم المراد بذلك هو في الحول الواحد؟ أو المراد أن هذه الآية جاءت على التغليب؛ لأن غالب المحاصيل لا تكون إلا في السنة مرة؟ فهذا ينظر فيه، فالإنسان مثلاً الذي يحصد بعض النباتات التي يزرعها الإنسان كالذرة أو مثلاً البرسيم أو غير ذلك تجده في العام ربما أكثر من مرة وربما مرات في مثل ذلك، هل هذا مثلاً فيه في كل حصاد يفعله الإنسان؟ أم أن ذلك متعلق بالحول بأن ينظر الإنسان في مخرجه في الحول ثم يخرجه؟ نقول في هذا: إن ما جاء في كلام الله سبحانه وتعالى الأصل فيه القطع، من جهة الدلالة ومن جهة الدليل، وفيه ظن من جهة الدلالة، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام فيها والنقاد يبينونها.
وأما القياس فإنه يأتي بعد الإجماع؛ وذلك لقوة الإجماع، ومن العلماء من يقدم الإجماع، وتقدم الكلام على هذا وعلته في التقديم، والقياس على قسمين: جلي وخفي، وتقدم الإشارة إلى هذا، والعلماء يقدمون الجلي على الخفي.
قال رحمه الله تعالى:
[ إذا مثنى خاص أو عام عرض وأمكن الجمع فجمع يفترض
إن يمتنع فرده للوقف ثم اجتهد عسى دليلا تقفي ]
إذا جاء في مسألة معينة دليلان في حكم من الأحكام فينبغي للإنسان أن ينظر إلى الدليل الخاص ويجعله خاصاً، وأن ينظر إلى الدليل العام فإما أن يجريه على عمومه، ويلحق ذلك العام بما خصصه الشارع، أي يلحق الأدلة ويجمعها فيما بينها، أو ينظر لبعض القرائن التي تؤديه إلى جعل الخاص باق على خصوصه، والعام باق على عمومه، وذلك لبعض الفروقات بين بعض الأدلة في وجوه خصوصها، وكذلك وجوه العموم؛ ولهذا نقول: إن الأدلة إما أن تتساوى، وإما أن يترجح بعضها على بعض، وإما أن يوجد دليل واحد ولا يوجد غيره، فإذا وجد الدليل الواحد فلا يصار إلا إليه، ولا يلتمس معارض، وأما إذا وجد في المسألة دليلان في مسألة من المسائل فلا بد من النظر في أحوال:
الحالة الأولى: النظر في إمكان النسخ، فإذا تعارضا مع معرفة المتقدم والمتأخر فالناسخ والمنسوخ، وإذا ثبت ورود النسخ فليس للإنسان أن يجمع بينهما مع ظهور النسخ إما بالنص عليه أو معرفة التاريخ، فإذا عرف التاريخ وتعذر في ذلك الجمع فإنه يصار إلى النسخ.
الحالة الثانية: أن يجمع بين الأدلة، فإذا لم ينص على النسخ فإنه يجمع بين الأدلة، وإذا تعذر الجمع فإنه يصار إلى الترجيح بين الأدلة.
ولهذا قال: (وأمكن الجمع فجمع يفترض) هنا قدم الجمع، والجمع لا يصار إليه إذا ظهر في ذلك النسخ، فإذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ كما في قوله: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها تذكر الآخرة ) ليس لنا أن نجمع بين الناسخ والمنسوخ، وإنما نقول: ذاك حكم انتهى، ونبقي ذلك، وقد نصير إليه مع توفر علته، كانتشار الوثنية، إذا انتشر في بلد من البلدان، نضع على المقابر سياج ونحو ذلك، خشية أن تعبد إذا ظهرت العبادة، فنقوم حينئذٍ بالمنع للرجوع إلى تلك العلة، أما أن نجمع بين الدليلين في حالة واحدة فهذا ضعيف، وفي حال عدم ثبوت النسخ فإن الجمع يقدم على النسخ.
قال:
( إن يمتنع فرده للوقف ثم اجتهد عسى دليلا تقفي)
هنا في مسألة تعذر الجمع من العلماء من يقول: يصار إلى الترجيح، ثمة قاعدة يذكرها الفقهاء، وهي إعمال الدليل أولى من إهماله، أو يقولون: إعمال الدليلين أولى من إهمالهما، أو إهمال أحدهما، وهذا المراد به أنك إذا أعملت الشريعة عظمتها، ودنت الله عز وجل بها، فلم تعطل هذا وهذا، وهذا يؤدي إلى الجمع، لكن الإنسان إذا مال إلى الترجيح فلا بد أن يعطل أحد الدليلين، لكن قد ينقدح في ذهن الإنسان جملة من القرائن تؤدي إلى تعطيل أحد الدليلين، من هذه القرائن:
الأمر الأول: قوة أحد الدليلين على الآخر، وذلك أن قوة الدليل تعني في كثير من الأحيان الاعتداد بالحكم، والعمل به، فإذا حمله الصغار وزهد الكبار عن حمل الحديث الثابت إلى من دونهم دل على عدم العناية بمضمونه، وما يحمله الناس مما يدور في مجالسهم من أخبار ويتحدثون بها في الغالب أنهم يهتمون بها، فإذا تحدث بها الكبار دل على أنها مهمة، وإذا لم يتحدث بها الكبار تجد أن لديهم ليست مهمة؛ لهذا نقول: إنه إذا لم يتمكن الإنسان من الجمع، فلا بد أن يصير إلى الترجيح، بالنظر إلى جملة من القرائن، فمن هذه القرائن: قوة الدليل على الآخر.
الأمر الثاني: عمل السلف، فإذا كان عمل السلف على أحد الدليلين فهذا من القرائن على تعطيل الثاني؛ ولهذا يقول إبراهيم النخعي: لا أبالي في حديث يبلغني عن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعمل به الصحابة أن أرمي به؛ وذلك أن الصحابة ما تركوه إلا لثبوت سبب للترك، إما لورود النسخ فيه، وإما لمدخل فيه فربما كان مختلقاً، وظهر في صورة الحسن، فانطلى على الرواة ولو كانوا ثقات، وهو منكر.
الأمر الثالث: أن يكون أحد الدليلين أقوى من جهة الدلالة، وإن تشابها من جهة الإسناد، وذلك أن يكون أحد الدليلين أقرب إلى التخصيص في المسألة بعينها، وذاك أعم منه، فالخاص أقوى من العام، فيؤخذ بالخاص، ويعطل العام عند التعارض بينهما، وعدم إمكان الجمع.
قال رحمه الله تعالى:
[ وينسخ الأخير حكم الأول مما أتانا في الكتاب المنزل ]
تقدم الكلام على النسخ، وقيل: إنه الإزالة، وقيل المراد بذلك هو: التبديل، يقول: (وينسخ الأخير حكم الأولمما أتانا في الكتاب المنزل) بالنسبة لنسخ الأخير للأول لا بد في ذلك من معرفة التاريخ، ومعرفة التاريخ تكون إما بمعرفة أسباب النزول، وإما بمعرفة النقلة لذلك الخبر، أو من شهدها، فإذا عرفنا من شهد ذلك الحكم من الصحابة، وعرفنا أن منهم من توفي متقدماً، فيعطينا هذا إشارة إلى أن ذلك الحكم متقدم، أو ثبت لدينا أن أحد الدليلين كان في آخر زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فيغلب على الظن أن ما قبله سابق له، كذلك من أمارات معرفة الناسخ والمنسوخ أن الغالب في الناسخ أن يكون أغلظ، ولا نحمل الأدنى على نسخ الأعلى، فهذا من القرائن، فننظر في حال المتعارضين ما هو الأغلظ؟ ففي الغالب أن الأغلظ في حالة تعذر الجمع ينسخ الأخف، وهذا الأغلب في التشريع، والنسخ يقع كما تقدم في الكتاب، فينسخ الكتاب بعضه بعضاً، كما في مناجاة النبي عليه الصلاة والسلام: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً[المجادلة:12]، وكذلك أيضاً فيما كان أيضاً بالكتاب للسنة، والسنة للكتاب، والسنة للسنة، كذلك أيضاً عمل السلف للسنة، ولا بد من موجب للسنة ولكنه لم ينقل، ولكن نذكر الإجماع ونذكر عمل السلف؛ لعدم ظهور الدليل الناسخ.
قال رحمه الله تعالى:
[ وخص عام إذ لخاص عرضا وأوهما كل بكل فرضا ]
نقول: إن من وجوه الجمع في ورود الأدلة: أن يكون أحد الدليلين خاصاً، والدليل الآخر عاماً، فنجري الخاص على خصوصه، ونبقي العام على عمومه، أو نجعل الخاص مخصصاً للعام، فيثبت حينئذٍ العام والخاص، أو نحمل العام على الخاص، فنبطل حكم العموم ونثبت الخصوص، وهذا بالنظر إلى القرائن، وذلك إما أن يكون الخاص يبطل العام، أو العام يبطل الخاص، أو يبقى الخاص على خصوصه، والعام على عمومه، أو نقول إن الخاص يحمل عليه العام.
لهذا نقول: إن هذا ينظر فيه إلى القرائن.
قال: (وأوهما كل بكل فرضا).
بالنسبة للعموم والخصوص، جاء في الشريعة تخصيص كثير من العمومات، وتقدم الإشارة معنا في أبواب العام والخاص، وجاء أيضاً فيها ما يبقى التخصيص على خصوصه، والعام على عمومه، كما يأتي مثلاً من تحريم نكاح أكثر من أربع، والتخصيص الذي هو خاص للنبي عليه الصلاة والسلام يبقى الخاص على خصوصه، والعام على عمومه، فلا نقول: إن ذلك التخصيص يخصص العموم، بل كل الأدلة تبقى على ما هي عليه.
قال رحمه الله تعالى:
[ (فيما سقت) لأول ممثلا و(حديث الماء) ثانٍ يشملا ]
بالنسبة لما سقى، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( فيما سقت السماء العشر ) هذا جاء عاماً في كل نوع من أنواع الثمار، وكذلك أيضاً في كل قدر من المقادير، ولكن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) لهذا نقول: إن ذلك العام قد خصصه ذلك الدليل.
كذلك ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في أمور المياه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام جملة من الأحاديث مخصصة له، على خلاف في صحتها، قال: ( إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه بنجاسة تحدث فيه ) لهذا نقول: إن هذه المسائل من مسائل الاستثناءات لها دليل قد خصها، فوجب أن يؤخذ ذلك الخصوص، ويكون مخصصاً لذلك العام.
قال رحمه الله تعالى:
[ وظاهر وموجب للعلم مقدم على ظنون الوهم ]
تقدم معنا أنواع الدلالة:
الأول: أن الدلالة دليل قطعي والدلالة ظنية.
الثاني: الدليل قطعي والدلالة قطعية.
الثالث: الدليل ظني والدلالة ظنية.
الرابع: الدليل ظني والدلالة قطعية، نقول: إنه كلما غلب في ذلك القطع واليقين فإنه يقدم على الظن، وكذلك الأدلة تنقسم إلى قسمين من جهة ثبوتها: أدلة ظنية وأدلة قطعية، ومن جهة دلالتها على نوعين: قطعية وظنية، واجتماع الدلالة مع الدليل في القطع أقوى من الظن، والظن كما تقدم الكلام عليه معنا هو: التردد بين أمرين مع رجحان أحدهما، وأما الشك فهو: التردد بين أمرين بلا مرجح، والوهم هو: ما يقابل الظن، الظن كإنسان يقول: أظن أن فلاناً ذهب إلى بلدة كذا، أظن أن الذي زار فلان وفلان، يعني لا يدري إما هو أو آخر لكن الغالب أنه هو، وأما التوهم فهو: الذي يخالف الظن، والشك: الذي لا مرجح له، هو الوجود أو العدم.