خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56808"> سلسلة أصول الفقه
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح منظومة رشف الشمول في أصول الفقه لابن بدران [6]
الحلقة مفرغة
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين.
قال رحمه الله تعالى: [ فصل.
يكون في القرآن تخصيص له كسنة وهي بها قل لي وهو ]
أشار المصنف رحمه الله فيما سبق إلى العام والخاص، ثم أراد أن يبين هنا ما يتعلق بتفاصيل التخصيص، وتقدم معنا أن محل علم أصول الفقه هو الأدلة، وأن دور المجتهد في ذلك هو أن ينظر في الأدلة ومدى مناسبتها للاستدلال، وما يطرأ على الأدلة من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقسيم وتفصيل.
تخصيص القرآن بالقرآن
وهنا ذكر مسألة العموم، ثم أورد مسألة التخصيص فقال: (يكون في القرآن تخصيص له) يعني: أن القرآن يخصص بعضه بعضاً؛ لهذا فإن المجتهد العالم لا يمكن أن يتحقق فيه الاجتهاد إلا وقد عرف المتشابهات من جهة المعاني في كلام الله حتى يحمل بعضها على بعض، ويكون الإنسان حينئذٍ لم يفوت شيئاً من الأحكام، وإذا نظر إلى الأحكام منفردة عن بعضها وقع في الوهم والغلط، ووقع في الاضطراب، ونسب ذلك إلى الشريعة؛ لهذا ينبغي لطالب العلم المتفقه أن ينظر في أدلة الأحكام من كلام الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول عقائد وغيبيات، وهذه العقائد والغيبيات محلها النص، ولا زيادة في ذلك من جهة الاجتهاد، ولا من جهة التأويل، فإنها تجرى على ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان، النوع الثاني: ما يتعلق بالحلال والحرام، ويسمى الأحكام أو الفقه، النوع الثالث: هو ما يتعلق بالأخبار، كقصص الأمم السابقة، أو ما يأتي في أحوال الأمم اللاحقة، ما يتعلق بكلامنا هنا هو في القسم الثاني وهو ما يتعلق بالحلال والحرام، وهو الذي يدخله التخصيص، وهذه الآيات في كلام الله، قيل: إن عددها خمسمائة آية، وقيل: تزيد عن ذلك شيئاً، وهي قريبة من ستمائة آية في كلام الله متعلقة بأبواب الحلال والحرام، فمنها ما هو عام، ومنها ما هو عام أريد به الخصوص، ومنها ما هو عام خصص بمخصص، ومنها ما هو مخصص بذاته وليس بعام، وإنما جاء الدليل به على سبيل التخصيص ولم يأت عاماً.
وأغلب القرآن عام، وهو غائي بمعنى أنه يأتي بأقصى المعاني أو غايتها؛ ولهذا يقول الشاطبي رحمه الله: إن القرآن غائي، والمراد بذلك أنه يأتي بأقصى المعاني، وما يندرج تحته من جملة هذه المعاني يأتي لها مخصص، وغالب تخصيص القرآن يكون بالسنة، ولكن قد يأتي تخصيص القرآن بالقرآن بذاته؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في بيان تخصيص القرآن بعضه ببعض في شأن المطلقات: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228] فهنا ذكر المطلقات بلفظ عام، وهذا يشمل أي مطلقة سواء كانت هذه المطلقة مدخولاً بها أو لم يدخل بها، ولكن خصص الله جل وعلا ذلك بالمدخول بها، وأما من لم يدخل الإنسان بها فإنه ليس عليها عدة، كمال قال سبحانه: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا[الأحزاب:49]، فالله جل وعلا إنما جعل هذه العدة للمرأة التي يدخل بها، أما التي لا يدخل بها فإنه لا عدة للرجل عليها.
إذاً: فالقرآن يخصص نفسه، وقد يأتي تخصيص القرآن من السنة، وهذا هو الأكثر؛ لأن السنة مبينة للقرآن، وغالب السنة التفصيل والتعيين وهي شارحة للقرآن؛ ولهذا أمر الله عز وجل بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعته مبينة لطاعته جل وعلا، وقد قرن الله طاعته بطاعة رسوله في مواضع كثيرة، منها قول الله جل وعلا: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[المائدة:92]، وقرن أيضاً معصية رسوله بمعصيته سبحانه وتعالى.
تخصيص السنة بالسنة
وقوله هنا: (تخصيص له كسنة وهي بها قل لي وهو) يعني: أن السنة تخصص القرآن، وهي كذلك تخصص السنة أيضاً، فقد يأتي عموم في سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتخصصه السنة في ذاتها وهذا كثير، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء العشر )، وهذا عام لكل ما سقت السماء، سواء كانت نبتة واحدة، أو ما هو أكثر من ذلك، سواء كانت نخلة أو نخيلاً، سواء كانت عنبة واحدة أو أكثر، ولكن خصص ذلك بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، يعني: أن ذلك مخصص بهذا المقدار، إذاً تقدم معنا تخصيص القرآن للقرآن، وتخصيص السنة بالسنة.
تخصيص السنة بالقرآن
ويأتي تخصيص القرآن للسنة، وهذا كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمر وهو في الصحيح: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة )، فالناس هنا عامة في كل مخلوق من المكلفين من البشر، ولكن خصص ذلك بقول الله جل وعلا: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[التوبة:29]، يعني: أهل الكتاب، وأهل الكتاب استثنوا من هذا العموم، إذاً: فالقرآن خصص السنة، ولكن الغالب أن السنة تخصص القرآن، ويندر أن القرآن يخصص السنة؛ لأن القرآن هو مجمل في غالبه.
ومعلوم أن الدلالة عند العلماء على نوعين: دلالة واضحة، ودلالة خفية، فالدلالة الواضحة: تنقسم إلى قسمين: النص والظاهر، وأما الدلالة الخفية: فهي النصوص المتشابهة أو النصوص المشكلة، وبعض العلماء يقسمها إلى ما هو أكثر من ذلك كما عند بعض الفقهاء من أهل الرأي وغيرهم.
تخصيص القرآن بالسنة
والسنة من جهة تخصيصها بذاتها يخصصها العمل كالإجماع، ويخصصها القياس، فمثلاً: إقامة الحد على العبد، معلوم أن العبد من جهة العذاب على النصف من الحر، وذلك في القذف والزنا، ولكن الله سبحانه وتعالى ما ذكر العبد وإنما ذكر الأمة، فقال سبحانه وتعالى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ[النساء:25]، وهذا في الإماء، وأما بالنسبة للعبيد فالعلماء يحملون ذلك على القياس، فإذا قذف العبد لا يقال بجلده ثمانين، وإنما يقال بجلده أربعين تخصيصاً للقرآن بقياس العبد على الأمة التي ذكرها الله عز وجل، فخصصنا القرآن بالقياس، ومسألة العموم في كلام الله عز وجل على ثلاثة أنواع: أول هذه الأنواع عام أريد به العموم، وهذا كثير، وهو كل لفظ لا مخصص له فهذا عام وأريد به العموم.
النوع الثاني: عام أريد به الخصوص يعني: يفهم الخصوص من سياقه، كما في قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] الناس الذين جمعوا لهم معلوم أنهم الكفار، وليس المراد بذلك أهل الإيمان الذين هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عام ولكن أريد به الخصوص؛ لأنه ما قال: إن الكفار قد جمعوا لكم، إذاً فهو عام أريد به الخصوص.
النوع الثالث: عام خصص بدليل، وهذا العام لا بد له من مخصص خارج عنه، وهذا التخصيص يلتمس إما أن يكون في كلام الله جل وعلا، كما ذكر المصنف أن القرآن يخصص نفسه، والسنة تخصص القرآن، أو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا ذكر مسألة العموم، ثم أورد مسألة التخصيص فقال: (يكون في القرآن تخصيص له) يعني: أن القرآن يخصص بعضه بعضاً؛ لهذا فإن المجتهد العالم لا يمكن أن يتحقق فيه الاجتهاد إلا وقد عرف المتشابهات من جهة المعاني في كلام الله حتى يحمل بعضها على بعض، ويكون الإنسان حينئذٍ لم يفوت شيئاً من الأحكام، وإذا نظر إلى الأحكام منفردة عن بعضها وقع في الوهم والغلط، ووقع في الاضطراب، ونسب ذلك إلى الشريعة؛ لهذا ينبغي لطالب العلم المتفقه أن ينظر في أدلة الأحكام من كلام الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول عقائد وغيبيات، وهذه العقائد والغيبيات محلها النص، ولا زيادة في ذلك من جهة الاجتهاد، ولا من جهة التأويل، فإنها تجرى على ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان، النوع الثاني: ما يتعلق بالحلال والحرام، ويسمى الأحكام أو الفقه، النوع الثالث: هو ما يتعلق بالأخبار، كقصص الأمم السابقة، أو ما يأتي في أحوال الأمم اللاحقة، ما يتعلق بكلامنا هنا هو في القسم الثاني وهو ما يتعلق بالحلال والحرام، وهو الذي يدخله التخصيص، وهذه الآيات في كلام الله، قيل: إن عددها خمسمائة آية، وقيل: تزيد عن ذلك شيئاً، وهي قريبة من ستمائة آية في كلام الله متعلقة بأبواب الحلال والحرام، فمنها ما هو عام، ومنها ما هو عام أريد به الخصوص، ومنها ما هو عام خصص بمخصص، ومنها ما هو مخصص بذاته وليس بعام، وإنما جاء الدليل به على سبيل التخصيص ولم يأت عاماً.
وأغلب القرآن عام، وهو غائي بمعنى أنه يأتي بأقصى المعاني أو غايتها؛ ولهذا يقول الشاطبي رحمه الله: إن القرآن غائي، والمراد بذلك أنه يأتي بأقصى المعاني، وما يندرج تحته من جملة هذه المعاني يأتي لها مخصص، وغالب تخصيص القرآن يكون بالسنة، ولكن قد يأتي تخصيص القرآن بالقرآن بذاته؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في بيان تخصيص القرآن بعضه ببعض في شأن المطلقات: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228] فهنا ذكر المطلقات بلفظ عام، وهذا يشمل أي مطلقة سواء كانت هذه المطلقة مدخولاً بها أو لم يدخل بها، ولكن خصص الله جل وعلا ذلك بالمدخول بها، وأما من لم يدخل الإنسان بها فإنه ليس عليها عدة، كمال قال سبحانه: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا[الأحزاب:49]، فالله جل وعلا إنما جعل هذه العدة للمرأة التي يدخل بها، أما التي لا يدخل بها فإنه لا عدة للرجل عليها.
إذاً: فالقرآن يخصص نفسه، وقد يأتي تخصيص القرآن من السنة، وهذا هو الأكثر؛ لأن السنة مبينة للقرآن، وغالب السنة التفصيل والتعيين وهي شارحة للقرآن؛ ولهذا أمر الله عز وجل بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعته مبينة لطاعته جل وعلا، وقد قرن الله طاعته بطاعة رسوله في مواضع كثيرة، منها قول الله جل وعلا: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[المائدة:92]، وقرن أيضاً معصية رسوله بمعصيته سبحانه وتعالى.
وقوله هنا: (تخصيص له كسنة وهي بها قل لي وهو) يعني: أن السنة تخصص القرآن، وهي كذلك تخصص السنة أيضاً، فقد يأتي عموم في سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتخصصه السنة في ذاتها وهذا كثير، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء العشر )، وهذا عام لكل ما سقت السماء، سواء كانت نبتة واحدة، أو ما هو أكثر من ذلك، سواء كانت نخلة أو نخيلاً، سواء كانت عنبة واحدة أو أكثر، ولكن خصص ذلك بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، يعني: أن ذلك مخصص بهذا المقدار، إذاً تقدم معنا تخصيص القرآن للقرآن، وتخصيص السنة بالسنة.
ويأتي تخصيص القرآن للسنة، وهذا كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمر وهو في الصحيح: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة )، فالناس هنا عامة في كل مخلوق من المكلفين من البشر، ولكن خصص ذلك بقول الله جل وعلا: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[التوبة:29]، يعني: أهل الكتاب، وأهل الكتاب استثنوا من هذا العموم، إذاً: فالقرآن خصص السنة، ولكن الغالب أن السنة تخصص القرآن، ويندر أن القرآن يخصص السنة؛ لأن القرآن هو مجمل في غالبه.
ومعلوم أن الدلالة عند العلماء على نوعين: دلالة واضحة، ودلالة خفية، فالدلالة الواضحة: تنقسم إلى قسمين: النص والظاهر، وأما الدلالة الخفية: فهي النصوص المتشابهة أو النصوص المشكلة، وبعض العلماء يقسمها إلى ما هو أكثر من ذلك كما عند بعض الفقهاء من أهل الرأي وغيرهم.
والسنة من جهة تخصيصها بذاتها يخصصها العمل كالإجماع، ويخصصها القياس، فمثلاً: إقامة الحد على العبد، معلوم أن العبد من جهة العذاب على النصف من الحر، وذلك في القذف والزنا، ولكن الله سبحانه وتعالى ما ذكر العبد وإنما ذكر الأمة، فقال سبحانه وتعالى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ[النساء:25]، وهذا في الإماء، وأما بالنسبة للعبيد فالعلماء يحملون ذلك على القياس، فإذا قذف العبد لا يقال بجلده ثمانين، وإنما يقال بجلده أربعين تخصيصاً للقرآن بقياس العبد على الأمة التي ذكرها الله عز وجل، فخصصنا القرآن بالقياس، ومسألة العموم في كلام الله عز وجل على ثلاثة أنواع: أول هذه الأنواع عام أريد به العموم، وهذا كثير، وهو كل لفظ لا مخصص له فهذا عام وأريد به العموم.
النوع الثاني: عام أريد به الخصوص يعني: يفهم الخصوص من سياقه، كما في قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] الناس الذين جمعوا لهم معلوم أنهم الكفار، وليس المراد بذلك أهل الإيمان الذين هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عام ولكن أريد به الخصوص؛ لأنه ما قال: إن الكفار قد جمعوا لكم، إذاً فهو عام أريد به الخصوص.
النوع الثالث: عام خصص بدليل، وهذا العام لا بد له من مخصص خارج عنه، وهذا التخصيص يلتمس إما أن يكون في كلام الله جل وعلا، كما ذكر المصنف أن القرآن يخصص نفسه، والسنة تخصص القرآن، أو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى:
[ وبالقياس فهما يخصصا ومن يرى بالنفي حقاً قد عصى ]
هنا المصنف رحمه الله يثبت أن التخصيص يكون بالقياس كما تقدم الإشارة إليه، والقياس هو: إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما، وذلك أن أركان القياس لا بد من توفرها، وهو وجود الفرع والأصل، وكذلك وجود العلة، والحكم والمناسبة، وإذا اختل شيء من هذه الأركان اختلت لدى الإنسان النتيجة، والقياس على أنواعه: قياس أولى، وقياس مساوٍ، وقياس شبه، أو قياس جلي، وقياس خفي، وغير ذلك، وقياس الأولى ضده القياس القاصر، أو القياس الناقص، والعلماء يختلفون من جهة قبولهم لما كان على خلاف قياس الأولى.
وهنا قال: (ومن يرى بالنفي حقاً قد عصا) وهناك طوائف من العلماء يرون أن السنة والكتاب لا يخصصهما القياس؛ قالوا: لأن القياس هو من دليل الظن، والأدلة من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أدلة يقين، ولا تنسخ أدلة اليقين بأدلة الظن، وهذا فيه نظر، بل يقال: إن القياس يتجلى في بعض صوره ويكون كاليقين، خاصة إذا اقترن بعمل خير القرون من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى والتابعين، واستقر عليه الإجماع.
قال رحمه الله تعالى:
[ ومجمل ما للبيان يفتقر كلفظ قرء باشتراك مشتهر
كذاك عين مثلها بيانه بالسنة الغراء يمضي شانه ]
هنا بعد أن ذكر المؤلف الأمر الخاص ذكر هنا المجل والمبين، فالمجمل هو مقابل للمبين، كما أن العام مقابل للخاص، والمجمل: ما احتمل لفظه أكثر من معنى، وأما بالنسبة للمبين: فهو ما احتمل معنى واحد، ومرد ذلك من جهة حل ذلك الإجمال، إما أن يقال: إن ذلك البيان يعرف بالنص، وإما أن يعرف بالوضع أي: مواضعة الناس، بمعنى: أنه نزل القرآن أو نزلت السنة على وضع قوم دون غيرهم، وهذا يأتي كثيراً، وذلك كما في قول الله سبحانه وتعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة:187]، هذا مجمل، هل المراد بذلك هو خيط الحبل أم المراد بذلك هو خيط سواد الليل وبياض النهار؟ هذا يبينه الوضع، أي: ما تواضع عليه الناس، ففسر هذا الإجمال وضع الناس؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعدي بن حاتم لما استشكل عليه ذلك: ( إنه ليس كذلك، إنما هو سواد الليل وبياض النهار )، وقد يبينه دليل، وهذا الدليل إما أن يكون من جنسه، يعني إما أن يكون من القرآن أو من السنة، وإما أن يكون من القياس فنقول: إن مسألة الإجمال يحلها الإنسان بمجموع الحقائق، وقد تجتمع هذه المبينات على موضع واحد.
وقوله: (ما للبيان يفتقر) أي: أن المجمل لا يمكن للإنسان أن يفصل فيه إلا بوجود مبين، وكثير من الطوائف يحملون أصل القرآن من جهة إطلاقه وعمومه على أنه لا يمكن أن يكون في القرآن خاص، حتى أن المعتزلة يطلقون ويقولون: إنه لا يوجد في القرآن عموم إلا وله تخصيص، وهذا يحملونه على كثير من المعاني، وربما حملهم ذلك على شيء من المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد، ويروى في ذلك عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه قال: ما من شيء عام في القرآن أو مجمل إلا وله مخصص إلا قول الله عز وجل ( وهو بكل شيء عليم )، يعني: أن الله عز وجل لا يخصص علمه ذلك، ونقول: إن هذا أيضاً فيه نظر، فكذلك أيضاً إحاطة الله سبحانه وتعالى، وكذلك قدرة الله عز وجل لا مخصص لها، وكذلك فضله ورزقه وقوته وبطشه وغير ذلك، فإن هذه معاني لا مخصص لها، ويذكر هنا في قول الله جل وعلا: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[الرعد:16] أن هذا له مخصص، وهو أن الله عز وجل لا خالق له، قالوا: وذلك أن الله عز وجل موصوف بأنه شيء، وهو وصف له على سبيل الإخبار، ويستدلون لذلك بقول الله عز وجل: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ[الأنعام:19]، قالوا: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ[الأنعام:19] يعني: أن الله عز وجل هو شيء.
أنواع البيان باعتبار مصدره
ثم قال: (كلفظ قرء باشتراك مشتهر)، القرء في لغة العرب يقع على الطهر وعلى الحيض، وهذا مما وقع فيه خلاف المفسرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيفتقر ذلك إلى البيان إلى معرفة أحد هذين المجملين، ومرد ذلك إلى بيان النص أو بيان المجمل بدليل مثله أو مقارب له في اللفظ، فإذاً قلنا: إن كلام الله عز وجل ثبت باليقين وهو متواتر فإن كلام الله عز وجل المجمل يبين نفسه، كذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن، أو كان مقارباً له؛ لأن الوحي يدور في دائرة واحدة سواء كان من الكتاب أو السنة، وإن اختلف من جهة الثبوت، فالسنة فيها المتواتر وفيها الآحاد، فيها ما كان على علم اليقين وفيها ما كان على علم الظن، وعلم اليقين يتباين على مراتب، وثمة ما هو دون ذلك، وذلك كعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع، فإنه ربما قوي على تبيين بعض المراد من كلام الله سبحانه وتعالى، كما في قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[المائدة:105]، جاء عن أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى أنه قال: إنه ليس كما تظنون، فهذا اللفظ جاء على سبيل الإجمال، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى جاءوا بتبيينه، كما جاء ذلك عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى.
وفي قوله: (بالسنة) يعني: أن القرآن كما أنه يبين بعضه، كذلك فإن السنة تبين القرآن، ووضوح بيان السنة للقرآن أظهر من وضوح بيان القرآن للقرآن؛ وذلك أن السنة أصل وجودها لبيان مجمل القرآن، فإن الله أمر بالصلاة وجاءت السنة ببيان ذلك، وذلك لاشتراك ذلك اللفظ بمجموعة من المعاني المتضادة، فجاءت الشريعة المحمدية من سنته ببيان ذلك الإجمال، وهذا إذا كان في السنة فيكون في القرآن على سبيل القلة، ويكون كذلك أيضاً دون السنة بيان عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لسنته وكذلك للقرآن، ولهذا نجد أن تفسير الصحابة أكثر من تفسير النبي عليه الصلاة والسلام للقرآن، وتفسير التابعين أكثر من تفسير الصحابة، وتفسير أتباع التابعين أكثر من تفسير التابعين؛ وذلك للحاجة إلى البيان بسبب دخول العجمة، واتساع دائرة الإجمال بالبعد عن لغة العرب، ونستطيع أن نقول: إن الإجمال يتبين في ذهن الإنسان بعدة وجوه: أولها بنص القرآن وظاهره، الثاني بالسنة، الثالث بالقياس، الرابع بالإجماع، الخامس بلغة العرب، السادس بالمواضعة، أي: أن يتواضع عليه أهل البلد الذين نزل عليهم النص من أهل المدينة كما تقدم في قول الله جل وعلا: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة:187].
قال رحمه الله تعالى:
[ إبراز شيء للتجلي من خفا فهو البيان بحثه يهدي الشفا ]
والمجمل: هو ما احتاج إلى بيان وضوح، وفي ذاته احتمل عدة معاني لا يقطع بأحد منها، وأما البيان فهو نقل المعنى من حيز الإشكال إلى حيز البيان والوضوح.
وقوله: (إبراز شيء للتجلي من خفا فهو البيان بحثه يهدي الشفا) وهو دائرة الفقه في معرفة المخصصات، ومعرفة المبينات للمجملات، ومعرفة المحكمات للمتتشابهات، هذه هي الأمور التي يدور عليها الفقه، فمعرفة المتشابهات ومعرفة العمومات ومعرفة المجملات هذه من الأمور السهلة التي يستطيع الإنسان أن يدركها، أما ما كان مفسراً ومبيناً، وموضحاً لها فهذا هو الذي يدور عليه أمر الفقه.
أنواع البيان من جهة الاتصال والانفصال
قال رحمه الله تعالى:
[ بيان تأكيد ونص ينفرد في فهمه رب الكمال المجتهد ]
البيان قد يأتي بنص مقترن بالنص المجمل موضحاً ومبيناً له، وقد يأتي بنص منفصل عنه، وظهور البيان في ذات السياق أظهر من بيانه بنص منفصل عنه، وهذا أقوى وجوه البيان؛ لأن يشترك معه من جهة القوة، بأن يكون الكتاب يبين مجمله بذات السياق، ويأتي بعد ذلك بيان الكتاب لمجمله بنص منفصل عنه؛ وذلك أن النص المبين الذي انفصل عن ذلك النص المجمل يطرأ عليه شبهة أن ذلك البيان الذي قصد بذلك الموضع لا يلحق ذلك الإجمال، فيكون الإجمال حينئذ عند بعض الفقهاء محمولاً على إجماله، والبيان على بيانه، وربما لا يحمل بعضهم التخصيص للعام فيقول إن ذلك المخصص الذي ذكر في دليل منفصل هو أحد أجزاء العام، فذكر في ذلك الموضع المنفصل لبيانه بذاته أو من باب ضرب المثال، وهذا يقول به طوائف من فقهاء الحنفية على خلاف جمهور العلماء، فإذا جاء اللفظ عاماً في موضع، وجاء التخصيص في موضع منفصل عنه قالوا: إن التخصيص جاء لذكر أحد صور العام لا لتخصيصه، فيبقى اللفظ العام على عمومه، والخاص على خصوصه، فيدخلون الخاص في العام، ولا يحملون العام على الخاص، بل يجعلون الخاص يوسع حتى يكون عاماً، وأما العام فلا يضيق حتى يكون خاصاً، وهذا الذي يذهب إليه طوائف من أهل الرأي؛ ولهذا يذهبون إلى العمومات، فلا يرون أن عمل النبي يخصص قوله، ولا يرون أنه إذا ذكر أحد صور العموم في موضع أنه يخصص قوله العام أو فعله العام.