عرض كتاب الإتقان (72) - النوع السبعون في المبهمات - النوع الحادي والسبعون في أسماء من نزل فيهم القرآن


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فنبتدئ بكتاب "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي ، نستعرض نوعين من أنواع علوم القرآن، وهما النوع السبعون، والنوع الحادي والسبعون.

من ألف في المبهمات

أما هذا النوع وهو النوع السبعون؛ فيقول في المبهمات، وذكر من أفرد هذا الموضوع بالتأليف، وأول من ذكر أنه أفرده بالتأليف السهيلي ثم ذكر ابن عسكر ، ثم ذكر القاضي بدر الدين بن جماعة ، وهناك كتب أخرى جاءت بعد السيوطي في نفس العلم، الذي هو المبهمات.

المراد بمبهمات القرآن وعلاقة ذلك بالتفسير

والمراد بالمبهم هو: ما يذكر من علم أو من موطن أو غيره دون أن ينص على اسمه، وقد ذكر السيوطي أمثلة لذلك، وذكر أسباب الإبهام. وقد يقول قائل: هل هناك حاجة لهذا العلم من جهة التفسير؟ فنقول: أحياناً، وإن كانت قليلة قد يكون هناك حاجة لمعرفة هذا العلم في التفسير، وإن كان الذي يغلب على علم المبهمات أنه مما لا يحتاج إليه في التفسير، فتعيين المبهم لا يؤثر في فهم المعنى هذا في الغالب، لكن قد يكون لتعيين مبهم أثر في المعنى ولكنه قليل جداً.

وقد أشار الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات، خصوصاً في المقدمة إلى مسألة لطيفة، وهي: أن العلم الذي كان للسلف به عناية فإنه من العلوم المرغوب فيها، ويضاف إلى ذلك ما أشار إليه السلف، ومنها هذا العلم؛ فهو من العلوم التي أشار إليها السلف، وكذلك من العلوم التي عني بها السلف في تطبيقات التفسير.

ذكر عن عكرمة قال: طلبت الذي خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة، وقبله شيخ ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره أنه كان يتحين الفرصة ليسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، وهذا يدل على أن السلف كان لهم عناية بالمبهمات، ولكن لا يعني هذا أن العناية بالمبهمات لا يلزم منها أن يكون لها أثر في فهم المعنى، ولكنها نوع من أنواع علوم القرآن؛ ولهذا تجد الكلام عن المبهمات منثوراً في تفسيرات السلف، وكل ما سنراه أو أغلب ما سنراه هو منقول عن الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين بما يتعلق بالمبهمات من الأشخاص بالذات؛ لأنها لا ارتباط لها أحياناً بأسباب النزول أو بأحوال النزول، كما سيأتي.

مناقشة أسباب الإبهام في القرآن التي ذكرها الشاطبي

وما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى من أسباب الإبهام بعضها دقيق، وبعضها يمكن أن يستعاض عنه بأمثلة أخرى، مثال ذلك الإبهام قال: أحدها الاستغناء ببيانه في موضع آخر كقوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يقول: إنه استغني عنه بأنه بين في قوله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، وتفسير هذه الآية بتلك يكاد أن يقوم الإجماع عليه، فهذه الآية تفسر هذه الآية، ولكن مع ذلك نقول: إن هذا من باب النظر والرأي، وليس من باب التوقيف، ولولا تكاثر كلام المفسرين حول هذه الآية في أنها تفسر هذه الآية لأمكننا القول: بأن بيانه في موضع آخر مما يكون من باب الرأي، وقد يقع الخلاف فيه، وهذا أمثلته كثيرة.

السبب الثاني: قال: [أن يتعين لاشتهاره..] وذكر مثالاً له في قوله: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، في أن زوج آدم كما هو مشهور ومعلوم أنها حواء، وهذا مما تواتر بين الناس أن اسم زوجة آدم حواء .

السبب الثالث الذي ذكره: [قصد الستر عليه؛ ليكون أبلغ في استعطافه] وذكر مثالاً في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]، وهذا ليس بدقيق، والسبب: أن الأصل في مثل هذه الخطابات هو ذكر الأوصاف وليس ذكر الأسماء، ولا يأتي ذكر الأسماء إلا في أحوال معينة مثل ما حصل مع فرعون، فأغلب من ذكر باسمه من الأقوام الكافرة هو فرعون، لكن الغالب في استعمال القرآن في مثل هذه المواطن هو ذكر الأوصاف أو الأحوال وليس ذكر الأسماء؛ فعندما يقول السيوطي رحمه الله تعالى: [ قصد الستر عليه ] كأنه يقول: إنه كان مقصوداً أن يذكر اسمه ولكنه ترك فهذا لازم قوله، ولازم القول لا يلزم أن يكون قولاً له، لكن إذا تبين في اللازم شيء من الخلل في القول فإنه يعين على تضعيف القول، وهذه قاعدة ينتبه لها، فلما نقول: لازم هذا الأمر كذا، لو ذكرته لمن قال بهذا القول قد لا يلتزم به ولا يقول به، لكن بالنسبة لنا نقول: هذا اللازم يدل على ضعف القول، فكونه رحمه الله تعالى يقول: إن المراد أنه قصد الستر عليه، كأنه يقول: الأصل أنه سيذكر باسمه، فترك ذكر اسمه لأجل أن يستر عليه، نقول: لا، الأصل ذكر مثل هذه الأمور بالأوصاف والأحوال وليست بالأسماء.

وقد ذكر الأخنس بن شريق وأنه أسلم وحسن إسلامه، فقد يكون هو القائل وقد يكون غيره هو القائل؛ ولهذا هذا ما زال ضمن الاحتمال، فاحتمال أن تكون الآية نزلت في الأخنس بن شريق واحتمال أن تكون نزلت في غيره.

السبب الرابع: قال: [ألا يكون في تعيينه كبير فائدة] وهذا الذي عليه أغلب المبهمات، ولهذا نجد عند قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، أن بعض السلف قصد إلى تعيينها، فبعضهم قال: إنها العنب، التي هي: الكرم، وبعضهم قال: إنها القمح، وبعضهم قال بأقوال أخرى، أما الطبري فيقف عند مثل هذه، إذ لو كان في تعيينها فائدة ومزيد علم لبينه الله سبحانه وتعالى، وما دام أبهمه فدل على أنه لا حاجة لنا إلى تعيينه، وهذه القاعدة العامة في المبهمات.

السبب الخامس قال: [التنبيه على العموم] وهذا جيد، ولو ذهب في الذي نقدته قبل قليل أو جعل ذلك في هذا المكان لكان صحيحاً، لأنه لما يذكر الوصف فإنه يعمم كل من دخل تحت هذا الوصف، فإنه يكون مقصوداً، وذكر مثالاً قوله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا [النساء:100]، وهي نفس الخطاب في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204].

السبب السادس قال: [تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم] وهذا ذكر له أمثلة من الآيات التي نزلت في أبي بكر الصديق : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور:22]، والآية الأخرى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر:33]، والآية الأخرى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40]، والمراد بها - كما هو مشهور في كتب التفسير - أبو بكر الصديق ؛ فكأنه ترك تعيينه من أجل ذكره بهذا الوصف الذي يدل على الكمال.

السبب السابع كما قال: [ التحقير بالوصف نحو: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3] ]. وهذه التي ذكرها بعضها محل القبول وبعضها، يمكن أن يؤخذ ويعطى مع السيوطي وغيره ممن ذكر أسباب الإبهام، لكن أهم سبب عندنا هو السبب الرابع: [ ألا يكون في تعيينه كبير فائدة ] وهذا الذي يجري على كثير من المبهمات.

استدراك الشاطبي على الزركشي عند قوله: إنها قريظة أو من الجن

ثم ذكر استدراكاً جميلاً على الزركشي حيث قال: [لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه..] قاعدة، يذكرها الزركشي ، أنه لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه، وذكر: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]، حيث يقول الزركشي : [والعجب ممن تجرأ وقال: إنهم قريظة أو من الجن]، لكن السيوطي يعترض عليه ويقول: [ ليس في الآية ما يدل على أن جنسهم لا يعلم، وإنما المنفى علم أعيانهم.. ]. وهذا توجيه لطيف، فإذا ذهب إلى أعيانهم فلا يعلمهم إلا الله، وإذا ذهب إلى جنسهم فيمكن أن يكونوا من هذا الجنس أو من ذاك الجنس، وهذا استدراك لطيف، وذكر له مثالاً آخر.

بعض الأسماء المبهمة في القرآن

ثم بعد ذلك أشار إلى كتابه الحافل في المبهمات، الذي هو "مفحمات الأقران" وقد ذكر من الطائف ما ذكره هنا أنه ذكر شرطه في هذا الكتاب، وهو كتاب "مفحمات الأقران" حيث قال: [ مبيناً فيه ما صح سنده وما ضعف؛ فجاء لذلك كتاباً حافلاً.. ]، وكأنه يريد أن يقول: أبين الصحيح من الضعيف، أي: في كتاب "مفحمات الأقران"، ولكنه لم يلتزم بهذا الشرط الذي ذكره هنا، ولم يذكر هذا الشرط أصلاً في كتابه كما أشار إلى ذلك محققو نسخة مجمع الملك فهد ؛ فهذه الفائدة تنقل إلى كتاب السيوطي الآخر الذي هو "مفحمات الأقران".

ثم ذكر بعد ذلك مجموعة مما أبهم وذكرها على أقسام، لا يحتاج أن نقف عند هذه الأقسام التي ذكرها ولا حتى نستعرضها، لكن نكتفي ببعض ما ذكره من باب الفائدة.

ذكر في القسم الأول: فيما أبهم من رجل أو امرأة أو ملك أو جني أو مثنىً أو مجموع، فعرف الأسماء كلهم، أي: أن المراد بهم كذا، أي: بالأسماء؛ وقد جعل هذا قسمين.

وهناك فائدة ننتبه لها وهي: أنه يذكر فيها أسماء أعلام وأشخاص، وهؤلاء الأعلام والأشخاص الذين يذكرهم إما أن يكونوا في عصر النبوة وإما أن يكونوا قبل عصر النبوة، فالأسماء التي قبل عصر النبوة تفيدنا في جانب سبق أن ذكرته، وهو ما يتعلق باللغة الاشتقاقية، التي هي قبل نزول القرآن والتي بقيت في لغة القرآن، وأذكر مثالاً: الذي حاج إبراهيم في ربه قال: اسمه نمرود بن كنعان و نمرود بن كنعان إذا أدخلته على لغة العرب فستجد أنه له علاقة بلغة العرب، خصوصاً اسم كنعان؛ فهذا اسم عربي صرف.

ومن الأسماء التي ذكرها ونشير إليها سريعاً، ذكر في سورة الكهف أمثلة أو أسماء، لكن من الأسماء التي ذكرها أسماء أصحاب الكهف، ولو تأملتم بعض الأسماء التي ذكرها فيها أسماء يونانية، أي: أسماء تنطق باللغة اليونانية أو اللهجة اليونانية، مكتوبة عنده مثل: أويونوس وأويوسطانس وشلططيوس، وفي هذه الأسماء فائدة وهي: إذا رأيتم اسماً مختوم بالسين من الأسماء القديمة فالغالب أنه من اللغة اليونانية، والسين عندهم -في اللغة اليونانية- إما أن تكون علامة للتذكير وإما أن تكون علامة للرفع، فمقابل المذكر المؤنث، فمثلاً: أنطونيوس كأنها إشارة إلى التذكير، أي: لما ترى السين معناه أن هذا اسم رجل، فهذا يتبين به اسم الرجل من اسم المرأة؛ مثل تاء التأنيث في لغة العرب أنها تشير إلى المؤنث مثلاً، بغض النظر عن التأنيث المجازي والحقيقي، لكن المقصد أن تاء التأنيث تشير إلى المؤنث؛ فالسين عندهم تشير إلى المذكر، أي: إنه اسم رجل.

وفي الحاشية ذكروا اختلافاً في بعض الأسماء وذكر منها على سبيل المثال يوحنس، وهذا لو أردنا أن نعرف أصله فيما عندنا، سيوافق يحيى، الذي هو يوحنى بالآرامية، والآرامية أحد اللهجات العروبية المرتبطة بلغة الاشتقاق التي نتكلم عنها؛ فيطلق باللغة الآرمية يوحنى ويطلق في لغة أهل الجزيرة يحيى، ولما نطق باليونانية صار يوحنس.

أما هذا النوع وهو النوع السبعون؛ فيقول في المبهمات، وذكر من أفرد هذا الموضوع بالتأليف، وأول من ذكر أنه أفرده بالتأليف السهيلي ثم ذكر ابن عسكر ، ثم ذكر القاضي بدر الدين بن جماعة ، وهناك كتب أخرى جاءت بعد السيوطي في نفس العلم، الذي هو المبهمات.

والمراد بالمبهم هو: ما يذكر من علم أو من موطن أو غيره دون أن ينص على اسمه، وقد ذكر السيوطي أمثلة لذلك، وذكر أسباب الإبهام. وقد يقول قائل: هل هناك حاجة لهذا العلم من جهة التفسير؟ فنقول: أحياناً، وإن كانت قليلة قد يكون هناك حاجة لمعرفة هذا العلم في التفسير، وإن كان الذي يغلب على علم المبهمات أنه مما لا يحتاج إليه في التفسير، فتعيين المبهم لا يؤثر في فهم المعنى هذا في الغالب، لكن قد يكون لتعيين مبهم أثر في المعنى ولكنه قليل جداً.

وقد أشار الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات، خصوصاً في المقدمة إلى مسألة لطيفة، وهي: أن العلم الذي كان للسلف به عناية فإنه من العلوم المرغوب فيها، ويضاف إلى ذلك ما أشار إليه السلف، ومنها هذا العلم؛ فهو من العلوم التي أشار إليها السلف، وكذلك من العلوم التي عني بها السلف في تطبيقات التفسير.

ذكر عن عكرمة قال: طلبت الذي خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة، وقبله شيخ ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره أنه كان يتحين الفرصة ليسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، وهذا يدل على أن السلف كان لهم عناية بالمبهمات، ولكن لا يعني هذا أن العناية بالمبهمات لا يلزم منها أن يكون لها أثر في فهم المعنى، ولكنها نوع من أنواع علوم القرآن؛ ولهذا تجد الكلام عن المبهمات منثوراً في تفسيرات السلف، وكل ما سنراه أو أغلب ما سنراه هو منقول عن الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين بما يتعلق بالمبهمات من الأشخاص بالذات؛ لأنها لا ارتباط لها أحياناً بأسباب النزول أو بأحوال النزول، كما سيأتي.