خطب ومحاضرات
الأحاديث المعلة في الصلاة [51]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سنتكلم في هذا المجلس على الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التكبيرات المتعلقة بصلاة العيدين وهي عدة أحاديث جميعها معلولة.
أول هذه الأحاديث: هو حديث عبد الرحمن بن عوف عليه رضوان الله تعالى ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في صلاة العيد ثلاث عشرة تكبيرة ).
وهذا الحديث جاء من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث معلول بعدة علل:
أول هذه العلل: أن الحديث أعل بالإرسال فقد جاء موصولاً وجاء مرسلاً، فجاء موصولاً من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبيه، ومرسلاً من حديث حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً ذكر أبيه، والصواب في هذا الإرسال، وهذا الذي رجحه جماعة من الأئمة كـالدارقطني عليه رحمة الله.
ومن وجوه إعلال هذا الحديث: أن فيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في صلاة العيد ثلاث عشرة تكبيرة )، وهذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً بهذا إلا من هذا الوجه من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعدد الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم المشهور في التكبير في صلاة العيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية وهذه ثنتي عشرة تكبيرة.
وأما ما يختلف فيه بعض الفقهاء في مسألة عدد التكبيرات وهل تدخل في هذا تكبيرة الإحرام أم لا تدخل تكبيرة الإحرام؟ فالأظهر هو عدم دخول تكبيرة الإحرام؛ لأن تكبيرة الإحرام مفروغ منها من قبل صلاة العيد في سائر الصلوات، فإذا ذكر العدد فلا تذكر معها هذه إنما المراد بذلك التكبيرات الزوائد، لهذا نقول: إن حديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث منكر.
الحديث الثاني في هذا: هو حديث مكحول عن أبي عائشة وهو جليس أبي هريرة عليه رضوان الله وهو مستور مجهول ويروي عن حذيفة بن اليمان وعن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يكبر في صلاة العيد أربعاً في الأولى وأربعاً في الثانية ).
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في كتابه السنن من حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول به، حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن أبي عائشة عن حذيفة و أبي موسى عليهما رضوان الله، ويرويه عن عبد الرحمن بن ثوبان زيد بن الحباب .
والحديث معلول بعدة علل:
أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد بروايته أبو عائشة بهذا التمام مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخولف في ذلك، فقد جاء هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء هذا الحديث موقوفاً على أبي موسى و حذيفة لا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أصح، و عبد الرحمن بن ثوبان الذي يروي هذا الحديث عن أبيه لين الحديث، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة فقد قال فيه الإمام أحمد رحمه الله: منكر الحديث، وقد تفرد بهذا الحديث بهذا الإسناد مسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا الحديث من حديث الوضين بن عطاء عن القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي يرويه عن حذيفة وعن أبي موسى ، وهذا الحديث تفرد به الوضين بن عطاء وهو لين الحديث، وقد قال فيه أبو حاتم رحمه الله: تعرف وتنكر، يعني: تعرف من حديثه وتنكر شيئاً، منه ما يكون مستقيماً ومنه ما يكون منكراً، والراوي إذا كان يعرف من حديثه وينكر، فينظر ما خالف فيه الثقات فيرد، وما يخالف فيه الرواة سواءً كانوا ثقاتاً أو كانوا أحسن حالاً منه فإنه يرد بذلك حديثه، والرواة الذين يروون التكبير عن النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة العيد أحسن حالاً من الوضين بن عطاء كما يأتي الكلام عليه مما يدل على نكارة حديثه هذا، ولكن التكبير أربعاً جاء موقوفاً بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله: أنه كان يكبر في صلاة العيدين أربعاً في الأولى وأربعاً في الثانية، وهذا إسناده عن عبد الله بن مسعود صحيح، ويأتي الكلام عليه بإذن اللهـ فإنه جاء من حديث علقمة و الأسود كلاهما عن عبد الله بن مسعود من فعله عليه رضوان الله.
الحديث الثالث: هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين فيكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية ).
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث عبد الله بن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة ، وهو منكر؛ لتفرد عبد الله بن لهيعة به وهو سيئ الحفظ، وقد ساء حفظه فلم يضبط هذا الحديث فرواه على غير وجه، رواه من مسند أبي هريرة من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عن عائشة عليها رضوان الله، فقد رواه عبد الله بن لهيعة عن عائشة من طريقين:
الطريق الأولى: يرويه عبد الله بن لهيعة عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
والطريق الثانية: يرويه عبد الله بن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة ، فجعل بينه وبين الزهري رجلين:
الأول: خالد بن يزيد.
والثاني: عقيل ، كلاهما يروون عن ابن شهاب الزهري ، و خالد بن يزيد ضعيف الحديث، وقد ضعفه غير واحد من النقاد، و ابن لهيعة في ذاته ضعيف الحديث تقدم معنا الكلام على حديثه ودرجة حديثه وما يرويه، ومفاريده التي يتفرد بها.
كذلك طبقة ما يحفظه ويعتني به، ومعلوم أنه من أهل الاختصاص في أبواب القضاء فربما كان حديثه في القضاء أضبط من غيره، وظهر هنا اضطرابه في هذا الحديث؛ وذلك الاضطراب من جهة الإسناد فتعددت الوجوه لديه من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة وجهين، وهذا لا يحتمل عادةً من حال عبد الله بن لهيعة ، ولهذا يقول الدارقطني عليه رحمة الله لما سئل عن هذا الحديث: هذا حديث مضطرب والاضطراب فيه من ابن لهيعة ، والصواب في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة أنه كان يصلي العيدين: الفطر والأضحى فيكبر في الركعة الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً، وإسناده صحيح عن أبي هريرة ، أخرجه الإمام مالك في كتابه الموطأ وعنه البيهقي عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه صلى خلف أبي هريرة صلاة الفطر والأضحى فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً، وإسناده صحيح، ورواه عن نافع أيضاً جماعة يتابعون فيه الإمام مالك رحمه الله، تابعه على ذلك عبيد الله و شعيب و عبد الله العمري و الليث بن سعد وغيرهم كلهم يروونه عن نافع عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى من فعله، وهنا عبد الله بن لهيعة يروي هذا الحديث ويجعله مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة ومن طريق عائشة ، وقد غلط في هذا.
ورجح غير واحد من العلماء الحديث الموقوف على أبي هريرة فرجح ذلك أبو حاتم رحمه الله و الدارقطني ، وأن الصواب في هذا الحديث أنه من حديث أبي هريرة من فعله وذلك في صلاته في المدينة واشتهر عن أبي هريرة ، وأثر أبي هريرة عليه رضوان الله هذا هو أصح شيء جاء في هذا الباب في أبواب الموقوفات، بل إن إسناده أصح من الأحاديث المرفوعة الواردة في عدد التكبيرات في صلاة العيد، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر في عدد التكبيرات، والأحاديث الواردة في الباب كلها معلولة.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبيرات العيد حديث، نقله عنه جماعة من العلماء كـأبي الفرج بن الجوزي وغيره، والعمدة في هذا على الموقوف على أبي هريرة .
وقد جاءت أحاديث تعضد وتؤيد ما جاء عن أبي هريرة ، وحديث أبي هريرة الموقوف عليه يعضد تلك الأحاديث المرفوعة، وأكثر الأحاديث الواردة في الباب الضعيفة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية )، فقد جاء في هذا الباب جملة من الأحاديث، فجاء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عباس ، وسعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً من حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وسيأتي الكلام عليه بإذن الله.
أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى العيد فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ) فتقدم معنا في المجلس السابق وذلك لاقترانه بمسألة أخرى تقدمت، وهذه المسألة هي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً )، قال عبد الله بن عمرو : ( فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً )، وتقدم أن هذا الحديث حديث وكيع ، وجاء أيضاً من حديث غيره عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة العيد فلم يصل قبلها ولا بعدها شيئاً، وكان يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً )، يقول الإمام أحمد رحمه الله: وأنا أذهب إلى هذا، هذا أصح شيء جاء في هذا الباب مع تفرد عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، و عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي في حديثه لين، وتقدم معنا الكلام على حديثه.
أما حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى وحديث عائشة فهي ضعيفة، وذلك لتفرد عبد الله بن لهيعة بهذا الحديث مرفوعاً، والثابت في ذلك الوقف عن أبي هريرة.
وقد خولف أبو هريرة في فعله هذا من الصحابة فقد خالف عبد الله بن مسعود كما رواه عبد الرزاق في المصنف وغيره من حديث علقمة و الأسود أن عبد الله بن مسعود صلى بهم العيد فكبر أربعاً في الأولى وأربعاً في الثانية، وإسناده صحيح عن عبد الله بن مسعود، لكن تقدم أثر أبي هريرة على ابن مسعود لا لذات ابن مسعود وذات أبي هريرة ، ولكن لأن أبا هريرة إنما صلى بالناس العيدين في المدينة، وهي مشهد خير القرون وأكثر الناس اتباعاً واقتداءً خاصةً في جوانب العبادات، ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم حينما قدم أثر أبي هريرة على أثر ابن مسعود قال: و أبو هريرة يصلي في المدينة والناس يعلمون الحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أخطأ لقوموه، أما ابن مسعود فيصلي في الكوفة والناس يتلقفون منه العلم لا يقومونه، بخلاف أبي هريرة فيأخذون منه علماً ويقومونه أيضاً؛ لما يعلمونه من حال النبي عليه الصلاة والسلام، لهذا يقدم تارةً فقه المدني ولو كان مفضولاً على فقه الآفاقي ولو كان فاضلاً؛ وذلك لقرائن تحتف في هذا الباب.
ولهذا نجد أن جمهور العلماء يقدمون أثر أبي هريرة على أثر ابن مسعود مع أن ابن مسعود أظهر في أبواب الفقه وأقدم صحبةً وإسلاماً والمنقول عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام من الفقه قدر كثير، والمروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ كثير، ولكن الفقه المروي عن عبد الله بن مسعود أكثر من أبي هريرة عليه رضوان الله، ومن نظر في كتب الآثار المصنفة كـعبد الرزاق و ابن أبي شيبة وغيرها يجد أن فقه ابن مسعود أكثر من فقه أبي هريرة عليه رضوان الله، ويعضد هذا أيضاً أن الإمام مالك رحمه الله قدم أثر أبي هريرة على فعل عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، ويعضد هذا أيضاً أن ما جاء في أثر أبي هريرة أنه كان يصلي بالناس وكان إماماً، أما عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله فكان أمره في ذلك عارضاً، ولهذا جاء في حديث نافع يقول: صليت خلف أبي هريرة صلاة الفطر والأضحى في المدينة، مما يدل على أنه كان إماماً للناس.
وقد جاء عن عبد الله بن عباس ما يخالف هذا الأمر ولكن الأظهر في هذا هو ما جاء عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى في عدد التكبيرات، والأصح في التكبيرات أنها تكون في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً، وعليه العمل، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وهو قول الإمام مالك و الشافعي والإمام أحمد عليهم رحمة الله خلافاً لـأبي حنيفة الذي قال بفقه عبد الله بن مسعود في الكوفة، فإنه قال: بأن التكبير يكون في صلاة العيد في الأولى أربعاً وفي الثانية أربعاً لما جاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى.
ونأخذ من هذا أن التكبيرات الزوائد في العيد سنة وليست واجبة لأمور:
الأمر الأول: أنها لم تنقل بنص صحيح مرفوع مما يدل على أنها ليست من المتأكدات، ولو كانت من المتأكدات لنقلت بإسناد قوي، فلو كانت واجباً أو ركناً في الصلاة لنقلت كما نقل أن صلاة العيد ركعتان تنقل كذلك عدد التكبيرات، فدل على أن الأمر دون ذلك، ويعضد هذا أن الصحابة عليهم رضوان الله اختلفوا فيما بينهم في عدد التكبيرات، ومثل هذا الاختلاف لا يكون إلا على أمر مستحب؛ لتعلقه بعبادة يتضح أمر أركانها وواجباتها عندهم لو كان النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ظاهراً.
وهو ما جاء في حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى موقوفاً ومرفوعاً وهو الحديث الرابع قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فكبر في الأولى سبعاً وفي الآخرة خمساً ).
هذا الحديث جاء مرفوعاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء موقوفاً، فجاء مرفوعاً عند الطبراني فقد أخرجه في كتابه المعجم من حديث سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عباس مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث حديث منكر؛ وذلك لتفرد سليمان بن أرقم فقد تفرد به عن ابن شهاب، و سليمان بن أرقم قال غير واحد من الحفاظ: إنه متروك الحديث، وتفرده بهذا الحديث يرده.
ومن وجوه الإعلال: أن هذا الحديث جاء من حديث عبد الله بن عباس، ويرويه عن ابن عباس ابن المسيب ويرويه عن ابن المسيب ابن شهاب ، وهذا إسناد ذهبي ينبغي أن يرويه مثلهم، فتفرد سليمان بن أرقم بهذا عنهم مع ضعفه دليل على إما الكذب أو شدة الوهم والغلط، وذلك أن سعيد بن المسيب إمام أهل المدينة في الفقه، و ابن شهاب الزهري إمام الرواية والفقه أيضاً في المدينة ثم لا يرويه عن ابن المسيب إلا سليمان بن أرقم ، فدل على أن الحديث منكر أو شبيه بالموضوع؛ وذلك أن مثل هذا عادةً خاصةً في المدينة ينقل ولا يتركه لو كان عند ابن المسيب مالك ، ولا يتركه أيضاً لو كان عند ابن شهاب الزهري مالك رحمه الله فلا يدعه ويرويه أمثال سليمان بن الأرقم مع شدة ضعفه.
الحديث الخامس: هو حديث كثير بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يصلي العيدين فيكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ).
هذا الحديث أخرجه الترمذي رحمه الله في كتابه السنن من هذا الوجه من حديث كثير بن عبد الله بن زيد ، وكثير ضعيف الحديث جداً ضعفه عامة الأئمة، نص على ضعفه الإمام أحمد و يحيى بن معين و أبو زرعة و أبو حاتم و أبو داود و النسائي وغيرهم، بل كان الإمام أحمد رحمه الله يضرب على حديثه ويقول: منكر الحديث، فقد ضرب على حديثه في كتابه المسند، وروايته أيضاً عن أبيه عن جده مناكير، وقد قال غير واحد من العلماء: لا تحل الرواية عنه، وجاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: ركن من أركان الكذب، وتفرد في هذا الحديث، وأغرب الترمذي رحمه الله حينما أخرجه في كتابه السنن وقال: هذا الحديث أصح شيء في الباب، ويحتمل إما أنه قصد أنه نسخة أو رواية عادةً أن الأبناء يروون عن الآباء إما نسخاً صحائف، فرأى أنها من هذا الوجه هي أمثل شيء جاء في هذا، ولكن نقول: إن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي تقدم معنا الذي يرويه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى العيدين فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ) أمثل منه، وإن كانت هذه النسخة من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، على خلاف هل هي بجميعها نسخة أم ببعضها؟ والنقاد يختلفون في ذلك وإن ورد فيها بعض المناكير، فقد أنكر شيئاً منها الإمام مسلم رحمه الله كما في كتابه التمييز، وعلى هذا نقول: إن رواية كثير بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده منكرة، وهي ضعيفة في أقل أحوالها.
والحديث السادس: هو حديث سعد وهو سعد القرن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيدين فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ).
هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في كتابه السنن من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار عن أبيه عن جده سعد ، وجاء من وجه آخر من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار عن عبد الله بن سعد عن أبيه عن جده.
والحديث بكلا طريقيه منكر فقد تفرد به عبد الرحمن بن سعد في كلا الطريقين، و عبد الرحمن بن سعد بن عمار وهو ضعيف الحديث، وقال بعض الأئمة: إنه منكر الحديث، وتفرد بهذا الحديث بوجهين، وبالطريق الآخر يرويه عبد الله عن أبيه عن جده، الأولى: يرويه عبد الرحمن عن أبيه عن جده، والثانية: يرويه عبد الرحمن عن عبد الله بن سعد عن أبيه عن جده، فرواية عبد الرحمن بن سعد عن أبيه عن جده منكرة، ورواية عبد الله عن أبيه عن جده منكرة، وقد سئل يحيى بن معين رحمه الله عن رواية أبناء سعد عن آبائهم عن أجدادهم فقال: ليست بشيء، وتقدم معنا أن رواية الأبناء عن الآباء تدفع الغرابة وذلك للخصيصة.
القرابة التي تدفع الغرابة
وهنا يمكن أن نقول: إن رواية عبد الرحمن بن سعد الذي يروي عن آبائه وأجداده تدفع الغرابة والتفرد، ولكن لو كانت العمدة على هذا الحديث فقط لقلنا بإنكاره ولا تدفع الغرابة؛ لأنه إذا كان هذا الحديث تفرد به هؤلاء عن آبائهم عن أجدادهم ولا يعرف هذا الحديث إلا من حديث سعد لقلنا بنكارته وقلنا: إن هذه الرواية لا تدفع الغرابة؛ لأنها تدفع الغرابة في المعاني اليسيرة لا في المعاني الثقيلة، وهذه من المعاني الثقيلة، ولكن لما جاء هذا الحديث من طرق متعددة جاء من حديث عامر بن شعيب ، وجاء من حديث عبد الله بن عمر ، وجاء من حديث عائشة ، وحديث أبي هريرة ، وحديث عبد الرحمن بن عوف ، وحديث عبد الله بن عباس قيل باحتمال ذلك، إما إذا كان المتن ثقيلاً وتفرد به الأبناء عن الآباء عن أجدادهم فإنه لا يقبل التفرد، ولا يقال: بأن القرابة تدفع الغرابة! وذلك أنه تقدم معنا في رواية ابن أخ ابن وهب في روايته عن عمه، أنها على حالين: إذا كان ذلك في أصل ثقيل فلا تدفع الغرابة، وإذا كانت في غير أصل بل هي من المعاني اليسير فقيل باحتمال دفعها للغرابة.
ثم هنا قرينة تدل على أن الغرابة لا تدفع من القرابة: إذا كان الراوي مشهور الرواية ويقصد بالسماع ويقصده الناس بالتحديث والرواية كحال عبد الله بن وهب ، فـعبد الله بن وهب إمام كبير في الرواية وحافظ فقيه، فتفرد قرابته عنه في حديث من الأحاديث لا يقبل؛ لأن عبد الله بن وهب يقصد، وعلى هذا فتفرد قرابة مالك وقرابة سفيان بن عيينة في الأحاديث الكبيرة لا نقبلها؛ لأن الإمام مالكاً يقصد ويقصد الناس بالبلاغ فلا خصيصة بالنسبة له لقريب عن بعيد، بل ربما كان بعض غير أهل القرابة منه أكثر عنايةً بحديثه من غيره من أهل القرابة وذلك لأنهم يجالسونهم.
ولهذا نقول: إننا إذا أردنا أن ننظر إلى الغرابة والتفرد وما يدفع العلة في هذا أن ننظر إلى الراوي، فإذا كان هذا الراوي مكثراً بالأخذ ومكثراً بالمجالس والرواية والسماع والناس يقصدونه فلا يقال بأن القريب منه يتفرد عنه وحينئذ يدفع التفرد في الغرابة، وهذا له نظائر كثيرة من الرواة الذين يتفرد عنهم، وإذا كان الراوي يقصد ولكن القرابة في ذلك تتقدم أو لها حظوة أو كان لمعنى قائم في الراوي كأن يكون الراوي امرأة وذلك كـعائشة عليها رضوان الله و أم سلمة وغيرها، فإذا روى عن عائشة مولاها أو روت عنها امرأة من نسائها فيحمل ذلك ويدفع الغرابة، أو روى عن أم سلمة من مواليها أو من نسائها من المستورات فهذا يحتمل؛ لأن المرأة عادةً لا تبرز إلى مجالس الرجال ولا تحدثهم فيقصدونها في مجالسها فضعف هذا الجانب فحينئذ من كان مستتراً مستور الحال له أن يتفرد ببعض المعاني، وهذا تقدم معنا الإشارة إليه في كتاب الطهارة في حديث أبي قتادة في حديث الهرة، فإن حميدة تروي عن كبشة ، والقرابة بين حميدة و كبشة أنها زوجة ابنه، فـابن أبي قتادة متزوج كبشة ، و حميدة تروي عن خالتها كبشة ، و حميدة مستورة ، و كبشة مستورة تروي عن خالها أبي زوجها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدفع مع أن المعنى ثقيل، ولو نظرت إلى كتب الرجال متجرداً عن القرائن لضعفت الحديث كحال كثير من الظاهريين في النقد، فينظر إلى حميدة ويقول: إنها مستورة، وينظر إلى كبشة ويقول: مستورة مجهولة، حينئذ يقول بضعف الحديث إذا كان لا ينظر إلى جانب القرائن.
فالأصل في هذا الحديث في الرواية أنه كبشة مستورة لا تبرز للرجال عادة يروي عنها قراباتها، وتفرد حميدة عنها أمر طبيعي لا غرابة فيه، لكن لو تفردت عنها امرأة أجنبية عنها فلا يقبل إذا كانت من أهل بلدها فروت عنها فيقبل، لكن لو كانت من غير بلدها كأن تكون كوفية هنا الأصل عدم القبول، إذ كيف يكون هذا الحديث في بلدها ثم لا ترويه إلا امرأة آفاقية عنها؟! فأين أهل الرواية من نسائها خاصةً إذا كانت في بلد فاضل والذي يتفرد عنها في بلد مفضول بخلاف العكس، لو تفردت امرأة مدنية عن امرأة كوفية احتمل ذلك ودفع هذا الأمر، ومن ذلك مثلاً في حال عائشة عليها رضوان الله تعالى لما كانت في النسك يقول إسماعيل بن أبي خالد كما رواه مسدد يقول: حدثتني أمي وأختي، وجاء في رواية: حدثتني أمي وخالتي أنهما دخلتا على عائشة وهي بمنى، فذكر قضية تغطية المرأة المحرمة لوجهها عند الرجال، أم إسماعيل بن أبي خالد مستورة، وأخته وخالته مستورة أيضاً، ومع ذلك تقبل هذه الرواية؛ لأن الأم عضدت الأخت، والأخت عضدت الأم، والخالة عضدت أختها، فالجهالة ليست جهالة عين بل جهالة حال، وجهالة الحال مع جهالة الحال تعضد والتفرد هنا يدفع؛ لأنها من المسائل الخاصة ولا يقال: أين الرجال؟
لوجود علة قائمة في المتن وهو تغطية الوجه وهو يخص النساء، لكن يقال: أين قرابات عائشة الأقرب من أم إسماعيل وأخته؟
والجواب: أن الحال في مكة عارض، فـعائشة لا تحدثهم عن حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام مروي موجود لديها محفوظ من قبل ومن بعد، وإنما تحكي حالاً في حال نازلة معينة سمعتها أم إسماعيل وأخته فاقتضى النقل حينئذ لا يدخل باب التفرد هنا، ونقول: إن هذا الإسناد صحيح، وأن التفرد في ذلك مدفوع، هذا على خلاف ما يجري عليه أرباب القواعد المطردة الذين يأخذون القاعدة وينظرون إليها ثم يجرونها باطراد، ولا يفرقون في الراوي بين عن من يروي! مجهول عن من يروي! المجهولة تروي عن رجل عن امرأة لا فرق! مجهول يروي عن أبيه أو عن أمه أو عن أخته لا فرق، المسألة عارضة أو غير عارضة لا فرق! فيجعلون لذلك حكماً مطرداً، وهذا الذي يجري عليه كثير من أهل النقد المتأخرين وبعض من كان بعد الأوائل كـعبد الحق الإشبيلي ، و ابن القطان الفاسي ، و ابن حزم الأندلسي ، وأضراب هؤلاء كـابن العربي وغيرهم ممن يتكلم، وجرى على قواعدهم كثير من المتأخرين.
لهذا نقول: لا بد من إعمال القرائن عند النقد فإذا احتفت فإنها تدفع الغرابة، وحينئذ نفرق بين موضوعنا ما يتعلق بالقرابة التي تكون بين الرواة تارةً تدفع وتارةً لا تدفع بحسب الحال وبين كون الراوي مشهوراً بارزاً للناس ويؤخذ عنه ويقصد فتفرد عنه قريب من قراباته ليس من أهل الرواية، حينئذ لا تدفع في ذلك الغرابة، ونقول: إن الاختصاص ليس بمعتبر، والحديث في ذلك ضعيف، فلكل حال مقامها، وأبواب القرائن في أمور العلل هي أكثر من القواعد، وقرائن العلل لا حد لها ترجع إلى ملكة الإنسان وقوته وحدة نظره وكذلك محفوظه، أنه يمر عليه من حديث كذا، ويمر عليه أثر في كذا، وخبر في كذا، ثم يستطيع حينئذ أن يحكم على حديث أو يحكم على رواية بما لديه من نظائر وأشباه بأحاديث تقترن بهذا المعنى أو تختلف سواءً كانت في نفس الباب أو في غيره.
نتوقف عند هذا القدر، وأسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق، والسداد، والإعانة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الأحاديث المعلة في الصلاة [20] | 2595 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [28] | 2447 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [14] | 2376 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [39] | 2285 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [25] | 2234 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [41] | 2103 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [32] | 2102 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [33] | 2059 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [43] | 2029 استماع |
الأحاديث المعلة في الصلاة [12] | 1996 استماع |