الأحاديث المعلة في الصلاة [8]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على شيء من الأحاديث المتعلقة بالصلاة مما تكلم عليه العلماء بإعلال وكان موضع خلاف عند العلماء.

أول هذه الأحاديث: هو حديث أبي جحيفة عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى: ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى تحت سرته ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد ، و أبو داود ، و البيهقي ، وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد عن أبي جحيفة عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: ( من السنة أن يضع الإنسان يده اليمنى على اليسرى ) ، وجاء في لفظ: ( الأكف تحت السرة ) .

وهذا الحديث حديث لا يصح، وقد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق ، و عبد الرحمن بن إسحاق الذي جاء في هذا الحديث قد تكلم عليه العلماء بالنكارة, وقد قال فيه الإمام أحمد و أبو حاتم : إنه منكر الحديث، وقال فيه البخاري : فيه نظر، وضعفه يحيى بن معين ، و النسائي ، و الدارقطني وغيرهم، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء.

هذا الحديث معلول كما هو ظاهر بتفرد عبد الرحمن بن إسحاق ، عبد الرحمن بن إسحاق كما هو ظاهر مطروح، وقد تفرد بهذا الحديث واضطرب فيه، والاضطراب الذي جاء في هذا الحديث أنه رواه على وجوه:

الوجه الأول: هو هذه الرواية من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد عن أبي جحيفة عن علي بن أبي طالب به.

الوجه الثاني: أنه رواه عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب .

الوجه الثالث: أن هذا الحديث رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن سيار أبي الحكم عن أبي وائل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ جاء عن أبي هريرة : (من السنة)، وهذا الحديث منكر بطرقه، وقد أعله غير واحد من الحفاظ كــــالبيهقي ، وأعله أبو داود رحمه الله في كتابه السنن قال: وليس بالقوي.

هذا الحديث منكر ويدل على نكارته مع إعلال عبد الرحمن بن إسحاق أنه لا يحتمل رواية هذا الحديث منه على عدة أوجه, وذلك أنه روى الحديث من هذه الطرق ومثله لا يحتمل تعدد هذه الوجوه عنه.

كذلك أيضاً: فإنه قد تفرد بهذا الحديث بقوله: (تحت السرة)، وهذا لم يأت على النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الإسناد إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، وهذا دليل وأمارة على نكارته أيضاً.

الحديث الثاني: هو عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى أيضاً من حديث غزوان عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يضع يده اليمنى على اليسرى فوق سرته.

هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب وقد رواه أبو داود ، و عبد الله بن أحمد ، و البيهقي ، وغيرهم من حديث أبي بدر عن أبي طالوت عبد السلام بن أبي حازم عن غزوان عن أبيه عن علي بن أبي طالب موقوفاً عليه.

هذا الحديث ظاهر إسناده الجودة، ولكن الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الحديث هو جيد موقوفاً إلا أنه بغير ذكر الصدر، البيهقي رحمه الله في كتابه السنن حينما ذكر هذا الحديث قال: وإسناده حسن، ولكن تفرد أبي بدر بهذا الحديث عن عبد السلام عن غزوان عن أبيه عن علي بن أبي طالب فيه نظر، وخالفه في ذلك من هو أوثق منه.

روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عن وكيع بن الجراح ، ورواه أبو داود و البيهقي من حديث مسلم بن إبراهيم كلاهما عن أبي طالوت عبد السلام بن أبي حازم بهذا الحديث ولم يذكرا على صدره، وإنما قال: اليمنى على اليسرى، ولم يذكرا الصدر، ولم يذكرا السرة أيضاً. وهذا يدل على أن الحديث ليس بمحفوظ بذكر الموضع، وأن من تكلم عليه من العلماء بالجودة أو الحسن فنظر إلى إسناده مجرداً من حديث أبي بدر به، والصواب في ذلك: أن هذه الزيادة الواردة في هذا الحديث, وهي أنه يضع يده اليمنى على اليسرى فوق سرته ليست بمحفوظة.

وهنا مسألة: وهي ما يتعلق بمسائل الكلام على الموقوفات، وهل الموقوفات الكلام عليها كالكلام على المرفوعات عند الأئمة رحمهم الله؟

أولاً: ينبغي أن نعلم أن الأئمة يشددون في أمور المرفوعات أكثر من غيرها باعتبار أن الوهم يرد فيها أكثر، وإنما قلنا إن الوهم يرد فيها أكثر لأن الرواة إنما يروون الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن استطاعوا أن يرفعوه رفعوه، وإذا تيقنوا أنه عن من دونه رووه عن من دونه من غير تردد أو نسبة إلى من هو أعلى، فأعلى شيء يطمح أن يسند إليه الراوي هو النبي صلى الله عليه وسلم, وأما من دونه من الصحابة والتابعين فالتردد في ذلك قليل؛ ولهذا العلماء يشددون في أمور المرفوعات ما لا يشددون في غيرها.

كذلك أيضاً: فإن الرواة يتشوفون بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويضعف التشوف كلما قصرت الرواية على الراوي بحسب فضله، وزمنه، وفقهه، وإمامته، فالإسناد إلى الخلفاء الراشدين يختلف عن غيرهم.

ولهذا نقول: إن الكلام على الموقوفات ينبغي النظر إليه من جهات، منها: إلى منزلة من وقف عليه فإذا كان من العلية والذي وقفه ممن دونه بمعنى: أنه كلما تأخر الواقف للإسناد على ذلك الراوي وجعله مقطوعاً على من دونه فنقول: كلما بعد الواقف فكان من جملة أتباع التابعين أو من صغارهم أو قليل الرواية ومن يوقف عليه هو أبو بكر ، فهذا أمارة على أهمية التشديد فيه؛ لأن هذا الضعيف أو قليل الرواية أو من كان متأخراً يتشوف بالإسناد إلى أبي بكر كتشوف الكبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا نقول: ينبغي النظر إلى جهتين في أمور الموقوفات:

الأمر الأول: هو أن ينظر إلى الموقوف عليه وقيمته.

الأمر الثاني: أن ينظر إلى الواقف ومنزلته وزمنه, فإذا كانت المدة بعيدة متباعدة بينهما وأهميته في الرواية قليلة فإنه يتشوف بالرواية إلى أبي بكر كما يتشوف بالرواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم الكبار؛ وذلك لأن كبار الفقهاء يعلمون أنه لا حجة في قول أحد إلا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من دونهم فإنهم يتشبثون بالمروي عن الصحابة كـأبي بكر ، و عمر ونحو ذلك، فيسندون إليهم ويروون عنهم الأقوال الفقهية، وكذلك الروايات؛ ولهذا ينظر إلى جهات منها: ما يتعلق باللفظ والسياق، منها: بذات الراوي، كذلك أيضاً ربما ما يتعلق ببلد ذلك الراوي.

وثمة قرائن أخرى ليس هذا محل بسطها وهي بحاجة إلى مجلس منفصل بالكلام على مناهج الأئمة في أبواب الموقوفات، كذلك أيضاً ثمة أئمة يعتنون برواية الموقوف أكثر من غيرهم, وهؤلاء يعرفهم الناظر بسبر كتب الموقوفات فلهم ذكر كثير في الموقوفات وذكرهم في المرفوعات دون ذلك وإن لم يعدم، وغالباً أن من يروي الموقوفات يروي المرفوعات، ومنهم من يروي الموقوفات ومعروف برواية الموقوف عن فرد معين وإن لم يباشره بالرواية فروى عنه بواسطة ولكنه لا يروي المرفوع.

وهذا ككثير مثلاً من أهل الكوفة الذين يوقفون على عبد الله بن مسعود ويهتمون بروايته فإذا رووا عنه مرفوعاً أي: زاد عن ذلك فهل هذا مما يعل به أم لا؟ نقول: إن للموقوفات أئمة يضبطون وللمرفوعات أئمة يضبطون؛ ولهذا نقول: ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يحكم على الموقوفات أن يضبط الذين يعتنون بالموقوفات في كل بلد سواء في مكة أو في المدينة، أو كان ذلك في العراق، أو في الشام، أو في مصر، أو غيرها من بلدان الرواية.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث هو حديث علي بن أبي طالب الموقف عليه هو في ذاته حسن وجيد إلا أن ذكر فوق السرة فيه ليست بمحفوظة؛ لأنه قد تفرد بها أبو بدر عن أبي طالوت عبد السلام بن أبي حازم , وتفرده في ذلك مخالف لرواية الثقات, وهو وكيع و مسلم بن إبراهيم كلاهما يرويانه عن أبي طالوت ولم يذكرا فوق السرة.

كذلك أيضاً من القرائن: أن راوي الحديث غزوان الذي يرويه عن أبيه عن علي بن أبي طالب هو قليل الرواية وهو كوفي، وهو جد محمد بن فضيل ، و محمد بن فضيل اسمه: محمد بن فضيل بن غزوان وهو الذي يروي عنه أبو طالوت عن غزوان عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، فهو كوفي يروي عن أبيه, وأبوه له صلة بـعلي بن أبي طالب فروى عنه ذلك، لم يأت هذا إلا من طريق أبي طالب عن أبي طالوت عبد السلام بن أبي حازم عن غزوان عن أبيه عن علي بن أبي طالب موقوفاً عليه. وهذا هو عمدة من قال بأن وضع اليد اليمين على الشمال يكون فوق السرة.

ومنهم من يقول: إن أصح شيء في الباب هو هذا الأثر الموقوف، من جهة الإسناد نعم، ولكن من جهة العلل فإنه مما يتوقف في هذه الزيادة.

الحديث الثالث: هو حديث عائشة عليها رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند، وكذلك الترمذي ، و ابن ماجه من حديث معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أسامة بن زيد ، وقد تفرد بهذا الحديث بهذا اللفظ معاوية بن هشام في روايته عن سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى.

هذا الحديث بهذا اللفظ منكر، وقد أنكره الحفاظ كما أنكره البيهقي رحمه الله، وأنكره كذلك ابن عدي وغيرهم، وهذا الحديث خولف فيه معاوية بن هشام في روايته عن سفيان خالفه في ذلك جماعة من الرواة على اختلاف عندهم، خالفه عبد الله بن الوليد كما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وخالفه في ذلك عبد الرزاق كما رواه في كتابه المصنف، وخالفه في ذلك يزيد كما رواه البيهقي كلهم يروونه عن سفيان ويقولون فيه: ( إن الله وملائكته يصلون على الذي يصلون الصفوف ) .

وجاء في رواية عبد الرزاق في كتابه المصنف: ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول )، ولفظ عبد الرزاق وهم، والصواب في ذلك هي رواية عبد الله بن الوليد و يزيد كلاهما عن سفيان : ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )، وهذا الحديث حسنه وقواه بعض العلماء بلفظ: (على ميامن الصفوف)، وذلك فيه نظر من وجوه:

الوجه الأول: في مخالفة هؤلاء الرواة لـمعاوية بن هشام .

الأمر الثاني: أنه قد رواه جماعة يتابعون فيه سفيان يروونه عن أسامة بن زيد به ولا يذكرون فيه ميمنة الصف وإنما يقولون: (الذين يصلون الصفوف)، رواه عنه جماعة كـــــعصمة ، وكذلك عبيد الله بن عبد الرحمن ، كما رواه عنه البيهقي وغيرهم يروونه عن أسامة بن زيد بهذا الحديث ويجعلونه بلفظ: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف )، وهذا اللفظ هو الأرجح.

أخرج ابن حبان في كتابه الصحيح من حديث حسين عن سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الإسناد غلط, وذلك أنه جرى على الجادة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، تقدم معنا أن الحديث رواه جماعة كما رواه عبد الله بن الوليد وكذلك يزيد يرويه، وكذلك عبد الرزاق يروونه عن عثمان بن عروة .

وجاء في بعض الطرق عبد الله بن عروة ، أما ذكر هشام فهو الجادة جاء بوجه عند ابن حبان في كتابه الصحيح من حديث حسين عن سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وذكر هشام فيه نظر.

الجادة عند العلماء من سلكها في الغالب وخالفه غيره فإن هذا أمارة على وهمه، وإذا جاء وجرى على الجادة ولم يخالفه غيره فهي الجادة المطروقة ولا يعل بذلك، وإذا خالفه غيره ولو كان دونه فإن هذا من أمور الإعلال.

الجادة معلومة، وهي الطريق المعتاد، يسميها العلماء الجادة، ويسمونها المجرة، ويسمونها الفلكة، والمجرة هي أثر الإنسان وجرته في الأرض، فالإنسان إذا ذهب إلى موضع يذهب مثلاً من بيته إلى المسجد، أو من متجره أو من عمله له طريق معتاد يقال: هذه مجرة أو جرة فلان، أو جرة الدابة ونحو ذلك.

فالمجرة إذا سلكها الإنسان في كلامه جرى عليها الوهم والغلط إذا كان الإنسان ساهياً أو ناسياً يجري على ملفوظه الدائم الذي يقوله الإنسان, فإذا خالفه غيره دل على أن غيره منتبه وهو جرى على الجادة لأنه لا ينتقل الإنسان على الجادة إلا متذكر، كحال الإنسان إذ ذهب إلى مسجده إذا خرج من بيته وهو ساهٍ يذهب إلى طريقه المعتاد المجرة، إذا كان ذهنه متوقفاً فسيذهب إلى طريقه المعتاد، وإذا ذهب إلى غير طريقه فتعلم أن هذا طريقه ليس معتاد، فإذا رأيت فلاناً في حي كذا يمشي في الطريق, فهل يمكن أن تقول: إنه ساهٍ؟ لا. الساهي هو الذي يسير إلى طريق معتاد ذهب إليه؛ ولهذا الإنسان ربما يخرج في سيارته وهو ساهٍ فيتفاجأ أنه سلك الطريق المعتاد وله حاجة أخرى.

ولهذا العلماء في أمور الأسانيد في أمور الرواية من سلك المجرة وخالفه غيره فغيره أصوب منه لأنه خالف العادة، ولا يخالف العادة إلا قاصد غير العادة، وهذا الحديث بهذا اللفظ هو منكر في قوله: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )، فهل ثمة أحاديث في الباب جاءت في هذا؟

أولاً: في هذا الحديث في قوله: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )، جاء بهذا اللفظ عند الطبراني في كتابه المعجم وهذا الحديث الرابع، جاء عند الطبراني في كتابه المعجم، وعند ابن عدي في كتابه الكامل من حديث عصمة بن محمد السالمي عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )، هذا الحديث حديث منكر تفرد به عصمة بن محمد السالمي عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس ، و عصمة بن محمد بن السالمي منكر الحديث ولا يحتج به، أنكر عليه حديثه ابن عدي في كتابه الكامل قال: حديثه غير محفوظ وهو منكر الحديث.

وهذا الحديث منكر من وجوه، منها: أن هذا الحديث تفرد به عن عبد الله بن عباس كريب مولاه وهو حري بالتفرد ثقته وجلالته وقربه منه، تفرد به عن كريب موسى بن عقبة ، و موسى بن عقبة تفرده في أمور الأحكام وإن كان من الأئمة الحفاظ في أمور المغازي وأبواب أيضاً في أمور الرواية, لكن مثل هذا الحديث لـكريب أصحاب أجلة يعتنون بفقهياته، وتفرد عصمة بن محمد السالمي بهذا الحديث عن موسى بن عقبة مع كثرة أصحابه أيضاً الذين يعتنون بمروياته سواء ما كان في أمور الأحكام، أو ما كان أيضاً في أمور السير والمغازي مما يستنكر عليه، كيف و عصمة بن محمد السالمي هو منكر الحديث في ذاته ولا يحتج بحديثه؛ ولهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر مردود.

ونحن نحشد هذه العلل في الطبقات كلها اتهاماً لـعصمة ، نقول: تفرد به موسى بن عقبة عن كريب ولا يقبل هذا ولا يجري هذا، يعني: لو كان صحيحاً رواه عصمة وقبلنا عصمة لوجدنا أمراً آخر يرجعنا إلى عصمة ، يعني: سلكت بنا يا عصمة ! طريقاً ما ينبغي أن تذكر لنا مثل هذا الأمر، يعني: كأن عصمة يقول: اذهبوا فهذا طريق معبد، ثم ذهبنا فوجدناه مغلقاً فنرجع إلى عصمة .

ولهذا نحن نعل في هذه الطبقات كلها حتى نحمل عصمة ؛ ولهذا أمور الغرابة والتفرد في كل طبقة حينما نوردها لا نريد ذات الراوي بعينه، وإنما نريد أن نحشد الأدلة ضد عصمة ، وهذا من قرائن الاتهام في أمور الجنايات، كذلك أيضاً في أمور العلل.

الحديث الخامس: هو حديث أبي برزة الأسلمي عليه رضوان الله أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن استطعت أن تكون خلف الإمام في المقام وإلا فعن يمينه ).

هذا الحديث أخرجه الطبراني في كتابه المعجم من حديث عمران بن خالد الخزاعي عن العلاء بن علي عن أبيه عن أبي برزة الأسلمي . الحديث معلول بعدة علل:

العلة الأولى: هو تفرد عمران بن خالد الخزاعي بهذا الحديث, وهو ممن لا يحتج به وهو مطروح.

العلة الثانية: مولاه العلاء بن علي وهو مجهول لا يعرف، العلاء بن علي عن أبيه عن أبي برزة ، وأبوه أيضاً مستور، وهذه علل متسلسلة في الإسناد في هذه الطبقات الثلاث توجب رد الحديث وعدم قبوله، فأورده الطبراني في كتابه المعجم لغرابته ونكارة إسناده.

وثمة علة ضئيلة متنية في هذا: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن استطعت أن تكون خلف المقام )، مقام الإمام ( وإلا فعن يمينه )، فقيل: هذا الأمر بالاستطاعة فيه إشارة إلى مسألة التحري والتشديد، وهذا يظهر في تمام الحديث قال: ( وكان أبو بكر و عمر على ذلك ) ، يعني: على هذا الأمر جرى عملهم عليه.

وهذا مما يؤيد النكارة أن مثل هذا الأمر والتشديد في ميمنة الصف لو كان أمراً مشهوداً في زمن النبي عليه الصلاة والسلام على هذا التشديد في قوله: ( إن استطعت )، لكان ينبغي أن يستفيض خاصة أنه ذكر النبي عليه الصلاة والسلام وقيده بأمر إذا استطعت، قال: (وكان أبو بكر و عمر على ذلك)، والعمل إذا حكي في مدة طويلة ينبغي أن يحكى أكثر من جهة العدد لأن الذي عاشره قوم، فذكر خلافة أبي بكر ، ثم ذكر خلافة عمر بن الخطاب أنه كان على هذا الأمر. والعمل إذا حكي في زمن فلان قل طلب كثرة الرواة النقلة لمثل هذا العمل.

ولهذا نقول: إن مثل هذه الرواية العمل فيها ظاهر أنه مستفيض وعليه عمل الخلفاء، يعني: تواطأ الأمر على ذلك، وإذا تواطأ الأمر على ذلك ينبغي أن نطلب استفاضة من جهة الرواة، وإذا لم نطلب استفاضة من جهة الرواة فينبغي أن نطلب السلامة من المخالف، ولا يوجد سلامة من المخالف في هذا الأمر خاصة عند الفقهاء من التابعين في مسألة ميمنة الصف والتشديد عليها كما في النص.

ولهذا جاء في بعض الروايات عن بعض السلف كـالحسن ، و ابن سيرين ، و معمر بن راشد أنهم كانوا يصلون في ميسرة المسجد، كما روى عبد الرزاق في كتابه المصنف عن معمر بن راشد قال: أخبرني من رأى الحسن و ابن سيرين يصلون في ميسرة المسجد لأن بيوتهم ناحية الميسرة، قال عبد الرزاق : ورأيت معمراً يصلي في ميسرة المسجد، يعني: أنهم لا يتكلفون الإتيان إلى الميمنة، فإذا كان باب مسجده من جهة الميسرة صلى جهة الميسرة.

ولو كان مثل هذا المعنى في مسألة هذه الاستفاضة لكان الأمر في ذلك مستفيضاً؛ ولهذا تجد في كلام العلماء من الصحابة والتابعين عدم التشديد في هذا الأمر مما لا يناسب سياق هذا الحديث في قوله: ( إن استطعت ) .

ومعلوم أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى من أشد الناس في ذلك وفي يده الدرة يضرب بها، ولم يثبت عنه عليه رضوان الله تعالى في هذا الباب شيء؛ ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر.

الحديث السادس: هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أنه قال: ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة الصف تعطلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى في ميسرة المسجد فله كفلان من الأجر ). هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في كتابه السنن وغيره من حديث ليث بن أبي سليم عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث حديث منكر وذلك لتفرد ليث بن أبي سليم به عن نافع ، و نافع مولى عبد الله بن عمر له أصحاب كبار يروون عنه حديثه هم أعلى وأرفع وأفقه وأوثق من ليث بن أبي سليم ، و ليث بن أبي سليم هو ضعيف في ذاته لا يحتج به.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر من جهة الإسناد، ومنكر أيضاً من جهة المتن، وأما نكارة متنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعامة الناس قال: ( من صلى في ميسرة المسجد فله كفلان من الأجر )، وفي هذا إشارة إلى أن الذين يسمعون هم جميع من حضر المسجد وفيهم من النقلة الذين يهتمون بالأجر بأدنى ما في هذا الحديث من الأجر، ومع ذلك لم يرو هذا الحديث إلا ليث بن أبي سليم عن نافع عن عبد الله بن عمر ، وهذا أمارة على نكارته وعدم قبولها؛ ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر من جهة الإسناد، ومنكر أيضاً من جهة المتن.

الحديث السابع: هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وسطوا الإمام وسدوا الخلل ).

هذا الحديث رواه أبو داود في كتابه السنن، ورواه البيهقي من حديث بشير بن خلاد عن أمه عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وسطوا الإمام وسدوا الخلل )، هذا الحديث حديث منكر متناً، ومعلول إسناداً.

أما علته من جهة الإسناد: فإنه تفرد به بشير بن خلاد عن أمه، و بشير بن خلاد مجهول الحديث، وأمه واسمها أمة الحق بنت يمين وهي مجهولة أيضاً لا تعرف، تروي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: ففي الحديث مجهولان: بشير بن خلاد ، وأمه.

وأما من جهة النكارة في متنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ينسب إليه هنا في قوله: ( وسطوا الإمام )، يلزم من ذلك نكارة كل ما جاء في هذا الباب في مسألة اليمين فإنه ينبغي أن تستوي الجهتين في هذا الأمر، وألا يكون ثمة تأكيد على حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميمنة، فإذا كان الإنسان خلف الإمام فينبغي أن يأتي الاثنين واحد عن يمينه وواحد عن يساره ولا خيار في ذلك؛ لأنه في ظاهر الخبر في قوله: ( وسطوا في الإمام )، فلو زادت ناحية على أخرى لكان هذا مخالف للحديث ولو كان في فضل ميمنة الصف.

ومما يرده أيضاً ما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث ثابت بن عبيد عن ابن البراء عن البراء بن عازب عليه رضوان الله قال: ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه ) ، فهذا الحديث في صحيح الإمام مسلم وهو أصح شيء جاء في ميمنة الصف.

وفي قوله: أحببنا أن نكون عن يمينه إذا صلينا خلف رسول الله، هذا يقوله البراء لابنه في سياق استحباب أن يكون الإنسان خلف الإمام أو خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وخلف النبي عليه الصلاة والسلام عن يمينه، وهذا فيه إشارة إلى استحباب أن يلتفت الإمام أول التفاته أو أكثر التفاته عن يمينه لأنه عندما يلتفت ينصرف إلى الناس, فيحبون أن يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فكانوا على ذلك.

كذلك أيضاً: فإن أول ما يسلم الإنسان يسلم عن يمينه فيحبون أن يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم؛ ولهذا جاءت نسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه ) ، وما قالوا ذلك مثلاً في الإمام في خلافة أبي بكر أو في خلافة عمر ونحو ذلك, وإنما قيدوها بذلك مما يدل على أن الأمر إنما هو محبة تقع في نفوس الصحابة، ولكن هل يؤخذ من ذلك إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو الاستحباب؟

نقول: جاء عند ابن أبي شيبة من حديث عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ( أفضل الصلاة المقام )، يعني: خلف الإمام، ( ثم ميمنة الصف )، وهو موقوف على عبد الله بن عمر ، وهذان الحديثان أصح ما جاء في هذا الباب حديث وأثر، وهذا دليل على أفضلية الميمنة، ولكن هل هي بإطلاق؟

نحن ضعفنا الأحاديث التي جاءت فيما سبق في تفضيل الميمنة بالإطلاق، إذا قلنا بالنصوص السابقة: ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )، أو ما جاء بالتأكيد ( فإن استطعت فعن يمينه )، يعني ذلك: أن الدنو من الإمام في ذاته لا معنى له، في قول النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيح قال: ( ليليني منكم أولي الأحلام والنهى )، الأحلام البالغون، والنهى العقول أصحاب العقول، يعني: الرجل البالغ الكبير، وهذا إذا كان في أمر الصلاة فإنه في غيره أيضاً، إذا كان في أمر الصلاة وهذا يؤخذ منه إنه ينبغي للإنسان إذا كان وجيهاً أو سيداً ألا يجعل حوله صغاراً، أو لا يجعل حوله مثلاً: من كان ضعيفاً فإنه ربما لا يستدرك عليه في حال غلطه، أو ربما لا ينبهه على أمر ينبغي أن يكون عليه، وهذا في حال النبي عليه الصلاة والسلام في أمر الصلاة، لماذا في حال أمر الصلاة؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يختار من خلفه في حال الصلاة بخلاف مجالسه واستقباله للناس هو الذي يختار من يأتي معه؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كلاماً عاماً قال: ( ليليني منكم أولي الأحلام والنهى )، وهذا يدل على أن من كان قريباً من الإمام ولو عن يساره أفضل ممن عن يمينه بعيداً، وهذا يرد الأحاديث المطلقة في فضل ميمنة الصف مطلقاً ويعلها، وكذلك أيضاً يفسر ما جاء في حديث البراء في قوله: ( إذا كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه ) ، أن المراد بذلك: هي محبة قلبية تقع في قلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن النبي لا يقرهم عليها على الإطلاق وإنما يحثهم على أن يكونوا دونه.

فظاهر النصوص أن من كان قريباً من النبي عن يساره الثاني والثالث والرابع أفضل من العاشر عن يمينه، ولو أخذنا بإطلاق ما جاء في حديث البراء بفضل الميمنة على الإطلاق لكان أفضل الناس من كان في آخر الصف الميمنة عن من كان عن ميسرة الإمام في الثاني والثالث والرابع والخامس ونحو ذلك، ففي قدر البون يكون حينئذٍ ظهور الإعلال في هذه الأحاديث.

ولهذا نقول: إن الفضل في ذلك هو أن يكون الإنسان قريباً من الإمام، فإذا وجد الإنسان الإمام يصلي وخلفه صف ثم هذا الصف من جهة الإمام عن يمينه عشرة وعن يساره ثلاثة فأيها أفضل؟ الرابع، الأفضل أن يكون رابعاً عن يساره أفضل من أن يكون عاشراً وزيادة عن يمينه؛ لظهور النص في قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليليني منكم أولي الأحلام والنهى )، أي: أن القرب من الإمام مطلب، وإنما فضل القرب لمعانٍ كثيرة منها ما يتعلق في ذلك بالاقتداء بالإمام والنظر إليه، كذلك أيضاً ما يتعلق بمعرفة سهوه وغلطه إذا سها فربما نسي شيئاً آية أو ربما سها عن سجدة أو ركوع ونحو ذلك فينبهه من خلفه، فإذا كان من خلفه من الجاهلين أو ربما من الصغار لم يدرك الإمام موضع الخطأ فانتشر الخطأ في الناس أو ربما الجهل أو بطلت صلوات الناس بسبب تعطيل هذه السنة.

ولهذا تجد أن عمل السلف يكاد يكون عليه الإطباق أنهم يفضلون الدنو من الإمام والمقام، وهذا محل إطباق عندهم. ثم بعد ذلك يأتي مرتبة الميمنة، إذاً: كيف نضبط الميمنة؟ نقول: الميمنة أفضل من الميسرة إذا استويا، والميسرة أفضل من الميمنة إذا قربت من الإمام، وهذا أضبط الأوصاف لمسألة يمين الصف وشماله.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.