الأحاديث المعلة في الصلاة [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على بعض الأحاديث المتعلقة بالصلاة مما تكلم عليه بعض النقاد.

الحديث الأول: حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى، أنه قال: ( من السنة إذا أتى أحدكم المسجد أن يدخل بيمينه، وأن يخرج برجله اليسرى ) ، هذا الحديث رواه الحاكم في كتابه المستدرك، ورواه البيهقي في كتابه السنن، من حديث أبي الوليد الطيالسي عن شداد بن سعيد , يرويه شداد بن سعيد الراسبي عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أنه قال: من السنة وذكره، وهذا الحديث قد أعلة البيهقي رحمه الله بتفرد شداد بن سعيد به، فإنه تفرد بروايته عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أنه قال: من السنة.

و شداد بن سعيد وإن كان ثقة في ذاته، قد وثقه غير واحد كالإمام أحمد و يحيى بن معين و النسائي، إلا أن في حفظه بعض الشيء كما قال العقيلي ، وقد تفرد بهذا الحديث عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك ، وأشار إلى ضعف هذا الحديث البيهقي رحمه الله، وأشار إليه ابن رجب رحمه الله في كتابه الفتح، وذكر البيهقي أن شداد بن سعيد تفرد به، وذكر ابن رجب رحمه الله في الفتح قال: روي هذا الحديث من وجه أضعف من هذا عن أنس بن مالك موقوفاً عليه، يعني: أنه يرى ضعف هذا الحديث.

وهذا الحديث فيما يظهر لي منكر من جهة الإسناد، وكذلك في ارتباطه بالمتن، فإنه من مفاريد شداد بن سعيد ، ومثله لا يحتمل منه التفرد، وقد قوى هذا الحديث الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك، وهذا المعنى الذي جاء به هذا الحديث وهو البداءة بتقديم اليمين عند دخول المسجد هو من الأمور التي تستفيض، ولكن يظهر من صنيع العلماء أنهم يرون أن هذا العمل قد استقر عليه، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح قال: باب التيمن في دخول المسجد، قال: وروي عن عبد الله بن عمر أنه يدخل المسجد برجله اليمنى، وهذا ذكره مجزوماً عن عبد الله بن عمر، ذكره البخاري في كتابه الصحيح في هذه الترجمة ولم يذكر دليلاً صريحاً، ولم يذكر البخاري رحمه الله دليلاً صريحاً، وإنما ذكر حديث عائشة : (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهروه ولباسه وشأنه كله).

هذا الحديث في حديث أنس بن مالك في حديث عبد الله بن عمر موقوف، وحديث عائشة حديث عام، ولما لم يورد البخاري في هذه الترجمة الصريحة إلا هذا الحديث الموقوف وحديث عائشة العام وحديث أنس بن مالك أصرح؛ دل على أنه يرى أن حديث أنس بن مالك إما أن يكون معلولاً، وإما أن تكون دلالته ليست مرفوعة، بمعنى: أن قول أنس بن مالك : (من السنة) أنه ليس بمرفوع وليس بصريح، ولكن نقول: إنه ليس على شرطه، وأنه يميل إلى إعلاله هذا هو الظاهر.

وأما أن الدلالة فيه ليست بصريحة إلى النبي عليه الصلاة والسلام نقول: في هذا نظر! فهو على أقل أحواله أقوى من الموقوف على عبد الله بن عمر؛ لأن أنس بن مالك صحابي جليل.

فقوله عليه رضوان الله: (من السنة) أقوى من فعل عبد الله بن عمر المجرد، فلما لم يورده وقد أورد ما دونه من جهة الدلالة وهو موقوف؛ دل على أنه يميل إلى أن هذا الحديث معلول من جهة الإسناد.

حكم دخول المسجد بالرجل اليمنى

ولهذا ثمة مسألة، وهي: هل نقول: إن الدخول إلى المسجد بالرجل اليمنى ليس من السنة.

نقول: إن الدخول بالرجل اليمنى إلى المسجد عليه العمل، ولكن ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلمه يثبت، قد جاء فيه حديثان مرفوعان وأثران موقوفان:

الحديث المرفوع الأول هو: حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى هذا..

والحديث الثاني هو التالي، وهو الحديث الثاني في هذا الدرس.

ولهذا ثمة مسألة، وهي: هل نقول: إن الدخول إلى المسجد بالرجل اليمنى ليس من السنة.

نقول: إن الدخول بالرجل اليمنى إلى المسجد عليه العمل، ولكن ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلمه يثبت، قد جاء فيه حديثان مرفوعان وأثران موقوفان:

الحديث المرفوع الأول هو: حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى هذا..

والحديث الثاني هو التالي، وهو الحديث الثاني في هذا الدرس.

الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عباس ، وهو الحديث الثاني في هذا الباب، قال عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة، قال: اللهم لك الحمد كما حسنت خلقي وخلقي وجملتني إذ شينت غيري, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل اكتحل في العين مرتين وواحدة بينهما )، يعني: بين العينين، ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يدخل برجله اليمنى، وإذا خرج يخرج برجله اليسرى ) .

هذا الحديث قد رواه أبو يعلى في كتابه المسند، ورواه الطبراني ، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق من حديث عمرو بن حصين عن يحيى بن العلاء عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

وهذا الحديث باطل أو موضوع، وذلك أنه منكر وباطل إسناداً، وواهن من جهة المتن، وكذلك فإن الإنسان إذا أراد أن يلتمس العلل فيه يجد أنها كثيرة:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث يروى من حديث عمرو بن حصين ، وقد كذبه غير واحد، فقد قال فيه الخطيب البغدادي رحمه الله: كذاب، ويرويه عن كذاب، يرويه عن يحيى بن العلاءـ فقد كذبه الإمام أحمد رحمه الله.

إذاً: عمرو بن الحصين يرويه عن يحيى بن العلاء وكلهم متهم بالكذب.

العلة الثالثة: أن عمرو بن الحصين يرويه عن يحيى بن العلاء عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس ، ولدينا تركيب في هذا الإسناد، تركيب ووضع هذا الإسناد لم يحذف الابتكار، تركيب هذا الإسناد.

ووجه ذلك: أن هذا الحديث يرويه صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار ، وهذا الإسناد في كتب السنة معلوم والذي هو صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار، ولكن عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة ، أما عطاء بن يسار فمعروف عن عبد الله بن عباس من غير صفوان بن سليم .

إذاً: فهو ركب أسانيد من غير معرفة لها على طريقة غير معروفة في الرواية، فـصفوان بن سليم عن عطاء بن يسار في البخاري و مسلم ، عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس في الصحيح وفي كتب السنة والمسانيد، ولكن من غير صفوان بن سليم ، فـصفوان بن سليم إذا جاء عن عطاء بن يسار يروي عن أبي هريرة و أبي سعيد ولا يروي عن عبد الله بن عباس ، وما يرويه عن عبد الله بن عباس هذا الحديث وحديث آخر منكر.

أما حديثه عن عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة و أبي سعيد فهو معروف مشهور.

ولهذا نقول: إن هذا الإسناد مركب ومختلق، والمتن فيه نكارة، فوجه النكارة فيه: أنه ذكر صفة اكتحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم من ذلك التتبع، فإنه في اكتحال النبي عليه الصلاة والسلام هنا قال: كان يكتحل في كل عين مرتين وفي الثالثة وبينهما، هذه دقة، وهل هذه يحسنها عمرو بن حصين عن يحيى بن العلاء ؟ هل هو يروي بمثل هذا؟ فمثل هذا المعنى لا يمكن أن نقبله منه، هذا يرويه شخص فقيه وعرف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوعب الظواهر حتى يعرف البواطن والدقة، أي: في كل عين ثنتين والأخرى ثنتين ثم الثالثة بينهما، هذا افتراء، لأن مثل هذا ينبغي أن يرويه شخص قد روى ما هو أعلى منه.

ولهذا نقول: إن في تركيبة هذا الإسناد في ذكر المرآة والدخول بالمسجد تراكيب ومعانٍ ليست مترابطة؛ ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر بل باطل.

وأما الأثران: فالأثر الأول هو حديث عبد الله بن عمر الذي ذكره البخاري معلقاً في كتابه الصحيح وهو أن عبد الله بن عمر كان يدخل برجله اليمنى مجزوماً به، هذا الحديث لا أعلم له إسناداً في المطبوع، ولكن ذكره البخاري مجزوماً به, وجزم البخاري به في الغالب أنه صحيح خاصة أنه صدره في الباب وجعله أصرح شيء في هذه المسألة، وهذا نستفيد منه صحة حديث عبد الله بن عمر عند البخاري وكفى به قوة.

الأمر الثاني: أنه لا يثبت فيه شيء مرفوع عن النبي عليه الصلاة والسلام صراحة، وأما ما جاء في حديث أنس بن مالك في قوله: (من السنة)، وفي حديث عبد الله بن عباس هذا أنها واهية.

والأثر الثاني: أثر أنس بن مالك عليه رضوان الله موقوفاً عليه، ذكره ابن رجب رحمه الله في كتابه الفتح، فقال: روي عن أنس بن مالك موقوفاً عليه بإسناد أضعف من هذا، يعني: بإسناد أضعف من حديث شداد بن سعيد عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك , وإذا كان ضعيفاً فإنه لا يعول عليه.

ولهذا نقول: إن مسألة الدخول إلى المسجد بالرجل اليمنى أمثل ما جاء فيها هو الموقوف على عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وعبد الله بن عمر ممن يعتني بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي به في ذهابه ومجيئه، ويتتبع أحواله عليه الصلاة والسلام.

أما حديث عائشة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيمن في تنعله وترجله ) الحديث، هذا ذكره البخاري في باب التيمن بدخول المسجد، وذكرت عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام يحب، وجاء في رواية: ( يعجبه التيمن في تنعله وترجله ولباسه وطهوره وشأنه كله )، جاء فيه زيادة غير محفوظة: (وسواكه).

وفي قولها: (في لباسه وتنعله وترجله وطهوره)، في مثل هذه الأفعال هل نقول: إنه يدخل فيها الدخول إلى المسجد أم لا؟

في مثل هذا العموم قد نقول من وجه، وقد لا نقول من وجه، وذلك أن عائشة ذكرت هذه الأحوال، ثم قالت: وفي شأنه كله، شأن العبد أحواله من غير العبادة، وإلا لو قلنا بالتيامن لتوسعنا في هذا ولقلنا: إن الإنسان إذا أراد أن يهبط إلى الأرض في الصلاة اعتمد على اليمنى قبل اليسرى، وإذا أراد أن يرفع اعتمد على اليمنى ولم يعتمد على اليسرى، ولدنا مسائل لم يرد فيها دليل.

ولهذا نقول: إن استحباب التيمن هو في شأن الإنسان في ذاته مما لم يكن في عبادة محضة، وما كان من شأن الإنسان في الأخذ والعطاء في الرمي ونحو ذلك فإن الاستحباب أن يكون باليمين، ونحو هذا من أحوال الإنسان وشأنه.

أما ما كان من أمور التعبد نقول: المسألة فيها دليل، ولكن البخاري حينما قدم الموقوف على حديث عائشة دل على أن دلالة الموقوف أقوى لديه من حديث عائشة ، وإلا لصدر حديث عائشة لو كان صريحاً في الباب، ولهذا نقول: إن حديث عائشة ليس بصريح, ولكن عضده المعنى الذي ورد في فعل عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى.

وفي تراجم البخاري تقدم معنا أن البخاري له منهج في الإعلال، ومن مناهجه في الإعلال: أنه يذكر الترجمة فإذا ذكر موقوفاً فيها وثمة مرفوع ما هو أصرح منه فإن هذا أمارة على ضعف المرفوع، وإذا ذكر ترجمة ثم أورد حديثاً مرفوعاً دلالته ليست بصريحة وخارج الصحيح ما هو أصرح منه فإن هذا أمارة على إعلاله، وهذا سبر لطريقة البخاري رحمه الله في أبواب الإعلال.

حديث (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم علي..)

الحديث الثالث في هذا: هو حديث أبي أسيد أو أبو حميد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم علي، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم إني أسألك من فضلك )، هذا الحديث غير محفوظ بذكر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود في كتابه السنن، وأخرجه الإمام أحمد من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي يرويه عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، وقد تفرد بروايته، فذكر السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه.

الدعاء في صحيح الإمام مسلم: ( أنه كان إذا دخل يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك )، هذا صحيح، أما ذكر الصلاة عند الدخول فليس بمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، أي: لم يأمر به عليه الصلاة والسلام أحداً ولم يفعله، وإنما جاء في ذلك بعض الموقوفات وسوف يأتي الكلام عليها.

عبد العزيز بن محمد تفرد بهذا الحديث يرويه عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد أو أبي أسيد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح وقد خالف فيه عبد العزيز بن محمد سليمان بن بلال و عمارة بن غزية يرويانه عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، وهذا أصح من غير ذكر السلام أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإخراج مسلم -رحمه الله- لهذا الحديث من غير ذكر السلام والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أمارة على إنكار هذه اللفظة وإعلالها، ولهذا قد أخرج في كتابه الصحيح هذا الحديث من غير هذه الزيادة، ثم إن ثمة قرينة وهي في مسلم، خاصة أن الإمام مسلماً رحمه الله في كتابه الصحيح يصدر في الباب في الأغلب أقوى الوجوه لديه، ثم ينزل شيئاً فشيئاً في الطرق، وربما أورد الأسانيد وكانت متشابهة في القوة لعدم وجود نازل فيها لكثرتها، ولكن إذا أورد الإمام مسلم في كتابه الصحيح الحديث ثم أورد طرقاً له ولم يورد حديثاً في الباب إسناده في ذاته صحيح وفيه لفظة غير محفوظة ولم يرده؛ دل على أن العلة فيه أظهر من أن تورد، ويوردها الإمام مسلم رحمه الله، ولهذا الإمام مسلم ما أورد في كتابه الصحيح رواية عبد العزيز بن محمد عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد وما ذكره، وإنما ذكر طرق الحديث، وإنما ذكر رواية سليمان و عمارة في روايتهما لهذا الحديث عن ربيعة ، ولهذا نقول: إن ذكر السلام والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول المسجد غير محفوظ.

حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد..)

الحديث الرابع: حديث فاطمة عليها رضوان الله، أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد, ثم قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم اغفر لي خطيئتي ) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و الترمذي من حديث الحسن بن عبد الله عن فاطمة الصغرى عن جدتها فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام ورضي عنها، فذكرت هذا الحديث، وهذا الحديث معلول بعلل:

أولها: ذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لم يأت في الأحاديث الصحيحة.

أيضاً: أن هذا الحديث منقطع، فإن فاطمة الصغرى لم تسمع من جدتها فاطمة الكبرى، كما ذكر ذلك غير واحد من الحفاظ كالإمام الترمذي رحمه الله، فإنه قال: ليس إسناده بالمتصل.

كذلك فإن هذا الحديث رواه إسماعيل عن ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن به، ثم قال إسماعيل : لقيت عبد الله فسألته عن الحديث، فقال: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك )، ولم يذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ مما يدل على ورود وهم في هذا الحديث، ولهذا نقول: إن ذكر الصلاة فيه ليست بمحفوظة.

الحديث الثالث في هذا: هو حديث أبي أسيد أو أبو حميد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم علي، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم إني أسألك من فضلك )، هذا الحديث غير محفوظ بذكر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود في كتابه السنن، وأخرجه الإمام أحمد من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي يرويه عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، وقد تفرد بروايته، فذكر السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه.

الدعاء في صحيح الإمام مسلم: ( أنه كان إذا دخل يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك )، هذا صحيح، أما ذكر الصلاة عند الدخول فليس بمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، أي: لم يأمر به عليه الصلاة والسلام أحداً ولم يفعله، وإنما جاء في ذلك بعض الموقوفات وسوف يأتي الكلام عليها.

عبد العزيز بن محمد تفرد بهذا الحديث يرويه عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد أو أبي أسيد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح وقد خالف فيه عبد العزيز بن محمد سليمان بن بلال و عمارة بن غزية يرويانه عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، وهذا أصح من غير ذكر السلام أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإخراج مسلم -رحمه الله- لهذا الحديث من غير ذكر السلام والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أمارة على إنكار هذه اللفظة وإعلالها، ولهذا قد أخرج في كتابه الصحيح هذا الحديث من غير هذه الزيادة، ثم إن ثمة قرينة وهي في مسلم، خاصة أن الإمام مسلماً رحمه الله في كتابه الصحيح يصدر في الباب في الأغلب أقوى الوجوه لديه، ثم ينزل شيئاً فشيئاً في الطرق، وربما أورد الأسانيد وكانت متشابهة في القوة لعدم وجود نازل فيها لكثرتها، ولكن إذا أورد الإمام مسلم في كتابه الصحيح الحديث ثم أورد طرقاً له ولم يورد حديثاً في الباب إسناده في ذاته صحيح وفيه لفظة غير محفوظة ولم يرده؛ دل على أن العلة فيه أظهر من أن تورد، ويوردها الإمام مسلم رحمه الله، ولهذا الإمام مسلم ما أورد في كتابه الصحيح رواية عبد العزيز بن محمد عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد وما ذكره، وإنما ذكر طرق الحديث، وإنما ذكر رواية سليمان و عمارة في روايتهما لهذا الحديث عن ربيعة ، ولهذا نقول: إن ذكر السلام والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول المسجد غير محفوظ.

الحديث الرابع: حديث فاطمة عليها رضوان الله، أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد, ثم قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم اغفر لي خطيئتي ) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و الترمذي من حديث الحسن بن عبد الله عن فاطمة الصغرى عن جدتها فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام ورضي عنها، فذكرت هذا الحديث، وهذا الحديث معلول بعلل:

أولها: ذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لم يأت في الأحاديث الصحيحة.

أيضاً: أن هذا الحديث منقطع، فإن فاطمة الصغرى لم تسمع من جدتها فاطمة الكبرى، كما ذكر ذلك غير واحد من الحفاظ كالإمام الترمذي رحمه الله، فإنه قال: ليس إسناده بالمتصل.

كذلك فإن هذا الحديث رواه إسماعيل عن ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن به، ثم قال إسماعيل : لقيت عبد الله فسألته عن الحديث، فقال: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك )، ولم يذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ مما يدل على ورود وهم في هذا الحديث، ولهذا نقول: إن ذكر الصلاة فيه ليست بمحفوظة.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الصلاة [20] 2590 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [28] 2444 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [14] 2373 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [39] 2282 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [25] 2231 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [32] 2098 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [41] 2098 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [33] 2057 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [43] 2024 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [12] 1990 استماع