الأحاديث المعلة في الطهارة [20]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأول حديث هذا اليوم هو حديث جابر عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً على قدمه مثل اللمعة أو مثل لمعة الظفر لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء ).

وهذا الحديث بهذا اللفظ حديث ضعيف، ولا يصح، وذلك أنه قد رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وأبو داود في سننه من حديث عبد الله بن وهب و زيد بن الحباب كلاهما عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به من هذا الوجه عبد الله بن لهيعة ، واختلف عليه فيه، فرواه عنه الحسن بن موسى و موسى بن داود كلاهما عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، وقال: ( فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن الوضوء )، وهذا اللفظ أصح، واللفظ الآخر: هو ما رواه عبد الله بن وهب و زيد بن حباب كلاهما عن عبد الله بن لهيعة به، فلفظ: (أمره أن يعيد الوضوء) ضعيف، وأما اللفظ: (أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن الوضوء) فصحيح، وذلك أن أصل الخبر في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، ويرويه عن أبي الزبير معقل بن عبيد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله، قال: ( فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن الوضوء )، وهذا في صحيح الإمام مسلم ، ولكن من غير طريق عبد الله بن لهيعة ، وأما اللفظ الذي نتكلم عليه فهو ما يتعلق بالأمر بالإعادة.

الفرق بين الأمر بإعادة الوضوء والأمر بإحسانه

وما الفرق بين الإعادة وبين الإحسان؟

أولاً: هذا الحديث هو العمدة عند من أوجب الموالاة في الوضوء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يأمر من في قدمه لمعة بالإعادة ففيه إشارة إلى وجوب الموالاة؛ لأنه كان ثمة فصل بين هذه اللمعة وبين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له، فأمره بإعادة الوضوء كله، ولكن أمره عليه الصلاة والسلام بإحسان الوضوء إشارة إلى أنه ينبغي أن يضع شيئاً من الماء على هذه البقعة وانتهى الأمر، وهذا هو الإحسان، والإحسان في الشيء إشارة إلى صحة أصله، ولكنه ينقصه حسن، وأما الأمر بالإعادة فهذا يتضمن بطلان الأصل، واعتمد من اعتمد على وجوب الموالاة على لفظ الإعادة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء فقال: (ارجع فأعد الوضوء).

علامات نكارة: (ارجع فأعد الوضوء)

وهذه اللفظة لفظة منكرة، ومن علامات نكارتها أمور: منها: أنها جاءت من مفاريد عبد الله بن لهيعة في هذا الوجه عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، و عبد الله بن لهيعة لم يحفظ الحديث، والدليل على أنه لم يحفظ الحديث: أن الحديث جاء عن عبد الله بن لهيعة من وجهين: الوجه الأول: هو ما يرويه الحسن بن موسى و موسى بن داود كلاهما عن عبد الله بن لهيعة ، فذكر: ( فأحسن الوضوء ).

الوجه الثاني: ما جاء في حديث عبد الله بن وهب و زيد بن الحباب في الأمر بالإعادة، والراوي الضعيف الذي لا يتهم في الحديث إذا روى الحديث على وجهين: وجه وافق فيه الثقات، ووجه لم يوافق فيه الثقات، فهذا إشارة إلى عدم ضبطه للحديث، وهذا هو الذي يغلب على الرواة الضعفاء الذين هم من أهل الثقة في الديانة، فـعبد الله بن لهيعة من الرواة المعروفين بالثقة في الديانة، ومن أهل العلم، فكان قاضياً فقيهاً، ولكن أمثال هذه المسائل الدقائق مما تخفى على بعض الرواة، وربما قدموا وأخروا فيها، فلهذا لم يضبطوا الحديث.

وينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ينظر في حديث من الأحاديث في ضبط الراوي له إذا كان خفيف الضبط أن ينظر في الحديث في سائر المصنفات، وأن ينظر في ألفاظه، فإذا وجد هذه الألفاظ فيها تقديم وتأخير فإنه ينبغي له أن يأخذ هذا الضعيف بهذا التقديم والتأخير الذي له تأثير في معنى الحديث، و عبد الله بن لهيعة مع كونه فقيهاً إلا أنه ضعيف الرواية، يعني: من جهة الحفظ لم يؤت حفظاً من جهة الأصل، إضافة إلى اختلاطه، وأما الأحاديث التي يرويها في اختصاصه في مسائل القضاء فإنه أضبط لها، وكثيرٌ ممن يتكلم على عبد الله بن لهيعة ، ويتكلم على مروياته، يتكلمون على أمرين:

الأمر الأول: على ضعفه في ذاته، هل هو ضعيف من جهة الأصل أم الضعف طرأ عليه؟

الأمر الثاني: ما يتعلق برواية القدماء من أصحابه كالعبادلة، ولا يتطرقون إلى اختصاصه، وهو رجل قاض ومكث في القضاء زمناً، وهذه المهنة لها أحاديث تروى فيها ما يتعلق بمسائل الحدود، وما يتعلق بمسائل التعزيرات، وغير ذلك، ولهذا أضبط مرويات عبد الله بن لهيعة هي مروياته في القضاء مع ضعف في مجموعها، لكنها من أضبط مروياته عليه رحمة الله.

كذلك أيضاً ما يتعلق بالمرويات الأكثر في حديثه، فأكثر مرويات عبد الله بن لهيعة هي في غير اختصاصه، فما يرويه في أمور العبادات ونحو ذلك فإنه لا يضبطها، خاصة في المسائل الدقيقة، فمثل هذا اللفظة: ( ارجع فأحسن الوضوء )، أو: ( ارجع فأعد الوضوء )، ونحو ذلك، ويأتي في بعض هذه الألفاظ: ( ارجع فأعد الوضوء والصلاة )، وهذه الزيادة أيضاً في ذلك لا تصح بل هي زيادة منكرة، كذلك أيضاً عمل الصحابة، وهذا مما يشير الى الضعف، فعمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على عدم وجوب الموالاة، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر كما جاء في المصنف أنه توضأ فغسل يديه ووجهه، ومسح رأسه، ثم ذهب إلى المسجد فمسح على خفيه، يعني: أن أول وضوئه في البيت وأكمله في المسجد، وفيه إشارة إلى أن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى لم يستشكل هذه المسألة، ولو ثبت النص في هذا عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أصحاب رسول الله خاصة في أمثال هذه القضية التي تروى من طرق متعددة لاشتهر هذا الحكم؛ لأنه يتعلق بمسألة من المسائل المهمة التي تمس الحاجة إليها، ولهذا لم يعتد عليه رضوان الله تعالى بأمثال هذا الحكم، وعمل بعدم وجوب الموالاة.

وما الفرق بين الإعادة وبين الإحسان؟

أولاً: هذا الحديث هو العمدة عند من أوجب الموالاة في الوضوء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يأمر من في قدمه لمعة بالإعادة ففيه إشارة إلى وجوب الموالاة؛ لأنه كان ثمة فصل بين هذه اللمعة وبين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له، فأمره بإعادة الوضوء كله، ولكن أمره عليه الصلاة والسلام بإحسان الوضوء إشارة إلى أنه ينبغي أن يضع شيئاً من الماء على هذه البقعة وانتهى الأمر، وهذا هو الإحسان، والإحسان في الشيء إشارة إلى صحة أصله، ولكنه ينقصه حسن، وأما الأمر بالإعادة فهذا يتضمن بطلان الأصل، واعتمد من اعتمد على وجوب الموالاة على لفظ الإعادة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء فقال: (ارجع فأعد الوضوء).

وهذه اللفظة لفظة منكرة، ومن علامات نكارتها أمور: منها: أنها جاءت من مفاريد عبد الله بن لهيعة في هذا الوجه عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، و عبد الله بن لهيعة لم يحفظ الحديث، والدليل على أنه لم يحفظ الحديث: أن الحديث جاء عن عبد الله بن لهيعة من وجهين: الوجه الأول: هو ما يرويه الحسن بن موسى و موسى بن داود كلاهما عن عبد الله بن لهيعة ، فذكر: ( فأحسن الوضوء ).

الوجه الثاني: ما جاء في حديث عبد الله بن وهب و زيد بن الحباب في الأمر بالإعادة، والراوي الضعيف الذي لا يتهم في الحديث إذا روى الحديث على وجهين: وجه وافق فيه الثقات، ووجه لم يوافق فيه الثقات، فهذا إشارة إلى عدم ضبطه للحديث، وهذا هو الذي يغلب على الرواة الضعفاء الذين هم من أهل الثقة في الديانة، فـعبد الله بن لهيعة من الرواة المعروفين بالثقة في الديانة، ومن أهل العلم، فكان قاضياً فقيهاً، ولكن أمثال هذه المسائل الدقائق مما تخفى على بعض الرواة، وربما قدموا وأخروا فيها، فلهذا لم يضبطوا الحديث.

وينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ينظر في حديث من الأحاديث في ضبط الراوي له إذا كان خفيف الضبط أن ينظر في الحديث في سائر المصنفات، وأن ينظر في ألفاظه، فإذا وجد هذه الألفاظ فيها تقديم وتأخير فإنه ينبغي له أن يأخذ هذا الضعيف بهذا التقديم والتأخير الذي له تأثير في معنى الحديث، و عبد الله بن لهيعة مع كونه فقيهاً إلا أنه ضعيف الرواية، يعني: من جهة الحفظ لم يؤت حفظاً من جهة الأصل، إضافة إلى اختلاطه، وأما الأحاديث التي يرويها في اختصاصه في مسائل القضاء فإنه أضبط لها، وكثيرٌ ممن يتكلم على عبد الله بن لهيعة ، ويتكلم على مروياته، يتكلمون على أمرين:

الأمر الأول: على ضعفه في ذاته، هل هو ضعيف من جهة الأصل أم الضعف طرأ عليه؟

الأمر الثاني: ما يتعلق برواية القدماء من أصحابه كالعبادلة، ولا يتطرقون إلى اختصاصه، وهو رجل قاض ومكث في القضاء زمناً، وهذه المهنة لها أحاديث تروى فيها ما يتعلق بمسائل الحدود، وما يتعلق بمسائل التعزيرات، وغير ذلك، ولهذا أضبط مرويات عبد الله بن لهيعة هي مروياته في القضاء مع ضعف في مجموعها، لكنها من أضبط مروياته عليه رحمة الله.

كذلك أيضاً ما يتعلق بالمرويات الأكثر في حديثه، فأكثر مرويات عبد الله بن لهيعة هي في غير اختصاصه، فما يرويه في أمور العبادات ونحو ذلك فإنه لا يضبطها، خاصة في المسائل الدقيقة، فمثل هذا اللفظة: ( ارجع فأحسن الوضوء )، أو: ( ارجع فأعد الوضوء )، ونحو ذلك، ويأتي في بعض هذه الألفاظ: ( ارجع فأعد الوضوء والصلاة )، وهذه الزيادة أيضاً في ذلك لا تصح بل هي زيادة منكرة، كذلك أيضاً عمل الصحابة، وهذا مما يشير الى الضعف، فعمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على عدم وجوب الموالاة، فقد ثبت عن عبد الله بن عمر كما جاء في المصنف أنه توضأ فغسل يديه ووجهه، ومسح رأسه، ثم ذهب إلى المسجد فمسح على خفيه، يعني: أن أول وضوئه في البيت وأكمله في المسجد، وفيه إشارة إلى أن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى لم يستشكل هذه المسألة، ولو ثبت النص في هذا عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أصحاب رسول الله خاصة في أمثال هذه القضية التي تروى من طرق متعددة لاشتهر هذا الحكم؛ لأنه يتعلق بمسألة من المسائل المهمة التي تمس الحاجة إليها، ولهذا لم يعتد عليه رضوان الله تعالى بأمثال هذا الحكم، وعمل بعدم وجوب الموالاة.

الحديث الثاني في هذا: هو حديث أنس بن مالك : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل يده من كمه فمسح على ناصيته ولم ينقض العمامة ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود ، و الحاكم في المستدرك، و الضياء المقدسي في المختارة من حديث عبد العزيز بن مسلم الأنصاري عن أبي معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث ضعيف، و أبو معقل رجل حجازي مجهول، و عبد العزيز بن مسلم الأنصاري مقل الرواية، وفي حفظه لين، وقد تفرد بهذا الحديث عن أبي معقل.

أحوال مسح الرأس مع العمامة

وهذا الحديث متضمن لمسألة وهي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولم ينقض العمامة )، إشارة إلى أنه لم يمسح عليها وإنما اكتفى بالناصية، ومعلوم أن لدينا ثلاثة أحوال في المسح على الرأس محتملة، منها: أن ينزع الإنسان العمامة ويمسح على رأسه.

الأمر الثاني: أن يمسح على العمامة من غير مسح على الناصية.

الأمر الثالث: هو أن يمسح الناصية مع العمامة، فيزيح العمامة شيئاً يسيراً، فيسمح على الناصية ثم بعد ذلك يكمل على العمامة، ويتشبث بعض الفقهاء بأمثال هذه المرويات، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته ولم ينقض العمامة ) قالوا: فما أشار أنه مسح وما أشار أنه نقض قالوا: فاكتفى بالمسح.

علة حديث: (مسح على الناصية ولم ينقض)

وهذه الزيادة (ولم ينقض)، تفرد بها عبد العزيز بن مسلم الأنصاري عن أبي معقل عن أنس بن مالك ، وهنا مسألة من مسائل العلل، وقد تقدمت الإشارة إليها، وهي أن هذا الحديث تفرد به أبو معقل عن أنس بن مالك ، و أبو معقل مجهول، ولكنه رجل حجازي، فهذا الحديث في روايته عن أنس بن مالك لا يحتمل قبوله -مع كون هذا المجهول يروي عن صحابي وهو حجازي أيضاً- وذلك من وجوه:

الوجه الأول: وهذا يتضمن قوة القرائن الدافعة لهذه الرواية، من هذه القرائن: التفرد بالمعنى، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى الأصل في لبسهم أنهم يلبسون العمائم، وهذا من الأمور والمسائل المهمة التي يحتاج أن يرويها من هو أوثق وأقوى من أبي معقل ، ولما لم ترد بهذا النحو دل على ضعفها، ولو تفرد بهذا اللفظ ولم يرد ما يخالفه لاستحق النكارة فضلاً أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على ناصيته والعمامة، كما جاء في حديث المغيرة ، وهذا يدل على نكارته.

الوجه الثاني في هذا: أن أبا معقل وإن كان رجلاً مجهولاً حجازياً إلا أنه روى عنه عبد العزيز بن مسلم الأنصاري ، و عبد العزيز بن مسلم الأنصاري هو مقل الرواية أيضاً، والمجهول إذا روى عنه مقل مجهول مستور مثله فهذا من علامات الضعف، وقد تقدم معنا أن الراوي الضعيف مستور الحال إذا كان من طبقة متقدمة وروى عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرد بحديث بوجه من الوجوه أننا نقبل هذه الرواية إذا كان المتن مستقيماً ومن يروي عنه ثقة، ومن أهل بيت معروف بالعلم، فـأبو معقل مجهول، والذي يروي عنه زاد أمره جهالة وهو عبد العزيز بن مسلم الأنصاري ، وذلك أن مثل هذا الحديث لو جاء عن أنس بن مالك لنقله عنه أصحابه، وهذا من القرائن.

والوجه الثالث: أن أنس بن مالك من المعمرين، فهو يروي عن رسول الله، فالحديث في جعبته عقود طويلة، فلماذا لم يرو عنه إلا أبو معقل؟ ولو توفي قديماً لأمكن؛ لكونه لم يعمر ولم يره الناس، لاحتمل مثل هذا اللفظ أن يقبل ما لم يخالف، فلهذا نقول: إن هذا الحديث هو حديث منكر بهذا اللفظ، وقد جاء معناه عند عبد الرزاق في كتابه المصنف من حديث ابن جريج عن عطاء مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً عند الشافعي في كتاب الأم من حديث ابن جريج عن عطاء مرسلاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا المرسل لا يعضد هذا الحديث. وفي مثل هذا الحديث أولاً: يظهر الوهم أو الاختصار للفظه وصحة أصله، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على ناصيته، أما ذكر عدم نقض العمامة مع الحاجة إلى ما هو أولى من ذلك، واليد بعد مسح الناصية هل استمرت؟ أم أنه لم ينقض ثم رجع؟ ظاهر النص أنه لم ينقضها، ولهذا الحاكم في كتابه المستدرك يقول: وهذه اللفظة غريبة، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقض العمامة.

وهذا أيضاً يستدل به من قال: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح بعض رأسه ولا يمسحه كله، قالوا: وهذا هو القدر المجزئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بالناصية واكتفى بهذا، ولكن نقول: إن هذا الحديث حديث ضعيف، لكن جاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه مسح يافوخه قط، وهي أعلى الرأس، واكتفى به، يعني: أنه لم يمر اليد على كامل الرأس من الخلف، وكذلك أيضاً من جانبه، فهذا يقال: هو القدر المجزئ، لو أن إنساناً أتى بيد واحدة ثم مر بها على رأسه من ناحية واحدة يقال: إن ذلك يجزئه في وضوئه، أما في مسألة المسح مع العمامة فإنه يقال: إن الإنسان يمسح الناصية ويمسح العمامة.

وهذا الحديث متضمن لمسألة وهي: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولم ينقض العمامة )، إشارة إلى أنه لم يمسح عليها وإنما اكتفى بالناصية، ومعلوم أن لدينا ثلاثة أحوال في المسح على الرأس محتملة، منها: أن ينزع الإنسان العمامة ويمسح على رأسه.

الأمر الثاني: أن يمسح على العمامة من غير مسح على الناصية.

الأمر الثالث: هو أن يمسح الناصية مع العمامة، فيزيح العمامة شيئاً يسيراً، فيسمح على الناصية ثم بعد ذلك يكمل على العمامة، ويتشبث بعض الفقهاء بأمثال هذه المرويات، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته ولم ينقض العمامة ) قالوا: فما أشار أنه مسح وما أشار أنه نقض قالوا: فاكتفى بالمسح.

وهذه الزيادة (ولم ينقض)، تفرد بها عبد العزيز بن مسلم الأنصاري عن أبي معقل عن أنس بن مالك ، وهنا مسألة من مسائل العلل، وقد تقدمت الإشارة إليها، وهي أن هذا الحديث تفرد به أبو معقل عن أنس بن مالك ، و أبو معقل مجهول، ولكنه رجل حجازي، فهذا الحديث في روايته عن أنس بن مالك لا يحتمل قبوله -مع كون هذا المجهول يروي عن صحابي وهو حجازي أيضاً- وذلك من وجوه:

الوجه الأول: وهذا يتضمن قوة القرائن الدافعة لهذه الرواية، من هذه القرائن: التفرد بالمعنى، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى الأصل في لبسهم أنهم يلبسون العمائم، وهذا من الأمور والمسائل المهمة التي يحتاج أن يرويها من هو أوثق وأقوى من أبي معقل ، ولما لم ترد بهذا النحو دل على ضعفها، ولو تفرد بهذا اللفظ ولم يرد ما يخالفه لاستحق النكارة فضلاً أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على ناصيته والعمامة، كما جاء في حديث المغيرة ، وهذا يدل على نكارته.

الوجه الثاني في هذا: أن أبا معقل وإن كان رجلاً مجهولاً حجازياً إلا أنه روى عنه عبد العزيز بن مسلم الأنصاري ، و عبد العزيز بن مسلم الأنصاري هو مقل الرواية أيضاً، والمجهول إذا روى عنه مقل مجهول مستور مثله فهذا من علامات الضعف، وقد تقدم معنا أن الراوي الضعيف مستور الحال إذا كان من طبقة متقدمة وروى عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرد بحديث بوجه من الوجوه أننا نقبل هذه الرواية إذا كان المتن مستقيماً ومن يروي عنه ثقة، ومن أهل بيت معروف بالعلم، فـأبو معقل مجهول، والذي يروي عنه زاد أمره جهالة وهو عبد العزيز بن مسلم الأنصاري ، وذلك أن مثل هذا الحديث لو جاء عن أنس بن مالك لنقله عنه أصحابه، وهذا من القرائن.

والوجه الثالث: أن أنس بن مالك من المعمرين، فهو يروي عن رسول الله، فالحديث في جعبته عقود طويلة، فلماذا لم يرو عنه إلا أبو معقل؟ ولو توفي قديماً لأمكن؛ لكونه لم يعمر ولم يره الناس، لاحتمل مثل هذا اللفظ أن يقبل ما لم يخالف، فلهذا نقول: إن هذا الحديث هو حديث منكر بهذا اللفظ، وقد جاء معناه عند عبد الرزاق في كتابه المصنف من حديث ابن جريج عن عطاء مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً عند الشافعي في كتاب الأم من حديث ابن جريج عن عطاء مرسلاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا المرسل لا يعضد هذا الحديث. وفي مثل هذا الحديث أولاً: يظهر الوهم أو الاختصار للفظه وصحة أصله، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على ناصيته، أما ذكر عدم نقض العمامة مع الحاجة إلى ما هو أولى من ذلك، واليد بعد مسح الناصية هل استمرت؟ أم أنه لم ينقض ثم رجع؟ ظاهر النص أنه لم ينقضها، ولهذا الحاكم في كتابه المستدرك يقول: وهذه اللفظة غريبة، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقض العمامة.

وهذا أيضاً يستدل به من قال: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح بعض رأسه ولا يمسحه كله، قالوا: وهذا هو القدر المجزئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بالناصية واكتفى بهذا، ولكن نقول: إن هذا الحديث حديث ضعيف، لكن جاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه مسح يافوخه قط، وهي أعلى الرأس، واكتفى به، يعني: أنه لم يمر اليد على كامل الرأس من الخلف، وكذلك أيضاً من جانبه، فهذا يقال: هو القدر المجزئ، لو أن إنساناً أتى بيد واحدة ثم مر بها على رأسه من ناحية واحدة يقال: إن ذلك يجزئه في وضوئه، أما في مسألة المسح مع العمامة فإنه يقال: إن الإنسان يمسح الناصية ويمسح العمامة.

الحديث الثالث في هذا، حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل وجهه ويديه، وتمضمض واستنشق، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه )، ورجليه، هذا الحديث حديث خالد بن معدان يرويه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وهو خبر ضعيف، وفيه مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وقد تقدم معنا حديث في هذا الباب مسح الأذنين في الظاهر والباطن، وذكرنا أنه لا يثبت في مسح الأذنين شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام ولكن يقال: إنه يمسح، الصفة التي جاءت عن رسول الله في مسح الظاهر والباطن ضعيفة.

وسند الحديث السابق في هذا المعنى هو عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عباس ، وقلنا: العلة في هذا الحديث هو محمد بن عجلان وتقدم معنا الإشارة إلى هذا، فهذه الزيادة في ذكر صفة مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذنيه هي زيادة منكرة، ولا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها أيضاً في وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه في صماخي أذنيه وقد تقدم معنا أيضاً في صفة من صفات مسح الأذنين، وهي أيضاً زيادة منكرة لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث جاء من حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث جاء من حديث بقية بن الوليد ، و بقية بن الوليد وإن كان ثقة في ذاته إلا أنه يدلس، وقد أعل الأئمة هذا الحديث بـبقية بن الوليد ، وتدليس بقية بن الوليد هو تدليس الشيوخ، وهو من أعقد أنواع التدليس أنه يشترط للراوي أن يصرح بالسماع من شيخه وشيخه من شيخ شيخه، فلهذا يقال: إنه ينبغي أن تنظر ألفاظ السماع في مثل هذه الروايات، فينظر في تصريح بقية من شيخه، وكذلك شيخ شيخه وهكذا، وإذا لم يصرح في كل الطبقات فإنه يساء الظن بأمثال هذا الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الطهارة [24] 2422 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [15] 2392 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [23] 2335 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [29] 2271 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [26] 2247 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [5] 2130 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [14] 2073 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [18] 1948 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [28] 1788 استماع
الأحاديث المعلة في الطهارة [2] 1682 استماع