خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56794"> الأحاديث المعلة في الطهارة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الأحاديث المعلة في الطهارة [3]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى أله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالحديث الأول من أحاديث هذا اليوم حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الهر في إناء أحدكم غسل مرة ).
هذا الحديث قد رواه الإمام الترمذي في كتابه السنن, ورواه الطحاوي من حديث سوار بن عبد الله بن سوار العنبري عن المعتمر بن سليمان عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخولف في ذلك سوار ,وإن كان سوار ثقة في ذاته -قد وثقه غير واحد من الأئمة وعدله الإمام أحمد عليه رحمة الله- إلا أنه قد خالفه غير واحد من أصحاب المعتمر بن سليمان في روايته عن أيوب , فخالفه في ذلك مسدد بن مسرهد كما رواه أبو داود في كتابه السنن, ويعقوب بن إبراهيم كلهم عن المعتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى موقوفاً عليه.
وكذلك قد توبع المعتمر بن سليمان , فقد رواه إسماعيل , و حماد بن زيد و معمر بن راشد الأزدي كلهم يروونه عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى من قوله.
وكذلك قد توبع عليه أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين، فقد رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى موقوفاً عليه.
ورواه عبد الوهاب الثقفي عن محمد بن سيرين من قوله، وجعله مقصوراً على محمد بن سيرين وليس موقوفاً على أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى, وكذلك قد خولف فيه على محمد بن سيرين، فرواه قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، واختلف عليه فيه, فتارة يروى مرفوعاً، وتارة يروى موقوفاً, فرواه موقوفاً علي بن نصر الجهضمي, ومسلم بن إبراهيم كلهم عن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى موقوفاً عليه, ورواه الطحاوي من حديث أبي عاصم عن قرة بن خالد وجعله مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصواب في هذا الخبر أنه موقوف.
وقد صوب هذا الوجه غير واحد من الأئمة؛ كـأبي حاتم والدارقطني و البيهقي وجماعة, وعلة هذا الخبر في المرفوع هو سوار بن عبد الله بن سوار العنبري , وهذا الإسناد إسناد بصري من أوله إلى أخره، فـسوار بن عبد الله بن سوار بصري, وأيوب بن أبي تميمة السختياني بصري, ومحمد بن سيرين الذي يرويه عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى بصري.
وهذا الحديث إنما قلنا: بعدم صحته مرفوعاً لعدم كون العمل عليه, ولتفرد البصريين بروايته, وخص من البصريين من تفرد به من طبقة متأخرة هو سوار بن عبد الله بن سوار العنبري وإن كان من الثقات فهو قاض ابن قاض ومن دار فقه, وقد ذكر عند الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى فقال: لم يبلغني عنه إلا خيراً, إلا أن فيه شيئاً من جهة الضبط، ولهذا فإنه لم يضبط الخبر، والصواب في ذلك أنه من قول أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى, ومن فتيا محمد بن سيرين عليه رحمة الله.
علل حديث: (إذا ولغ الهر في إناء أحدكم غسل مرة)
ومما ينبغي لطالب العلم في أبواب العلل في أمثال هذا أن ينظر إلى المسائل التي تروى في هذا الباب, فهذا الحديث متضمن لحكم سؤر الهرة, وذلك أن الشارع إذا أمر بغسل شيء -والغسل هو أشد من النضح- فإن هذا أمارة على نجاسته, فإذا كان نجساً فإن الأصل في هذا أن يعمل به لثبوته مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما أعللنا هذا الخبر مرفوعاً مع صحة إسناده وصوبنا في ذلك الوقف لوجوه:
أولها: تفرد سوار بن عبد الله عن الثقات الكبار من أصحاب المعتمر بن سليمان عليه رحمة الله، فإنه قد خالف في هذا.
ثانيها: كون سوار بن عبد الله من المتأخرين، فإن اختلاف الوجوه عند المتأخرين في الأغلب ترد فيمن زاد تلك الزيادة، وكلما تأخرت طبقة الراوي كلما زاد احتمال عدم ضبطه لذلك المروي, فـسوار بن عبد الله بن سوار العنبري من المتأخرين وتفرد بهذا الوجه لذا رددنا الحديث.
ثالثها: وجود جمع من الأئمة الحفاظ الذين وقفوه، كما في رواية مسدد بن مسرهد , و يعقوب بن إبراهيم في روايتهما عن المعتمر بن سليمان , وكذلك في رواية إسماعيل و حماد و معمر في روايتهم عن أيوب , وكذلك في رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين , وقد تفرد برفعه كما تقدم سوار ولا يحتمل منه هذا.
رابعها: أن الحديث إذا وجد في بلد فإن الأصل في ذلك أنهم يعملون به، وهذا الحديث عراقي, وإذا نظرنا إلى فتيا العراقيين وجدنا أنهم يتباينون في هذه المسألة، ويوجد من كبار الفقهاء من العراقيين كــعلقمة و إبراهيم النخعي وغيرهم من يقول: بعدم التطهر من سؤر الهرة، وهؤلاء من كبار الفقهاء من العراقيين.
وإذا وجد الحديث قريباً منهم ثم لم يأخذوا به دل هذا على عدم القطع بصحته مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسها: أن هذا الحديث لم يكن موجوداً عند المدنيين ولا عند الحجازيين, والوحي إنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، وثمة نزر يسير نزل عليه عليه الصلاة والسلام في غيرهما ونقله إليها من سمعه ممن رافقه من أهلها, فيكون حينئذ حكمه كحكم ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام في مكة والمدينة.
وبهذا نعلم أن الحديث الذي يطوف الآفاق وهو من الأصول الظاهرة التي يحتاج إليها كما في هذا الخبر لا بد أن يرجع إلى المدينة، وإذا نظرنا في فقه الكبار من فقهاء المدينة لم نجد العمل عندهم على هذا، يعني: على التنجيس من سؤر الهرة، ويكفي في هذا أن الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى قد أورد في هذا حديث كبشة عليها رضوان الله تعالى في روايتها عن أبي قتادة في حديث سؤر الهرة، وهذا مخالف لدلالة حديث أبي هريرة , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها ليست بنجس, إنها من الطوافين عليكم ), وقد أرخى لها الإناء أبو قتادة عليه رضوان الله تعالى حتى تشرب, وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يرخيه لها؛ لأنه يلزم من ذلك أن يغسل الإناء مرة.
والأحاديث المتضمنة للأحكام التي تعم بها البلوى الأولى اشتهارها وروايتها من وجوه متعددة, فإذا كان حديث الكلب وهو الذي لا يخالط أواني الناس وبيوتهم كمخالطة الهرة قد ثبتت فيه الأسانيد بقوة وكثرة، وقد ظهر هذا في رواية كبار أهل المدينة لهذا الحديث كالإمام مالك عليه رحمة الله تعالى وغيره، ومخالطة الهرة للناس أكثر بل تدخل في دورهم وربما تبيت وتشرب, بل قد تكون على الفرش، ولم يرد في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل الوارد في ذلك خلاف هذا, وعضد هذا ورود العمل عندهم, ولما كان سؤر الهرة لم يكن عملهم على هذا, وكذلك الحديث لم يوجد مرفوعاً عندهم, ولم يوجد موقوفاً، ولم يوجد الخبر موقوفاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المدنيين دل حينئذ على عدم صحته.
وقد جاء هذا الخبر من وجه عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى من حديث أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، وقد تكلم فيه غير واحد, فقد أخرجه من هذا الوجه الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في كتابه السنن, حيث رواه من حديث محمد بن عقيل بن خويلد وإن كان ثقة في ذاته إلا أنه تلتبس عليه أحاديث بعض شيوخه, ولهذا قد رد هذا الحديث وهذا الوجه، وحمله بعضهم على أنه قد وهم فيه كـابن عدي في كتابه الكامل, وابن حبان في كتابه الثقات في ظاهر قوله.
الصور التي ينبغي مراعاتها عند نقد الإسناد
وبهذا نعلم أنه ينبغي لطالب العلم في أبواب العلل كما تقدمت الإشارة إليه على سبيل الإجمال أن يقرن فقه السلف بنقد الأحاديث، وذلك على صور كثيرة ممكن أن تذكر على سبيل الإجمال:
من هذه الصور: أن ينظر في الإسناد ودخوله للبلدان, فإذا كان الإسناد بصرياً فينظر في فقه البصريين, وإذا كان الإسناد كوفياً فينظر في فقه الكوفيين, وإذا كان الإسناد مدنياً فينظر في فقه المدنيين.
الصورة الثانية: أن ينظر ويقارن ما تقدم بفقه أهل مكة والمدينة، فإذا كانت المسألة ظاهرة عند المكيين والمدنيين على سبيل القوة والوفرة، ولم يرد عندهم أو في أقوالهم ذلك الحديث الذي يروى في غير بلدهم، فإن هذا من قرائن الضعف وعدم الاعتبار بذلك الخبر.
الصورة الثالثة وهي من دقائق الصور: أنه ينبغي لطالب العلم أن ينظر في الطبقة التي فيها الراوي وفقه بلده في تلك الطبقة؛ فعلى سبيل المثال: نجد سوار بن عبد الله تفرد بهذا الحديث وهو من البصريين، فننظر في تلك الطبقة التي تفرد بها وفقه البصريين في هذه الطبقة.
ولو قلنا: إن هذا من مفاريد محمد بن سيرين مثلاً فينظر في تلك الطبقة التي هو فيها؛ لأن الحديث قد يدور في البلدان ولا يدخل بلد من البلدان -كالكوفة- إلا في طبقة واحدة ثم يخرج منها؛ فيوجد مثلاً في طبقة أيوب أو يوجد في طبقة الحسن ثم يخرج منها فيكون شيخه في ذلك مدني وتلميذه في ذلك مدني، فدخل في هذه الطبقة ثم خرج منها، فينظر في تلك الطبقة والعمل بها.
والصورة الرابعة - وهي من المهمات أيضاً: أن الرواة ينقسمون إلى قسمين:
رواة لهم دراية, ورواة ليس لهم دراية, والأكثر أن الرواة ليس لهم دراية, أي: أنهم ليسوا من أهل الفقه، وإنما نقلة للأخبار, وهذا أكثر رواة الحديث، أنهم من حملة الأخبار، ولا يذكرون شيئاً من الفقه, وهذا هو الأعم الأغلب.
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يضبط الرواة في كل بلد، فيعرف البلد الذي فيه الفقهاء وعددهم، وشيوخهم، وتلاميذهم, والأبواب التي يعتنون بها، فإن معرفة ذلك تجعله من أصحاب البصيرة في أبواب النقد, فإذا وجد راو من الرواة روى حديثاً مرفوعاً، ثم جهل طالب العلم أو الناقد فقهه فإنه ربما يقع في قصور في حكمه عليه, فإن الراوي قد يروي حديثاً مرفوعاً وفي فقهه ما يخالف ذلك المرفوع, وعند الأئمة أن الراوي إذا روى خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي فقهه ما يخالف الخبر المرفوع أن هذا علامة على ضعف المرفوع.
قد يقول قائل: الأصوليون يقولون: إن العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه, فنقول: هذه قاعدة غير صحيحة في أبواب العلل غير, قد تكون قاعدة نظرية عند الأصوليين، وعند الفقهاء من جهة رواية الأقوال وحكايتها ونحو ذلك, ولكن من جهة العلل فإن الأئمة يقولون بعكسها، وعكسها في هذا أن الراوي إذا روى خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أفتى بخلافه فإن هذا من علامات الضعف لذلك الحديث, وقد يقطع بعض الأئمة بذلك, ثم قد يكون هذا من الصحابة, وقد يكون من التابعين, وقد يكون من أتباع التابعين, فلهذا ينبغي لطالب العلم إذا وقف على إسناد أن ينظر في الرواة من منهم الفقيه, فإذا كان فيهم فقيه رجع إلى فقهه ليقارنه بالمتضمن في هذا المتن, فإذا كان ذلك المتن يدل على معنى من المعاني ووجد الفقيه يفتي به فهذا من قرائن تقوية الحديث, كما أن المخالفة من قرائن التعليل، وكذلك الموافقة للحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرائن القبول, وهذا هو في كل طبقة.
ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله تعالى يضعفون بعض الأحاديث لمخالفة بعض الرواة لها؛ كما ضعف الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز حديث أبي هريرة في المسح على الخفين؛ قال: لأن أبا هريرة يخالف ذلك, ولو صح عنده الحديث لما قال بخلافه.
كذلك تضعيف أبي داود عليه رحمة الله تعالى لحديث أبي هريرة في أخذ المرأة من مال زوجها؛ لأن عطاء وهو راوي الحديث وهو من التابعين يفتي بخلاف الحديث المرفوع.
وبهذا نعلم أن عناية الناقد بفقه الأئمة في البلدان وخاصة أهل الحجاز: مكة والمدينة من أعظم ما يعطي طالب العلم ملَكة في أبواب النقد, وهذا ما يجهله كثير من طلاب العلم, بل أكثرهم, بل عامتهم يجهلون هذا الأمر، وإذا وجدوا في كلام العلماء من الأوائل من الأحكام على سبيل الأجمال استغربوها, باعتبار أن الأئمة قد حكموا بالسبر في أبواب الفقه وأبواب الرجال، ثم حكموا بكلمة مختصرة على هذا الحديث بأنه منكر أو لا يصح، وإنما حكموا على ذلك بسبر تام لأبواب الفقه وأبواب الرواة, وأبواب المتون، فعرفوا هذا الحديث وهل هو فرد أم ليس بفرد؟ وهل صح عندهم الخبر أو لم يصح؟ وهذه ينبغي لطالب العلم أن يأخذها بالحسبان.
وهذه المسألة من أظهر المسائل التي يجهلها عامة المتأخرين، وهي فيصل بين أحكام كثير من الأئمة الأوائل وبين كثير من المتأخرين, والأئمة عليهم رحمة الله من المتأخرين قد يخالفون بعض الأئمة من المتقدمين وإذا أراد طالب العلم أن يتوسع في أبواب النقد وأن يسلك هذه المسالك استنار له موضع الخلاف, وكثير من طلاب العلم لا يستبين الخلاف في أمثال هذه المسائل؛ لأنه لم ينظر ولم يمكن نفسه أن ينظر في أبواب الفقهيات، بل لم يكن لديه مبادئ التفريق بين أن هذا الراوي له دراية وهذا الراوي ليس له دراية, فهذا الأصل ليس موجوداً في ذهنه بل غاية ما يعرف من هذا الراوي أنه ثقة وأدرك فلاناً وهو من أخص تلاميذه أو ليس من أخص تلاميذه, وأما أبواب الدراية فهذا ليس من نظره.
أهمية النظر في فقه المتون عند الحكم على الحديث
كذلك ينبغي لطالب العلم أن ينظر في ما يتعلق بأبواب المتون وأن يفرق بين المسائل الظاهرة والمسائل غير الظاهرة, فهذا له أثر في أبواب العلل, وظهورها يأتي تطبيقه، ولها إشارة في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى هنا في ما تقدمت الإشارة إليه في التفريق بين حديث أبي هريرة في ولوغ الكلب, وحديث أبي هريرة في ولوغ الهرة، وأن الحاجة إلى حكم الهرة أولى من الحاجة إلى حكم الكلب، والحاجة إلى الهرة إذا حملناها على الأصل فالأولى في ذلك ألا يرد فيها حديث؛ لأننا لو ألزمنا بكل ما كان على الأصل أن يرد فيه حديث لألزمنا بورود الحديث على الحصى والحجر والتراب, والثياب والأقمشة واللعاب وغير ذلك، وألزمنا بورود أحاديث بأسانيد قوية يرويها الكبار من أهل المدينة, ولكن ما كان على الأصل لا يطلب فيه الأسانيد القوية في هذا, وإنما يلتمس فيه المتوسط أو ما دونه، ويأتي الكلام إلى شيء من هذا بإذن الله تعالى فيما يأتي من الأبواب.
ومما ينبغي لطالب العلم في أبواب العلل في أمثال هذا أن ينظر إلى المسائل التي تروى في هذا الباب, فهذا الحديث متضمن لحكم سؤر الهرة, وذلك أن الشارع إذا أمر بغسل شيء -والغسل هو أشد من النضح- فإن هذا أمارة على نجاسته, فإذا كان نجساً فإن الأصل في هذا أن يعمل به لثبوته مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما أعللنا هذا الخبر مرفوعاً مع صحة إسناده وصوبنا في ذلك الوقف لوجوه:
أولها: تفرد سوار بن عبد الله عن الثقات الكبار من أصحاب المعتمر بن سليمان عليه رحمة الله، فإنه قد خالف في هذا.
ثانيها: كون سوار بن عبد الله من المتأخرين، فإن اختلاف الوجوه عند المتأخرين في الأغلب ترد فيمن زاد تلك الزيادة، وكلما تأخرت طبقة الراوي كلما زاد احتمال عدم ضبطه لذلك المروي, فـسوار بن عبد الله بن سوار العنبري من المتأخرين وتفرد بهذا الوجه لذا رددنا الحديث.
ثالثها: وجود جمع من الأئمة الحفاظ الذين وقفوه، كما في رواية مسدد بن مسرهد , و يعقوب بن إبراهيم في روايتهما عن المعتمر بن سليمان , وكذلك في رواية إسماعيل و حماد و معمر في روايتهم عن أيوب , وكذلك في رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين , وقد تفرد برفعه كما تقدم سوار ولا يحتمل منه هذا.
رابعها: أن الحديث إذا وجد في بلد فإن الأصل في ذلك أنهم يعملون به، وهذا الحديث عراقي, وإذا نظرنا إلى فتيا العراقيين وجدنا أنهم يتباينون في هذه المسألة، ويوجد من كبار الفقهاء من العراقيين كــعلقمة و إبراهيم النخعي وغيرهم من يقول: بعدم التطهر من سؤر الهرة، وهؤلاء من كبار الفقهاء من العراقيين.
وإذا وجد الحديث قريباً منهم ثم لم يأخذوا به دل هذا على عدم القطع بصحته مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسها: أن هذا الحديث لم يكن موجوداً عند المدنيين ولا عند الحجازيين, والوحي إنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، وثمة نزر يسير نزل عليه عليه الصلاة والسلام في غيرهما ونقله إليها من سمعه ممن رافقه من أهلها, فيكون حينئذ حكمه كحكم ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام في مكة والمدينة.
وبهذا نعلم أن الحديث الذي يطوف الآفاق وهو من الأصول الظاهرة التي يحتاج إليها كما في هذا الخبر لا بد أن يرجع إلى المدينة، وإذا نظرنا في فقه الكبار من فقهاء المدينة لم نجد العمل عندهم على هذا، يعني: على التنجيس من سؤر الهرة، ويكفي في هذا أن الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى قد أورد في هذا حديث كبشة عليها رضوان الله تعالى في روايتها عن أبي قتادة في حديث سؤر الهرة، وهذا مخالف لدلالة حديث أبي هريرة , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها ليست بنجس, إنها من الطوافين عليكم ), وقد أرخى لها الإناء أبو قتادة عليه رضوان الله تعالى حتى تشرب, وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يرخيه لها؛ لأنه يلزم من ذلك أن يغسل الإناء مرة.
والأحاديث المتضمنة للأحكام التي تعم بها البلوى الأولى اشتهارها وروايتها من وجوه متعددة, فإذا كان حديث الكلب وهو الذي لا يخالط أواني الناس وبيوتهم كمخالطة الهرة قد ثبتت فيه الأسانيد بقوة وكثرة، وقد ظهر هذا في رواية كبار أهل المدينة لهذا الحديث كالإمام مالك عليه رحمة الله تعالى وغيره، ومخالطة الهرة للناس أكثر بل تدخل في دورهم وربما تبيت وتشرب, بل قد تكون على الفرش، ولم يرد في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل الوارد في ذلك خلاف هذا, وعضد هذا ورود العمل عندهم, ولما كان سؤر الهرة لم يكن عملهم على هذا, وكذلك الحديث لم يوجد مرفوعاً عندهم, ولم يوجد موقوفاً، ولم يوجد الخبر موقوفاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المدنيين دل حينئذ على عدم صحته.
وقد جاء هذا الخبر من وجه عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى من حديث أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، وقد تكلم فيه غير واحد, فقد أخرجه من هذا الوجه الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في كتابه السنن, حيث رواه من حديث محمد بن عقيل بن خويلد وإن كان ثقة في ذاته إلا أنه تلتبس عليه أحاديث بعض شيوخه, ولهذا قد رد هذا الحديث وهذا الوجه، وحمله بعضهم على أنه قد وهم فيه كـابن عدي في كتابه الكامل, وابن حبان في كتابه الثقات في ظاهر قوله.
وبهذا نعلم أنه ينبغي لطالب العلم في أبواب العلل كما تقدمت الإشارة إليه على سبيل الإجمال أن يقرن فقه السلف بنقد الأحاديث، وذلك على صور كثيرة ممكن أن تذكر على سبيل الإجمال:
من هذه الصور: أن ينظر في الإسناد ودخوله للبلدان, فإذا كان الإسناد بصرياً فينظر في فقه البصريين, وإذا كان الإسناد كوفياً فينظر في فقه الكوفيين, وإذا كان الإسناد مدنياً فينظر في فقه المدنيين.
الصورة الثانية: أن ينظر ويقارن ما تقدم بفقه أهل مكة والمدينة، فإذا كانت المسألة ظاهرة عند المكيين والمدنيين على سبيل القوة والوفرة، ولم يرد عندهم أو في أقوالهم ذلك الحديث الذي يروى في غير بلدهم، فإن هذا من قرائن الضعف وعدم الاعتبار بذلك الخبر.
الصورة الثالثة وهي من دقائق الصور: أنه ينبغي لطالب العلم أن ينظر في الطبقة التي فيها الراوي وفقه بلده في تلك الطبقة؛ فعلى سبيل المثال: نجد سوار بن عبد الله تفرد بهذا الحديث وهو من البصريين، فننظر في تلك الطبقة التي تفرد بها وفقه البصريين في هذه الطبقة.
ولو قلنا: إن هذا من مفاريد محمد بن سيرين مثلاً فينظر في تلك الطبقة التي هو فيها؛ لأن الحديث قد يدور في البلدان ولا يدخل بلد من البلدان -كالكوفة- إلا في طبقة واحدة ثم يخرج منها؛ فيوجد مثلاً في طبقة أيوب أو يوجد في طبقة الحسن ثم يخرج منها فيكون شيخه في ذلك مدني وتلميذه في ذلك مدني، فدخل في هذه الطبقة ثم خرج منها، فينظر في تلك الطبقة والعمل بها.
والصورة الرابعة - وهي من المهمات أيضاً: أن الرواة ينقسمون إلى قسمين:
رواة لهم دراية, ورواة ليس لهم دراية, والأكثر أن الرواة ليس لهم دراية, أي: أنهم ليسوا من أهل الفقه، وإنما نقلة للأخبار, وهذا أكثر رواة الحديث، أنهم من حملة الأخبار، ولا يذكرون شيئاً من الفقه, وهذا هو الأعم الأغلب.
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يضبط الرواة في كل بلد، فيعرف البلد الذي فيه الفقهاء وعددهم، وشيوخهم، وتلاميذهم, والأبواب التي يعتنون بها، فإن معرفة ذلك تجعله من أصحاب البصيرة في أبواب النقد, فإذا وجد راو من الرواة روى حديثاً مرفوعاً، ثم جهل طالب العلم أو الناقد فقهه فإنه ربما يقع في قصور في حكمه عليه, فإن الراوي قد يروي حديثاً مرفوعاً وفي فقهه ما يخالف ذلك المرفوع, وعند الأئمة أن الراوي إذا روى خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي فقهه ما يخالف الخبر المرفوع أن هذا علامة على ضعف المرفوع.
قد يقول قائل: الأصوليون يقولون: إن العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه, فنقول: هذه قاعدة غير صحيحة في أبواب العلل غير, قد تكون قاعدة نظرية عند الأصوليين، وعند الفقهاء من جهة رواية الأقوال وحكايتها ونحو ذلك, ولكن من جهة العلل فإن الأئمة يقولون بعكسها، وعكسها في هذا أن الراوي إذا روى خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أفتى بخلافه فإن هذا من علامات الضعف لذلك الحديث, وقد يقطع بعض الأئمة بذلك, ثم قد يكون هذا من الصحابة, وقد يكون من التابعين, وقد يكون من أتباع التابعين, فلهذا ينبغي لطالب العلم إذا وقف على إسناد أن ينظر في الرواة من منهم الفقيه, فإذا كان فيهم فقيه رجع إلى فقهه ليقارنه بالمتضمن في هذا المتن, فإذا كان ذلك المتن يدل على معنى من المعاني ووجد الفقيه يفتي به فهذا من قرائن تقوية الحديث, كما أن المخالفة من قرائن التعليل، وكذلك الموافقة للحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرائن القبول, وهذا هو في كل طبقة.
ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله تعالى يضعفون بعض الأحاديث لمخالفة بعض الرواة لها؛ كما ضعف الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز حديث أبي هريرة في المسح على الخفين؛ قال: لأن أبا هريرة يخالف ذلك, ولو صح عنده الحديث لما قال بخلافه.
كذلك تضعيف أبي داود عليه رحمة الله تعالى لحديث أبي هريرة في أخذ المرأة من مال زوجها؛ لأن عطاء وهو راوي الحديث وهو من التابعين يفتي بخلاف الحديث المرفوع.
وبهذا نعلم أن عناية الناقد بفقه الأئمة في البلدان وخاصة أهل الحجاز: مكة والمدينة من أعظم ما يعطي طالب العلم ملَكة في أبواب النقد, وهذا ما يجهله كثير من طلاب العلم, بل أكثرهم, بل عامتهم يجهلون هذا الأمر، وإذا وجدوا في كلام العلماء من الأوائل من الأحكام على سبيل الأجمال استغربوها, باعتبار أن الأئمة قد حكموا بالسبر في أبواب الفقه وأبواب الرجال، ثم حكموا بكلمة مختصرة على هذا الحديث بأنه منكر أو لا يصح، وإنما حكموا على ذلك بسبر تام لأبواب الفقه وأبواب الرواة, وأبواب المتون، فعرفوا هذا الحديث وهل هو فرد أم ليس بفرد؟ وهل صح عندهم الخبر أو لم يصح؟ وهذه ينبغي لطالب العلم أن يأخذها بالحسبان.
وهذه المسألة من أظهر المسائل التي يجهلها عامة المتأخرين، وهي فيصل بين أحكام كثير من الأئمة الأوائل وبين كثير من المتأخرين, والأئمة عليهم رحمة الله من المتأخرين قد يخالفون بعض الأئمة من المتقدمين وإذا أراد طالب العلم أن يتوسع في أبواب النقد وأن يسلك هذه المسالك استنار له موضع الخلاف, وكثير من طلاب العلم لا يستبين الخلاف في أمثال هذه المسائل؛ لأنه لم ينظر ولم يمكن نفسه أن ينظر في أبواب الفقهيات، بل لم يكن لديه مبادئ التفريق بين أن هذا الراوي له دراية وهذا الراوي ليس له دراية, فهذا الأصل ليس موجوداً في ذهنه بل غاية ما يعرف من هذا الراوي أنه ثقة وأدرك فلاناً وهو من أخص تلاميذه أو ليس من أخص تلاميذه, وأما أبواب الدراية فهذا ليس من نظره.
كذلك ينبغي لطالب العلم أن ينظر في ما يتعلق بأبواب المتون وأن يفرق بين المسائل الظاهرة والمسائل غير الظاهرة, فهذا له أثر في أبواب العلل, وظهورها يأتي تطبيقه، ولها إشارة في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى هنا في ما تقدمت الإشارة إليه في التفريق بين حديث أبي هريرة في ولوغ الكلب, وحديث أبي هريرة في ولوغ الهرة، وأن الحاجة إلى حكم الهرة أولى من الحاجة إلى حكم الكلب، والحاجة إلى الهرة إذا حملناها على الأصل فالأولى في ذلك ألا يرد فيها حديث؛ لأننا لو ألزمنا بكل ما كان على الأصل أن يرد فيه حديث لألزمنا بورود الحديث على الحصى والحجر والتراب, والثياب والأقمشة واللعاب وغير ذلك، وألزمنا بورود أحاديث بأسانيد قوية يرويها الكبار من أهل المدينة, ولكن ما كان على الأصل لا يطلب فيه الأسانيد القوية في هذا, وإنما يلتمس فيه المتوسط أو ما دونه، ويأتي الكلام إلى شيء من هذا بإذن الله تعالى فيما يأتي من الأبواب.