عرض كتاب الإتقان (50) - النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

تعريف المنطوق

هذا المبحث كما تلاحظون من المباحث القصيرة التي تناولها السيوطي بنوع من الإجمال.

ذكر السيوطي رحمه الله تعالى المنطوق فقال: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص.

مثّل له بقوله: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

فقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196] هذا نص، وهو أيضاً منطوق.

ثم ذكر بعد مقالة من أنكره ورد إمام الحرمين عليهم.

تعريف الظاهر

ثم عرف الظاهر فقال: أو مع احتمال غيره احتمالاً مرجوحاً فالظاهر.

وذكر مثالاً لذلك في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [الأنعام:145]؛ فإن الباغي يطلق على الجاهل، وعلى الظالم، وهو فيه أظهر وأغلب. يقصد في الظالم.

فكأن اللفظ احتمل معنيين: أحدهما أظهر من الآخر، فإذا كان أظهر من الآخر فيسمى الظاهر، وهو أيضاً يعتبر من المنطوق.

تعريف المؤول

ثم بعد أن ذكر مثالاً آخر قال: فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل، ويسمى المرجوح المحمول عليه: مؤولاً كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]؛ فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات، فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم.

هكذا قال رحمه الله تعالى في هذا المثال، وسنعلق عليه بعد قليل.

ثم ذكر مثالاً آخر في قوله: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]؛ فإنه يستحيل حمله على الظاهر؛ لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق، وقد يكون مشتركاً بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز، ويصح حمله عليهماً جميعاً، سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أو لا، ووجهه على هذا: أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين، مرة أريد به هذا ومرة أريد به هذا. وهذه مسألة أخرى سيأتي التعليق عليها.

نترك الأمثلة التي سيذكرها، ونرجع إلى قوله: إذا حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل.

قال: ويسمى المرجوح المحمول عليه: مؤولاً.

إذاً: صار المنطوق إما أن يكون نصاً، وإما أن يكون ظاهراً، وإما أن يكون مؤولاً. هذه ثلاثة.

الصواب في معنى القرب في قوله تعالى: (وهو معكم ...)

المثال الذي استشهد له أولاً بقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، هل الآية المراد بها القرب بالذات كما تصوره المؤلف أو المراد بها المعية؟

الجواب: حقيقتها المعية؛ ولهذا ما ورد على ذهن المؤلف رحمه الله تعالى من أن المراد بها قرب الذات ثم يصرف إلى غيره ليس بدقيق، وإنما الصواب أن نقول: إن الآية أصلاً في المعية؛ لأن الآية في النجوى بدايتها في المعية وخاتمتها في المعية؛ ولهذا لما جاء قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] في وسط هذا الكلام دل على أن الآية كلها أصلاً في المعية بالعلم وليس المعية بالذات.

معنى الجناح في قوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل ...)

أما ما ذكره أيضاً في قوله: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]. فهذا أيضاً قائم على قضية الحقيقة والمجاز، فمن يثبت الحقيقة والمجاز يجعل لفظ الجناح لا يطلق على الإنسان، وإنما يطلق على الطائر؛ لأن الجناح حقيقة في الطائر، فإطلاقه على الإنسان يكون من باب المجاز.

والمثال الذي ذكره يكون صحيحاً، وبعضهم قال: الجناح يختلف بحسبه، فالجناح بالنسبة للإنسان اليدان مقابلة لجناح الطائر وهما الجناحان المعروفان.

وعلى العموم فالخلاف معروف في قضية الحقيقة والمجاز، لكن المقصد من ذلك أنه إذا وجد مرجوح وقدم على ما يظن أنه الراجح فإنه يسمى عند المؤلف: مؤولاً.

نقد الأمثلة التي أوردها المؤلف لما خوطب به مرتين

وأما ذكره من قضية كونه خوطب به مرتين، مرة أريد به هذا ومرة أريد به هذا، فهذا تخريج عقلي لا يستقيم مع النص؛ لأن الأمثلة التي ذكرها محتمل أن يكون أريد بها هذا وهذا معاً في مثل قوله: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، يعني: (يُضَارَّ) هل أصلها (يضارَر) إذا فكينا الإدغام أو أصلها (يضارِر)؟ وهذا من بلاغة القرآن في أنه يختار اللفظة التي تتناسق مع الحالين، فالمضارة منهي عنها من قبل الكاتب والشهيد، ومنهي عنها أيضاً إذا وقعت على الكاتب والشهيد.

فإذاً: (لا يُضَارَّ) أي: لا يضارَر الكاتب والشهيد، وأيضاً لا يضارِر الكاتب والشهيد.

فجاءت قوله: (لا يُضَارَّ) مؤدية للمعنيين معاً، وهذا يعتبر نوعاً من بلاغة القرآن.

ثم ذكر كيف تكون المضارة على هؤلاء وهؤلاء.

هذا المبحث كما تلاحظون من المباحث القصيرة التي تناولها السيوطي بنوع من الإجمال.

ذكر السيوطي رحمه الله تعالى المنطوق فقال: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص.

مثّل له بقوله: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

فقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196] هذا نص، وهو أيضاً منطوق.

ثم ذكر بعد مقالة من أنكره ورد إمام الحرمين عليهم.

ثم عرف الظاهر فقال: أو مع احتمال غيره احتمالاً مرجوحاً فالظاهر.

وذكر مثالاً لذلك في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [الأنعام:145]؛ فإن الباغي يطلق على الجاهل، وعلى الظالم، وهو فيه أظهر وأغلب. يقصد في الظالم.

فكأن اللفظ احتمل معنيين: أحدهما أظهر من الآخر، فإذا كان أظهر من الآخر فيسمى الظاهر، وهو أيضاً يعتبر من المنطوق.

ثم بعد أن ذكر مثالاً آخر قال: فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل، ويسمى المرجوح المحمول عليه: مؤولاً كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]؛ فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات، فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم.

هكذا قال رحمه الله تعالى في هذا المثال، وسنعلق عليه بعد قليل.

ثم ذكر مثالاً آخر في قوله: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]؛ فإنه يستحيل حمله على الظاهر؛ لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق، وقد يكون مشتركاً بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز، ويصح حمله عليهماً جميعاً، سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أو لا، ووجهه على هذا: أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين، مرة أريد به هذا ومرة أريد به هذا. وهذه مسألة أخرى سيأتي التعليق عليها.

نترك الأمثلة التي سيذكرها، ونرجع إلى قوله: إذا حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل.

قال: ويسمى المرجوح المحمول عليه: مؤولاً.

إذاً: صار المنطوق إما أن يكون نصاً، وإما أن يكون ظاهراً، وإما أن يكون مؤولاً. هذه ثلاثة.

المثال الذي استشهد له أولاً بقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، هل الآية المراد بها القرب بالذات كما تصوره المؤلف أو المراد بها المعية؟

الجواب: حقيقتها المعية؛ ولهذا ما ورد على ذهن المؤلف رحمه الله تعالى من أن المراد بها قرب الذات ثم يصرف إلى غيره ليس بدقيق، وإنما الصواب أن نقول: إن الآية أصلاً في المعية؛ لأن الآية في النجوى بدايتها في المعية وخاتمتها في المعية؛ ولهذا لما جاء قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] في وسط هذا الكلام دل على أن الآية كلها أصلاً في المعية بالعلم وليس المعية بالذات.

أما ما ذكره أيضاً في قوله: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]. فهذا أيضاً قائم على قضية الحقيقة والمجاز، فمن يثبت الحقيقة والمجاز يجعل لفظ الجناح لا يطلق على الإنسان، وإنما يطلق على الطائر؛ لأن الجناح حقيقة في الطائر، فإطلاقه على الإنسان يكون من باب المجاز.

والمثال الذي ذكره يكون صحيحاً، وبعضهم قال: الجناح يختلف بحسبه، فالجناح بالنسبة للإنسان اليدان مقابلة لجناح الطائر وهما الجناحان المعروفان.

وعلى العموم فالخلاف معروف في قضية الحقيقة والمجاز، لكن المقصد من ذلك أنه إذا وجد مرجوح وقدم على ما يظن أنه الراجح فإنه يسمى عند المؤلف: مؤولاً.