خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1538"> صفحة د. مساعد الطيار . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1538?sub=5012"> عرض كتاب الإتقان
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
عرض كتاب الإتقان (35) - النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
وقفنا في الدرس السابق في غريب القرآن، وكان السيوطي رحمه الله تعالى جمع رواية علي بن أبي طلحة .
الحكم على رواية الضحاك عن ابن عباس وكيفية تلقي العلماء لها
ثم قال بعد ذلك: [ وهذه ألفاظ لم تذكر في هذه الرواية، سقتها من نسخة الضحاك عنه ]، ونسخة الضحاك عن ابن عباس ، معلوم من جهة الإسناد أن فيها ضعفاً، ومن أوضح ما تضعف به هذه الرواية هي الانقطاع بين الضحاك و ابن عباس ، فـالضحاك توفي سنة مائة وخمس، إلا أنه لم يدرك ابن عباس رضي الله عنه، لكن هذه الرواية من حيث الجملة مقبولة عند المتقدمين من المفسرين والمحدثين، ولا يتوقفون فيها إلا إذا كان في الرواية نكارة أو غرابة، أما من حيث الجملة فإنهم يستخدمون هذه الطريق، ويفسرون بها، وقد فعل هذا ابن كثير مثلاً، فعند قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [المائدة:55]، أورد سبب النزول المذكور في علي رضي الله عنه، ثم أورد رواية الضحاك ، عن ابن عباس . وقال الضحاك : لم يلق ابن عباس ، مع أنه يورد هذه الرواية في أكثر من موطن، ولا يعلق بهذا التعليق؛ مما يدل على أنه قد قبل هذه الرواية في غير هذا الموضوع الذي فيه نكارة، وهذه قاعدة في أسانيد التفسير عموماً التي رويت من جهات معينة، أنها إذا كانت معلومة ومستخدمة في كتب التفسير، ولم يقع عليها نكير، فالمفسرون وكذلك غيرهم من العلماء خصوصاً علماء الحديث استخدموها وفسروا بها واستفادوا منها، فإن هذا فيه دلالة على قبولها من حيث الجملة، أما إذا وقع فيها ما يشكل فهنا يقع النقاش في الأسانيد، ولهذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أحد مواطن رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس انتقد هذه الرواية في موطن معين، ونبه على أنه قد يأتي في هذه الرواية شيء ينكر، لكن الحديث هنا عن الأمر من حيث الجملة.
ملاحظة: وذكر في الرواية المذكورة عن ابن عباس في قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: الشكر لله، ثم قالوا: (الحمد لله)، قال: الخلق كله، فهذه فيها تبديل مواطن فتصحح، في نسخة المجمع.
وعموماً هذه الرواية مثل الرواية التي سبقت وسرد السيوطي جملة من التفسيرات التي وردت من هذا الطريق، وبعضها قد لا يكون من هذا الطريق، ولكنها من حيث الجملة قد وردت من هذا الطريق: طريق الضحاك عن ابن عباس .
الاحتجاج بالشعر على غريب القرآن ومشكله
ثم بعد ذلك ذكر فصلاً وذكر فيه كلام ابن الأنباري الذي أورده في كتابه الوقف والابتداء المطبوع باسم إيضاح الوقف والابتداء.
في هذا الفصل يناقش قضية الاحتجاج بالشعر، وهو جزء مما يتعلق بالتفسير باللغة، فيذكر ابن الأنباري أنه قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيراً الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر، وأنكر جماعة لا علم لهم على النحويين ذلك، وقالوا: إذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلاً للقرآن، قالوا: وكيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن وهو مذموم في القرآن والحديث؟ في القرآن في قوله سبحانه وتعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]، وفي الحديث: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً فيريه خير له من أن يمتلئ شعراً ).
قال ابن الأنباري : وليس الأمر كما زعموا من أن جعلنا الشعر أصلاً من القرآن، بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [الزخرف:3]، وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195]، وقال ابن عباس : الشعر ديوان العرب، فإذا خفي عليها الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه، ثم أورد مجموعة روايات عن ابن عباس وغيره في الاحتجاج بالشعر.
لكن ما ذكره ابن الأنباري عن هؤلاء الأقوام الذين زعموا أنه لا يجوز الاحتجاج بالشعر على القرآن، إنما ذلك إذا كان المراد إثبات عربية هذا اللفظ؛ لأن ألفاظ القرآن من حيث هي عربية، وهو في هذا يحتج به ولا يحتج له، فإن جاء أحدهم؛ ليحتج بكون هذه اللفظة عربية ومستخدمة في كلام العرب فقط فنقول: هذا فيه الإشكال الذي أورده من أنكر عليهم ابن الأنباري ، لكن إن كان مراده التنبيه على أن هذا مما استعملته العرب ومعناه كذا، كأنه يقول: إن القرآن لم يرد فيه شيء غير عربي، يعني في مقام الرد، فهذا أمر لا بأس به، وهو الذي سيأتي في الرواية المذكورة والمشهورة عن سؤالات نافع بن الأزرق لـابن عباس رضي الله عنه، فإذاً نقول: في مقام الرد قد نحتاج إلى الشعر لإثبات العربية، وإن كان القرآن أصلاً في هذا المقام يحتج به، ولا يحتج له، لكن أحياناً قد تحتاج هذا مع بعض الزنادقة أو غيرهم لإثبات مثل هذه الكلمة، ويتبين ذلك في عمل بعض المستشرقين وغيرهم ممن يزعم أن في القرآن ألفاظاً قد أخذت من لغات قديمة، وهي في الحقيقة من صلب لغة العرب، فتحتاج إلى أن تورد من كلامهم دلائل غير ما ورد في القرآن، فإذاً مجال هذا النوع من الاستدلال في مجال الاحتجاج فقط وهو ضيق جداً.
أما ما يتعلق ببيان معاني القرآن بلغة العرب أو بأشعارها فهذا لا شك أنه صحيح لا غبار عليه، وهو ما ذكره ابن عباس حين قال: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر؛ فإن الشعر ديوان العرب، وكذلك أورد عنه أبو عبيد في فضائل القرآن، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر، قال أبو عبيد : يعني كان يستشهد به على التفسير.
الحكم على رواية نافع بن الأزرق عن ابن عباس
ثم أورد الرواية المشهورة رواية ابن الأنباري ، وكذلك الطبراني في معجمه، والمقصود بها: رواية سؤالات نافع بن الأزرق ، عن ابن عباس ، ففي بداية الرواية يقول: بينا عبد الله بن عباس جالس ببناء الكعبة، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع بن الأزرق لـنجدة بن عويمر من الخوارج: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن لما لا علم له به، فقام إليه، فقال: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة ذلك من كلام العرب، فإن الله إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما، ثم بدأت الأسئلة.
كل الطرق التي رويت في هذه الرواية فيها ضعف، وضعفها شديد، ولهذا هذه الرواية الغرابة فيها أنها مليئة بالآثار أو بمعنى أن الألفاظ التي سئل عنها عديدة، حتى بلغت عند بعضهم لما جمعها من جميع طرقها أكثر من مائتي مسألة، وهذا من حيث الجملة يدل على أن لهذه المسائل أصلاً، لكن كم مقدار الأسئلة التي وردت عن ابن عباس ؟ الله أعلم، لكن أن تكون وردت بهذا الشكل الغزير والكثيف ولا توجد في كتب المتقدمين والمعتنين بالآثار، فهذا يجعل مثل هذه الرواية بهذا العدد فيها نظر، فضلاً عن أنه لا يسلم منها طريق.
أما سؤالات نافع لـابن عباس فقد وردت، وبعضها ثبت عنه بسند صحيح، لكن ليس فيه مسألة الاحتجاج بالشعر، أو طلب الاحتجاج بالشعر، وإنما يسأله عن معنى آية، أو يشكل عليه معنىً فيسأله، و ابن حجر رحمه الله تعالى استظهر أن الذي سأل ابن عباس عن أشياء تختلف عليه في القرآن، وذكر منها خلق السموات والأرض، أن الله يذكر أحياناً خلق السموات قبل الأرض، ويذكر أحياناً خلق الأرض قبل السموات، استظهر أنه نافع بن الأزرق .
فأقول إذاً: إنه من حيث الجملة هذه الرواية طرقها ليست بصحيحة، ولا يعتد بها، لكن تكاثرها بهذا كأنه يوحي إلى أن لها أسئلة، لكن كم مقدار الأسئلة؟ الله أعلم، هذه الرواية مخرجة في عدد من الكتب وهي مخرجة في هذا التحقيق الذي هو تحقيق اللجنة العلمية في مجمع الملك فهد، وكذلك نلاحظ أحياناً أن ابن عباس رضي الله عنه يفسر قراءته، وقد تكون القراءة بالنسبة لنا شاذة، لكنها كانت هي قراءة ابن عباس في وقته، فكان يفسرها على حسب ما يقرأ بها، وفي الغالب أنه يفسر على قراءة أهل مكة.
الأشعار التي استشهد بها ابن عباس في التفسير
وهنا نسأل عن نسبة هذه الأشعار التي يستشهد بها ابن عباس وعن زمنها؟
فنقول: بعضها ثابت نسبته إلى من ذكر في الرواية، وبعضها مختلف في نسبته مع اتفاق بأنها جاهلية، أو إسلامية، يعني مما يحتج به، وهو إما في زمن ابن عباس أو قبله، وبعضها لشعراء جاءوا بعد ابن عباس ، وهذا مما يشكك في بعض الروايات الواردة، فبعضها لشعراء جاءوا بعده لكنها قليلة، فمثلاً ابن عباس يستشهد بشعر عمر بن أبي ربيعة وهو معاصر له، وأصغر منه سناً أيضاً، وكان أحياناً يدنيه ويقول: ماذا قلت اليوم؟ ويسمع منه شعره، حتى أن نافعاً في أحد الروايات غضب، يقول: نحن نأتي إليه نضرب أكباد الإبل ثم يتركنها ويذهب إلى رواية... إلخ، المقصود أنه في دراسة لهذه الشواهد مذكورة في كتابة الشيخ عبد الرحمن ، يمكن الرجوع إليها، في صفحة ثمانمائة وستة وخمسين السطر الثالث يقول: (قال: أخبرني عن قوله: شُوَاظٌ[الرحمن:35]) مكتوب فوقها كاف وطاء؟ يعني فوق كلمة قال كاف وطاء، وهذه من فوائد هذه النسخة كاف وطاء يوردها السيوطي وذكر في آخر الفصل إشارته إلى قوله: الكاف هذه والطاء، يقول: (قال: وأخرج أبو بكر الأنباري في كتاب الوقف والابتداء منها قطعةً، وهو المعلم عليه بالحمرة صورة (ك)) ثم قال: (وأخرج الطبراني في معجمه الكبير منها قطعة، وهو المعلم عليه صورة (ط)، فهو يضع فوق ما رواه ابن الأنباري (ك)، ما رواه الطبراني (ط).
المراد بغريب القرآن
نتكلم عن هذا المصطلح، الذي هو غريب القرآن، وعن أهم الكتب فيه مراد العلماء رحمهم الله تعالى بغريب القرآن هو: تفسير المفردات من حيث الجملة، لكن ما هي المفردات التي تحتاج إلى تفسير في القرآن؟ بمعنى أنه هل نجد في كتب الغريب تفسير السماء إذا كان المراد بها السماء المعروفة، أو الأرض، أو الشجر هذا لا يفسر ولا تكاد تجهل، وهذه لا تدخل فيما يسمى بغريب القرآن، وإنما الذي يدخل في غريب القرآن هو ما يكون غريباً على القارئ، وهذا أمر نسبي، أي: الغرابة أمرها نسبي، والدلالة على كون أمرها نسبي أنك إذا اطلعت على كتب غريب القرآن وجدت أن بعضهم يذكر لفظة، والآخر لا يذكرها؛ لأن هذا يرى أن هذه فيها غرابة، والآخر يرى أن الثانية فيها غرابة، فهذا يذكر كلمة، وهذا يذكر كلمة، لا يعني ذلك كوننا نقول: إنه غريب القرآن أن القرآن قد حوى غريباً بمعنى أنه مستغرباً بحيث لا يمكن أن يعرف أو لا يكاد أن يعرف، فهو لا يكاد أن يعرف بالنسبة لنا، ولكن من نزل عليهم القرآن من حيث الجملة هم يعرفونه، ولهذا جاء تفسيره الغريب عندهم، ولم تتوقف جملتهم من أن يتكلموا في كلمة ما، وإن توقف آحادهم في بعض الكلمات مثل ما ورد عن ابن عباس وعن أبي بكر الصديق ، وعن عمر ، فتوقف أحدهم في معنى كلمة ليس يعني أنها لا تعرف عندهم جميعاً، إذاً لا يوجد فيما يسمى بالغريب من هذا الكلام، الذي يسمى عند أهل اللغة بالغريب، وإنما مرادهم تفسير ألفاظ القرآن، ولهذا بعض المعاصرين يحبذ أن يبتعد عن تسمية غريب القرآن، فيقول: ليس في القرآن غريب، ولكن نقول: هذا مصطلح وما دام المعنى معروفاً منه أنه لا إشكال فيه خصوصاً أنه استخدمه العلماء قاطبةً، ولم يكد يتوقف فيه أحد، وكتبهم واضحة في هذا يعني كتب غريب القرآن كثيرة جداً، فلا يتمحل في إسقاط مصطلح بمثل هذا من أجل هذه الشبه التي قد لا ترد على كثير ممن ينظر في هذا العلم، فهذه مسألة فيما يتعلق بالمراد بالغريب وهو تفسير المفردات.
كتب غريب القرآن
وكتب الغريب كثيرة، أما كتب المقدمين فمن أوائل كتب المتقدمين وأنفسها كتاب مجاز القرآن لـأبي عبيدة معمر بن المثنى ، وهذا هو والعمدة لمن جاء بعدهم من أصحاب الغريب، وكذلك من المفسرين وغيرهم، ويتلوه كتاب ابن قتيبة ، وكتاب ابن قتيبة أنفس من كتاب أبي عبيدة من جهة أن ابن قتيبة اعتنى بتفسيرات السلف، وأدخلها في غريب القرآن، وأما من جهة الشواهد الشعرية فكتاب أبي عبيدة أكثر شواهد من كتاب ابن قتيبة ، فشواهد أبي عبيدة كثيرة جداً، و ابن قتيبة لا تكاد تتجاوز مائة شاهد، فاقتناء هذين الكتابين من كتب المتقدمين مهم جداً؛ لأن فيه سورة الكتابة عن الغريب، والتعبير عنه عند هؤلاء المتقدمين.
أما كتب المتأخرين، فأنفس الكتب التي خرجت بعدهم هو كتاب مفردات الراغب الأصفهاني ، وهذا الكتاب قيمته العلمية في أمور منها: تحرير مدلول اللفظ؛ لأنه يستخدم أسلوب المعجم في تحرير مدلول اللفظ.
الأمر الثاني: تقييد اللفظ في القرآن في سياقاته، يعني ماذا يراد بهذا اللفظ في القرآن؟ كيف استخدم؟ ولهذا قد يأتي في هذا المجال بتقييدات لا توجد في كتب اللغة.
الأمر الثالث: حرصه على أصول معاني الكلمات، مثلما كان يفعل ابن فارس في مقاييس اللغة، ولهذا قد يختلف هو و ابن فارس في أصل الكلمة وليس في بعض الكلمات، هذه الأمور تميز بها كتاب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ، ويلاحظ في طريقة المتقدمين هؤلاء أنها مشت على الصور، وصاحب المفردات مشى على الترتيب الألف باء وإن كان قد يخل به أحياناً لكن من حيث الجملة مشى على ما يسمى الترتيب الألف باء، لكن ما هي ميزة الترتيب الألف باء؟ وما هي ميزة الترتيب الأول؟ طبعاً الترتيب الأول ميزته أنه مع الصور؛ ولهذا الحفاظ ينصحون دائماً باعتماد كتاب في غريب القرآن مشى على الصور، بحيث أنه وهو يحفظ أو يراجع حفظه ممكن يقرأ في كتاب الغريب هذا، أما الذي مشى على الألف باء، فهذا يفيد في جانب الاشتقاق، بمعنى أننا نعرف الكلمات التي هي من جذر واحد، من جهة ترتيب الأحرف، على سبيل المثال هل قوله سبحانه وتعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47] أي: بقوة، لها علاقة بقوله: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [التكوير:8] وبقوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255]؟ يعني ما هي العلاقة بين هذه الكلمات الثلاث (يئوده) (الموءودة) (أييد)؟ هل هي تقاربت في الصورة، وتقاربت في المعنى؟ أو بعضها من صور واحدة يعني من أصل واحد، والثاني من أصل ثان، فاتفقا مع اختلاف الأصل؛ لأن (أييد) بمعنى: قوة، (لا يئوده) بمعنى: لا يثقله، (وإذا الموءودة سئلت) أي: التي أثقلت بالتراب حتى ماتت، فعندما نجمع مثل هذا التأصيل يتبين لنا ما هي الألفاظ التي من أصل واحد؟ وهذه ميزة تجدها في الكتب التي رتبت على ألف باء، خصوصاً إذا استوعبت جملة كبيرة جداً من الألفاظ في الآيات مثلما فعل الراغب الأصفهاني .
وهناك بعد ذلك كتب مثل كتاب السمين الحلبي وهو تعقبات على كتاب الراغب ، بمعنى أنه أحياناً يتعقبه وأحياناً يضيف عليه، فمن قرأ كتاب السمين الحلبي يجد أنه استفاد من كتاب الراغب ، وزاد عليه تعليقات، أيضاً من كتب الغريب المهمة والنفيسة جداً كتاب تفسير غريب القرآن العظيم لـأبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح، والذي سار على طريقة مستقلة تسمى بالباب والفصل، يعني لما يأتي إلى لفظة بدأ، لو الترتيب على الألف باء ستكون بحرف الباء، أما هنا، فستكون باب الهمزة فصل الباء، أي: يكون من المقلوب، ولا أعرف كتاباً آخر استخدم هذا، أما أبو بكر بن عزير السجستاني استخدم نظام الألف باء لكن بطريقة المخالفة بين الحركات يعني المفتوح معاً، والمضموم معاً، والمكسور معاً، ثم إنه لم يعتمد الاشتقاق وإنما اعتمد صورة الكلمة كما هي، ولهذا يصعب استخراج الألفاظ من هذا الكتاب، وجاء من رتب كتاب ابن عزير بعد ذلك، هذا الكتاب كما يقول عنه السيوطي : كان عند المتقدمين من أنفس الكتب، ولكن بعد صدور كتب أخرى غيره أنفس منه فهو يتأخر في الرتبة عن هذه الكتب، ويبدو أن سبب نفاسته لأنه كان بالنسبة لغيره فيه نوع من الإيجاز، ليس كما هو في كتاب مجاز القرآن، أو في كتاب ابن قتيبة ، نعم.
مضمون كتب معاني القرآن
ومضمون كتب معاني القرآن تشمل: الغريب، والنحو، والأساليب، وهذه جملة كتب معاني القرآن، فبعضها قد ينحاز إلى جزء مما يتعلق بهذه الأمور الثلاثة، مثل كتاب النحاس رحمه الله تعالى، فهو في المعاني: معاني المفردات، ومعاني الجمل، وليس فيه إعراباً، بل جعل للإعراب كتاباً مستقلاً، أي: أنه جعل للمعاني كتاب، وللإعراب كتاب، وبعض كتب المتأخرين اعتنت بما يتعلق ببيان الجمل والأساليب، ولم تعتن بالإعراب، أو بالمفرد على أنه مفرد، وإنما اعتنت به الجملة من كونها من حيث هي جملة، يعني معاني الجمل القرآن، وهذا ما يتعلق بكتب معاني القرآن.
المراد بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أعربوا القرآن) والحكم عليه
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعربوا القرآن )، فنجد أنه منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه ضعف، وورد عن بعض الصحابة، ومعنى ( أعربوا القرآن )، أي: أخرجوه بلفظ عربي، يعني أخرجوه عربياً، كأنه بمعنى: اقرءوا القرآن عربياً، فيكون معرفة ألفاظه أو معاني ألفاظه تابعة لهذا الذي هو إعرابه، ولكن قطعاً لا يراد بقولهم: ( أعربوا القرآن )، سواءً نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو لبعض الصحابة أن المراد به علم النحو المعروف فيما بعد، نعم.
وهناك من قال: إنه بمعنى أظهروا، يعني أظهروا المعاني؛ لأن أحد معاني الإعراب الإظهار، يقال: أعربت الجارية ما في نفسها، فمعنى أظهرت ما في نفسها، فكأنه ذهب أو نحا إليه، والمقصود: أظهروا ما فيه من المعاني، فهل هذا هو المعنى المراد؟ أو المعنى الأول المراد؟ يعني: اقرءوه عربياً، هذا محتمل، وهذا محتمل، وليس عندي فيها تحليل أو تحرير في أي المعنيين أدق وأصوب.
الاحتجاج على عربية القرآن بالشعر
وأما قول بعضهم في الألفاظ: إن هذا عربي، لأجل أنه ورد في شعر العرب، فإن لم يرد فليس بعربي، كأنهم يقولون: إن أنتم جعلتم الشعر أصلاً، فسيذهب ذاهب إلى أنه إذا لم يرد في الشعر فليس بعربي، وهذا هو الإشكال الذي احتج به البعض على النحويين، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل أن القرآن حجة بذاته، قبل أن يحتج بالشعر في ألفاظه أو تفصيله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [يوسف:2]، وليس أحد من العرب استشكل هذا، يعني هل سمع أن أحداً من كفار مكة مع أنهم حريصون على نقد القرآن بأي شيء، لم يسمع أحد منهم أنكر وقال: هذا ليس من لغتنا، ولا نعرفه؟ أي: ما أحد منهم قال: لا نعرف هذه المعاني الذي جئت بها، لا نعرف هذه اللفظة ليست من لغتنا، حتى (ألم) الأحرف المقطعة التي كثر كلام المتأخرين فيها لم تكن مشكلة حتى عند هؤلاء الكفار وهم يسمعونها وسمعوها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمعوا الصحابة يقرءون بها، ثم قرأ بها من آمن منهم وما وقع عندهم أي إشكال؛ لأنهم فهموا منها أنها أحرف، والحرف بالنسبة لهم لا معنى له، مثل ما يقول: واحد اثنان ثلاثة أربعة، فلم يستشكلوها، ولم يبحثوا عن معاني لها؛ لأنه ليس معاني في ذاتها؛ لأن الحرف عندهم ليس له معنى، فما وقع عندهم فيها إشكال، لا كفارهم، ولا من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع الإشكال عند بعض المتأخرين لما ظن أن لهذه الأحرف معان وذهب يبحث عن هذا المعنى، وظن بعضهم أن لها معان ولكن الله أعلم بالمراد من هذه المعاني، وهذا فيه إشكال أيضاً من جهة الاعتقاد في كون أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا بشيء لا نعلم معناه، وهذا غير موجود في القرآن، لا يوجد في القرآن شيء له معنى ولا يعلم معناه إطلاقاً، وهذه قاعدة؛ لأنه لو زعم هذا فكأنه يزعم أن الله سبحانه وتعالى قد كلمنا بطلاسم، وأراد منا أن نتدبر ولكن هذا الموطن لا نستطيع أن نتدبره؛ لأن له معنى ولكنا لا نعرفه، ولا يمكن يطلب التدبر إلا من شيء يكون معلوماً، ولهذا تصور لو جئت برجل مثلاً أسباني، وأعطيته قصيدة لـامرؤ القيس وقلت له: تدبر هذه القصيدة واشرحها لنا، لا يمكن ذلك؛ ونحن لما نقول: إن هذه الأحرف لها معان والله أعلم بمراده منها، هذا جانب مشكل من جهة الاعتقاد، وبعض الفضلاء من علمائنا السابقين رحمهم الله تعالى ممن قال بهذا القول لم ينتبه إلى هذه الإشكالية، ويمكن أن يحمل كلامه على النسبة، أي الله أعلم بمرادها بالنسبة له، لكن أنا أقول قطعاً: أن ليس لها معنىً، لكن لها مغزى والمغزى هو الحكمة، والحكمة ليست تفسيراً عندما نقول: ما هو المغزى؟ المغزى ليس تفسيراً، المغزى بعد التفسير، لكن هذه ليس لها تفسير؛ لأنها أحرف، فإذاً ما هو المغزى من إنذارها؟ كما استظهر كثير من العلماء أنها إشارة إلى التحدي بهذا القرآن، ودليل هذا الأمر أن أغلب الآيات التي وردت فيها هذه الأحرف المقطعة يأتي بعدها شيء يتعلق بالقرآن أو شيء من أحواله، يعني أغلبها إلا موطنين، ولكن بقية المواطن فيها حديث صريح عن القرآن أو شيء مما يتعلق بأحوال القرآن، فإذاً لم يقع عند الصحابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين، بل ولا حتى عند الكفار الذين إذا سمعوا القرآن أعرضوا، أو إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم ليلغوا فيه، لم يحدث عندهم أبداً أن توقفوا في كلمة منها وقالوا: هذا ليس من كلامنا، أو أنت تأتي بكلام لا نفهمه، مع أنهم حريصون على الإنكار على الرسول صلى الله عليه وسلم بأشد ما يكون، ولهذا قدموا دماءهم وهم يعلمون أنه النبي الحق صلى الله عليه وسلم، ولو كان عندهم أقل من دمائهم لقدموها قبل، فقد حاجوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه الآيات، وآذوه، وفعلوا وفعلوا، ولو كان عندهم شيء في هذا القرآن من هذه الجهة لقالوها قبل، ولهذا قاعدة: أي متكلم في القرآن اليوم يتكلم ويزعم فيه أي زعم يخالف ما كان يفهمه العرب فإن هذا يدل على بطلان قوله من أصله؛ لأنه لو كان ما يقوله حقاً لسبق إليه هؤلاء الذين كانوا أحرص ممن يتكلم اليوم في القرآن من بعض المستشرقين، أو بعض الملحدين الذين يتكلمون في القرآن بكلام باطل.
ثم قال بعد ذلك: [ وهذه ألفاظ لم تذكر في هذه الرواية، سقتها من نسخة الضحاك عنه ]، ونسخة الضحاك عن ابن عباس ، معلوم من جهة الإسناد أن فيها ضعفاً، ومن أوضح ما تضعف به هذه الرواية هي الانقطاع بين الضحاك و ابن عباس ، فـالضحاك توفي سنة مائة وخمس، إلا أنه لم يدرك ابن عباس رضي الله عنه، لكن هذه الرواية من حيث الجملة مقبولة عند المتقدمين من المفسرين والمحدثين، ولا يتوقفون فيها إلا إذا كان في الرواية نكارة أو غرابة، أما من حيث الجملة فإنهم يستخدمون هذه الطريق، ويفسرون بها، وقد فعل هذا ابن كثير مثلاً، فعند قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [المائدة:55]، أورد سبب النزول المذكور في علي رضي الله عنه، ثم أورد رواية الضحاك ، عن ابن عباس . وقال الضحاك : لم يلق ابن عباس ، مع أنه يورد هذه الرواية في أكثر من موطن، ولا يعلق بهذا التعليق؛ مما يدل على أنه قد قبل هذه الرواية في غير هذا الموضوع الذي فيه نكارة، وهذه قاعدة في أسانيد التفسير عموماً التي رويت من جهات معينة، أنها إذا كانت معلومة ومستخدمة في كتب التفسير، ولم يقع عليها نكير، فالمفسرون وكذلك غيرهم من العلماء خصوصاً علماء الحديث استخدموها وفسروا بها واستفادوا منها، فإن هذا فيه دلالة على قبولها من حيث الجملة، أما إذا وقع فيها ما يشكل فهنا يقع النقاش في الأسانيد، ولهذا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أحد مواطن رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس انتقد هذه الرواية في موطن معين، ونبه على أنه قد يأتي في هذه الرواية شيء ينكر، لكن الحديث هنا عن الأمر من حيث الجملة.
ملاحظة: وذكر في الرواية المذكورة عن ابن عباس في قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: الشكر لله، ثم قالوا: (الحمد لله)، قال: الخلق كله، فهذه فيها تبديل مواطن فتصحح، في نسخة المجمع.
وعموماً هذه الرواية مثل الرواية التي سبقت وسرد السيوطي جملة من التفسيرات التي وردت من هذا الطريق، وبعضها قد لا يكون من هذا الطريق، ولكنها من حيث الجملة قد وردت من هذا الطريق: طريق الضحاك عن ابن عباس .