خطب ومحاضرات
دورة الأترجة القرآنية [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
قال الله عز وجل: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ [المائدة:109-110] بجبريل عليه السلام، تكلم الناس في زمن الرضاعة قبل أوان الكلام، وفي حال اكتمال القوة بعد نزوله.
وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ [المائدة:110]، تصور وتقدر، مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ [المائدة:110]، الأعمى خلقةً، وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ [المائدة:110] ].
من نعم الله تعالى على عيسى وأمه
(واذكروا أيها الناس! يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد فيجيبون: (لا علم لنا) فنحن لا نعلم ما في صدور الناس، ولا ما أحدثوا بعدنا، إنك أنت عليم بكل شيء مما خفي وظهر. إذ قال الله يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم! اذكر نعمتي عليك إذ خلقتك من غير أب، وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالمين، وبرأتها مما نسب إليها، ومن هذه النعم على عيسى: أنه قواه وأعانه بجبريل عليه السلام، يكلم الناس وهو رضيع، ويدعوهم إلى الله وهو كبير، بما أوحاه الله إليه من التوحيد.
ومنها: أن الله تعالى علمه الكتابة والخط بدون معلم، ووهبه قوة الفهم والإدراك، وعلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل عليه هدايةً للناس.
ومن هذه النعم: أنه يصور من الطين كهيئة الطير، فينفخ في تلك الهيئة فتكون طيراً بإذن الله.
ومنها: أنه يشفي الذي ولد أعمى فيبصر، ويشفي الأبرص فيعود جلده سليماً بإذن الله.
ومنها أنه يدعو الله أن يحيي الموتى فيقومون من قبورهم أحياء، وذلك كله بإرادة الله تعالى وبإذنه، وهي معجزات باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلام.
ثم يذكره الله جل وعلا نعمته عليه إذ منع بني إسرائيل حين هموا بقتله، وقد جاءهم بالمعجزات الواضحة الدالة على نبوته، فقال الذين كفروا منهم: إن ما جاء به عيسى من البينات سحر ظاهر).
قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة:109]، في التفسير للشيخ حسنين مخلوف في مفردات القرآن لم يذكر في هذه الآية أي معنى من جهة الألفاظ يعتبر مشكلاً، وفي التفسير الميسر في قوله: (ماذا أجبتم)؟ قال: (اذكروا أيها الناس يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد) يعني ماذا أجابكم أقوامكم؟ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]؛ لأن الأنبياء ماتوا وبقيت أقوامهم بعدهم، والأنبياء لا تعلم ما حصل من أقوامهم بعدهم، أما ما داموا فيهم فهم شهداء كما سيأتي في قوله: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة:117]، فكأن السؤال موجه للأنبياء أنه بماذا أجابكم أقوامكم بعد موتكم؟ وهذا فيه إشعار في هذا اليوم بأنه لا علم إلا لله سبحانه وتعالى، ولا أمر إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأن الأمر مرتبط بعلم الغيب، ولذلك قالوا: إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:116]؛ لأنهم لا يعرفون ماذا حصل من أقوامهم بعد موتهم، وخص الله سبحانه وتعالى من هؤلاء الرسل بهذا الخطاب عيسى عليه الصلاة والسلام، ويظهر والله أعلم أن سبب اختصاصه بهذا الخطاب أنه من أشهر الرسل الذي ادعي فيهم أنه ابن لله، أو أنه إله، بمعنى أن المقام يوم القيامة هو مقام التوحيد الأعظم، فالله سبحانه وتعالى كأنه ينكر على من عبد من دونه أي مخلوق حتى لو كان أحد رسله، فكانت هذه المحاورة بين الله سبحانه وتعالى وبين عيسى عليه الصلاة والسلام التي يحكيها لنا الله سبحانه وتعالى.
دلالة المستقبل إذا جاء بصيغة الماضي
وهي ستقع في المستقبل، ولهذا لما قال: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:116]، يقع سؤال الآن: هل هذا القول قد وقع أو سيقع؟
الجواب: أنه سيقع، وما دام أنه سيقع فمعنى ذلك أن الحدث المستقبل جاء بصيغة الماضي، وقاعدة ذلك: أن الحدث المستقبل إذا جاء بصيغة الماضي فهو للدلالة على تحقق وقوعه مثل قوله: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]، فإذاً نحن الآن نطلع على مشهد من المشاهد التي ستكون يوم القيامة، وهو أن الله سبحانه وتعالى يوقف هؤلاء الأنبياء، ويسألهم أمام الناس جميعاً.
روح القدس الوارد في القرآن
ثم خص منهم كما قلنا عيسى عليه الصلاة والسلام، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة:110]، (روح القدس) كما ذكر صاحب التفسير الميسر هو جبريل عليه الصلاة والسلام، وجبريل أطلق عليه روح القدس في القرآن في مواطن متعددة، وكذلك أطلق عليه الروح فقط، مثل قوله سبحانه وتعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:193]، فوصفه بالأمين، ومثل يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً [النبأ:38]، على أنه في هذا الموطن في سورة النبأ قد وقع خلاف بين المفسرين من هو، لكن الأشهر والأظهر أنه جبريل عليه السلام؛ لأنه ورد في القرآن في غير ما موطن بنفس هذا الاسم الذي هو الروح.
فائدة المعجزات وآثارها
قال: تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً [المائدة:110]، هذه معجزة من معجزات عيسى عليه الصلاة والسلام، ومع حضور هذه المعجزة إلا أننا نجد أن اليهود قد استنكروا هذا الفعل من مريم عليها الصلاة والسلام، واتهموها بما اتهموها به، وهنا ننتبه إلى قضية مهمة جداً في طبع البشر، وهي أن المعجزات دالة على صدق الأنبياء، لكن لا يلزم منها أن يؤمن بسببها جميع الناس، فبعض المعجزات يؤمن بسببها أناس، وبعض المعجزات لا يؤمن بسببها إلا أناس قلة، فـعيسى من بداية أمره وهو في معجزات، فحديثه وهو صغير ليس شيئاً طبيعياً وإنما هو أمر معجز، ومع ذلك لم يؤمن اليهود به مع أنه برأ أمه مما يظن أنها تقع فيه، وكذلك مما اتهمت فيه بعد ذلك، (وكهلاً) إشارة إلى ما سيكون في المستقبل بعد أن يرجع إلى الدنيا، وكان فيها إشارة إلى رجوعه إلى الدنيا بعد رفعه إلى الله سبحانه وتعالى وإلى السماء.
(الكتاب) يعنى: الخط، يعني: علمه الخط، وهذا أحد الأقوال في معنى (الكتاب)، ولعلنا نرجع لهذه الآية ونأخذها كمثال لنعرف ما هي الأقوال، وكيف يمكن أن يتغير المعنى بسبب اختيار أحد المعاني غير المعنى الذي ذكره في التفسير الميسر.
ونلاحظ في بقية الآية أن الله سبحانه وتعالى ذكر مجموعة من المعجزات، وكل هذه المعجزات هي بإذن الله سبحانه وتعالى.
لكن قال تعالى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي [المائدة:110]، فكل عمل من هذه الأعمال ينبه الله سبحانه وتعالى على أنه بإذن الله سبحانه وتعالى، ولهذا من ضل من النصارى فهو بسبب زعمه أو ظنه أن هذا إنما هو فعل من عيسى مباشرةً، ثم ادعوا له -والعياذ بالله- الإلهية، وهذه الآية تنبيه على أن كل عمل عمله عيسى عليه الصلاة والسلام إنما كان بإذن الله سبحانه وتعالى ومشيئته، وليس بأمر عيسى مستقلاً.
ثم قال تعالى: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ [المائدة:110].
وقوله: (كففت بني إسرائيل عنك) معنى ذلك أنهم ناصبوه العداء، ولكن الله سبحانه وتعالى عصمه من اليهود، حتى أذن الله سبحانه وتعالى برفعه فرفع إلى السماء، وألقي الشبه على الصحيح على أحد تلاميذه، فكان هو الفداء لـعيسى عليه الصلاة والسلام، فصلبوا الشبيه ظناً منهم أنهم صلبوا عيسى عليه الصلاة والسلام، وهذا التلميذ كان ممن فدى عيسى عليه الصلاة والسلام، وليس كما يقول النصارى: إنه خان عيسى عليه الصلاة والسلام، بل الصحيح أنه فداه بروحه، فألقي الشبه عليه، فظنوا أنهم قتلوا عيسى؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى قال: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء:157].
(واذكروا أيها الناس! يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد فيجيبون: (لا علم لنا) فنحن لا نعلم ما في صدور الناس، ولا ما أحدثوا بعدنا، إنك أنت عليم بكل شيء مما خفي وظهر. إذ قال الله يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم! اذكر نعمتي عليك إذ خلقتك من غير أب، وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالمين، وبرأتها مما نسب إليها، ومن هذه النعم على عيسى: أنه قواه وأعانه بجبريل عليه السلام، يكلم الناس وهو رضيع، ويدعوهم إلى الله وهو كبير، بما أوحاه الله إليه من التوحيد.
ومنها: أن الله تعالى علمه الكتابة والخط بدون معلم، ووهبه قوة الفهم والإدراك، وعلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزل عليه هدايةً للناس.
ومن هذه النعم: أنه يصور من الطين كهيئة الطير، فينفخ في تلك الهيئة فتكون طيراً بإذن الله.
ومنها: أنه يشفي الذي ولد أعمى فيبصر، ويشفي الأبرص فيعود جلده سليماً بإذن الله.
ومنها أنه يدعو الله أن يحيي الموتى فيقومون من قبورهم أحياء، وذلك كله بإرادة الله تعالى وبإذنه، وهي معجزات باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلام.
ثم يذكره الله جل وعلا نعمته عليه إذ منع بني إسرائيل حين هموا بقتله، وقد جاءهم بالمعجزات الواضحة الدالة على نبوته، فقال الذين كفروا منهم: إن ما جاء به عيسى من البينات سحر ظاهر).
قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة:109]، في التفسير للشيخ حسنين مخلوف في مفردات القرآن لم يذكر في هذه الآية أي معنى من جهة الألفاظ يعتبر مشكلاً، وفي التفسير الميسر في قوله: (ماذا أجبتم)؟ قال: (اذكروا أيها الناس يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم السلام فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد) يعني ماذا أجابكم أقوامكم؟ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]؛ لأن الأنبياء ماتوا وبقيت أقوامهم بعدهم، والأنبياء لا تعلم ما حصل من أقوامهم بعدهم، أما ما داموا فيهم فهم شهداء كما سيأتي في قوله: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة:117]، فكأن السؤال موجه للأنبياء أنه بماذا أجابكم أقوامكم بعد موتكم؟ وهذا فيه إشعار في هذا اليوم بأنه لا علم إلا لله سبحانه وتعالى، ولا أمر إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأن الأمر مرتبط بعلم الغيب، ولذلك قالوا: إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:116]؛ لأنهم لا يعرفون ماذا حصل من أقوامهم بعد موتهم، وخص الله سبحانه وتعالى من هؤلاء الرسل بهذا الخطاب عيسى عليه الصلاة والسلام، ويظهر والله أعلم أن سبب اختصاصه بهذا الخطاب أنه من أشهر الرسل الذي ادعي فيهم أنه ابن لله، أو أنه إله، بمعنى أن المقام يوم القيامة هو مقام التوحيد الأعظم، فالله سبحانه وتعالى كأنه ينكر على من عبد من دونه أي مخلوق حتى لو كان أحد رسله، فكانت هذه المحاورة بين الله سبحانه وتعالى وبين عيسى عليه الصلاة والسلام التي يحكيها لنا الله سبحانه وتعالى.
وهي ستقع في المستقبل، ولهذا لما قال: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:116]، يقع سؤال الآن: هل هذا القول قد وقع أو سيقع؟
الجواب: أنه سيقع، وما دام أنه سيقع فمعنى ذلك أن الحدث المستقبل جاء بصيغة الماضي، وقاعدة ذلك: أن الحدث المستقبل إذا جاء بصيغة الماضي فهو للدلالة على تحقق وقوعه مثل قوله: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]، فإذاً نحن الآن نطلع على مشهد من المشاهد التي ستكون يوم القيامة، وهو أن الله سبحانه وتعالى يوقف هؤلاء الأنبياء، ويسألهم أمام الناس جميعاً.
استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
دورة الأترجة القرآنية [2] | 3245 استماع |
دورة الأترجة القرآنية [7] | 3102 استماع |
دورة الأترجة القرآنية [5] | 3099 استماع |
دورة الأترجة القرآنية [6] | 3067 استماع |
دورة الأترجة القرآنية [1] | 2337 استماع |
دورة الأترجة القرآنية [4] | 2055 استماع |