شرح لامية الأفعال [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد انتهينا من معاني فعِل بالكسر، ونصل الآن إلى معاني (فعلل) التي هي أول الأوزان، وقد أخرها ليجمعها مع (فعَل) بالفتح؛ لاشتراكهما في بعض المعاني، فقال:

وصوغ أولها مما يناسبه من اسم عين لمعنى كالأخير جلا

و(صوغ أولها) وهو فعلل بالفتح، وقد (أخره للجمع مع النظير)، الحسن هنا يقول: (وأخره للجمع مع النظير) يقصد: أخرته، لكن كأنه شارح، فعبر عن نفسه بضمير الغائب، وفي رواية أيضًا من الطرة: (أُخِّر للجمع مع النظير)، (أخر) فقط.

بدأ بما يتعلق ببناء فعُل؛ لأن الأبنية مقدمة على المعاني، فقال:

وصوغ أولها مما يناسبه من اسم عين لمعنى كالأخير جلا

يقول: إن فعلل تصاغ مما يناسبها، معناه: من اسم، تصاغ فعلل من اسم يناسبها، معناه: في الوزن، (في كونه رباعي الأصول، مجردًا أم لا)، معناه: سواء كان مجردًا، أو غير مجرد، فتصاغ منه فعلل، فالأصل أن الاسم الرباعي، سواء كان مجردًا من الزوائد، أو كان مزيدًا فيه، إذا كان أصله رباعيًا أصله على أربعة أحرف، يمكن أن تصاغ منه فعلل، فالمجرد مثل: (قمْطَر) بمعنى: عمل قِمطرًا، و(القِمطر): وعاء الكتب، فـ(قِمَطر) أليس اسمًا رباعيًا مجردًا من الزائد؟ بلى، فتصوغ منه فعلل، تقول: (قمْطَر) بمعنى: عمل قمطرًا، و(الغلصمة): هي الحجرة، فهي اسم رباعي، لكنه غير مجرد؛ لأنه التحقت به تاء التأنيث، فتصوغ منها فعلل، فتقول: غلصمه، بمعنى: أصاب غلصمته.

فلذلك قال: (مما يناسبه)، معناه: (من اسم عين) (يناسبه في كونه رباعي الأصول)، سواء كان (مجردًا أم لا)؛ دلالة على (إفادة معنًى من المعاني التي يذكرها قريبًا إن شاء الله) في هذه المعاني، (كالأخير)، معناه: كما أن الأخير كذلك، (الأخير): الذي هو فعل بالفتح، وهو الرابع من هذه الأوزان، (كذلك) معناه (يصاغ من اسم عين ثلاثي الأصول، سواء كان مجردًا أم لا؛ لإفادة معنًى) من هذه المعاني، كما سنبينه إن شاء الله في المعنيين اللاحقين، في قوله:

الدلالة على العمل والإصابة

فاعمل به وأصب مع الأخير وخذ أنل به مفرداً تمرته نزلا

(جلا بالجيم)، معناه: (ظهر في لسان العرب)، أو (حلا) بالحاء بمعنى: (حلا في أفواههم)، معناه: سهل عليهم أن يقولوه، معناه: (وصوغ أولها) جلا، معناه: ظهر في لسان العرب مما يناسبه من اسم عين لمعنًى، (كالأخير)، أو (وصوغ أولها): حلا في أفواه العرب من اسم عين لمعنًى، (كالأخير): فرتب على هذا، هذا فيما يتعلق بصياغة فعلل وفعَل، أنهما تصاغان من اسم عين، فتصاغ منه فعلل؛ للدلالة على عمله، أو عمل به، أو إصابته، أو إصابة به، وتصاغ منه فعَل، للدلالة على عمله، أو عمل به، أو إصابة به، أو إصابته؛ فلذلك قال: (فاعمل به وأصب مع الأخير)، (فاعمل به) أي: الأول، وهو فعلل، والمقصود: (جئ به دالًا على عمل ما صيغ منه)، وذلك مثل: (قنطر) بمعنى: (عمل قمطرًا)، والقِمَطر: وعاء الكتب، ومنه قول الراجز:

ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر

ليست هي العلم، إنما العلم المحفوظ.

(ليس بعلم ما حوى القمطر)، معناه: وعاء الكتب، (ما العلم إلا ما حواه الصدر): وهو المحفوظ، وهذا مثل قول الشافعي:

علمي حيث ما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا جوف صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق

ومثل قول ابن حزم:

فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري

وكذلك (قرمص) فهي فعلل أيضًا، مصوغة من اسم عين وهو القرموص؛ للدلالة على عمله، و(القرموص): حُفْرة يستدفئ فيها الصرد في الشتاء إذا جاء البرد الشديد، سكان البادية الذين ليس لهم مأوًى، يحفرون حفرًا يستدفئون فيها، هذه تسمى القرموص، وقرمص بمعنى: اتخذها، ومنه قول الشاعر:

جاء الشتاء ولما أتخذ ربضًا يا ويح كفي من حفر القراميص

(وأصب)، معناه: (وجئ به دالًا على إصابة ما صيغ منه)؛ أي: (جئ) بفعلل (دالًا على إصابة ما صيغ منه)؛ لأننا ذكرنا أنه يصاغ من اسم عين للدلالة على معنًى، هذا المعنى إما العمل كما ذكرنا، وإما على إصابة ما صيغ منه، فالإصابة مثل: (غلصمه)، معناه: أصاب غلصمته، و(عرقبه)، معناه: أصاب عرقوبه، (وكإصابته إصابة به): هذه الإصابة، التي قلناه: (وأصب)، معناه: جئ به دالًا على إصابة ما صيغ منه، كذلك جئ به دالًا على الإصابة بما صيغ منه، (وكإصابته إصابة به)، معناه: أن فعلل تأتي مصاغة من اسم عين رباعي الأصول؛ للدلالة على الإصابة به، لا على إصابته، وهذا معنى قوله: (وكإصابته إصابة به): كإصابته في ذلك، إصابة به، كـ(قحزنه)، معناه: (أصابه بقحزنته)، والقحزنة: العصا، (وعرجنه) معناه: (أصابه بعرجونه)، والعرجون: هو سيف النخلة الذي يشبه السيف من أعواد النخل.

(مع الأخير): (مع) هنا للدلالة على المشاركة، والمقصود: أن الأخير الذي هو فعل بالفتح يشارك فعل في هذين المعنيين، وهما: (العمل، والإصابة)، معناه: (مع مشاركة الأخير فيهما؛ أي: العمل، والإصابة)، فتأتي فعَل للدلالة على العمل، على عمل ما صيغت منه، وذلك مثل: (بئر بئرًا) معناه: حفرها، (وعصد عصيدًا)، معناه: عمل عصيدًا، والعصيد: هو ما يستعمل بعد أكل التمر من النشا، والعرب إذا أكلوا التمر يستعملون بعده ساخنًا، وهذا الساخن يسمى عصيدًا، ومنه قول الراجز:

أعجبه السخون والعصيد والتمر حبًا ما له مزيد

هذا للدلالة على عمله.

قال: (وكـرآه وكلاه): الكاف هنا لتغيير الأسلوب، خرجنا عما كنا فيه، فقد كنا في العمل، وانتقلنا إلى الإصابة، فعبر عن ذلك بالكاف، في قوله: (وكرآه): (رآه) معناه أصاب رئته، (وكلاه)، معناه: أصاب كليته، ومنه قول الشاعر:

فكلَا بعضها وبعضًا رآه وانبرى في القفار كالمصباح

هو يصف حمار وحش، أو ثور وحش، أرسل عليه الصائد الكلاب، فجعلت تطرده، فلما أدركته كر عليها بقَرْنه، (فكلا بعضها)، معناه: أصاب كليتها، (وبعضًا رآه)، معناه: أصاب رئته، وانبرى في القفار كالمصباح.

(وعضده)، (عضده)، معناه: أصاب عضده، وهذه كلها فعل بالفتح، صيغت من اسم عين؛ للدلالة على إصابته.

قال: (ومن الملاحن أن تقول لمن بلغته مساعدتك عدوه: ما عضدته)، هذا نكتة ذكرها الحسن هنا، قال: (من الملاحن)، الملاحن: هي الكلام الخفي الذي يفهمه العقلاء، ولا يفهمه من سواهم، وهي من اللحن وهو الكلام الخفي المعنى، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحنا لي لحنًا أفهمه، ولا تفتا في أعضاد الناس)، (من الملاحن أن تقول لمن بلغته مساعدتك عدوه ما عضدته) إذا ساعدت عدوًا لإنسان، فغضب حين سمع ذلك، فأردت أن ترضيه، تقول: ما عضدته، وأنت تقصد ما ضربت عضده وهو سيفهمها: أن معناها أنك ما ساعدته، هذا من اللحن، معناه: من الكلام الخفي المعنى، لحن له لحنًا، معناه: قال له قولًا يفهمه، ويخفى على غيره.

(وكإصابته إصابة به): مثل ما ذكرنا من قبل في فعلل، كذلك في فعل تصاغ من اسم عين؛ للدلالة على الإصابة به لا على إصابته، وذلك مثل: (رمحه)، معناه: أصابه برمح، و(عصاه)، معناه: أصابه بعصًا، (وكعمله عمل له) يعني: أن فعل بالفتح تصاغ من اسم عين؛ للدلالة على قيام صاحب ذلك الاسم بعمل معروف له، وليس على الدلالة على العمل به، وذلك مثل: (كلبه الكلب) معناه: أصابه وعضه، (وبعضه البعوض) معناه: أصابه أيضًا؛ فلذلك قال: (وكعمله عمل له، كـنملته نملة، وكلبه الكلب، وبعضه البعوض)، (نملته النملة) معناه: لَسَعَتْه.

نحن نقصد أن يكون العمل للشيء نفسه، مثل: (كلبه الكلب) و(بعضه البعوض)، (نملته النملة)، (سبعه السبع).

الدلالة على الأخذ والإنالة

(وخذ أنل بذا مفردًا تمرته نزلًا) يقول: وخذ بذا مفردًا وأنل بذا مفردًا، يقصد: أن فعل بالفتح يأتي مفردًا عن الأول، معناه: مما يختص بفعَل من المعاني، أنها تأتي للأخذ، وتأتي للإنالة، وهذان معنيان تنفرد بهما فعَل عن فعلل، فقد سبق العمل والإصابة، وذكرنا أنهما لفعلل وفعل، وأما الأخذ والإنالة، فإنهما من معاني فعل، وليسا من معاني فعلل؛ فلهذا قال: (وخذ أنل بذا مفردًا)، معناه: (وخذ وأنل بذا الأخير) الذي هو فعل (مفردًا عن الأول)، فيهما؛ أي: الأخذ والإنالة، (فالأول)- وهو الأخذ- (كثلث المال إلى عشره)، تقول: ثلث المال، معناه: أخذ ثلثه، وربعه؛ أي: أخذ ربعه، وخمسه: أخذ خمسه، وسدسه: أخذ سدسه، وسبعه: أخذ سبعه، وثمنه: أخذ ثمنه، وتسعه: أخذ تسعه، وعشره: أخذ عشره؛ فلذلك قال: (كثلث المال إلى عشره).

(وهي كنصر إلا حلقيها فعلى القياس): هذه الأفعال كلها كنصر؛ أي أن مضارعها بالضم، فتقول: ثلث المال يثلثه، وخمسه يخمسه، وسدسه يسدسه، وثمنه يثمنه، وعشره يعشره، (إلا حلقيها)، معناه: إلا ما كان حلقيًا منها، معناه: لامه حرف حلق، وهو ربع، وسبع، وتسع، فهذه الأفعال الثلاثة مضارعها بالفتح، فتقول فيها: سبعه يسبعه، وربعه يربعه، وتسعه يتسعه؛ لأن حرف الحلق جانب من جوانب الفتح في المضارع، في (فعَل) بالفتح كما سيأتي؛ فلذلك قال: (وهي كنصر إلا حلقيها فعلى القياس)، والقياس سنذكره إن شاء الله؛ لأن الحلقي قياسه الفتح.

قال: (وكخصاه وقلب النخلة)، (وكـ): الكاف هنا لتغيير الأسلوب، قلنا في الأخذ، معناه: أخذ جزء شاع من الشيء مثل: ثلثه، وربعه، لكن قد يكون الأخذ لعضو من أعضاء الشيء، مثل: خصاه، وكذلك: (قلب النخلة)، معناه: أخذ قلبها، (وقلب النخلة): هو ما يكون في مكان التفرق إلى أغصانها في داخل جذعها، فإنه يكون فيه لب أبيض لين، فيه حلاوة، وهو رأس النخلة، وقلب النخلة، وإذا أخذ ماتت، ويأكله الناس في أيام الجوع، فينحرون النخلة، ويأخذون منها هذا القلب الذي يشبه الشحم، فيأكلونه في أيام الجوع، (قلب النخلة): وهذا القلب هو الذي يسمى بالجمَّار، وفي حديث ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجمار، فقال: إن من الشجر شجرة لا يتحات ورقها، أنها مثل المؤمن، فما هي؟ فوقع في قلبي أنها النخلة، وضرب الناس في الشجر البوادي).

والثاني كقوله: (تمرته نزلًا)، والثاني: وهو الإنالة، المعنى الثاني وهو الإنالة، مثل: (تمرته نزلًا)، معناه: أنلته تمرًا، (نزلًا): والنزل ما يقدم للضيف عند نزوله، ومنه قول الشاعر، وهو طفل صغير من العرب يخاطب أمه، يريد عشاءه:

يا أم يا أم نادي راعي الإبل فقد تأخر عن أوقاته نزلي

خير العطية ما كانت معجلة وأكرم الناس من يعطي على عجل

حكيم هو.

فيقال: (تمَره) معناه: أناله تمرًا، و(لبَنه) معناه: أناله لبنًا، و(لحَمه) معناه: أناله لحمًا، ومنه قول كعب بن زهير رضي الله عنه:

يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما عيشهما لحم من القوم معفور خراديل

ويقال: (لبَنه) معناه: أناله لبنًا، ومنه قول الشاعر:

إذا نحن لم نقر المضاف ذبيحة تمرناه تمرًا أو لبناه راغيا

(تمرناه تمرًا) معناه: أنلناه تمرًا، (أو لبناه راغيًا) معناه: أنلناه لبنًا راغيًا.

(يلحم ضرغامين) معناه: ينيلهما اللحم.

فاعمل به وأصب مع الأخير وخذ أنل به مفرداً تمرته نزلا

(جلا بالجيم)، معناه: (ظهر في لسان العرب)، أو (حلا) بالحاء بمعنى: (حلا في أفواههم)، معناه: سهل عليهم أن يقولوه، معناه: (وصوغ أولها) جلا، معناه: ظهر في لسان العرب مما يناسبه من اسم عين لمعنًى، (كالأخير)، أو (وصوغ أولها): حلا في أفواه العرب من اسم عين لمعنًى، (كالأخير): فرتب على هذا، هذا فيما يتعلق بصياغة فعلل وفعَل، أنهما تصاغان من اسم عين، فتصاغ منه فعلل؛ للدلالة على عمله، أو عمل به، أو إصابته، أو إصابة به، وتصاغ منه فعَل، للدلالة على عمله، أو عمل به، أو إصابة به، أو إصابته؛ فلذلك قال: (فاعمل به وأصب مع الأخير)، (فاعمل به) أي: الأول، وهو فعلل، والمقصود: (جئ به دالًا على عمل ما صيغ منه)، وذلك مثل: (قنطر) بمعنى: (عمل قمطرًا)، والقِمَطر: وعاء الكتب، ومنه قول الراجز:

ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر

ليست هي العلم، إنما العلم المحفوظ.

(ليس بعلم ما حوى القمطر)، معناه: وعاء الكتب، (ما العلم إلا ما حواه الصدر): وهو المحفوظ، وهذا مثل قول الشافعي:

علمي حيث ما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا جوف صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق

ومثل قول ابن حزم:

فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري

وكذلك (قرمص) فهي فعلل أيضًا، مصوغة من اسم عين وهو القرموص؛ للدلالة على عمله، و(القرموص): حُفْرة يستدفئ فيها الصرد في الشتاء إذا جاء البرد الشديد، سكان البادية الذين ليس لهم مأوًى، يحفرون حفرًا يستدفئون فيها، هذه تسمى القرموص، وقرمص بمعنى: اتخذها، ومنه قول الشاعر:

جاء الشتاء ولما أتخذ ربضًا يا ويح كفي من حفر القراميص

(وأصب)، معناه: (وجئ به دالًا على إصابة ما صيغ منه)؛ أي: (جئ) بفعلل (دالًا على إصابة ما صيغ منه)؛ لأننا ذكرنا أنه يصاغ من اسم عين للدلالة على معنًى، هذا المعنى إما العمل كما ذكرنا، وإما على إصابة ما صيغ منه، فالإصابة مثل: (غلصمه)، معناه: أصاب غلصمته، و(عرقبه)، معناه: أصاب عرقوبه، (وكإصابته إصابة به): هذه الإصابة، التي قلناه: (وأصب)، معناه: جئ به دالًا على إصابة ما صيغ منه، كذلك جئ به دالًا على الإصابة بما صيغ منه، (وكإصابته إصابة به)، معناه: أن فعلل تأتي مصاغة من اسم عين رباعي الأصول؛ للدلالة على الإصابة به، لا على إصابته، وهذا معنى قوله: (وكإصابته إصابة به): كإصابته في ذلك، إصابة به، كـ(قحزنه)، معناه: (أصابه بقحزنته)، والقحزنة: العصا، (وعرجنه) معناه: (أصابه بعرجونه)، والعرجون: هو سيف النخلة الذي يشبه السيف من أعواد النخل.

(مع الأخير): (مع) هنا للدلالة على المشاركة، والمقصود: أن الأخير الذي هو فعل بالفتح يشارك فعل في هذين المعنيين، وهما: (العمل، والإصابة)، معناه: (مع مشاركة الأخير فيهما؛ أي: العمل، والإصابة)، فتأتي فعَل للدلالة على العمل، على عمل ما صيغت منه، وذلك مثل: (بئر بئرًا) معناه: حفرها، (وعصد عصيدًا)، معناه: عمل عصيدًا، والعصيد: هو ما يستعمل بعد أكل التمر من النشا، والعرب إذا أكلوا التمر يستعملون بعده ساخنًا، وهذا الساخن يسمى عصيدًا، ومنه قول الراجز:

أعجبه السخون والعصيد والتمر حبًا ما له مزيد

هذا للدلالة على عمله.

قال: (وكـرآه وكلاه): الكاف هنا لتغيير الأسلوب، خرجنا عما كنا فيه، فقد كنا في العمل، وانتقلنا إلى الإصابة، فعبر عن ذلك بالكاف، في قوله: (وكرآه): (رآه) معناه أصاب رئته، (وكلاه)، معناه: أصاب كليته، ومنه قول الشاعر:

فكلَا بعضها وبعضًا رآه وانبرى في القفار كالمصباح

هو يصف حمار وحش، أو ثور وحش، أرسل عليه الصائد الكلاب، فجعلت تطرده، فلما أدركته كر عليها بقَرْنه، (فكلا بعضها)، معناه: أصاب كليتها، (وبعضًا رآه)، معناه: أصاب رئته، وانبرى في القفار كالمصباح.

(وعضده)، (عضده)، معناه: أصاب عضده، وهذه كلها فعل بالفتح، صيغت من اسم عين؛ للدلالة على إصابته.

قال: (ومن الملاحن أن تقول لمن بلغته مساعدتك عدوه: ما عضدته)، هذا نكتة ذكرها الحسن هنا، قال: (من الملاحن)، الملاحن: هي الكلام الخفي الذي يفهمه العقلاء، ولا يفهمه من سواهم، وهي من اللحن وهو الكلام الخفي المعنى، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحنا لي لحنًا أفهمه، ولا تفتا في أعضاد الناس)، (من الملاحن أن تقول لمن بلغته مساعدتك عدوه ما عضدته) إذا ساعدت عدوًا لإنسان، فغضب حين سمع ذلك، فأردت أن ترضيه، تقول: ما عضدته، وأنت تقصد ما ضربت عضده وهو سيفهمها: أن معناها أنك ما ساعدته، هذا من اللحن، معناه: من الكلام الخفي المعنى، لحن له لحنًا، معناه: قال له قولًا يفهمه، ويخفى على غيره.

(وكإصابته إصابة به): مثل ما ذكرنا من قبل في فعلل، كذلك في فعل تصاغ من اسم عين؛ للدلالة على الإصابة به لا على إصابته، وذلك مثل: (رمحه)، معناه: أصابه برمح، و(عصاه)، معناه: أصابه بعصًا، (وكعمله عمل له) يعني: أن فعل بالفتح تصاغ من اسم عين؛ للدلالة على قيام صاحب ذلك الاسم بعمل معروف له، وليس على الدلالة على العمل به، وذلك مثل: (كلبه الكلب) معناه: أصابه وعضه، (وبعضه البعوض) معناه: أصابه أيضًا؛ فلذلك قال: (وكعمله عمل له، كـنملته نملة، وكلبه الكلب، وبعضه البعوض)، (نملته النملة) معناه: لَسَعَتْه.

نحن نقصد أن يكون العمل للشيء نفسه، مثل: (كلبه الكلب) و(بعضه البعوض)، (نملته النملة)، (سبعه السبع).

(وخذ أنل بذا مفردًا تمرته نزلًا) يقول: وخذ بذا مفردًا وأنل بذا مفردًا، يقصد: أن فعل بالفتح يأتي مفردًا عن الأول، معناه: مما يختص بفعَل من المعاني، أنها تأتي للأخذ، وتأتي للإنالة، وهذان معنيان تنفرد بهما فعَل عن فعلل، فقد سبق العمل والإصابة، وذكرنا أنهما لفعلل وفعل، وأما الأخذ والإنالة، فإنهما من معاني فعل، وليسا من معاني فعلل؛ فلهذا قال: (وخذ أنل بذا مفردًا)، معناه: (وخذ وأنل بذا الأخير) الذي هو فعل (مفردًا عن الأول)، فيهما؛ أي: الأخذ والإنالة، (فالأول)- وهو الأخذ- (كثلث المال إلى عشره)، تقول: ثلث المال، معناه: أخذ ثلثه، وربعه؛ أي: أخذ ربعه، وخمسه: أخذ خمسه، وسدسه: أخذ سدسه، وسبعه: أخذ سبعه، وثمنه: أخذ ثمنه، وتسعه: أخذ تسعه، وعشره: أخذ عشره؛ فلذلك قال: (كثلث المال إلى عشره).

(وهي كنصر إلا حلقيها فعلى القياس): هذه الأفعال كلها كنصر؛ أي أن مضارعها بالضم، فتقول: ثلث المال يثلثه، وخمسه يخمسه، وسدسه يسدسه، وثمنه يثمنه، وعشره يعشره، (إلا حلقيها)، معناه: إلا ما كان حلقيًا منها، معناه: لامه حرف حلق، وهو ربع، وسبع، وتسع، فهذه الأفعال الثلاثة مضارعها بالفتح، فتقول فيها: سبعه يسبعه، وربعه يربعه، وتسعه يتسعه؛ لأن حرف الحلق جانب من جوانب الفتح في المضارع، في (فعَل) بالفتح كما سيأتي؛ فلذلك قال: (وهي كنصر إلا حلقيها فعلى القياس)، والقياس سنذكره إن شاء الله؛ لأن الحلقي قياسه الفتح.

قال: (وكخصاه وقلب النخلة)، (وكـ): الكاف هنا لتغيير الأسلوب، قلنا في الأخذ، معناه: أخذ جزء شاع من الشيء مثل: ثلثه، وربعه، لكن قد يكون الأخذ لعضو من أعضاء الشيء، مثل: خصاه، وكذلك: (قلب النخلة)، معناه: أخذ قلبها، (وقلب النخلة): هو ما يكون في مكان التفرق إلى أغصانها في داخل جذعها، فإنه يكون فيه لب أبيض لين، فيه حلاوة، وهو رأس النخلة، وقلب النخلة، وإذا أخذ ماتت، ويأكله الناس في أيام الجوع، فينحرون النخلة، ويأخذون منها هذا القلب الذي يشبه الشحم، فيأكلونه في أيام الجوع، (قلب النخلة): وهذا القلب هو الذي يسمى بالجمَّار، وفي حديث ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجمار، فقال: إن من الشجر شجرة لا يتحات ورقها، أنها مثل المؤمن، فما هي؟ فوقع في قلبي أنها النخلة، وضرب الناس في الشجر البوادي).

والثاني كقوله: (تمرته نزلًا)، والثاني: وهو الإنالة، المعنى الثاني وهو الإنالة، مثل: (تمرته نزلًا)، معناه: أنلته تمرًا، (نزلًا): والنزل ما يقدم للضيف عند نزوله، ومنه قول الشاعر، وهو طفل صغير من العرب يخاطب أمه، يريد عشاءه:

يا أم يا أم نادي راعي الإبل فقد تأخر عن أوقاته نزلي

خير العطية ما كانت معجلة وأكرم الناس من يعطي على عجل

حكيم هو.

فيقال: (تمَره) معناه: أناله تمرًا، و(لبَنه) معناه: أناله لبنًا، و(لحَمه) معناه: أناله لحمًا، ومنه قول كعب بن زهير رضي الله عنه:

يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما عيشهما لحم من القوم معفور خراديل

ويقال: (لبَنه) معناه: أناله لبنًا، ومنه قول الشاعر:

إذا نحن لم نقر المضاف ذبيحة تمرناه تمرًا أو لبناه راغيا

(تمرناه تمرًا) معناه: أنلناه تمرًا، (أو لبناه راغيًا) معناه: أنلناه لبنًا راغيًا.

(يلحم ضرغامين) معناه: ينيلهما اللحم.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لامية الأفعال [16] 3834 استماع
شرح لامية الأفعال [15] 3546 استماع
شرح لامية الأفعال [9] 3377 استماع
شرح لامية الأفعال [2] 3355 استماع
شرح لامية الأفعال [11] 2941 استماع
شرح لامية الأفعال [12] 2940 استماع
شرح لامية الأفعال [13] 2922 استماع
شرح لامية الأفعال [14] 2920 استماع
شرح لامية الأفعال [5] 2913 استماع
شرح لامية الأفعال [7] 2765 استماع