خطب ومحاضرات
مقدمات في العلوم الشرعية [26]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
بعد أن تكلمنا على المذهب الحنفي والمذهب المالكي نتكلم الآن عن المذهب الشافعي.
اسمه ونشأته
وإمام هذا المذهب طبعاً هو: محمد بن إدريس المطلبي الشافعي القرشي من ذرية المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وقد ظهرت عليه مخايل النباهة في صباه، واشتهر بالذكاء المفرط, وجودة الحفظ، وقد ولد بغزة، وذهبت به أمه إلى اليمن فأتم رضاعه، ثم ذهبت به إلى مكة عند أعمامه وذويه وهناك شبَّ، ثم أذهبته إلى البوادي وجلس في قبيلة بني هذيل يتعلم اللغة حتى حفظ عشرين ألفاً من قصائدهم.
طلبه للعلم وأبرز مشايخه
ثم رجع إلى مكة ولزم أبا بكر الحميدي، وروى عن أصحاب طاوس وأصحاب مجاهد وأصحاب عطاء بن أبي رباح، ثم ذهب إلى المدينة برسالة من والي مكة إلى مالك، وكان والي مكة ابن عمه من ذرية السائب بن يزيد، فلما أتاه لم يولِ مالك الكتاب أي اعتبار، وقال: متى احتاج العلم إلى الشفاعات؟
ثم سرعان ما عرف مالك ذكاء الشافعي وجودته وقريحته فقربه وأدناه، وقاسمه ماله، حتى كان مالك يمسك النعل ويعطيه النعل، وكان الشافعي فقيراً قبل ذلك.
وفي أول عهده في المدينة لم يقتصر على حلقة مالك؛ بل كان إذا قام مالك من حلقته ذهب الشافعي إلى غيرها من الحلقات، ولـمالك كراسي توضع بين يديه للمقربين من طلابه، وخصص إحدى هذه الكراسي للشافعي، وكان الناس يستملون بثلاثة مستملين في مجلس مالك، فيقف مستملٍ عند انقطاع صوت مالك، أو عند انقطاع صوت القارئ عليه، ويرفع صوته, ويقف مستملٍ عند نهاية صوت ذلك، ومستملٍ آخر عند نهاية صوت ذاك في الحلقة، وفي ذلك الوقت كانوا يقولون: من زينة الدنيا أن يقول الرجل: أخبرنا مالك.
وجاء الشافعي إلى مالك وقد حفظ الموطأ قبل أن يأتيه، فلزمه في تلك الفترة، وتلك الكراسي كان لأهلها مكانة في المدينة، فالذين يجلسون على الكراسي بين يدي مالك لهم مكانة في المدينة، فلذلك حين غضب مالك على عبد الملك بن الماجشون حلف عبد الملك ألا يجلس سنة على الكرسي، فهجر حلقة مالك سنة، فبقي الكرسي معطلاً لمدة سنة، فجاء رجل وأراد أن يجلس عليه فقال له مالك: ألا تستحي أن تجلس على كرسي قام عنه بالأمس عبد الملك بن الماجشون، فعطل ذلك الكرسي سنة في انتظار عبد الملك حتى رجع إليه.
وعندما ذهب إلى العراق تتلمذ على محمد بن الحسن الشيباني، فأخذ عنه فقه أبي حنيفة، وتتلمذ عليه هو عدد من أئمة أهل العراق من أمثال أبي ثور وأبي عبد الرحمن الشافعي الذي اشتهر أيضاً باسم الشافعي، وعنه نقلا مذهبه القديم، فمذهب الشافعي القديم إنما نقله أبو ثور وأبو عبد الرحمن الشافعي في العراق، ثم ارتحل إلى مصر واستقر بها ونزل على عبد الله بن عبد الحكم صاحب مالك، وعاش في داره ومات فيها.
أبرز طلاب الإمام الشافعي وأهم كتبه
وقد عاش الشافعي رحمه الله أربعاً وخمسين سنة، فهو ولد سنة مائة وخمسين ومات سنة مائتين وأربع، وفي مصر نشر علمه، واشتهر من أصحابه إبراهيم المزني أبو إسحاق والبويطي والربيع بن سليمان المرادي، فهؤلاء أشهر أصحابه، وقد رووا عنه كتبه, ومن أهمها كتاب الأم، الذي جمع فيه علمه وعلم أشياخه، ويذكر معه أدلته بإسناده، ويذكر أيضاً مناوراته مع غيره في المسائل التي خولف فيها، فيذكر المناورة بكاملها، ومن أدبه ألا يذكر اسم مناظره، فيقول: وقد ناظر مثل هذه المسألة بعض أهل العلم، فقال كذا, فقلت كذا.. إلى آخر كلامه، وكذلك كتبه الأخرى التي منها بعض الكتب المتخصصة في أبواب مخصوصة من الفقه، في كتاب الطلاق، وكتاب الأيمان والنذور، وغيرها من كتب الشافعي المتخصصة في أبواب، وكذلك كتبه الحديثية، مثل: مختلف الحديث، وقد سبق ذكره في الكتب المتعلقة بمختلف الحديث، وكذلك اختلافات أشياخه، في كتاب: اختلاف مالك ومحمد بن الحسن، واختلاف مالك وابن أبي ذئب، واختلاف مالك والأوزاعي، فهذه يجمعها الشافعي، وتارة ينتصر لهذا وتارة ينتصر لهذا، ويروى أنه حصل بينه وبين محمد بن الحسن شيخه مناورة بشأن خلاف محمد بن الحسن مع مالك في بعض المسائل، فكان محمد يقول: قال صاحبي أبو حنيفة فيها كذا، وقد سمعت مالكاً فيها يقول غير ذلك، والحق مع أبي حنيفة، فقال له الشافعي حين سأله في مسألة قال: أيهما أعلم بكتاب الله أصحابي أو صاحبك؟ قال: بل صاحبك. قال: أيهما أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي أم صاحبك؟ قال: بل صاحبك. قال: لم يبقَ إلا الرأي.
وإمام هذا المذهب طبعاً هو: محمد بن إدريس المطلبي الشافعي القرشي من ذرية المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وقد ظهرت عليه مخايل النباهة في صباه، واشتهر بالذكاء المفرط, وجودة الحفظ، وقد ولد بغزة، وذهبت به أمه إلى اليمن فأتم رضاعه، ثم ذهبت به إلى مكة عند أعمامه وذويه وهناك شبَّ، ثم أذهبته إلى البوادي وجلس في قبيلة بني هذيل يتعلم اللغة حتى حفظ عشرين ألفاً من قصائدهم.
ثم رجع إلى مكة ولزم أبا بكر الحميدي، وروى عن أصحاب طاوس وأصحاب مجاهد وأصحاب عطاء بن أبي رباح، ثم ذهب إلى المدينة برسالة من والي مكة إلى مالك، وكان والي مكة ابن عمه من ذرية السائب بن يزيد، فلما أتاه لم يولِ مالك الكتاب أي اعتبار، وقال: متى احتاج العلم إلى الشفاعات؟
ثم سرعان ما عرف مالك ذكاء الشافعي وجودته وقريحته فقربه وأدناه، وقاسمه ماله، حتى كان مالك يمسك النعل ويعطيه النعل، وكان الشافعي فقيراً قبل ذلك.
وفي أول عهده في المدينة لم يقتصر على حلقة مالك؛ بل كان إذا قام مالك من حلقته ذهب الشافعي إلى غيرها من الحلقات، ولـمالك كراسي توضع بين يديه للمقربين من طلابه، وخصص إحدى هذه الكراسي للشافعي، وكان الناس يستملون بثلاثة مستملين في مجلس مالك، فيقف مستملٍ عند انقطاع صوت مالك، أو عند انقطاع صوت القارئ عليه، ويرفع صوته, ويقف مستملٍ عند نهاية صوت ذلك، ومستملٍ آخر عند نهاية صوت ذاك في الحلقة، وفي ذلك الوقت كانوا يقولون: من زينة الدنيا أن يقول الرجل: أخبرنا مالك.
وجاء الشافعي إلى مالك وقد حفظ الموطأ قبل أن يأتيه، فلزمه في تلك الفترة، وتلك الكراسي كان لأهلها مكانة في المدينة، فالذين يجلسون على الكراسي بين يدي مالك لهم مكانة في المدينة، فلذلك حين غضب مالك على عبد الملك بن الماجشون حلف عبد الملك ألا يجلس سنة على الكرسي، فهجر حلقة مالك سنة، فبقي الكرسي معطلاً لمدة سنة، فجاء رجل وأراد أن يجلس عليه فقال له مالك: ألا تستحي أن تجلس على كرسي قام عنه بالأمس عبد الملك بن الماجشون، فعطل ذلك الكرسي سنة في انتظار عبد الملك حتى رجع إليه.
وعندما ذهب إلى العراق تتلمذ على محمد بن الحسن الشيباني، فأخذ عنه فقه أبي حنيفة، وتتلمذ عليه هو عدد من أئمة أهل العراق من أمثال أبي ثور وأبي عبد الرحمن الشافعي الذي اشتهر أيضاً باسم الشافعي، وعنه نقلا مذهبه القديم، فمذهب الشافعي القديم إنما نقله أبو ثور وأبو عبد الرحمن الشافعي في العراق، ثم ارتحل إلى مصر واستقر بها ونزل على عبد الله بن عبد الحكم صاحب مالك، وعاش في داره ومات فيها.
وقد عاش الشافعي رحمه الله أربعاً وخمسين سنة، فهو ولد سنة مائة وخمسين ومات سنة مائتين وأربع، وفي مصر نشر علمه، واشتهر من أصحابه إبراهيم المزني أبو إسحاق والبويطي والربيع بن سليمان المرادي، فهؤلاء أشهر أصحابه، وقد رووا عنه كتبه, ومن أهمها كتاب الأم، الذي جمع فيه علمه وعلم أشياخه، ويذكر معه أدلته بإسناده، ويذكر أيضاً مناوراته مع غيره في المسائل التي خولف فيها، فيذكر المناورة بكاملها، ومن أدبه ألا يذكر اسم مناظره، فيقول: وقد ناظر مثل هذه المسألة بعض أهل العلم، فقال كذا, فقلت كذا.. إلى آخر كلامه، وكذلك كتبه الأخرى التي منها بعض الكتب المتخصصة في أبواب مخصوصة من الفقه، في كتاب الطلاق، وكتاب الأيمان والنذور، وغيرها من كتب الشافعي المتخصصة في أبواب، وكذلك كتبه الحديثية، مثل: مختلف الحديث، وقد سبق ذكره في الكتب المتعلقة بمختلف الحديث، وكذلك اختلافات أشياخه، في كتاب: اختلاف مالك ومحمد بن الحسن، واختلاف مالك وابن أبي ذئب، واختلاف مالك والأوزاعي، فهذه يجمعها الشافعي، وتارة ينتصر لهذا وتارة ينتصر لهذا، ويروى أنه حصل بينه وبين محمد بن الحسن شيخه مناورة بشأن خلاف محمد بن الحسن مع مالك في بعض المسائل، فكان محمد يقول: قال صاحبي أبو حنيفة فيها كذا، وقد سمعت مالكاً فيها يقول غير ذلك، والحق مع أبي حنيفة، فقال له الشافعي حين سأله في مسألة قال: أيهما أعلم بكتاب الله أصحابي أو صاحبك؟ قال: بل صاحبك. قال: أيهما أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي أم صاحبك؟ قال: بل صاحبك. قال: لم يبقَ إلا الرأي.
الإمام المزني ومختصره
وعندما مات الشافعي ورث مكانته بعده في مصر المزني، وألف مختصراً لكتب الشافعي كلها سماه: المختصر؛ مختصر المزني, وهو أول مختصر في المذهب الشافعي، وقد طبع مع الأم، وعليه وضع الماوردي كتابه الكبير: الحاوي في شرح مختصر المزني، ثم من لدن المزني بدأ التاريخ في المذهب، فقد كان من أوائل الذين ألفوا في المذهب أيضاً أبو جعفر الطحاوي وقد سبق ذكره في المذهب الحنفي، وخاله هو المزني, وكان في البداية شافعياً، فحصل خلاف بينه وبين خاله عندما ألف هو كتاباً في مذهب الشافعي, وخالف فيه بعض نقول المزني, فأقسم المزني أن ابن أخته لا يصلح للعلم، فذهب هو إلى العراق وأخذ مذهب أبي حنيفة حتى ألف كتابه: مختصر الطحاوي في المذهب الحنفي, فلما أكمله قال: رحم الله خالي لو كان حياً لكفر عن يمينه.
أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي وأبرز مؤلفاتهم
ثم ظهر في المذهب بعض الأئمة أصحاب الوجوه من أمثال الأصم وأبي سعيد الإصطخري وابن كج، وهؤلاء تفرقوا في الأمصار، فانتشر من ذلك الوقت المذهب الشافعي في مصر واليمن، وانتقل إلى المشرق حيث استقر في بعض بلدانها، وما زال إلى الآن مستقراً في إندونيسيا وبعض ما جاورها من المناطق.
ويعتبر كتاب الأم من أهم كتب المذهب عموماً، وكذلك مختصر المزني ثم شرحه الحاوي الكبير للإمام الماوردي، ثم بعد هذا فإن من مشاهير المجددين في المذهب الإمام البغوي الذي ألف التهذيب، وهو كتاب كبير حافل لفقه الشافعي وأدلته، ثم الشاشي الذي ألف حلية العلماء، فهو كتاب كذلك حافل، لكنه يذكر فيه المذاهب الأخرى نادراً، ويستدل للمذهب الشافعي، ثم جاء الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، فكان عمدة المذهب في زمانه؛ لأنه حوى مدرسة الجويني وكان أبرز أهلها، فـالجويني تلميذ للقاضي حسين، والقاضي حسين تلميذ لعدد من أصحاب الوجوه كـالأصم وغيره، والأصم تلميذ للربيع بن سليمان المرادي، والربيع تلميذ الشافعي، فلهذا كان إسناد الغزالي متصلاً بـالشافعي، وأبو المعالي كذلك قد أخذ عن والده أبي محمد الجويني, وهو من رءوس المذهب الشافعي، فألف الغزالي ثلاثة كتب في المذهب الشافعي أكبرها: البسيط، ولم يطبع منه إلى الآن إلا جزءان فقط فيهما الطهارة والصلاة، والوسيط، وقد طبع كاملاً، والوجيز وقد طبع طبعتين قديماً، لكن وضع الله القبول على الوجيز لاختصاره، ولأنه يشير بالرموز بالحروف في المذاهب الأخرى، وقد وضع الله عليه القبول فأقبل الناس عليه، فوضع عليه الرافعي كتابه: فتح العزيز في شرح الوجيز، وهذا الكتاب يسمى شرح الرافعي الكبير؛ لأن الرافعي له شرحان على الوجيز: فتح العزيز وهو الكبير, والثاني شرح المختصر، ووضع عليه الحافظ ابن حجر التلخيص الحبير لتخريج أحاديث الرافعي الكبير، أي: تخريج أحاديث فتح العزيز، ووضع عليه الفيومي كتابه: المصباح المنير في غريب لغة الرافعي الكبير، وهو معجم من معاجم اللغة المهمة, وبالأخص أنه يعتني بالتصريف، تصريف الأفعال وأوزانها، ولذلك معجم الفقهاء الذي يعتمد عليه في الفقه اسمه: المصباح المنير في غريب لغة الرافعي الكبير. وهذه الكتب كلها مطبوعة, ففتح العزيز طبع قديماً إلى الحج فقط مع طبعات المجموع القديمة ولم يكمل, حتى طبع في السنة الماضية كاملاً، وبالنسبة للتلخيص الحبير طبع عدة طبعات إحداها مخرجة في الهوامش هي أحسنها، وطبعة أخرى مع المجموع، وطبعات مستقلة، والمصباح المنير كذلك طبع عدداً من الطبعات أحسنها طبعة بولاق القديمة، ثم طبعات لاحقة، ومن آخرها طبعة دار لبنان التي يطبع فيها المسيحيون المعاجم، وهذه يحذفون منها بعض المواد عمداً، فمادة (نكح) يسقطونها من كل المعاجم التي يطبعونها، فأسقطوها عمداً من المصباح المنير، ومن مختار الصحاح، ومن المعتمد، ومن عدد من المعاجم التي طبعوها، وما أدري السر في ذلك، فهم يريدون أن يسقطوا هذه المادة بالخصوص بين نكث ونكد مادة نكح، فيحذفون هذه المادة كاملة.
الإمام النووي وأبرز مؤلفاته
ثم جاء الإمام النووي فكان شيخ المذهب بلا منازع، وهو المجدد لدى الشافعية, فهو مثل ابن قدامة عند الحنابلة.
وقد ألف عدداً كبير من الكتب في المذهب من أهمها: كتاب روضة الطالبين، وهذا الكتاب يحوي أكثر فروع المذهب الشافعي؛ لأنه رجع إلى كثير من الكتب المعلومة الآن، مثل: كتاب الخادم، ومثل كتب بعض الأئمة الذين سبقوه وعلمت كتبهم وما رويت، وإن كان لم يكثر فيه من الاستدلال, فليس فيه كثير من الأحاديث, فهو نظير كتاب الفروع لدى الحنابلة، فكتاب الفروع لـابن مفلح كبير وخال من الدليل، فليس فيه أدلة، لكنه حاوٍ لكثير من الفروع، كذلك الروضة ليست خالية من الأدلة بالكلية لكنها قليلة الأدلة، وقد طبع طبعتين: طبعة المكتب الإسلامي، وطبعة الجديدة, وهذه المحققة.
ثم كتابه منهاج الطالبين, وهو مختصر وضع الله عليه القبول، وهو في المذهب الشافعي مثل رسالة ابن أبي زيد عند المالكية، وحتى إنه يشبه الرسالة في الترتيب، وفي التبويب، فـابن أبي زيد عادة يفتتح كل باب بآية أو حديث يكون عليه مدار الباب، ثم يذكر بعده الأحكام، وكذلك النووي في المنهاج، قال: كتاب البيع: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] وهكذا، فكل باب يفتتحه بآية أو حديث يتعلق به، وهذا الكتاب وضع الله عليه القبول فكثرت شروحه والحواشي عليه، وأصبح مرجع المذهب، فالدارس في مذهب الشافعي أو المدرس له أو الباحث فيه أول كتاب يقع عليه نظره في هذا المنهج هو المنهاج.
ومن أهم شروح المنهاج: مغني المحتاج للشربيني، ونهاية المحتاج للرملي، وكان الرملي يلقب بالشافعي الصغير؛ لجودة قريحته وذكائه.
وتحفة المحتاج لـابن حجر الهيتمي، وعليها كثير من الحواشي، مثل: حواشي الشرواني، وحاشية القليوبي، وحاشية عميرة، وهذه كلها مطبوعة. ووضع عليها بعض الحواشي على بعض الأبواب فقط، مثل: (صوب الركام)، وهو حاشية على كتاب القضاء فقط، ومؤلفه عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وهو من سادة اليمن من حضرموت, ومن كبار العلماء فيها، وكان يحفظ المنهاج وشروحه، والذي يقرأ كتابه هذا يعرف تمكنه في العلم، ولذلك يمدحه أحد الشعراء في قصيدة يقول فيها:
يقف الكون عند عد صفاته حائراً لاجتماعها في ذاته
ثم من كتب النووي: بعض الكتب التي تخدم كتب من سبق مثل: كتابه في غريب اللغة: التنبيه، والتنبيه أيضاً مختصره في المذهب الشافعي لسلطان العلماء العز بن عبد السلام، والتنبيه مطبوع، وشرح غريب التنبيه للنووي مطبوع أيضاً، ثم كتابه المشهور: تهذيب الأسماء واللغات، وهو يعتبر من المعاجم النافعة في المجال الفقهي؛ لأنه يذكر مصطلحات المذهب الشافعي, ويشرح الغريب في لغة الفقهاء، ويذكر التراجم للذين يذكرون في المذهب الشافعي، وعموماً هو كتاب دقيق جداً، يشبهه كتاب القاضي عياض الذي سبق ذكره وهو مشارق الأنوار، وللنووي كتب كثيرة أخرى، جمع فيها كثيراً من أقوال أئمة الشافعية, ومع هذا فلم يعش إلا ثلاثاً وأربعين سنة، وقد مكث للدراسة في دار الحديث بدمشق إحدى عشرة سنة ما نام فيها مضطجعاً، بل كان إذا أراد النوم استند إلى أسطوانة فيها واحتبى، فينام جالساً لئلا يتمكن منه النوم، وقد كان من الزهاد العباد، وظهر ذلك في تآليفه، فوضع الله عليها قبولاً وبركة عجيبة، فما من بيت من بيوت المسلمين فيه كتاب بعد كتاب الله إلا وفيها كتاب للنووي إما رياض الصالحين، وإما الأذكار، وإما شرح صحيح مسلم وإما أي كتاب من كتبه الأخرى، وكان مجاب الدعاء، وكان صاحب ورع يتورع حتى عن بعض الحلال؛ لأنه يترتب عليه بعض الانغماس في الشهوات، فمكث مدة مكثه بدمشق لم يأكل الخيار؛ لأنه يؤدي إلى فتح الشهية.
مختصرات زكريا الأنصاري في المذهب الشافعي
كذلك من الكتب المهمة في احتواء فروع المذهب: اختصارات زكريا الأنصاري الحافظ؛ تلميذ الحافظ ابن حجر، فله مختصران في المذهب الشافعي وضع الله عليهما القبول، فتلقاهما الناس بالقبول، ووضع عليهما كثير من الشروح، له كتاب منهج الطلاب، وله كتاب آخر اسمه إتحاف الطلاب، والمنهج شرحه الإمام سليمان الجمل، وهو صاحب الحاشية على الجلالين، وشرحه عليه مشهور، وعليه حاشية للباجوري أيضاً مشهورة، وهذه كتب مطبوعة كلها.
مختصرات المذهب الشافعي
كذلك من الكتب المختصرة في المذهب: كتاب مختصر أبي شامة، وهو من المختصرات القديمة التي هي للأطفال، وكذلك التقريب أيضاً في المذهب الشافعي, وهو مختصر صغير أيضاً للأطفال، فهذه أهم الكتب المطبوعة التي هي المرجع إليها في تفاصيل المذهب.
وعندما مات الشافعي ورث مكانته بعده في مصر المزني، وألف مختصراً لكتب الشافعي كلها سماه: المختصر؛ مختصر المزني, وهو أول مختصر في المذهب الشافعي، وقد طبع مع الأم، وعليه وضع الماوردي كتابه الكبير: الحاوي في شرح مختصر المزني، ثم من لدن المزني بدأ التاريخ في المذهب، فقد كان من أوائل الذين ألفوا في المذهب أيضاً أبو جعفر الطحاوي وقد سبق ذكره في المذهب الحنفي، وخاله هو المزني, وكان في البداية شافعياً، فحصل خلاف بينه وبين خاله عندما ألف هو كتاباً في مذهب الشافعي, وخالف فيه بعض نقول المزني, فأقسم المزني أن ابن أخته لا يصلح للعلم، فذهب هو إلى العراق وأخذ مذهب أبي حنيفة حتى ألف كتابه: مختصر الطحاوي في المذهب الحنفي, فلما أكمله قال: رحم الله خالي لو كان حياً لكفر عن يمينه.
ثم ظهر في المذهب بعض الأئمة أصحاب الوجوه من أمثال الأصم وأبي سعيد الإصطخري وابن كج، وهؤلاء تفرقوا في الأمصار، فانتشر من ذلك الوقت المذهب الشافعي في مصر واليمن، وانتقل إلى المشرق حيث استقر في بعض بلدانها، وما زال إلى الآن مستقراً في إندونيسيا وبعض ما جاورها من المناطق.
ويعتبر كتاب الأم من أهم كتب المذهب عموماً، وكذلك مختصر المزني ثم شرحه الحاوي الكبير للإمام الماوردي، ثم بعد هذا فإن من مشاهير المجددين في المذهب الإمام البغوي الذي ألف التهذيب، وهو كتاب كبير حافل لفقه الشافعي وأدلته، ثم الشاشي الذي ألف حلية العلماء، فهو كتاب كذلك حافل، لكنه يذكر فيه المذاهب الأخرى نادراً، ويستدل للمذهب الشافعي، ثم جاء الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، فكان عمدة المذهب في زمانه؛ لأنه حوى مدرسة الجويني وكان أبرز أهلها، فـالجويني تلميذ للقاضي حسين، والقاضي حسين تلميذ لعدد من أصحاب الوجوه كـالأصم وغيره، والأصم تلميذ للربيع بن سليمان المرادي، والربيع تلميذ الشافعي، فلهذا كان إسناد الغزالي متصلاً بـالشافعي، وأبو المعالي كذلك قد أخذ عن والده أبي محمد الجويني, وهو من رءوس المذهب الشافعي، فألف الغزالي ثلاثة كتب في المذهب الشافعي أكبرها: البسيط، ولم يطبع منه إلى الآن إلا جزءان فقط فيهما الطهارة والصلاة، والوسيط، وقد طبع كاملاً، والوجيز وقد طبع طبعتين قديماً، لكن وضع الله القبول على الوجيز لاختصاره، ولأنه يشير بالرموز بالحروف في المذاهب الأخرى، وقد وضع الله عليه القبول فأقبل الناس عليه، فوضع عليه الرافعي كتابه: فتح العزيز في شرح الوجيز، وهذا الكتاب يسمى شرح الرافعي الكبير؛ لأن الرافعي له شرحان على الوجيز: فتح العزيز وهو الكبير, والثاني شرح المختصر، ووضع عليه الحافظ ابن حجر التلخيص الحبير لتخريج أحاديث الرافعي الكبير، أي: تخريج أحاديث فتح العزيز، ووضع عليه الفيومي كتابه: المصباح المنير في غريب لغة الرافعي الكبير، وهو معجم من معاجم اللغة المهمة, وبالأخص أنه يعتني بالتصريف، تصريف الأفعال وأوزانها، ولذلك معجم الفقهاء الذي يعتمد عليه في الفقه اسمه: المصباح المنير في غريب لغة الرافعي الكبير. وهذه الكتب كلها مطبوعة, ففتح العزيز طبع قديماً إلى الحج فقط مع طبعات المجموع القديمة ولم يكمل, حتى طبع في السنة الماضية كاملاً، وبالنسبة للتلخيص الحبير طبع عدة طبعات إحداها مخرجة في الهوامش هي أحسنها، وطبعة أخرى مع المجموع، وطبعات مستقلة، والمصباح المنير كذلك طبع عدداً من الطبعات أحسنها طبعة بولاق القديمة، ثم طبعات لاحقة، ومن آخرها طبعة دار لبنان التي يطبع فيها المسيحيون المعاجم، وهذه يحذفون منها بعض المواد عمداً، فمادة (نكح) يسقطونها من كل المعاجم التي يطبعونها، فأسقطوها عمداً من المصباح المنير، ومن مختار الصحاح، ومن المعتمد، ومن عدد من المعاجم التي طبعوها، وما أدري السر في ذلك، فهم يريدون أن يسقطوا هذه المادة بالخصوص بين نكث ونكد مادة نكح، فيحذفون هذه المادة كاملة.
ثم جاء الإمام النووي فكان شيخ المذهب بلا منازع، وهو المجدد لدى الشافعية, فهو مثل ابن قدامة عند الحنابلة.
وقد ألف عدداً كبير من الكتب في المذهب من أهمها: كتاب روضة الطالبين، وهذا الكتاب يحوي أكثر فروع المذهب الشافعي؛ لأنه رجع إلى كثير من الكتب المعلومة الآن، مثل: كتاب الخادم، ومثل كتب بعض الأئمة الذين سبقوه وعلمت كتبهم وما رويت، وإن كان لم يكثر فيه من الاستدلال, فليس فيه كثير من الأحاديث, فهو نظير كتاب الفروع لدى الحنابلة، فكتاب الفروع لـابن مفلح كبير وخال من الدليل، فليس فيه أدلة، لكنه حاوٍ لكثير من الفروع، كذلك الروضة ليست خالية من الأدلة بالكلية لكنها قليلة الأدلة، وقد طبع طبعتين: طبعة المكتب الإسلامي، وطبعة الجديدة, وهذه المحققة.
ثم كتابه منهاج الطالبين, وهو مختصر وضع الله عليه القبول، وهو في المذهب الشافعي مثل رسالة ابن أبي زيد عند المالكية، وحتى إنه يشبه الرسالة في الترتيب، وفي التبويب، فـابن أبي زيد عادة يفتتح كل باب بآية أو حديث يكون عليه مدار الباب، ثم يذكر بعده الأحكام، وكذلك النووي في المنهاج، قال: كتاب البيع: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] وهكذا، فكل باب يفتتحه بآية أو حديث يتعلق به، وهذا الكتاب وضع الله عليه القبول فكثرت شروحه والحواشي عليه، وأصبح مرجع المذهب، فالدارس في مذهب الشافعي أو المدرس له أو الباحث فيه أول كتاب يقع عليه نظره في هذا المنهج هو المنهاج.
ومن أهم شروح المنهاج: مغني المحتاج للشربيني، ونهاية المحتاج للرملي، وكان الرملي يلقب بالشافعي الصغير؛ لجودة قريحته وذكائه.
وتحفة المحتاج لـابن حجر الهيتمي، وعليها كثير من الحواشي، مثل: حواشي الشرواني، وحاشية القليوبي، وحاشية عميرة، وهذه كلها مطبوعة. ووضع عليها بعض الحواشي على بعض الأبواب فقط، مثل: (صوب الركام)، وهو حاشية على كتاب القضاء فقط، ومؤلفه عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وهو من سادة اليمن من حضرموت, ومن كبار العلماء فيها، وكان يحفظ المنهاج وشروحه، والذي يقرأ كتابه هذا يعرف تمكنه في العلم، ولذلك يمدحه أحد الشعراء في قصيدة يقول فيها:
يقف الكون عند عد صفاته حائراً لاجتماعها في ذاته
ثم من كتب النووي: بعض الكتب التي تخدم كتب من سبق مثل: كتابه في غريب اللغة: التنبيه، والتنبيه أيضاً مختصره في المذهب الشافعي لسلطان العلماء العز بن عبد السلام، والتنبيه مطبوع، وشرح غريب التنبيه للنووي مطبوع أيضاً، ثم كتابه المشهور: تهذيب الأسماء واللغات، وهو يعتبر من المعاجم النافعة في المجال الفقهي؛ لأنه يذكر مصطلحات المذهب الشافعي, ويشرح الغريب في لغة الفقهاء، ويذكر التراجم للذين يذكرون في المذهب الشافعي، وعموماً هو كتاب دقيق جداً، يشبهه كتاب القاضي عياض الذي سبق ذكره وهو مشارق الأنوار، وللنووي كتب كثيرة أخرى، جمع فيها كثيراً من أقوال أئمة الشافعية, ومع هذا فلم يعش إلا ثلاثاً وأربعين سنة، وقد مكث للدراسة في دار الحديث بدمشق إحدى عشرة سنة ما نام فيها مضطجعاً، بل كان إذا أراد النوم استند إلى أسطوانة فيها واحتبى، فينام جالساً لئلا يتمكن منه النوم، وقد كان من الزهاد العباد، وظهر ذلك في تآليفه، فوضع الله عليها قبولاً وبركة عجيبة، فما من بيت من بيوت المسلمين فيه كتاب بعد كتاب الله إلا وفيها كتاب للنووي إما رياض الصالحين، وإما الأذكار، وإما شرح صحيح مسلم وإما أي كتاب من كتبه الأخرى، وكان مجاب الدعاء، وكان صاحب ورع يتورع حتى عن بعض الحلال؛ لأنه يترتب عليه بعض الانغماس في الشهوات، فمكث مدة مكثه بدمشق لم يأكل الخيار؛ لأنه يؤدي إلى فتح الشهية.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمات في العلوم الشرعية [18] | 3790 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [39] | 3564 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [42] | 3515 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [30] | 3440 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [16] | 3393 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [4] | 3375 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [22] | 3326 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [13] | 3264 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [6] | 3257 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [35] | 3147 استماع |