خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4846"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شهادة أن محمداً رسول الله
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الشيخ حفظه الله:
والرسل حق والنبي العربي خاتمهم أعلاهم في الرتب
التكذيب بمحمد تكذيب بجميع الرسل
بعد أن ذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام ووجوب الإيمان بهم على سبيل الإجمال، ذكر التعويل على شهادة أن محمداً رسول الله، وهي الشهادة الثانية من الشهادتين، وهما ركنا الاعتقاد:
فالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وكل ما سبق من التفصيلات داخل في هذه الشهادة.
والركن الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله.
وإنما بدأنا قبل الكلام في هذه الشهادة بالكلام على الرسل لدخول تصديق الرسل في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كذب رسولاً واحداً فقد كذب كل الرسل، ومن صدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صدق بكل الرسل؛ لأنه خاتمهم، ومصدق لما بين يديه كما وصفه الله بذلك.
ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر تكذيب قوم لنبيهم ينسب إليهم تكذيب جميع الرسل، كما في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:105]، كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:176] ، كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:160] .. وهكذا، فكلما ذكر نبياً كذبه قومه، يذكر أنهم كذبوا جميع المرسلين، وذلك أن مقصد الرسالة في الأصل واحد، كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5] .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد)، وهذا تفسير قول الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13] .
ميزة محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء
لكن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي تميزه عن غيره من الرسل، فلذلك ذكرها هنا، فالإيمان به مشروط على من سبقه ومن لحقه، فمن أتى قبله قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به، لقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:81-82].
فإذاً: كل من سبق قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، ونصرته إذا بعث، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ورقة من التوراة في يد عمر : (مه يا ابن الخطاب ! فلو أن موسى بن عمران حي ما وسعه إلا اتباعي)، وفي حديث آخر أخرجه أحمد في المسند، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن موسى وعيسى شهدا مبعثي لما كان لهما إلا أن يتبعاني)؛ ولذلك فإن عيسى عليه السلام إذا نزل حكماً عدلاً في آخر الزمان، سيكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والعاملين بالملة والشريعة.
قيام الحجة على من سمع بمحمد صلى الله عليه وسلم
ثم إن من لحقه لا يقبل منه الإيمان قطعاً حتى ولو آمن بجميع الرسل ما لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي)، فكثير من الذين يسمعون الحديث من الذين يهتمون بالمجال الفكري يقولون: تقوم الحجة بمجرد أن يسمع الإنسان باسم محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته وبالدين الذي جاء به، حتى لو سمع به مشوهاً، مثل أكثر المعاصرين من أهل الكتاب والكفرة، فإنهم لم يسمعوا به إلا مثل ما سمعوا بـبوذا مثلاً.
وذهب آخرون إلى أن المقصود بالسماع السماع غير المشوه، فهو الذي تقوم به الحجة، ومعناه أن يعلموا أنه رسول، وأنه رسول آخر الزمان الذي تنسخ ملته كل ما سبق.
وهذا يؤخذ من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه؛ ففي حديث جبير بن مطعم الذي ختم به مالك الموطأ: (لي خمسة أسماء، فأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، وأنا العاقب)، فهذا يقتضي أن من لم يسمع به على وصفه، ولم تبلغه دعوته كما هي لا تقوم عليه الحجة بمجرد السماع، ولكن دلالة هذا دلالة بعيدة، في مقابل التصريح بالسماع في الحديث السابق.
وعموماً يترتب على هذه المسألة كثير من الفروع:
منها: لعن من مات من الكفرة ولم تبلغه الدعوة كما هي.
ومنها: استباحة دمائهم وأموالهم في حياتهم إذا سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تبلغهم الدعوة كما هي، كالكفرة في زماننا هذا، فكثير منهم لم تبلغهم الدعوة كما هي، فهل تستباح دماؤهم وأموالهم بمجرد هذا البلاغ والسماع الذي حصل أو لا؟
وأما تكفيرهم فلا شك ولا اختلاف فيه بين الناس، فهم كفار قطعاً، حتى لو سمعوا بهذه الشريعة سماعاً مشوهاً كما ذكرنا، ومن تساهل فلم يصفهم به على اعتبار أنهم بمثابة من لم تبلغه الدعوة، فقد تساهل تساهلاً زائداً؛ لأن الذي يستدلون به ويأخذون به هو بعض المفهومات من الآيات، وكلها من مفهومات المخالفة، مثل قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا[البينة:6] ، فـ(من) هنا يزعم بعض الناس أنها تبعيضية، وأنه ليس كل أهل الكتاب ولا المشركين كفرة.
ولكن هذا الوجه أبعد ما يكون عن الصواب، فـ(من) بيانية للذين كفروا، وبيانهم أنهم ينقسمون إلى قسمين: إما أن يكونوا أهل كتاب وإما أن يكونوا مشركين.
بعد أن ذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام ووجوب الإيمان بهم على سبيل الإجمال، ذكر التعويل على شهادة أن محمداً رسول الله، وهي الشهادة الثانية من الشهادتين، وهما ركنا الاعتقاد:
فالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وكل ما سبق من التفصيلات داخل في هذه الشهادة.
والركن الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله.
وإنما بدأنا قبل الكلام في هذه الشهادة بالكلام على الرسل لدخول تصديق الرسل في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كذب رسولاً واحداً فقد كذب كل الرسل، ومن صدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صدق بكل الرسل؛ لأنه خاتمهم، ومصدق لما بين يديه كما وصفه الله بذلك.
ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر تكذيب قوم لنبيهم ينسب إليهم تكذيب جميع الرسل، كما في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:105]، كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:176] ، كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:160] .. وهكذا، فكلما ذكر نبياً كذبه قومه، يذكر أنهم كذبوا جميع المرسلين، وذلك أن مقصد الرسالة في الأصل واحد، كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5] .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد)، وهذا تفسير قول الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13] .
لكن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي تميزه عن غيره من الرسل، فلذلك ذكرها هنا، فالإيمان به مشروط على من سبقه ومن لحقه، فمن أتى قبله قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به، لقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:81-82].
فإذاً: كل من سبق قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، ونصرته إذا بعث، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ورقة من التوراة في يد عمر : (مه يا ابن الخطاب ! فلو أن موسى بن عمران حي ما وسعه إلا اتباعي)، وفي حديث آخر أخرجه أحمد في المسند، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن موسى وعيسى شهدا مبعثي لما كان لهما إلا أن يتبعاني)؛ ولذلك فإن عيسى عليه السلام إذا نزل حكماً عدلاً في آخر الزمان، سيكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والعاملين بالملة والشريعة.
ثم إن من لحقه لا يقبل منه الإيمان قطعاً حتى ولو آمن بجميع الرسل ما لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي)، فكثير من الذين يسمعون الحديث من الذين يهتمون بالمجال الفكري يقولون: تقوم الحجة بمجرد أن يسمع الإنسان باسم محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته وبالدين الذي جاء به، حتى لو سمع به مشوهاً، مثل أكثر المعاصرين من أهل الكتاب والكفرة، فإنهم لم يسمعوا به إلا مثل ما سمعوا بـبوذا مثلاً.
وذهب آخرون إلى أن المقصود بالسماع السماع غير المشوه، فهو الذي تقوم به الحجة، ومعناه أن يعلموا أنه رسول، وأنه رسول آخر الزمان الذي تنسخ ملته كل ما سبق.
وهذا يؤخذ من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه؛ ففي حديث جبير بن مطعم الذي ختم به مالك الموطأ: (لي خمسة أسماء، فأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، وأنا العاقب)، فهذا يقتضي أن من لم يسمع به على وصفه، ولم تبلغه دعوته كما هي لا تقوم عليه الحجة بمجرد السماع، ولكن دلالة هذا دلالة بعيدة، في مقابل التصريح بالسماع في الحديث السابق.
وعموماً يترتب على هذه المسألة كثير من الفروع:
منها: لعن من مات من الكفرة ولم تبلغه الدعوة كما هي.
ومنها: استباحة دمائهم وأموالهم في حياتهم إذا سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تبلغهم الدعوة كما هي، كالكفرة في زماننا هذا، فكثير منهم لم تبلغهم الدعوة كما هي، فهل تستباح دماؤهم وأموالهم بمجرد هذا البلاغ والسماع الذي حصل أو لا؟
وأما تكفيرهم فلا شك ولا اختلاف فيه بين الناس، فهم كفار قطعاً، حتى لو سمعوا بهذه الشريعة سماعاً مشوهاً كما ذكرنا، ومن تساهل فلم يصفهم به على اعتبار أنهم بمثابة من لم تبلغه الدعوة، فقد تساهل تساهلاً زائداً؛ لأن الذي يستدلون به ويأخذون به هو بعض المفهومات من الآيات، وكلها من مفهومات المخالفة، مثل قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا[البينة:6] ، فـ(من) هنا يزعم بعض الناس أنها تبعيضية، وأنه ليس كل أهل الكتاب ولا المشركين كفرة.
ولكن هذا الوجه أبعد ما يكون عن الصواب، فـ(من) بيانية للذين كفروا، وبيانهم أنهم ينقسمون إلى قسمين: إما أن يكونوا أهل كتاب وإما أن يكونوا مشركين.
والنبي صلى الله عليه وسلم ختم الله به رسالات الرسل، وجعله من هذا الجيل المعروف بالعرب، فلذلك وصفه بالعربي.
أقسام العرب
والعرب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
إلى عرب بائدة، أي: قد انتهت ولم يبق لها بقية، وهؤلاء منهم طسم وجديس ووبار وجرهم.
فجرهم هم الذين تعرب فيهم إسماعيل عليه السلام، ولكنهم بادوا ولم تبق لهم بقية حين جاروا في الحرم فأهلكهم الله؛ ولذلك يقول أحدهم وهو عمرو بن مضاض الجرهمي :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر
ومن ذلك طسم وجديس فقد اقتتلا حتى تفانيا، وكذلك وبار، فقد هلكت ولم تبق لها بقية.
القسم الثاني: العرب العاربة: وهم ذرية قحطان، وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي في السنن إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان عشر قبائل، وهي: حمير والأزد ومذجح وأنمار والأشعريين، وكندة، وهذه القبائل الست من أهل اليمن، ثم القبائل الأربع الباقية هي: لخم وجذام وعاملة وغسان، فهذه أربع قبائل تشاءمت، أي: خرجت إلى شمال الجزيرة العربية.
فهذه القبائل العشر من ذرية قحطان قطعاً، وقحطان اختلف فيه هل هو هود عليه السلام أو ابنه؟
فجمهور النسابين يعدونه ابن هود، ولذلك قال أبو الطيب المتنبي :
إلى الثمر الحلو الذي طيء له فروع وقحطان بن هود له أصل
إلى سيد لو بشر الله أمة بغير نبيٍ بشرتنا به الرسل
ويدخل في عداد القحطانيين على الراجح قبائل قضاعة كلها، وإن كانوا سكنوا في العدنانيين واستوطنوا بلادهم؛ ولذلك انتحل لهم النسابون نسباً بـعدنان لا يصح، وهو أن قضاعة من ذرية معد؛ لكن الراجح أن قضاعة هو ابن مالك بن حمير، فهم من حمير على كثرة أعدادهم، فمنهم بنو كلب بن غمرة الذين منهم زيد بن حارثة و دحية الكلبي ، وهي قبائل ذات عدد، منهم: بنو عذرة، الذين اشتهروا بالعشق قديماً في الجاهلية، وكذلك بنو طيء.
أما القسم الثالث: فهو العرب المستعربة، وهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهؤلاء هم الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى كونهم (مستعربة) أنهم لم يكونوا ناطقين بالعربية ثم تعلموها بسكناهم في العرب.
اختيار الله لقريش
فالعرب من ذرية إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام، بعث في البداية في أرض الفينيقيين بالعراق، ثم هاجر إلى الشام ولم يكن يتكلم بالعربية، وأتى بولده إسماعيل بأمر الله سبحانه وتعالى إلى مكة، وأول من جاوره بمكة العمالقة، ثم لما طغوا في الحرم أخرجهم منه مضاض الجرهمي، وساكن إسماعيل الجرهميين وصاهر فيهم، وهم أجداد أولاده، ثم أهلكهم الله وتغلب بعدهم على الحرم ذرية إسماعيل من معد بن عدنان ، ثم بعدهم تغلبت خزاعة، حتى أخرجهم قصي بن كلاب ، ومن ذلك التاريخ تغلبت قريش على مكة، وهؤلاء عداد نسبهم كله مرجعه إلى معد بن عدنان على الراجح، وقيل: كان مع معد أخ له اسم عك، وهو جد قبائل تنسب إلى عدنان ، من ذرية عك بن عدنان، وليسوا من معد بن عدنان .
وأشهر أولاد معد نزار بن معد وكان له أربعة أولاد: هم مضر وربيعة وإياد وأنمار ومن هؤلاء انتشرت قبائل عدنان.
ومن هذه القبائل قبائل مضر، ومنها: قريش، وهي أعظم قبائل مضر بالاختيار الرباني، لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله اختار من ذرية إبراهيم كنانة، وفي رواية: (من ذرية إسماعيل الكنانة، واختار من ذرية كنانة قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، وجعلني من بني هاشم في المحل الأسمى، فأنا خيار من خيار من خيار، ولا فخر).
وهذا الاختيار الرباني يترتب عليه عدة أحكام:
منها: أنه لا يسترق سبيهم في الجاهلية ولا في الإسلام، ومنها: أنه لا يقتل أسيرهم صبراً بعد غزوة بدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقتل قرشي بعد اليوم صبراً).
ومنها: اختصاصهم بالإمامة العظمى، وليس ذلك تبعاً لعصبية العرب عليهم؛ بل عصبية فارس وعصبية الروم أعظم من عصبية العرب، وأولئك أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلموا فهو مرسل للبشر كلهم، فالعبرة بالاختيار والاصطفاء الرباني فقط، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فذلك الاختيار الرباني هو الذي شرفهم الله فيه للإمامة وشرفهم لما هو أعظم منها، وأن بعث منهم محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال ابن الرومي :
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان
تسمو الرجال بآباءٍ وآونة تسمو الرجال بأبناء وتزدان
وكم أبٍ قد علا بابن ذرا شرف كما علا برسول الله عدنان
نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان
وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إلى عدنان ، ولم يثبت عنه ما فوق ذلك، فقد ثبت عنه أنه قال: (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان).
وتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح عند هذا الحد، ومع ذلك جاء في عدد من الأحاديث الأخرى وعدد من الآثار التي صحت عن عدد من الصحابة كـابن عباس و حكيم بن حزام ، وغيرهم من الصحابة النسابين: أن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن قيدار بن نبت -أو نابت- بن حمل بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر بن ناحور بن عابر بن فالغ بن أرفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لامك بن مهلائيل بن اليارد بن أخنوخ بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم .
وقد اختلف النسابون في ضبط بعض هذه الأسماء كاليارد، فقد جاء فيه: يرد فقط، وكذلك الهميسع والهميساع، كذلك قينان وقينن، كذلك لامك ولمك، وهذه اختلافات في ضبط الأسماء لأنها من لغات مختلفة، فينطق بها أهل كل لغة على ما يوافق نطقهم اللغوي.
وهذا نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه، وأما نسبه في العرب قد عرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم، أكثرهن من العرب، ولم تبق قبيلة من العرب إلا وله فيها خئولة ما عدا بني تغلب وحدها.
وقد اشتهرت خئولته في الأنصار وفي بني سليم لأنه صرح بذلك، ففي الأنصار سلمى بنت عمرو أم عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في سليم، فهو ابن العواتك من سليم، وعواتكه هن: أم هاشم، وأم عبد مناف بن زهرة، وأم عبد مناف بن قصي، فهن ثلاث، وهن عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال ، وعاتكة بنت مرة بن هلال، وعاتكة بنت هلال، الصغرى وعمتها وعمة عمتها أيضاً على هذا الترتيب، وهذا الذي قال فيه البدوي رحمه الله في الأنساب:
عواتك النبي أم وهب و أم هاشم وأم الندب
عبد مناف وذه الأخيره عمة عمة الاولى الصغيره
وهن بالترتيب ذا لذي الرجال الأوقص بن مرة بن هلال
وقد صح في صحيح البخاري أن وفد كندة حين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (يا رسول الله! أنت ابن آكل المرار ونحن بنوه، فقال: إنا بنو النضر بن كنانة لا ننتسب إلى غيره).
هو وإن كان من ناحية الخئولة له خئولة في كندة، لكنه لم يرد أن يتفاخر مع الناس بالأنساب الدنيوية، فمفاخر كندة إنما هي بالملك والغنى ونحو ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم اختار الله له ما هو خير من ذلك.
الحكمة من عروبة النبي صلى الله عليه وسلم
واختلف في اشتقاق لفظ العرب، فقيل: من أعرب الكلام إذا أبانه، لفصاحتهم.
وقيل: من تعرب إذا سكن البادية؛ لأنهم الأمة التي لم تكن لها حضارة مستقرة قديماً.
وقيل: من أعرب الشيء بمعنى حسنه، لحسن صورهم ووجوههم، فهم من أحسن الأمم خلقة.
وقد شرفهم الله بنسبة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، لكنه لم يرسل إليهم خاصة، بل أرسل إلى الناس كافة.
ومن الحكم في اختيار أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل من العرب أن لغة العرب من أطيب اللغات وأكثرها بياناً ووضوحاً؛ فلذلك اختير أن تكون لغة هذه الرسالة التي يراد عمومها وشمولها، فلو كان القرآن باللغة الإنجليزية أو باللغة الفرنسية، أو بأي لغة أخرى غير العربية فإنه سيتعداه تطورات في اللغة؛ ولذلك لو عرض شعر الشعراء الإنجليز قبل مائة سنة على الناس اليوم لوجدوا أكثر الكلمات التي فيه لم تعد مستعملة، وكثير من الكلمات التي استعملت فيه قد تغيرت دلالتها، وجاءت في معنى آخر، ولو أخذت شعر امرئ القيس الذي كان قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة سنة وعرضته على صبيان العرب لفهموا مفرداته، كقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ...
وهذا الركود يقتضي استمرار دلالات الألفاظ ووضوحها على مدى الزمان، ولا يوجد في لغة من لغات العالم مثل هذا الركود إلا اللغات المتخلفة جداً مثل لغة الصين، التي ليس لها إعراب ولا تركيب، وإنما الكلام فيها كله مفردات، فجميع كلامهم مفردات فقط؛ ولذلك حروفها أكثر من ثلاثة آلاف حرف، بينما حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً فقط.