أرشيف المقالات

(3) استغيثوا تُغاثوا - إشراقة أمل

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
استغيثوا تُغاثوا
يقول الله عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11]، هل توقفتَ عند هذه الآية، واكتشفتَ أنَّ هذه الرحمة قد مرَّتْ بكَ ذاتَ يومٍ ولم تُدرك معناها حينذاك؟
 
هل شعرت بشيءٍ مِن النُّعاس غلبَكَ رغمًا عنكَ وأنت تمرُّ بمشاعر الخوف أو القَلَق أو الضيق النفسي؛ فكانت النتيجة أنْ تَبَدَّلَ خوفُكَ أمْنًا؟

سبحان مَن جعَل رحمته تزور الخائفين والمهمومين في شكل نُعاسٍ خفيف لطيف يغلبهم؛ فيُخفِّف عنهم وطأة ما يشعُرون به!

 
سبحان من تأتي رَحماتُه لتغمرنا في وقت تضطرب فيه المشاعر الإنسانية، وتحتاج القلوب إلى رحمة عاجلة تمنحها الأمْنَ والثبات، فيجعل الله عز وجل النوم الذي من طبيعته أنَّه يُجافي أعيُن الخائفين، ولا يرتمي سوى في أحضان الآمنين، يجعله يزور الخائفين فيُذهبَ عنهم رجزَ القَلَق ووساوسَ الخوف!
 
فها هم المؤمنون تساورُهم مشاعرُ الخوف والقَلَق قبيل غزوة بدر، فكل مقوِّمات الانتصار وعوامل القوة بمنظور البشر مع عدوِّهم؛ ولكن الدعاء الصادق يُغيِّر قوانين الكون وتوقُّعات البَشَر.
 
لقد بدَّل الله خوفَهم أمْنًا بشيءٍ من النُّعاس غَلَبَهم رغمًا عنهم وهم يستعدُّون للمَلْحَمة الكبرى ويتهيَّؤون لقتال العدُوِّ في مواجهة لم تكن متوقَّعة، ولم يُخطَّط لها، وتبدأ المعجزة بنُعاسٍ خفيفٍ يُهدِّئ القلوب، ثم بانتصار عظيم يُثْلِجُ الصدور.
 
رحمات الله قد تأتينا في هيئة لا نُدرِك معناها، فنمرُّ عليها مرور العابرين الغافلين، ولا نُؤدِّي حقَّ شكرها، لكن الله عز وجل يظلُّ يغمُرنا برحماته رغم غفلتنا؛ فالحمد لله على فيُوضات رحمته، والحمد لله على حكمته.

رحمات الله ستأتينا حتمًا إن تعلَّمْنا كيف نستجلبُها كما استجلَبها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في غزوة بدر.
 
أليست بداية الآية: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9] ؟! استغيثوا بصدق وقوة يُستجِب لكم!
 
في جوف الليل حياة:
حين ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت، وتخلَّى عنه الجميع، ولم يجد معه سوى ألَمه ووجعه، وقلبِه المثقل بالهموم، تذكَّرَ أنَّ له يدًا لم تُرفَع بتضرُّع لخالقها منذُ زمنٍ بعيدٍ، وأنَّ له قلبًا لم يُناجِ ربَّه بعدما تصلَّبَ وغطَّاه الجليد، تذكَّر أنَّ له ربًّا أقرب إليه من حبل الوريد، تذكَّرَ أنَّه سمِعَ صوتًا حنونًا يهمس في أذنه مِن قبل قائلًا له: مهما ضاقَتْ عليكَ الأرضُ بما رحبت لا تيئَس؛ ففي جوف الليل تتَّسِع الحياة، وفي جوف الليل تُلبَّى الأمنيات، عليك فقط أن تُهرول إلى ربِّكَ وتُحسِن المناجاة، تذكَّر كل ذلك حين انتابه الحزن وخيَّم على قلبه اليأس، فتُرى ماذا سيفعل بعدما تذكَّر؟!
 
وأنت ماذا عنك؟
هل ضاقت عليك الأرضُ بما رَحُبت؟
لا تحزن ؛ ففي جوف الليل تتَّسِع الحياة، قُمْ وادْعُ ربَّكَ، وانتظر إشراق شمس الهناء؛ فكل دعوة تدعوها في جوف الليل تغسل عنك غبار العناء.
 
ما أقصرَها من مسافة!
المسافة بينك وبين تحقيق أمنياتك تتمثَّل في يدٍ ترفعها بصدق لتدعو ربَّكَ وكُلُّكَ يقينٌ في استجابته، وقَدَمٍ تخطو بها أول خطوة نحو هدفك الضائع وكُلُّكَ يقينٌ في الوصول إليه واستعادته.
 
لا تجلس مكانك وتنتظر تحقيق أحلامك؛ فالانتظار رأسُ مال العاجزين والفاشلين، تمسَّك بالأمل والدعاء وتحرَّك لتصِل.
__________________________________________________________
الكاتب: أ.
رضا الجنيدي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢