أرشيف المقالات

من أقوال السلف في المال

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
من أقوال السلف في المال

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالمال محمودٌ من وجه، ومذموم من وجه، فمن استخدامه في طاعة الله عز وجل، فذلك مال محمود؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)).


ومن شغَله ماله عن طاعة الله عز وجل، فهو مغبون خاسر، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون:9]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَاأَمْوَالُكُمْوَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن:15]، قال الإمام الغزالي رحمه الله: فمن اختار ماله وولده على ما عند الله، فقد خسر خسرانًا عظيمًا.

والمال الحقيقي للإنسان هو ما أنفقه في دنياه، والباقي وما أكثر الباقي عند البعض، سوف يذهب ويتركه لغيره؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مال، مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدَّقت فأمضيت)، وقد قيل: خير مالك ما وقاك، وشره ما وقيته.
 
للسلف أقوال في المال، يسَّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

• أُتي عمر رضي الله عنه بمال، فُوضع في المسجد، فخرج إليه، فهملت عيناه، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك، فوالله إن هذا لمن مواطن الشكر، فقال عمر: إن هذا والله ما أعطيه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء.
 
• قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا بن آدم، اعلم أنك لا تكسب من المال شيئًا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنًا لغيرك.

• قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وإني ما أراهما إلا مُهلكيكم.
 
• قال وهب بن منبه رضي الله عنه: أيُّما مالٍ جُمع من غير حلٍّ جُعلت عاقبته الفقرَ.
 
• عن أم درة _ وكانت تخدم عائشة رضي الله عنها _ قالت: إن معاوية بعث إليها بمال، ثمانين ومائة ألف درهم، فدعت بطبق فجعلت تقسِّمه بين الناس، فلما أمست قالت: يا جارية، هَلُمَّ فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: لو كنت ذكَّرتني لفعلت.

• قال خالد بن معدان رحمه الله: شرُّ أموالكم: ما لا تراه ولا يراك، وحسابه عليك، ونفعه لغيرك.
 
• قال عبدالملك بن مروان رحمه الله: خير المال ما أفاد حمدًا ودفع ذمًّا.


• قال الحسن البصري رحمه الله: والله أدركت أقوامًا لو شاء أحدهم أن يأخذ هذا المال من حله أخذه، فيقال لهم: ألا تأتون نصيبكم من هذا المال فتأخذونه حلالًا؟ فيقولون: لا، إنا لنخشى أن يكون أخذه فسادًا لقلوبنا.
ما أعزَّ أحد الدرهم إلا أذله الله عز وجل.
 
إذا أردتم أن تعلموا من أين أصاب المال، انظروا فيم يُنفقه، فإن الخبيث يُنفق سرفًا.

بئس الرفيقان: الدرهم والدينار، لا ينفعانك حتى يفارقانك، فما داما مكنوزين فما يضران ولا ينفعان، وإنما نفعهما بإنفاقهما في الطاعات.


قيل له: ما السخاء؟ قال: أن تجود بمالك في الله عز وجل.

• قال سفيان الثوري رحمه الله:
سمي المال لأنه يُميل القلوب.
 
سمى المال لأنه يميل بأهله.
 
قيل له: ما السخاء؟ قال: السخاء البر بالإخوان، والجود بالمال.


ورث أبي خمسين ألف درهم، فبعث بها صرارًا إلى إخوانه، وقال: قد كنت أسأل الله تعالى لإخواني الجنة في صلاتي، أفأبْخَل عليهم بالمال؟

• عن سعدى بنت عوف قالت: دخل عليَّ طلحة ذات يوم وهو خائر النفس، فقلت: ما شأنك؟ فقال: المال الذي عندي قد كثُر وقد كربني، فقلت: وما عليك، اقسمه، قالت: فقسمه حتى ما بقي منه درهم.
 
• قال بعضهم: إنما سُمِّي الذهبُ ذهبًا؛ لأنه يذهبُ، وسميِّت الفضة فضةً لأنها تنفضُّ، يعني تنفضُّ بسرعة، فلا بقاء لهما، فمن كنزهما، فقد أراد بقاء ما لا بقاء له، فإن نفعهما ما هو إلا بإنفاقهما في وجوه الخير وسبل الخير.

• قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل إذا أمكنه الله تعالى من حطام هذه الدنيا الفانية، وعلم زوالها عنه، وانقلابها إلى غيره، وأنه لا ينفعه في الآخرة إلا ما قدَّم من الأعمال الصالحة أن يبلغ مجهوده في أداء الحقوق في ماله، والقيام بالواجب في أسبابه، مبتغيًا بذلك الثواب في العقبى والذكر الجميل في الدنيا؛ إذ السخاء محبة ومحمدة، ومن جاد ساد.

• قال الإمام الغزالي رحمه الله:
اعلم أن المال مثل حية، فيها سم وترياق، ففوائده ترياقه، وغوائله سمومه، فمن عرف غوائله وفوائده، أمكنه أن يحترز من شره، ويستدر من خيره.

المال ...
يصير التنعم مألوفًا عنده ومحبوبًا، لا صبر عنه، ويجرُّ البعض منه إلى البعض، فإذا اشتد أُنسه به، ربما لا يقدِر على التوصل إليه بالكسب الحلال، فيقتحم الشبهات، ويخوض في المراء والمداهنة والكذب والنفاق، وسائر الأخلاق الرديئة، لينتظم له أمر دنياه، ويتيسَّر له تنعُّمه.

ترياق المال أخذ القوت منه، وصرف الباقي إلى الخيرات، وما عدا ذلك سموم وآفات.

ينظر إلى من دونه في الدنيا لا إلى من فوقه، فإن الشيطان أبدًا يصرف نظره في الدنيا إلى من فوقه، فيقول: لِمَ تفتر عن الطلب، وأرباب الأموال يتنعمون في المطاعم والملابس؟ ويصرف نظره في الدين إلى من دونه.

اعلم أن المال إن كان مفقودًا، فينبغي أن يكون حال العبد القناعة، وقلة الحرص، وإن كان موجودًا فينبغي أن يكون حالة الإيثار والسخاء، واصطناع المعروف، والتباعد عن الشح والبخل، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، قال أنس رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، وأتاه رجل فسأله، فأمر له بغنم كثير بين جبلين من غنم الصدقة، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلِموا، فإن محمد يعطي عطاءَ من لا يخاف الفاقة.

تفكَّر في مقاصد المال؟ فلا تحفظ من المال إلا بقدر حاجتك، والباقي تدَّخره لنفسك في الآخرة يحصل له ثواب بذله.


من الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره، إذا اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته، وتفضل آلاف، وهو شيخ بلا ولد، ومعه أموال كثيرة، ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة، ولا بمداوة نفسه عند المرض، بل صار محبًّا للدنانير، عاشقًا لها، يلتذ بوجودها في يده، وبقدرته عليها، فيكنزها تحت الأرض وهو يعلم أنه تموت، فتضيع أو يأخذها أعداؤه.

• قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
الدراهم أربعة:
درهم اكتُسِب بطاعة الله وأُخرج في حق الله، فذاك خير الدراهم.
 
ودرهم اكتُسِب بمعصية الله، وأُخرج في معصية الله، فذاك شر الدراهم.
 
ودرهم اكتُسِب بأذى المسلم وأُخرج في أذى مسلم، فهو كذلك.
 
ودرهم اكتُسب بمباح وأُنفق في شهوة مباحة، فذاك لا له ولا عليه.
 
إذا أصاب المال الذي في يده نائبة، رأى أن المالك الحق هو الذي أصاب مال نفسه، فما للعبد وما للجزع والهلع؟ فله الحكم في ماله: إن شاء أبقاه وإن شاء ذهب به وأفناه، فلا يتهم مولاه في تصرُّفه في ملكه، ويرى تدبيره هو موجب الحكمة، فليس لقلبه بالمال تعلق، ولا له به اكتراث، لصعوده عنه وارتفاع همته إلى المالك الحق، فهو غني به وبحبه ومعرفته وقربه منه عن كل ما سواه، وهو فقير إليه دون ما سواه، فهذا البريء عن رؤية الملكة الموجبة للطغيان، كما قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنرَّآهُ اسْتَغْنَ ﴾ [العلق:6-7]، ولم يقل: ( إن استغنى )، بل جعل الطغيان ناشئًا عن رؤيته غنى نفسه ...
والمقصود أن الاستغناء عن الله سببُ هلاك العبد وتيسيره لكل عسرى، ورؤيته غنى نفسه سببُ طغيانه، وكلاهما منافٍ للفقر والعبودية.
 
وجود المال في يد الفقير لا يقدح في فقره، إنما يقدح في فقره رؤيته لملكته، فمن عوفي من رؤية الملكة لم يتلوث باطنه بأوساخ المال، وتعبه وتدبيره واختياره، وكان كالخازن لسيده الذي ينفذ أوامره في ماله، فهذا لو كان بيده من المال مثل جبال الدنيا لم يضره.
 
من بخل بماله أن يُنفقه في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته سلبه الله إياه، وقيَّض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أخرى، بل فيما يعود عليه بمضرته عاجلًا وآجلًا، وإن حبسه وادَّخره منع التمتع به، ونقله إلى غيره، فيكون له مَهْنؤه وعلى مخلفه وِزْرُه.
 
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: لو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد كان يُمكنُ صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلا والنعيم المقيم، فضيَّعه بالحرص في طلب رزق مضمون مقسوم، لا يأتي منه إلا ما قُدِّر وقُسِّم، ثم لا ينتفع به، بل يتركه لغيره، ويرتحل عنه فيبقى حسابه عليه ونفعه لغيره.

• قال العلامة السعدي رحمه الله: من البركة: التَّهني بالمال، وبذله فيما يقرب إلى الله، وأن يكون زادًا لصاحبه إلى الجنة، ومن محق البركة أن يشغله عن طاعة الله، ولا يتهنَّى فيه، وأن يبذله فيما حرم الله، وأن يكون خزيًا له في الدنيا والآخرة.

• قال العلامة عبدالرحمن يحيى المعلمي رحمه الله: لو فتشت لوجدت أفرادًا من الناس لأحدهم وارد من المال يكفيه وأهله براحة، ثم يقع في اكتساب الحرام، فتجد الحلال مع الحرام لا يكفيه كما كان يكفيه الحلال، ولو دقَّقت لوجدت أنها تعرض له عوارض لا يشعر بها، مثل كثرة انكسار الآنية، وتخرُّق الثياب قبل وقتها، وغير ذلك من الأسباب التي تضطره إلى الإنفاق، وهو يرى أنه لم ينفق إلا فيما لا بد منه.
 
• قال العلامة العثيمين رحمه الله:
إذا بارك الله في المال نما وزاد، وإذا نزعت البركة منه نقص وزال.

الصدقة لا تُنقص المال، وإن نقصته عددًا، فإنها تزيدُهُ بركةً، وحماية وكثير من الناس الذين ينفقون ابتغاءَ وجه الله، يجدون ذاك ظاهرًا في أموالهم بالبركة فيها، ودفع الآفات عنها، حتى إن الرجل يقول: كيف لم أنفق هذا الشهر إلا كذا، يتقالُّ ما أنفق؛ لأن الله أنزل فيه البركة، وبركة الله تعالى لا نهاية لها.

البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في المال، فكم من إنسان عنده مال قليل بالنسبة إلى من عنده أموال كثيرة جدًّا، ومع ذلك تجد أمواله القليلة قد ينتفع الناس بها، وتجد صاحب الملاين أو المليارات لم ينتفع الناس بماله كما انتفعوا بمال هذا الرجل!

من بركات المال أن تؤدي به ما أوجب الله عليك من النفقات في سبيل الله، وفي صلة الرحم، وفي بر الوالدين، وتؤدي ما أوجب الله عليك من زكاته، وتتطوَّع بما شاء تعالى من الصدقات وغيرها، ومن البركة في الأموال أن يكون عند الإنسان محاصيل يكتسب بها أو يكتسبها، سواء بالبيع والشراء أو بالزراعة، أو بغير ذلك.

المال من أخذه بطيب نفس من الباذل، ولم تتعلق به نفسه، ولم يستشرف له، فإن الله عز وجل يُبارك له فيه.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣