كتاب الأدب [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد: فبأسانيدكم إلى الإمام أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد الشعيري قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة يعني: ابن عمار قال: حدثني إسحاق يعني: ابن عبد الله بن أبي طلحة قال: قال أنس: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجت، حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس ! اذهب حيث أمرتك قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله! قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين، أو تسع سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا سليمان يعني: ابن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: ( خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه ما قال لي فيها أف قط، وما قال لي: لم فعلت هذا، أو ألا فعلت هذا ) ].

والصغير خاصة ينبغي ألا يوجه إليه السؤال الذي يعقبه إجابة تستلزم عقاباً؛ لأنه سيكذب؛ لأن هذا تلقين للكذب، والأدب في ذلك والسنة ألا تسأله، بل بادر بالإقرار، أنك فعلت كذا وكذا ولا ينبغي أن يكون منك هذا، فإذا وجهت إليه السؤال سيختار الإجابة التي لا يكون فيها عقوبة، وحينئذٍ يتمرس على الكذب، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لا يسأل شيئاً من ذلك، ولهذا كثير من الناس يوطنون أبناءهم على الكذب بهذا السؤال، هل فعلت كذا وهو ثابت عنده أنه فعل، فلا تسألوا هذا السؤال، وإنما بادر بالإقراء وأنه لا ينبغي أن يكون منك هذا، ولا يتكرر ونحو ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا محمد بن هلال أنه سمع أباه يحدث قال: قال أبو هريرة: وهو يحدثنا: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوماً فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته، قال أبو هريرة: وكان رداءً خشناً، فالتفت، فقال له الأعرابي: احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، وأستغفر الله، لا، وأستغفر الله، لا، وأستغفر الله، لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدكها، فذكر الحديث، قال: ثم دعا رجلاً فقال له: احمل له: على بعيريه هذين: على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا على بركة الله تعالى )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه، قال: حدثنا عبد الله بن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن سعيد يعني: ابن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء ). قال أبو داود: اسم أبي مرحوم: عبد الرحمن بن ميمون ].

أقل الناس كلاماً أكظمهم غيظاً، وأما الذي يخرج فضول الكلام فلا يكظم الغيظ؛ لأنه من يخرج ما دونه فسيخرج ما هو أشد منه، ولهذا من تمام الحكمة قلة الكلام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي عن بشر يعني: ابن منصور عن محمد بن عجلان عن سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه قال: ( ملأه الله أمناً وإيماناً ) لم يذكر قصة دعاه الله، زاد: ( ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر: أحسبه قال (تواضعاً)- كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله تعالى توجه الله تاج الملك ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال قال: لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: ( استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب؟ فقال: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى ومحك، وجعل يزداد غضباً ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال: ( استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: هل ترى بي من جنون؟ )

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي ذر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ).

حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن داود عن بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر، بهذا الحديث، قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين.

حدثنا بكر بن خلف والحسن بن علي المعنى، قالا: حدثنا إبراهيم بن خالد قال: حدثنا أبو وائل قال أبو داود: يعني: القاص من أهل صنعاء؟ قال: هو عبد الله بن محير قال: ( دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ ثم رجع وقد توضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الحميد يعني: الحماني قال: حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ ).

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا سلم العلوي عن أنس: ( أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه ). قال أبو داود: سلم ليس هو علوياً، كان يبصر في النجوم، وشهد عند عدي بن أرطاة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته.

حدثنا نصر بن علي قال: أخبرني أبو أحمد قال: حدثنا سفيان عن الحجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وحدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعاه جميعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان عن ابن المنكدر عن عروة عن عائشة قالت: ( استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بئس ابن العشيرة -أو بئس رجل العشيرة- ثم قال: ائذنوا له، فلما دخل ألان له القول، فقالت عائشة: يا رسول الله! ألنت له القول وقد قلت له ما قلت، قال: إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من ودعه، أو تركه الناس لاتقاء فحشه ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة: ( أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسط إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، فلما خرج قلت: يا رسول الله! لما استأذن قلت: بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسطت إليه، فقال: يا عائشة ! إن الله لا يحب الفاحش المتفحش )].

وهذا من المداراة، وهي أن الإنسان إذا علم أن إنساناً سليطاً للسان فله أن يتقيه بالبشاشة واللين، بحيث يدفع عنه سلاطة لسانه، وهذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو المؤيد والمعصوم والمنصور بالله سبحانه وتعالى، فكيف بحاجة غيره ممن دونه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس العنبري قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة في هذه القصة، قالت: ( فقال تعني النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم ).

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو قطن قال: أخبرنا مبارك عن ثابت عن أنس قال: ( ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده، حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان ).

حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد عن إسحاق بن سويد عن أبي قتادة قال: كنا مع عمران بن حصين وثم بشير بن كعب فحدث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء خير كله، أو قال: الحياء كله خير فقال بشير بن كعب: إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة، ووقاراً، ومنه ضعفاً، فأعاد عمران الحديث وأعاد بشير الكلام قال: فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن كتبك. قال: قلنا يا أبا نجيد! إنه إنه ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت ) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن عائشة رحمها الله، قالت: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ).

حدثنا أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر قالا: حدثنا، وحدثنا ابن كثير قال: أخبرنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ). قال أبو الوليد: قال: سمعت عطاء الكيخاراني قال أبو داود: وهو عطاء بن يعقوب، وهو خال إبراهيم بن نافع يقال: كيخاراني، وكوخاراني.

حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ).

حدثنا أبو بكر وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري ). قال: والجواظ: الغليظ الفظ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: ( جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه، فأخذ المقداد بن الأسود تراباً فحثا في وجهه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ).

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو شهاب عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ( أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: قطعت عنق صاحبك، ثلاث مرات، ثم قال: إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه، كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله ) ].

إنما كان المدح يهلك الإنسان؛ لأنه يعطيه ثقة بنفسه، فإذا جاءه نقد أو تخطئة فإنه لا يتقبل ذلك؛ لأنه اعتاد عليه، ولكن يكون المدح بمقدار.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر يعني: ابن المفضل قال: حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال أبي: ( انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان )].